• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الخميس, 18 نيسان/أبريل 2013

غريبة عبود.. مناضلة عنيدة .. مورقة ومتألقة

  موسى الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

لاشك ان قضية العديد من المناضلين والمناضلات العراقيين الذين قدموا تضحياتهم الكبيرة من اجل خلاص الوطن من ظلام العبودية والفاشية المقيتة، قد شغلت اهتمام الاوساط المعنية بها، منذ سقوط النظام البعثفاشي البائد. وبديهي ان هذا الاهتمام تموج، صعودا وهبوطا، اتساعا وضيقا، وفق تبدلات الظروف وتطوراتها القاهرة في حياة شعبنا التي يعيشها خلال هذه المرحلة التاريخية العصيبة . يمكن الجزم بان احد ابرز اهتماماتنا التي نصب كامل جهدنا عليها في اعلام اتحاد الجمعيات المندائية بالمهجر يتمثل في الارتقاء بهذه الكوكبة الخالدة من مناضلينا ومناضلاتنا، بهدف ازاحة التراب التاريخي الذي علق على ذكراهم كل تلك السنوات، كجزء من الوفاء امام استعصاء التاريخ والظروف القاسية التي حاولت دفن ذكرى تلك التضحيات العظيمة التي قدمها هؤلاء ، ولا زالت حية ومضيئة ليس لنا وحدنا كطائفة مندائية بل ولعموم ابناء وبنات الشعب العراقي. الافق في تغيير البلاد كان مفتوحا امام جميع المناضلات والمناضلين العراقيين، ففي كل يوم، كان الشيوعييون المندائيون مع رفاقهم الاخرين، يقدمون دروسا جديدة، نماذج غنية من البطولة والشجاعة الجماعية للشعب، صور مبتكرة وفذّة في اشكال واساليب الكفاح، في التكتيك السياسي، والعملياتي الميداني، ليكونوا في صدارة التضحية والعطاء. كل مناضل حقيقي له معنى ضمن حركة التاريخ ، والمناضلة العراقية جنبا الى جنب مع رفيقها المناضل ، خاضت حربا لم تنته الى الان، لتدافع عن ارضها وحقوقها، عن حرية ابناء شعبها ، لترسم باسمها وما قدمته طريقا للملح فوق نظر الارض العراقية في قلوبنا. احدى أبرز مناضلاتنا الخالدات التي لا تزال تعيش في قلب كل من أحبها،هي الراحلة غريبة عبود لفتة شبيب( ام عايد) . انها واحدة من فرادة تاريخنا العراقي المعاصر ببطولتها التي رفضت من خلالها عبودية المجتمع، وتمردت على القهر في واقع اجتماعي وسياسي اتسم بالقسوة والمعاناة والتمايز ولايزال يحط من دور المرأة، ويحول دون تحررها. اٍذ أن امرأة مثل ( ام عايد) القت على كاهلها ازدواجية حياة النضال والامومة، واجتمع في حياتها الحرمان والقيود الاجتماعية المفروضة على البطولة الخلاقة والمبدعة، وحرم عليها تجريب التفوق في ظروف عراق عقدي الخمسينات والستينات. فان مثل هذه المرأة التي ظلت طيلة حياتها مثبتة على صليب التضحية بالذات ، تليق بذكراها كلمات وفاء نستذكرها بكل محبة كدرس وشهادة لمسيرة ابنائنا وبناتنا في المستقبل، فهي زرعت بذرة الخير لانها الفطرة العراقية، انها الطبيعة، انها الارض الخصبة التي زرعت واثمرت فكان ثمارها خيرا للوطن، خيرا للعراق، خيرا لمستقبل ابنائنا وبناتنا. انها الرفيقة والام الطيبة الحنون والمناضلة الصابرة العنود، المرأة النجيبة والمربية النزيهة، وكلها صفات تجتمع في امرأة واحدة، انها نحن الان وهي الاخرون من رعيل المناضلين الكبار ، تحتل مكانة ما برحت في تعاظم بين جميع المندائيين ،من ممارساتها النضالية في ساحات النضال الجماهيري واقبية السجون، وصبرها ودأبها، وحيويتها، كونها امراة ذات قيمة وأهمية بالتحديد، عاشت بلا مواربة، ممارسة العمل الثوري بكل اساليبه، من مشاركاتها في الانتفاضات التي خاضها شعبنا،في الخمسينات والستينات، حتى النضال من اجل حقوق النساء العراقيات الذي تبلور باقامة اول تنظيم نسائي عراقي باسم رابطة المرأة العراقية، مرورا بخاصة، بنضال مرير تحت واجهات الفقر وتحمل عبء عشرة ابناء، ركبوا تيار حسها الوطني ليبحثوا جميعا عن هوية العراق في مكان تحت شمس العطاء والمساواة والحرية وداخل فسحة من الزمن الذي بدت فيه كلمات مثل الديمقراطية والحرية والاحتكام الى هوى الجماهير عاملا تتباهى به الناس ايام كانت حلوقهم تتحرق من وجع اضطهاد قوى الظلام والفاشية التي يقابلها الصبر الشيوعي الضاج بالحياة والقادر على انتزاع اي الم. عرفت " ام عائد" التوقيف والسجن والتحقيق مرارا عديدة وهي لم تكف عن السخرية في زنزانتها، ومن اين للجلاد ان يعرف مسرة الطيبيين من امثال" ام عائد" التي ظلت كما اتذكرها بجدليتيها المظفورتين وعبائتها مغادرة بيتها الى بيوت الاخرين تكتم لوعتها وهي تراجع هنا وهناك عن الزوج المناضل لتقول لاولادها ان ما سيبقى لكم من الابوة هو الاستمرار والتواصل على الطريق، لانها كانت تنظر الى المدن العراقية وهي تنهض في عيونهم هذه المرأة البطلة التي اقترن اسمها بمواقف بطولية لشعبها وحزبها كانت سنديانة حب خضراء، سفر ونفي دائم، ومساحات من الفرح والعطاء المتنوع، ظلت مورقة ومتألقة

