• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الخميس, 18 نيسان/أبريل 2013

بروفسور فيزياء الكم ابراهيم ميزر الخميسي

  ابراهيم ميزر الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ضمن سلسلة اعلام الطائفة المندائية، نقدم لقرائنا الكرام عالم الفيزياء النووية الاستاذ الدكتور ابراهيم ميزر الخميسي ، الذي تتجلى شخصيته الفذة في حيوية افكاره وكتاباته ورسوخها وتحديها لعامل الزمن. ويعود ذلك الى نهجه العملي في معالجة جميع القضايا التي يتناولها. لقد ادرك هذا الرجل الفذ، الترابط الديالكتيك بين تحرر بلده العراق في خضم عملية النضال التي خاضها لسنوات طويلة في البصرة وبغداد وعدن وموسكو، من اجل التحرر الوطني وتحقيق الديمقراطية، في عراقنا، وبين بحوثه ودراساته العلمية والانسانية والمواقع المرموقة التي احتلها في مسيرة حياته الحافلة بالانجازات التي تعكس الوجه المتقدم لابناء طائفتنا المندائية في جميع الميادين.
السيرة الذاتية

ولدت عام 1946 في سوق الشيوخ، وانتقلت الى البصرة وأنا مازلت ابن السنتين، وعشت فيها الى ان غادرت العراق لأكمال دراستي العليا في موسكو عام 1972. في البصرة أكملت المدرسة والجامعة وتخرجت عام 1969. عملت بعد ذلك ثلاث سنوات ( 1969- 1972) في قسم الفيزياء بجامعة البصرة. في تلك الأعوام أرسلت الحكومة مئات البعثات الى خارج العراق. قدمت أوراقي أكثر من مرة للحصول على احدى تلك البعثات ولكن دون جدوى، رغم أني كنت الأول على دفعتي وحصولي على أمتياز في السنة الأخيرة من دراستي حيث كنت الأول على الجامعة. كانت تزكية حزب البعث تلعب الدور الأساسي في الحصول على الزمالة الدراسية بغض النظر عن المستوى العلمي. ومنذ ذلك الوقت، وخاصة بعد بدء عملية تبعيث التعليم، أخذ المستوى العلمي و التربوي والتعليمي يفقد مستواه ومثله وجوهره شيئا فشيئا. ويحز في النفس طبعا عندما يرى المرء أن جميع زملائه الذين درس معهم، والذين تقل معدلاتهم الدراسية بكثير عنه، قد سافروا في بعثات دراسية وبقي هو لرفضه الأنضواء تحت خيمة الحزب الحاكم.

في تلك السنين كان العراق والأتحاد السوفياتي يتبادلان البعثات في مجالات عدة عن طريق جمعية الصداقة العراقيةالسوفيتية. لقد حصلت على احدى تلك المنح الدراسية مع اثنين آخرين في سنة 1972حيث نشرت النتائج وقتها في جريدة التآخي. وأستطعنا السفر الى موسكو رغم الصعوبات الجمة التي كانت في طريقنا ، في وزارة الداخلية والتعليم العالي وغيرها.

بعد دفاعي عن اطروحة الدكتوراه في الفيزياء النظرية بشهر يناير عام 1979 وحصولي على الشهادة في ذلك المجال ، مارست البحث العلمي في قسم الفيزياء النظرية في جامعة موسكو لمدة سنة ونصف تقريبا". سافرت بعد ذلك الى عدن عام 1980 حيث عملت مدرسا" في جامعتها ثم رئيسا" لقسم الفيزياء وللجنة تقييم البحوث العلمية في كلية التربية التي كنت أمثلها في المجلس الأكاديمي المركزي في الجامعة.

غادرت اليمن الديمقراطية بعد سبع سنوات من العمل فيها. وأخيرا" انتهى المطاف بي في السويد التي أعيش فيها حتى هذا الوقت. كان كل شيء جديدا" علينا في هذا البلد. عملت فترة قصيرة في معهد الفيزياء النظرية بجامعة لوند السويدية وأشرفت على مشروع للتعددية الثقافية في المدارس وأختص الآن بالشباب والمدارس في مجال عملي.

