• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013

أناس من ذاك الزمان - الشيخ يحيى الشيخ زهرون

  عربي فرحان الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

هم مندائيون و مندائيات من الاسلاف الاخيار عشت وتعايشت معهم‘ علموني وتعلمت منهم‘ تحدثت اليهم وحاورتهم‘سألتهم فأجابوني‘أوجدوني ثم رحلوا عني وتركوني‘ وقد قيل هذا منطق الحياة‘ قديم غاد وجديد آت‘ وها نحن على الدرب سائرون إلى أبد ألابدين . وليكن شعارنا دوما الجديد والمتجدد نحو حياة أفضل ..

 

 وإن خير ما يشرفني البدء فيه من هؤلاء الاكرمين الاجلاء هو الكتابة عن :

 الشيخ يحيى الشيخ زهرون ( إرواه نهويلخون ):

كألعاده رأيته هذا اليوم وكل يوم ذلك الشيخ الجليل ذو المحيا المشرق والقامه الفارعه بوجهه الحنطاوي المغطى بلحية ليست بكثه ولا هي ( بكوسة ) تزيد وقاره وقارا بابتسامته العريضه وبشاشته التي لا تفارق أحاديثه في ساعات الضيق والفرج على حد سواء ‘ رايته وكالعاده ايضا بلباسه المميز الابيض الناصع البياض كبياض قلبه‘ إنها ( الرسته ) وممنطق ب ( الهميانه ) . لا أبدا لم إشاهد شعر رأسه مطلقا والمغطى بالعمامه دوما .

 رأيته صبيحة ذلك اليوم وكل يوم بعده ومنذ خمس وستون سنة مضت‘ جالسا متربعا بجلسته فوق البساط الصوفي المسجى امام مبنى المندي في ( اللطلاطه ) وعلى ارضية صلبه نظيفة من جرف نهر دجلة في الجانب الايسر منه ‘ وقد نصبت أمامه منضدة خشبية صغيرة الحجم مغطاة بقطعة من قماش ابيض‘ وضع فوقها كتاب ذو صحائف كثيره لا افقه كنهه حينذاك ‘ وكان هو ايضا ملفوف بقطعة قماش بيضاء‘ وبجانب الكتاب اوراق صقيلة ناصعة البياض ايضا كانت معدة للكتابه‘ وعلى يمينهما محبرة مملوءه بحبر أسود داكن السواد وفيها قلم مصنوع من قصب السكر‘ وما يسمى( بالقصب الفارسي ) .

 وذات يوم وبدافع حب استطلاع صبي صغير لم يبلغ السابعة من عمره بعد ‘ وهو في عجلة من أمره يروم معرفة كل العالم وما يدور حواليه مرة واحده ‘ شأنه شان كل الصبية في هذا الوقت الحرج من العمر ‘ وكان شيخنا الأجل منهمكا في رسم حروف الكلمات المندائيه حرفا حرفا وكلمة كلمه بخط جميل جدا‘ وبتأن وحرص لا مثيل لهما مطلقا. وقفت بقربه بعد أن صبحته بالخير . فرفع رأسه ‘ ورد علي التحية بأحسن منها‘ ببساطته المعهوده دون تكلف أو ضجر وأنا الذي أقحمت عليه نفسي وقطعت سلسلة أفكاره وتركيزه لحظة عمله هذه . ولكن هذا هو شأن الاخيار الاجلاء والحكماء المتواضعين .أؤمأ الرجل لي بيده بالجلوس ‘ فجلست بجانبه . ولكني وبفضول الصبيان الصغار سألته :

 

 شيخ – ما هذا الذي تكتبه ؟؟ فرد علي قائلا – إنه يا ولدي كتاب سيدرا ربا أي كتاب الكنزا ربا( مشبا إسمه ) .

 شيخ لماذا أنت تكتب وعندك هذا الكتاب مكتوب ؟ أجابني ‘ يا ولدي هذا الكتاب كتب لنا وأنا أكتب لكم هذا ‘ لكم ولآولادكم من بعدكم . وأردف قائلا مثل ذلك الفلاح الذي يقول زرعوا فأكلنا ونزرعوا فيأكلون .