بطاقتها الشخصية والصادرة من منطقة الكرخ تقرأ بها ..
الأسم : غريبة عبود لفت
أسم أمها: حدهن مطلك ..
المهنة : ربة بيت ..
الديانة: مندائية ..
تاريخ الولادة:11/7/1928 ..
مكان الولادة : قضاء الصويرة / لواء الكوت ..
لون العينين : عسليتين ..
الحالة الأجتماعية : متزوجة ..
أسم الزوج : عبدالله علك خلف ........

أنحدرت الراحلة من عائلة فقيرة حيث كان المستوى المعيشي دون المتوسط بكثير , كان والدها يعمل كصائغ متجول بين عشائر المدن الجنوبية وفي محيط المحافظة التي يسكن بها بعد أن عاش ردحاً طويلاً من الزمن في لواء العمارة .. وبعد أن بلغت الثامنة من عمرها دخلت المدرسة وأنهت الأبتدائية ولم تستطيع المواصلة لضيق الحالة المعيشية التي انسحبت على العديد من ابناء الطائفة المندائية وحالت دون تكميل دراستهم والانخراط في العمل بشكل مبكر ..

حين بلغت سن الثامنة عشر أنتقلت الى العاصمة بغداد وتزوجت من المناضل والشخصيةالسياسية الراحل عبدالله علك في الشهر السادس من عام 1946 بلواء العمارة ( قلعة صالح) .. وأنجبت له عشرة أبناء والثاني منهم قد توفى وهو في الشهر السادس من عمره بأحد الأمراض السارية في ذلك الزمن والباقي خمسة أولاد وأربعة بنات ...

عام 1951 تم منحها عضوية الحزب الشيوعي العراقي .. اذ كانت من الناشطات في تأسيس رابطة المرأة العراقية الذي يعتبر اول تنظيم نسوي عراقي يطالب بحقوق المرأة .. وقد كان عملها دائباً وذلك للحياة الصعبة التي عاشتها , وقدجمعت ووفقت بين عملها الحزبي والديمقراطي وحياتها العائلية والأجتماعية ..

أول مواجهة مع شرطة ومخابرات العهد الملكي المباد كان عام 1952 حين هروب المرحوم مدلول الصكر مع أحد رفاقه إثر مداهمة من قبل الشرطة وأختفائهما في بيت الراحلة في محلة أبو سيفين الشعبية في جانب الرصافة قرب سوق دودو ( مع وضع الشدة على حروف الواو ) وعند متابعتهما من قبل الشرطة وأرادت الشرطة الدخول الى داخل البيت عنوة وقفت المرحومة بوجههم ورفضت دخولهم وذلك لعدم وجود زوجها وضربت الضابط المسؤول بقبقابها الخشبي مما أحدثت بعض الجروح برأسه ..!