أبرز المحطات العلمية في العمل والبحث العلمي
كان عملي العلمي يتركز أساسا على البحث النظري في فيزياء النواة والجسيمات الأولية. فنضع نماذجا نظرية لتركيب النواة، كتوزيع الكهربائية والمغناطيسية داخلها، وأيضا لطريقة تفاعلها مع الجسيمات الأخرى كالألكترونات، النيوترونات أو غيرها ثم نقوم بالحسابات اللازمة ونقارن بعد ذلك نتائجنا بالمعطيات التجريبية لمعرفة مدى نجاح ما وضعناه من نماذج نظرية. وبحثنا كذلك في طبيعة بعض الجسيمات الأولية مثل ميزون ميو وجسيمة النيوترينو من خلال تحول الأولى الى جسيمات أخرى وتفاعل الثانية مع الألكترون. وقد حصلنا على نتائج جديدة جيدة في كلا الحالتين. وعلى سبيل المثال، فأن أحدى معادلاتنا التي حصلنا عليها كانت تصف تفاعل الألكترون مع النواة بشكل أفضل وأكثر عمومية من تلك التي حصل عليها الفيزيائي الأمريكي فيشباخ. وقد اعطى ذلك في وقته تصورا" أكثر تفصيلا" ودقة عن محتويات النواة وطبيعة تفاعلها مع الألكترون. كما أفضت بحوثنا عن بعض الجسيمات الأولية الى نتائج جديدة حول طبيعة تلك الجسيمات مثل استقطابها ودورانها الذاتي وسلوكها أثناء تفاعلها مع غيرها من الجسيمات أو عند تحولها الى جسيمات أخرى. أن جوهر أبحاثنا هو المساهمة في اغناء اللوحة الفيزيائية لتركيب المادة.

كانت نتيجة تلك الأعمال والدراسات قد نشرت في حوالي عشرين بحثا" وتقريرا" علميين في مجلة أكاديمية العلوم السوفيتية ومجلة الفيزياء النووية السوفيتية ومجلة الفيزياء بجامعة موسكو وكذلك في المجلة الأوربية للفيزياء. وقد ظهرت معظم تلك الأبحاث والمقالات باللغة الأنكليزية من خلال ترجمة الأمريكان الكاملة لتلك المجلات السوفيتية. كما نشرت أيضا العديد من المقالات العلمية العامة في بعض المجلات العربية.

أشتركت شخصيا في مؤتمرين دوليين للفيزياء النووية حيث قدمت بحوثي فيهما، وساهمت ببحوثي فقط في مؤتمر ثالث. كنت في تلك المؤتمرات أتوق للقاء مشارك ما من بلداننا العربية أو حتى من بلدان عالمنا الثالث لكن دون فائدة. وعندما كنت أرى فحوى البحوث والنظريات والأفكار المقدمة كنت أفكر كم من الجهود والعزم والتصميم، اضافة الى النية الصادقة طبعا، علينا أن نبذل لكي نواكب بقية الدول في الأشواط البعيدة التي قطعتها برحلاتها في رحاب العلم. ولأنني عراقي فقد أذيع أسم بلدي العراق من ضمن الدول المشاركة في تلك المؤتمرات.

في عام 1988 ترجمت كتابا" من الروسية الى العربية يحوي حوالي 400 صفحة وكان بعنوان (الكواركات...البروتونات...الكون) حوى بين دفتيه الجديد من النظريات والأفكار الفيزيائية بشأن تركيب المادة والكون وأيضا نشأتهما وتطورهما.

النشاط الديمقراطي والسياسي
كنت مع العديد من زملائي ننشط ضمن اتحاد الطلبة حيث انضممت له وانا تلميذا في متوسطة العشار بالبصرة. وفي أول يوم للدوام في المدرسة بعد الثامن من شباط 1963 قدنا اضرابا منددا بالأنقلاب الدموي. وقد أعتقل الحرس القومي سيء الصيت العديد من التلاميذ والمعلمين. وأستمر نشاطي ضمن الحلقات السرية لأتحاط الطلبة في الأعدادية المركزية الذي كان يتركز أساسا على فضح ممارسات العصابة التي سيطرت على الحكم و أباحت القتل والتعذيب والأغتصاب ورمت الآلاف في السجون دون أية محاكمات أوتقديم المئات لمحاكم صورية قامت بأصدار أحكام بالأعدام بشأنهم.