 ولكن با عمو الشيخ – أنا لا أعرف أقرأ المندائيه فكيف أقرأ الكتاب في المستقبل ؟ ضحك وقال لي ‘- هذا صحيح ولكن يأتي يوم تكون أنت بحاجه الى الرجوع إلىالكتاب وعندها تضطر الى تعلم قراءة وكتابة اللغه المندائيه . أما الكتاب يبقى حرزا لمن يحتفظ به في بيته حتى لحظة الحاجه اليه. وبعدها واكب يخط الكلمات دون كلل او ملل‘ وأنا أتأمله بكل دهشة وإعجاب . 

وخلال الايام والشهور التاليه كنت أجلس بقربه بكل أدب وإحترام ومما لفت نظري هو أن شيخنا الموقر لم يخطأ في الكتابه ولهذا لم يمارس الشطب أو الحذف أبدا .

 كانت المشاحيف المنحدره في طريقها الى مركز مدينة ( قلعة صالح ) تمر من أمامه وهي محملة منتوجات ريف العراق أنذاك مثل الرز والحنطه والشعير والقصب والبردي والبواري والخضروات والسمك وعلف الحيوانات ( العنكر ) والحطب وغيرها . كما كانت مشاحيف اخرى تسير هي بعكس اتجاه الاولى والتي يطلق عليها ( بالمغربه ) أي المتجهة بعكس مجرى الماء من مدينتي البصره والقرنه وهي تحمل ركابها من العمال وعائلاتهم وامتعتهم بعد الانتهاء من موسم حوي تمر النخيل والعمل في ( الجراديغ ) اي تنظيف التمور من النوى لغرض تعليبها . وكان معظم راكبي هذه السفن الصاعده منها والنازله يسلمون على الشيخ الكريم عند مرورهم من امامه وكان بعضهم يرسوعلى الجرف ويترجل للسلام على شيخنا وطلب بركته والادعاء لهم بالخيروالصحه كما كانت تصله بواسطتهم بعض( الصوغات) الهدايا المرسله له من اخوته ومعارفه في البصره.

 

وذات يوم وإذا بأحد المشاحيف يرسو في الشريعه امام المندي ويقوم احدهم بالترجل ويتقدم صوب الشيخ الجالس في مكانه المعتاد وهو يحمل بيده سمكتين كبيرتين وكانتا من نوع ( البني) وبعد أن سلم الرجل على شيخنا جرى بينهما الحديث التالي :

 

قال الرجل – هاتان البنيتان منا لك يا شيخ يحيى بس إدع لنا بالرزق . 

رد الشيخ عليه قائلا – الرزق على الله الكريم وبارك الله في رزقكم . اما هديتكم إعتبرها واصله وأعتذر عن قبولها .

 

قال الرجل – يا شيخنا لقد فشلنا منك كثيرا في المره السابقه لانك رفضت تقبل هديتنا لك ‘ ولانها كانت سمكه واحده وهي قليلة في حقك ‘ وهذه المره سمكتان لاننا رزقنا صيدا عظيما وكلها من بركتك ودعائك لنا .

 

فرد عليه الشيخ – لا يا سيد ‘ أنا لم ازعل ابدا منكم ‘ وإن رزقكم من عند الله وليس مني. أما لماذا لم أأخذها منكم في المره السابقه فهي لاسباب شخصيه تعود لي .

 

إلا أن الرجل واصل الحديث مع الشيخ وأخذ يلح كثيرا لتقبل الهديه – السمكتين - حتى قال الشيخ اخيرا – سأخذهما على شرط واحد‘ فرد عليه الرجل فورا و بلهفه شديده . قل يا شيخ ( شتريد إحنا ممنونين ) .

 قال الشيخ – أريد واحده ثالثه ‘ تبيعونها لي بمثل ما تبيعونها للناس وليس أقل منهم . ففرح الرجل كثيرا وقد وضع السمكتين على الارض فورا وركض الى المشحوف وجلب سمكة اخرى .