عام 1955 تم إلقاء القبض على لجنة بغداد للحزب الشيوعي العراقي من قبل شرطة ومخابرات العهد الملكي المباد , حيث كانت اللجنة مجتمعة في دار زوجها المناضل الراحل عبد الله علك الواقعة في منطقة ( الطاطران ) بالرصافة من بغداد .. وعلى إثر ذلك تم إعتقال المرحومة وتوقيفها وقد حكم عليها بستة أشهر من قبل محكمة صورية وأدخلت الى سجن النساء العام في بغداد .. وكان لديها ستة أبناء ومن هؤلاء الستة كانت لها توأمتان رضيعتان في الشهر التاسع من عمريهما وقد أدخلتهما معها الى السجن مع أبنها الذي يكبر التوئمتين بسنتين وقد كانت المناضلة المرحومة حامل في شهرها السابع وقد أنجبت بنت بيوم عيد العمال وسميت من قبل رفيقاتها بأسم ( ذكرى ) أي ذكرى السجون للعهد المباد الجبان وذكرى لعيد العمال .. أما بقية الأبناء فقد تم توزيعهم بين الأقرباء وبيوت الرفاق .. لحين خروجها من السجن..
ومن الأحداث التي رافقت هذه المداهمة هي التضامن الكبير من قبل أهالي المنطقة مع رفاق الحزب المقبوض عليهم وأهل الدار المقبوض عليهم أيضاً فعند المواجهة والمعركة بالأيدي التي حدثت مع الشرطة وفرار الرفيق ( نعيمون ) وهو المرحوم الرفيق مهدي عبدالكريم , فقد ساعده أهالي المنطقة من الفرار من دار الى أخرى , من على السطوح، حتى نهاية الحي، لكن شرطة ومخابرات السلطة كانت له بالمرصاد في آخر الحي وقبضت عليه .. الرفيق ( عبد علوان أبو بشرى ) كان مريضاً ولم يحضر بيوم الأجتماع وجاء في اليوم الثاني لغرض التعرف عن أحداث الأجتماع .. وكانت باب الدار مفتوحة وتخطى الباب وحينما أراد تجاوز الستارة التي توضع بعد الباب في الدور البغدادية وحين أزاحها شاهد الشرطة في وضع كمين له فأراد الهروب فأطلقت الشرطة عليه النار من بنادقهم وأصابوه في قدمه وسقط على الأرض وألقوا القبض عليه .. الرفيق المرحوم ( عامر عبدالله ) تأخر عن الأجتماع لغرض شراء السكائر من الدكان الموجود في أول الحارة ورأى حدوث حركة وجلبة في الحارة فطلب من صاحب الدكان ببسي كولا لغرض التمويه والتأخر لأجلاء الموقف وكات حدسه بمكانه وتخلص من الوقوع في براثن شرطة الرجعية ..الرفيقة رسمية وزوجها لم يستطيعا الهرب بعد التحذير من قبل المرحومة أم عايد وأمها( ام خضير) التي كانت متواجدة أثناء الحادث ولم يستطيعا عبور سياج السطح .. المرحومة ( غالية مطلك ) خالة المناضلة غريبة عبود وكانت بنفس عمر المناضلة ام عائد تقريباً , جاءت على وجه السرعة لأن بيتها كان قريب جداً من مكان الحدث وأخذت تتصارع مع الشرطة لأنتزاع أم عايد من أيدي الشرطة لتهربها , لكن هيهات فقد كانت مخالب حرس السلطة الرجعية الملكية متشبثة بالحديد والنار.. ولم يبقى بيد هذه المرأة الطيبة سوى أولاد أثنان ومسكت بهم بقوة كل بيد وهي تنظر الى السيارة التي أخذت أبنة أختها وهي تسير مسرعة للخروج من الحارة بصيدها الثمين .. بعد ذلك تم إلقاء القبض على زوج المرحومة غالية مطلك المرحوم
( شبيب عكيلي خلف ) وهو أبن عم المناضلة غريبة عبود، كذلك ألقي القبض على زوج أختها الكبيرة (حازم مشعل الخميسي ) وهم من الجناعات التي ظلت بعيدة عن ممارسة العمل السياسي، الا ان الشرطة قبضت عليهم بسبب القرابة وسكنهم القريب من مكان الحدث وتم إطلاق سراحهم بعد التحقيقات التي عرف الناس مجرياتها آنذاك ..