تطور نشاطنا الديمقراطي والسياسي في الجامعة. وشهدت تلك الفترة مظاهرات واضرابات خاصة في بغداد والبصرة. في العام الدراسي 66- 67 كنت رئيسا للجنة الأضراب في جامعة البصرة، وكانت مطاليبنا تتمحور حول دمقرطة التعليم وأيضا ضرورة توظيف الخريجين الذين عانوا من البطالة بعد تخرجهم من مختلف الجامعات والمعاهد. كنا ننسق مع زملائنا في جامعة بغداد حيث عمت الأضرابات معظم المعاهد فيها. وقد أعتقلت مرتين في تلك السنة الدراسية، أطلق سراحي في المرة الثانية بعد أضراب عن الطعام دام عشرة أيام. وأتذكر ألأنتخابات التي جرت لأول مرة في جامعاتنا وقد حققت قائمة اتحاد الطلبة نجاحا كبيرا فيها مما أدى الى الغاء نتائجها والأنتخابات كلها. اثناء دراستي في موسكو كنت أنشط في رابطة الطلبة العراقيين. قمنا بنشاطات كبيرة ومتنوعة في فضح الهجمة الشرسة الدموية على قوى المعارضة وفضح أساليب النظام القمعية.

في الثمانينات واثناء رئاستي لرابطة المعلمين العرب ولرابطة المعلمين الديمقراطيين العراقيين في اليمن الديمقراطية اقمنا علاقة جيدة مع اتحاد المعلمين العالمي "الفيزا". ولم يستطع أزلام النظام تخريب تلك العلاقة رغم كل ما بذلوه من أساليب خبيثة. وكنا نرسل الى الفيزا الوثائق المتوفرة لنا حول تبعيث التعليم وخرق حرمة المدارس و المعاهد وما كان يتعرض له الطلبة والمعلمون والأساتذة من فصل واعتقالات وتعذيب.

أستطعنا في جنوب السويد تأسيس الجمعية الثقافية العراقية عام 1991، كنت لاحقا رئيسها لمدة عامين. وقد لعبت الجمعية ومازالت دورا مهما في احياء الثقافة وابراز دورها وكذلك تكريم المبدعين العراقيين، وأيضا تعريف السويديين بالأبداع الشعري والقصصي والفني العراقي وبأصحابه سواء في السويد او في الأقطار الأخرى. كما ساهمت الجمعية بمئآت الفعاليات والنشاطات على مدى السنين الماضية للتضامن مع شعبنا في نضاله ضد النظام الدكتاتوري السابق وفضح جرائمه البشعة واللاانسانية.

تصورات وأمنيات حول مستقبل العراق
لايمكنني تصور مستقبل آمن ومزدهر للعراق دون نظام حكم ديمقراطي، برلماني، تعددي وعلماني، يتم تداول السلطة فيه بصورة سلمية وحسب نتائج الأنتخابات التي تجري في اجواء الحرية والشفافية.
وبعد كل هذا العذاب والخراب، وبعد كل تلك الحروب والمآسي والكوارث، أتمنى لبلدي الحبيب أن يلملم جراحه ويعيد بناء نفسه فينعم بالأمن والأستقرار والطمأنينة...وأن يعيش الناس فيه حياة مليئة بالعمل والفرح والأمل. أحلم بعراق جميل ومسالم تتألق فيه تلك الفسيفساء الأجتماعية الرائعة... وتعود الأخوة بين الناس وتتعآفى من جديد القيم العراقية الأصيلة ... وأن تتطور في بلدي العلوم وتزدهر الثقافة والفنون والأبداع بكل ألوانه الجميلة. أتمنى لأبن وطني أن ينعم بطعم الحرية وأن يشعر بروعة الحياة الديمقراطية حينما يستطيع المرء أن يفكر بأستقلالية ويعبر عن آرائه ومعتقداته دون ضغط أو اكراه. أريد للعراق أن يودع العنف مرة والى الأبد ويفتح جوانحه لثقافة الحوار والتعددية والتعايش بين مختلف فئات وأبناء الشعب على اختلاف اديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ومعتقداتهم الفكرية وأحزابهم، وأن يروا في كل ذلك الأختلاف حافزا" لتطور البلد وتقدمه الى آفاق انسانية وحضارية رحبة.