 فسأله الشيخ : كم سعرها ؟ فرد عليه الرجل : إنها على حسابنا ياشيخ . إلا أن الشيخ رفض ذلك بشده ‘ وأخرج من تحت البساط كيسا صغيرا فيه قليل من المال‘ وبعد الالحاح قال الرجل- إعطني ( عانه ) فقط { والعانه هي نقد معدني قيمته اربعة فلوس كانت متداوله أنذاك } .

 فاعطاه المبلغ المطلوب وقبل أن ينصرف وجه سؤاله الى الشيخ – هل عندك ( عزيمه يا شيخنا ؟ ) قال الشيخ لا ..إلا أن الرجل أصرعلى معرفة السبب الذي جعله يشتري السمكه الثالثه رغم ان الاثنتين السابقتين كانتا كبيرتين . فقال الشيخ – اتريد ان تعرف السبب يا سيد ؟ قال الرجل بلى. أجاب الشيخ – أنت تعرف يا سيد أن لي اخوين الشيخ ادم ‘ والشيخ نجم‘ وليس من العدل أن أأكل أنا وعائلتي السمك وحدنا كما لا يمكنني قسمتها الى ثلاثه بالحق ‘ وهما شركاء معي في الرزق .فضحك الرجل وإنصرف . وبعدها أمرني الشيخ أن أأخذ السمك وأعطي لك بيت سمكه وعلى الفور قمت بتنفيذ ما طلبه مني الشيخ الجليل دون تمييز .

 

كان دارنا مبنية من الطين واللبن ومسقفة ( بالبواري وهي حصران مصنوعه من القصب . واعواد الجندل وهي ( عباره عن اعمده طويله هي سيقان شجر الصندل تستورد من بلدان جنوبي شرقي آسيا ) كما كانت هي بقية دور المندائيين في هذه المحله – محلة اللطلاطه- وهي لا تبعد أكثر من خمسين مترا من ضفة نهر دجله اليسرى و كذلك عن مبنى المندي المطل على النهر. وذات يوم وانا ذاهب الى شربعة النهر شاهدت الشيخ يحيى أبو مهتم يروم كنس ورش الساحه الصغيره الفاصله بين المندي والنهربالماء. فقلت له دعني ان اقوم بما تريد ‘ ثم سالته لماذا ؟

 

فأجابني ‘ اليوم لدينا ضيوف يا ولدي. ومن هم الضيوف يا شيخ ؟ قال ان ضيوفنا لهذا اليوم هم القائمقام والحاكم وضابط التجنيد والطبيب ورئيس البلديه ‘ ثم اردف قائلا يعني الحكومه يا إبني أما قصة هذه زياره ( الحكومه ) كما سماها الشيخ الجليل فهي ذات علاقه بمحلة اللطلاطه وكما يلي موجز لهذه القضيه :

 