عام 1956 تم إلتحاقها بزوجها مع جميع أبنائها السبعة في منطقة النفي والأبعاد التي استقبلت العديد من عام 1956 تم إلتحاقها بزوجها مع جميع أبنائها السبعة في منطقة النفي والأبعاد التي استقبلت العديد من الناشطين الشيوعيين وهي مدينة ( بدرة ) التي تقع في محافظة واسط شمال شرقي مدينة الكوت بينها وبين الحدود الايرانية العراقية ، وقد عانت العائلة كثير من المتاعب بسبب هذا الأبعاد لحين إنفجار ثورة الرابع عشر من تموز ورحيلهم عنها الى بغداد , كان على المنفيين والمبعدين اضافة الى معاناتهم في هذه المدينة الصحراوية المنقطعة عن العالم، الحضور الى مركز الشرطة مرتين في اليوم لغرض التوقيع وإثبات وجودهم .. كانت المناضلة أم عايد من النساء الأوائل التي ساهمت في تكوين منظمة رابطة المرأة العراقية , كانت مساهماتها ملحوظة من لدن زميلاتها ورفيقاتها , بنشاطاتها الجماهيرية والديمقراطية .. فقد أشتركت في المظاهرات العديدة التي كانت تنادي بالمطالب اليومية للجماهير الشعبية , بالخبز .. بالحرية .. بالعمل .. بالعيش الكريم لهذه الجماهير .. في أحدى المظاهرات التي خرجت الى الشوارع البغدادية إثر العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس , قد حوصرت المظاهرة من قبل الشرطة فقد أنتشرت الجموع الجماهيرية في الأزقة والبنايات وكانت المرحومة من ضمن المجموعة التي أتخذت من أحدى المستشفيات حصناً لمواجهة الشرطة الجبانة فقد حدثت مناوشات بين الشرطة والمعتصمين المحاصرين في المستشفى فقد كان سلاح المتظاهرين الطابوق وكان سلاح الجبناء من شرطة العهد المباد الحديد والنار .. وكان من ضمن زميلاتها ورفيقاتها التي عملت معهن سلوى الحكيم , الدكتورة نزيهة الدليمي ,عميده عذبي, أنعام العبايجي , زكية خليفة , وهبية أم نادية , أم جبار .. وغيرهن الكثيرات من المناضلات العراقيات اللواتي شخصن ما تعانيه المرأة في بلادنا من ظروف قاسية بحكم مستوى الواقع الاقتصادي المتخلف، كما هي تتعرض اضافة الى عدم منحها الحق في العمل، الى عادات وتقاليد بالية تقيد حريتها وتفرض عليها قيودا تضعها في موقع متخلف في الحياة وتضع عليها اعباء مستمرة..

حين أعلان ثورة تموز 1958 وخلال ايام قليلة جداً تم رحيل العائلة الى بغداد وكان ينتظر المرحومة الكثير من النشاطات الحزبية والديمقراطية والجماهيرية وقد كان دارها الواقعة في دور السكك في منطقة ( الشالجية ) مركزاً لرابطة المرأة في المنطقة , كما كان في السابق قبل الثورة مكاناُ للأجتماعات الحزبية وواجتماعات رابطة المرأة العراقية ..
أحدى المظاهرات التي ساهمت بها بعد الثورة وكانت إحدى الممثلات من قبل المتظاهرات في مقابلة ( صالح العبدي ) الذي تهجم وتلفظ بكلمات بذيئة ضد المظاهرة والمتظاهرات مما أضطر المرحومة الى مجادلته بحدة واباء وكبرياء لمن يعهدها رجال الجيش انذاك ..!