طموحي أن أرى عراق المستقبل يمارس فيه العلماء والباحثون والأساتذة نشاطهم العلمي بكل مافيه من بحث ودراسة وتأليف وتدريس والأخذ بيد الأجيال العلمية الناشئة. وأن أرى الجامعات والمعاهد ومؤسسات البحث العلمي وهي تحتضن الأختصاصيين بعد عودتهم من غربة قسرية طويلة ومضنية ليساهموا مع زملائهم داخل الوطن بأحياء نهضة علمية وثقافية في عراق حر ديمقراطي مزدهر.

مستقبل الطائفة المندائية وظاهرة الهجرة الى خارج البلاد
يعتبر المندائيون من سكنة العراق الأصليين. وقد ساهموا في تشييد حضارة وادي الرافدين سوية مع اخوتهم من الأديان والطوائف والقوميات الأخرى. كما يعرف ابناء هذه الطائفة بحبهم الجم لبلدهم، وناضلوا جنبا الى جنب مع أبناء وطنهم ضد الدكتاتوريات في العقود الأخيرة وقدموا في سبيل ذلك العديد من الشهداء. وأن المرء ليحزن أشد الحزن عندما يرى ما يتعرض له الصابئة اليوم من قتل متعمد ونهب للأموال واغتصاب واكراه على تغيير دينهم. ان مثل هذه الجرائم غريبة على مجتمعنا العراقي. ولا يرتكبها اللآ أولئك النفر من المتطرفين الأرهابيين القادمين من الخارج وعصابات النظام السابق التي احترفت وتعودت تعذيب وقتل البشر ولاتستطيع العيش دون المزيد من الدماء. وهم لايقتلون أبناء الأقليات الدينية فقط بل ينشرون الرعب والموت الى جميع فئات الشعب. وها نحن نشهد تفجير السيارات المفخخة في شوارع ومدن العراق لتحصد أرواح الأبرياء من أبناء هذا الوطن. وكأن الشعب العراقي لايكفيه ما عانى من ويلات وكوارث الحروب والمقابر الجماعية والتهجير القسري الظالم وأستخدام السلاح الكيميائي لأزهاق أرواح الأطفال والنساء والشيوخ في حلبجة وغيرها.

وقد أضطر الكثيرون من الصابئة الى ترك بلد الجذور الأولى، وطن الآباء والأجداد والهجرة الى مختلف البلدان. ويستطيع المرء تفهم موقفهم هذا؛ فقد سبقهم الى الهجرة القسرية ما يقارب أربعة ملايين من العراقيين.

لا أرى حلا" لما يعانيه المندائيون وأخوتهم من الأقليات الدينية والقومية خاصة والشعب العراقي عموما غير الديمقراطية كنظام للحكم والبرلمان مكان ا للحوار وصراع الأفكار والتصويت لحسم النقاش واتخاذ القرار مع احترام رأي الأقلية، واقامة دولة القانون حيث تحترم حقوق الأنسان التي يكفلها له الدستور الذي يقره الشعب العراقي بأكثريته المطلقة في أجواء صحية وحرية كافية تسمح للعراقيين في التعبير عن آرائهم. وأعتقد بوجوب دراسة تجارب الشعوب التي سبقتنا في مضمار الممارسات الديمقراطية، وخاصة في مايتعلق بفصل الدين عن الدولة.

وينبغي هنا الأشارة الى تلك المواقف التضامنية الرائعة للعديد من المثقفين والكتاب العراقيين وكذلك بعض الشخصيات ورجال الدين حيث أعربوا عن استنكارهم الشديد لأضطهاد وقتل وابتزاز المندائيين وأبرزوا دور أبناء هذه الطائفة المسالمة في الحياة العراقية وأهميتهم ، مع بقية الأقوام والأعراق والأديان، لوحدة العراق وتركيبته الأجتماعية الفريدة من نوعها بين بلدان العالم.

الدخول للتعليق