وجدت محلة اللطلاطه قبيل و خلال الحرب العالميه الاولى وان قصة تاسيسها كالاتي : كانت محلة الصابئه تشكل اكبر محلات مدينة قضاء قلعة صالح وتقع على امتداد شاطئ نهر دجله الايسر في الشمال الغربي من مركز المدينه تقطنها عوائل الصابئه المندائيين بشكل مكثف جدا رغم ان المحله كانت تتالف من صفين متوازين من الدور المبني معظمها من الطين واللبن بطول حوالي الكيلومتر تقريبا ‘ وتقع بساتينها والتي جلها من اشجار النخيل خلف بيوت اصحابها وتعود ملكيتها لهم عادة ‘ فهذا بستان بيت اكزار وهذا بستان بيت المجدي وبقربه بستان بيت شذر ومن اليمين يجاوره بستان بيت خساره ‘ والاخر بستان بيت جوال و بستان بيت جابر وبيت سيف المناحي وهكذا !!. وعلى العموم كانت المحله مكتظه جدا بالمندائيين . والهجره اليها لا تزال قائمه على اشدها خاصة بعد انحسار النفوذ العثماني وزواله‘ وكان هناك مندي واحد لكل هؤلاء الناس مبني على شاطئ نهر دجله امام دار بيت شيخ سام المندوي ‘ومن خلاله يقوم الشيوخ الاجلاء هم اولاد الشيخ سام كل من الكنزفرا عبد الله والترميذا فرج والترميذا رومي بتقديم الخدمات الدينيه واجراء الطقوس لكافة ابناء الطائفه المتواجدين في مدينة قلعة صالح اضافة الى اؤلئك المنتشرين في الريف وحول المدينه. وحيث ان اجراءات الطقوس والمراسيم من طبيعتها تأخذ وقتا طويلا لاكمالها بالوجه الصحيح كما تقضي الشريعه المندائيه عامة و مراسيم الزواج خاصة لذا اصبح هذا المندي وهؤلاء الشيوخ غير قادرين لتلبية كافة الطلبات الدينيه ‘ وكانت العائله الخميسيه تشكل الاكثريه من سكان محلة الصابئه المندائيين وكانت تظهر بعض عدم الرضا اتجاه الافاضل الشيوخ كونهم في بعض الحالات يفضلون تنفيذ الخدمات الى غيرهم بسبب اعتبارات معينه ضيقه . ولهذا فكر رجال الخميسيه الكبار في التفتيش عن حل لهذه المشكله وصار رايهم ارسال وفد الى الاهواز جنوب ايران ( ناصرية العجم ‘ الحويزه ‘ شوشتر ‘ البسيتين ‘ المحمره ‘ دزفول ‘ مسجد سليمان والخفاجيه ) حيث كان الصابئه المندائيين ينتشرون فيها هم ورجال دينهم . وفعلا ذهب وفد من الخميسيه الى ايران ونزل ضيفا على بيت الكنزفرا زهرون واولاده الخمسه وكان منهم ثلاث قد كرسوا كرجال دين – وهم كل من الترميذا آدم والكنزفرا يحيى والترميذا نجم ( كنزفرا فيما بعد ) وكانوا يقيمون في مدينة الخفاجيه . وقد تم الاتفاق على انتقال جميع افراد هذا البيت الى العراق وتخصيصا مدينة قلعة صالح . إلا أن موعد هجرة العائله كان قد تأخر بعض الشيئ بسبب وفاة الشيخ الوالد ( ارواها نهويلخون ) . ومن ثم قدمت العائله الى قلعة صالح –( لا اعرف التأريخ بالضبط – وقد يكون ذلك سنة 1905 ـ 1910 تقريبا) . ونزلت ضيفا مكرما عزيزا على عائلة الخميسيه الى حين ايجاد وتهيئة الدار السكنيه المناسبه تليق بمقام هذه العائله الدينيه المحترمه. وان هذا الامر كان يعد شرفا اجتماعيا ودينيا للقائمين به من المندائيين .

 

ولما كانت هذه الاسره كبيرة العدد كما قلنا اعلاه ( خمسة رجال وأبنتان ) فقد تعذر على الخميسيه ايجاد الدار في محلة الصابئه في مدينه قلعة صالح ذات المواصفات المميزه لرجال الدين كما تقتضي طبيعة ممارسة الطقوس الدينيه المندائيه في ماء النهر ولوجود شيخ عبد الله الشيخ سام واخوته يملكون وحدهم بناية المندي فعليه اصبح من الضروري التفتيش عن حل لهذه المعضله . وتوصل كبار رجال الخميسيه وهم كل من سيف المناحي‘ ومحيي كزار‘ وبادي المجدي‘ وحاجم سداوي‘ و جبر سداوي‘ وحبيب ساجت‘ومخيطر جالي‘ وسعيد صالح‘ وفرحان رحيم‘ وخماس جوال‘ وداخل احتاجه‘ وسباهي خلف‘ وغيرهم ‘ الى ضرورة مراجعة الحكومه لايجاد حلا لهذه المشكله.وكان ذلك في السنوات الاخيره من حكم الدوله العثمانيه .