عام 1961 وعلى أثر الهجمة على الحزب الشيوعي العراقي من قبل دكتاتورية عبدالكريم قاسم فقد تم مافأة العائلة المناضلة بفصل زوجها( ابو عايد) من العمل .. وفي صيف ذلك العام تم أعتقال ابا عايد وزجه في سجن ( خلف السدة ) وبدأت رحلة جديدة في حياة هذه العائلة لتعود معاناة هذه المناضلة الى سابق عهدها الأول في العهد الملكي المباد , عهد الفاقة والجوع والعوز والأختفاء والتشرد والمرض والخوف من المجهول والمستقبل .. كانت الأم الرؤم والحنون لأبنائها , لقد كانت متواضعة , محبوبة من قبل زميلاتها ورفيقاتها , دمثة الخلق, قوية الشخصية , وكانت كتلة من الحيوية والنشاط ,كانت شجاعة لا تهاب عدوها , كانت تحب المزحة وصاحبة نكتة جميلة ساخرة من الاوضاع التي تعيشها الام والمناضلة , لقد كانت قاصة بارعة فقد حفظت عن أبيها عبود لفته شبيب الذي كان مرجعاً في فكره وحكمته وكان متميزاً بحدة ذكائه وحفظه للشعر والقصص، الكثير من الذي كان يرويه في المضايف , وكان بأستطاعتها أن تسرد القصة الواحدة لأيام للكبار والصغار والكل يصغي بشوق كبير لسردها الجميل .. !! أنجبت أبنها التاسع بعد ثورة تموز بقليل وأبنها الأخير في عام 1961 ولقد كانت هذه الأفواه الجائعة تحتاج الى من يطعمها بعد أن زج زوجها بالسجن ,فعملت وأستخدمت المهنة التي تعلمتها في ( بدره ) منطقة الأبعاد والنفي للعراقيين الوطنيون الأحرار, وهي مهنة زرق الأبر للمرضى كمورد مع المساعدات التي كان يرسلها الحزب لتسد جوع وأحتياجات أبنائها , ولم تتهاون وتهمل واجباتها الحزبية والديمقراطية الجماهيرية مع ممارستها لعملها لمواجهة الفقر المدقع .. بعد أطلاق سراح زوجها من السجن عام 1962 والذي لم تمر فترة زمنية قصيرة ويزج به الى السجن من جديد، حيث ظل طيلة حياته زائرا لجميع سجون العراق تقريباً على مدى تاريخ حياته السياسية فقد زج في سجون العهد الملكي المباد والعهد الجمهوري والعهد العارفي الأول والعارفي الثاني وبدايات العهد الصدامي العفلقي، من سجن نقرة السلمان الرهيب الى سجن الحلة والكوت وبغداد.. الخ .. !! وعند خروجه من السجن أخذت الشرطة السرية والمخابرات في مراقبته ومضيايقته وفي أحدى المرات حاول أحد المأجورين وهو حارس المنطقة التي يسكن بها من أغتياله ..!!ولذا كلف من قبل حزبه الحزب الشيوعي العراقي بمهمة في جنوب العراق وكانت مهمته ( المسؤول العسكري للمنطقة الجنوبية ) فلبى نداء حزبه وأختفى في تلك المنطقة .. وقد زار عائلته التي سكنت في ضاحية الوشاش لمرة واحدة قبل سقوط حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم وكان هذا البيت لأختفاء المرحومة أيضاً ومعها أبنائها جميعاً وعندما نقول جميعاً وذلك لأن في المرات السابقة أثناء توقيف وسجن المناضلة ام عايد، كان يتم توزيع أطفالها بين بيوت رفاق حزبها وعلى سبيل المثال لبيت ( سلوى الحكيم ) و ( زهرة ) و ( فكتوريا ) و ( جدتهم لأمهم ) وأخوالهم لأنهم ليس لهم أعمام فقد كان والدهم وحيداً لأبيه مع ستة أخوات .. عانت الراحلة الابية الكثير من هذا الأختفاء وقد طلب منها زوجها لزيارته ومن الصدف وأثناء زيارتها حدث مصاب جلل في شباط عام 1963 وهو سقوط حكومة قاسم وصدور بيان رقم 13 الذي أباح قتل الشيوعيين أينما كانوا العراق مدعوماً هذا البيان بفتوى سابقة من قبل رجل الدين محسن الحكيم آنذاك ..!! ومن الصدف الجيدة كانوا أبنائها في زيارة لعائلة خالتهم وخالهم الذين يسكنون في بيت واحد في الوشاش أيضاً وكان يوم خميس والأنقلاب الفاشي حدث صباح يوم الجمعة وقد حدثت مداهمة لبيتهم من قبل الحرس الفاشي اللاقومي والذي كان فارغاً من جميع أهله وقد سلمت العائلة من هذه المداهمة .. وبعد هذه الأحداث عادت المرحومة بعد أن شاركت في المظاهرات والأعتصامات الكبيرة التي حدثت في محافظة البصرة فقد كانت الجماهير الشعبية مسيطرة على الشارع ومنتظرة التوجيه للزحف الى بغداد لأسقاط الأنقلابيين الفاشيين ونزلت الدبات الى الشوارع أيضاً وكانت مساندة للجماهير ومن ثم محايدة لها ومن ثم أنسحبت وتركتها وحدها مما ساد الأحباط لذا أنسحبت هذه الجماهير لتدبير أمورها ..! وقد روت المرحومة الكثير من المشاهدات التي حدثت في البصرة وحين رجوعها عرفت أن أبنائها عند بيت أخوتها فرجعت مباشرة اليهم وبعد يومين أو ثلاثة ذهبت سراً الى بيتها وجلبت بعض الحاجيات من ملابس وغيره لأبنائها وبقيت العائلة مختفية في بيت أختها وأخيها ومما عزز هذا الأختفاء هو صدور البيان الذي يخص زوجها بمصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة ....!!! مع العلم انه كان لا يملك في دنياه نقير شروى ...!!! وبعد إلقاء القبض على زوجها وسجنه غيرت سكنها الى سكن آخر وأنقطت المساعدات الشحيحة التي كانت تستلمها من الحزب قبل الأنقلاب والمساعدات من الأهل الذين زجوا في السجون مما دعاهالبيع أثاث بيتها الهزيل وبعض الحاجيات الأخرى لسد أجور السكن ونزول أبنائها القادرين الى الشارع للعمل من أجل أنقاذ العائلة وعملوا في بيع المناديل وقارضات الأضافر والسكاير وغيرها من المواد في ذلك الوقت العصيب .. لقد كانت المهمة كبيرة جداً عليها والعبء ثقيل لا يتحمله الرجال لكنها وجهة هذه الصعوبات برباط جأش كبير .. بعد إلقاء القبض على زوجها وتم أستقدامه الى بغداد وتم الحكم بمحاكم صورية التي كانت تعوزها الشرعية فحكمت عليه بالسجن المؤبد وبلغت مجموع محكومياته أكثر من سبعة وستين سنة ووضع مع رفاقه في قطار الموت لأرسالهم الى سجن نقرة السلمان وتم توديعه من قبل زوجته سراً وأبوه وأخته وبعض أبنائه في منطقة علاوي الحلة .. وقد صادف إن صاحب البيت الجديد الذي أستأجرت غرفة واحدة مع أبنائها التسعة , أبن إخته أحد المشاركين في أنتفاضة تموز التي قادها المناضل ( حسن سريع ) وأحد الذين قبض عليهم مما دعا المرحومة الى الأختفاء بسكن جديد وذلك بغرض الأبتعاد عن عيون ومخالب الحرس الفاشي العفلقي خلال هذه الأعوام الصعبة من عام 1963 الى عام 1967كان الحمل ثقيلاً والمهمة شاقة وكبيرة فبهذه الأعوام كانت لوحدها تواجه صعوبات الحياة لحين أصبح أولادها يافعين وتعاونهم معها من أجل الوصول الى بر الأمان فقد عمل أولادها كعمال صاغة في النهار ويدرسون ليلاً في المدارس خلال تلك السنين. ولم تبتعد ام عايد عن حزبها فقد عقد أجتماع كبير لرابطة المرأة في بيتها الواقعة في مدينة الوشاش ومن المؤسف له جئن بعض زميلاتها ورفيقاتها بسيارات خاصة مما أثار فضول نساء المنطقة وكانت لها جارة أسمها أم شكرية كثيرة الفضول فقد سألتها عن النساء الكثيرات التي دخلن البيت وبلباقة صاحبة الخبرة الطويلة لهكذا مواقف أجابتها وأقنعتها بأنهن قريبات وجئن لغرض أقامة حفل وعمل شاي وخبز العباس بغرض الدعاء لخروج زوجها من السجن .. عام 1968 تم أطلاق سراح زوجها من السجن ورويداً رويداً تحسنت أوضاع عائلتها لمدة وجيزة من الزمن بعد أرجاع زوجها لعمله ثم أحالته على التقاعد ومن ثم الأنقلاب الأسود من قبل العفلقيين الجدد بقيادة صدام