 

وفعلا قام وفد منهم بمراجعة القائمقام والمسوؤلين الاخرين في القضاء ‘ وخرجوا بنتيجه طيبه ‘ مفادها ‘ ان يقوموا هم انفسهم بالتفتيش عن ارض مناسبه للسكن . وكان الاختيار قد وقع على قطعة ارض جبهتها بطول حوالي 500 متر ونزالها ما يزيد على الكيلومتر ‘ واقعه تماما على الضفة اليسرى لنهر دجلة وعلى امتداد محلة الصابئه ‘وتفصل بينهما بعض البساتين , وأن هذه الارض مرتفعه نسبيا عن مستوى الماء وهي في موقعها هذا تشكل مصدا لامواج المياه التي ترتطم بالجرف بشده وتولد بعض الاصوات جراء انسياب الماء وتلطلطه نحو النهر , ولذلك سميت المحله ( باللطلاطه ) فيما بعد .

 

قسمت هذه القطعه الى ( 22 ) دارا بالتمام والكمال و بمساحات تكاد تكون متساويه لكل دار, والمحله اخذت شكل مستطيل تقريبا‘ يقطعها في الوسط شارعين متقاطعين كألصليب بعرض عشرون مترا وبذلك تنقسم المحله الى اربعة مربعات , في الجبهه وفي الربع الاول والثاني على جرف النهر ( 7 ) دور وهي من اليمين الى اليسار 1- بيت شيخ يحيى 2- بيت شيخ آدم 3- يت شيخ نجم 4- بيت عماره –( فاصله بعرض عشرون متر كشارع ) ثم 5 - بيت عكيلي 6 – بيت سباهي 7 – بيت سلمان . اما البيوت الاخرى الواقعه خلف الاولى فهي‘ 8 – بيت ديوان ( وهو البيت المسلم الوحيد في هذه المحله ) 9 - بيت عبد الشيخ 10 – بيت فدعم 11 – بيت فرحان. 12 – بيت صالح 13 – بيت كرم 14 – بيت خماس 15 – بيت طرفي 16 – بيت ارزيج 17 – بيت جلاب 18 – بيت بادي 19 – بيت حمد 20 – بيت ناجض 21 – بيت عبود 22 – بيت باتول . كما ان الارض التي تقع خلفها اي في جنوبها كانت مقبرة لعموم مندائيي قلعة صالح . أما بناية المندي فقد تم إنشاءه على جرف نهر دجله في الجهه اليمنى من المحله كما تقتضي العقيده المندائيه ذلك . وكانت واجهته مشيده من الطابوق ويحتوي على حوض ماء في الداخل يستمد ماءه من النهر بواسطة ساقيه صغيره ويبزله باخرى الى جدول صغير واقع على جانب المندي .

 

ومما عمق اواصر الاخوه والمحبه بين هذه العائله المندائيه القادمه من إيران ومندائيي القلعه وبشكل خاص مع عائلة الخميسيه هو زواج كل من الشيخ يحيى واخيه ا لشيخ نجم من العائله كما تزوجت احدى خواتهم من احد رجال الخميسيه وهو سباهي خلف وعلى ممر الايام زاد هذا التقارب نتيجة تزاوج ابناء الطرفين مع بعضهم البعض .

 

نعود ثانية للحديث عن شيخنا المبجل وما سماها ( زيارة الحكومه ). حقيقة كان ينظر لزيارة المسوؤلين الى المحله نظرة تقدير واحترام ولهذا كانت هذه الزياره موضع اهتمام من جانب شيخنا الفاضل وسكنة محلة اللطلاطه الاخرين ‘ ومما زاد اهتمام المسوؤلين بها هو كثرة زيارة الباحثين و الدارسين من الاجانب الى هذه المحله وعلى رأسهم المستشرقه ( مسس إدراور ) وآخرين غيرها للقاء الشيوخ الافاضل وللاطلاع ودراسة المندائيه عن قرب وذلك منذ سنة 1932 والسنوات التي تلتها.ولن انسى ابدا تلك القطعه النقديه المعدنيه( القران ) التي تلقيتها من ( مسس داور )- بخشيش- لقاء المساعده التي بذلتها لها ذات يوم حينماارادت النزول من الطراده ( البلم )التي كانت تقله الىجرف النهرالعالي وقتذاك وللعلم( القران كان يعد ثروه في ذلك الزمان قمنا انا وصديق الطفوله ( غالب ) وهو احد ابناء شيخنا المحترم ‘ بتنظيف الساحه امام المندي ورشها بالماء ثم جلب الكراسي المصنوعه من جريد سعف النخل من صنع ( جاسم ابو الاسره) ‘ واعددنا كل شيئ قبل وصول ( الحكومه ) . وكان عدد من اهالي المحله قد حضروا ايضا بناء على طلب الشيخ . فحضر كل من شيخ آدم و شيخ نجم واستاذ مهتم بن يحيى وخماس جوال وصباح آل صبيح وعكيلي خلف وارزيج داخل ( وكان الاخير فصيح اللسان ومتكلم جيد ) كما كان حاضرا جمع من الصبية والصغار بدافع الفضول وحب الاستطلاع .