حسين على العهود والمواثيق التي قطعوها الى الشعب العراقي ...!! وبعد الهجمة الشرسة على الشيوعيين وعلى كافة القوى الوطنية والديمقراطية عام 1978 أجبر أحد أبنائها المنتمي الى الحزب الشيوعي العراقي الى النفي الى خارج العراق وذلك لعدم الوقوع بأيدي الفاشست العفالقة كذلك خروج أثنتين من بناتها مع أزواحهن الى خارج العراق ووفاة أحد أبنائها وموته في بحيرة الحبانية أثناء فترة هروبه من الجيش ( هناك رويات تقول أنه قتل لأنه كان أحد أبناء أتحاد الطلبة الديمقراطي الذي هو أحد أجنحة الحزب الشيوعي العراقي ..!) كذلك لانه في فترة سابقة تم القبض عليه وتم تعذيبه بشك وحشي .. مما زاد في همها لفراق أبنائها على هذه الشاكلة من جهة وذهاب أولادها الباقين الى سوح القتال في حروب الدكتاتور الفاشي صدام حسين .. عام 1979 قامت بزيارة أبنها المنفي الى الخارج والذي كان لاجئاً في جمهورية اليمن الديمقراطية .. عام 1981 حينما وصل لها خبر أن إبنها متواجد في كردستان يعمل كمقاتل مع رفاقه الأنصار ضمن حركة الكفاح المسلح ضد النظام العفلقي الفاشي توجهت المرحومة الى سوريا لغرض زيارته عن طريقها لكنها لم تفلح ..! في نهاية عام 1982 وصل لها خبر بوجود ولدها في سورية توجهت اليه مسرعة ونجحت بمقابلته .. منذ العام 1982 لغاية عام 1990 لم تلتقي بأبنها المنفي وفي هذا العام إلتقت به في أسبانيا بعد أن حصل على اللجوء السياسي في السويد وكانت أخر جملة تفوهت بها لأبنها في أرض مطار أسبانيا في ساعة الوداع ( عشت حياتي شيوعية وسأموت وأنا شيوعية .. ) . عاشت أغلب حياتها بالأختفاء وواجهت مضايقات وأستدعاءات العفالقة بشجاعة متناهية لم تخن حزبها يوماً لم تنبذ من حزبها يوماً لم تعترف يوماً , صانت أسرار حزبها , لم تسيء الى رفيقاتها ورفاقها , وّدعت أحبتها وفارقت الحياة بتارخ 23/05/1993 أثر مرض عضال لم يمهلها كثيراً ومن قبلها كان قد فارق الحياة زوجها المناضل عبد الله علك بنفس المرض الخبيث , وكانت وفاته بتاريخ 19/12/1992 .. لقد كانت حروب النظام الفاشي وبالا على الشعب العراقي، فقد اصبحت تلك الحروب كارثة وطنية بعد استمراها لسنوات طويلة، وقد عانت المرأة العراقية من آثارها المدمرة على مختلف الاصعدة، اذ فقدت عشرات الالوف من النساء العراقيات معيلهن، واضطررن، وهن غير المؤهلات عادة، الى طرق ابواب العمل في ظل ظروف الاستغلال المكثف وتعطيل قانون العمل بحجة زيادة الانتاجية ودعم المجهود الحربي وفي ظل عسكرة العمل وفرض الاساليب القسرية والسخرة المجانية. وتعرضت ام عايد كغيرها من المناضلات الى مآسي فاجعة الحرب بفقدان ابنها( ثائر) وفقدان مورد الرزق،والاجراءات التعسفية وفقدان المكتسبات التي حصلت عليها المراة العراقية عبر نضالها المجيد، الا انها وحتى النهاية كانت تحلم بمجتمع حر لاتوجد فيه طبقات مستغلة ومستغلة تصبح فيه وسائل الانتاج ملكا للجميع، وكانت تحلم بمجتمع تتحرر به المرأة العراقية تحررا كاملا بتحرير المجتمع باكمله، فكانت تحث الاخرين على اكمال الشوط النضالي رغم الاضطهاد السياسي والاجتماعي المزدوج الذي سببته سيطرة القوى الفاشية وسيادة الافكار والتقاليد البالية. • نشكر الاخ الفاضل ناظم عبد الله علك لتعاونه معنا في سرد العديد من التفاصيل في حياة هذه المناضلة القديرة التي ستعيش في قلب كل من احبها وستظل زمزا خالدا في النضال من اجل بناء عراق ديمقراطي تنال فيه المرأة كامل حقوقها السياسية والاجتماعية.

 

الدخول للتعليق