 

وصل المشحوف الذي كان يقل ( الحكومه ) قبيل المساء حيث الجو كان لطيفا نوعما , وقام الحضور باستقبالهم باحترام وحفاوه زائده تليق بالحكومه .وبعد ان جلس الجميع , القى الشيخ كلمه ترحيبه قصيره بالحضور ثم امرنا بجلب اللبن الطازج الذي كان قد اعدته ( إم مهتم ) من 

حليب البقره ( الجنوبيه ) كما احضرنا معه سلة رطب البريم وإخرى الخضراوي‘ وبعدها تكلم القائمقام وسأل الحضور ان كانت هناك أية مطاليب معينه . بدأ الشيخ الحديث اولا بعرض طلب 

اهالي المحله الرئيسي والضروري وكان الامر يتعلق بمد الاسلاك الكهربائيه وتزويد المحله بها اسوة بمحلات المدينه كافة . وكان عذر القائمقام هو كلفة هذا المشروع الكبيره نظرا لبعد المحله عن المدينه والذي يبلغ حوالي الكيلومتر والنصف تقريبا . وبعد النقاش الطويل والحجج التي قدمها الحضور وبررها بشكل منطقي المتكلم وأحد الحضور ( ارزيج داخل ) قبلت ( الحكومه ) هذا الطلب والقيام بتبنيه لدى الدوائر الرسميه العليا . ولم تمض ستة اشهر حتى مدت الاسلاك الى المحله من خلال البساتين وبمحاذاة ضفة النهر وأضاءة محلة اللطلاطه بالكهرباء وعمت الفرحه كل ساكنيها وكان ذلك بفضل وهمة وتدبير شيخ المحله الجليل الشيخ يحيئ الشيخ زهرون إلا أن حدث ما لم يكن بالحسبان سبب في تعكير جو الافراح التي عمت سكنة المحله وانقلب هذا الجو الى حزن وهم ما مثله هم للشيخ خاصة وللابناء المحله عامة .. ففي صباح أحد الايام شاع بين الناس خبر مفاده أن الحارس الليلي ( مولى ) قد نهب الفتاة المندائيه ( ب ) وهرب بها الى جهة غير معلومه . وفي لحظات تجمع رجال وشباب المحله امام مبنى المندي ‘ وبعد قليل خرج شيخ يحيى من داخل المندي وعلى وجهه علامات الحزن .

 فسأل احدهم – هل أن الخبر صحيح ؟ كان الجواب نعم صحيح . فقال الحضور ما العمل يا شيخنا ؟.. فرد احد الشباب فورا وبدون استئذان من احد – قال ( إعذاري جلاب ) هذا العمل من0(مولى ) الحارس هو عمل خيانه ودنيئ ‘ ويجب علينا أن نفتش عنه وناخذ الثار منه . ورد الاخرون – نعم علينا كلنا تأييد إعذاري والقيام فورا يالتفتيش ‘ ونسوي وفد ونروح الى شيخ العشيره وإذا لم يسلمنا بنتنا ‘ نعمل ما نعمل رد الرجل ( فدعم آل صبيح ) وكان اكبر الحاضرين سنا قائلا – لا .. لا بويه ... لازم قبل كل شيئ نخبر الحكومه ‘ وإذا ما تسوي جاره ذاك الوقت إحنا نأخذ حقنا بايدينا . شلون حارسنا مولى والذي هو يحرسنا ويقوم بخيانتا وينهب البنيه ؟؟؟ دار حديث طويل ورد وبدل ‘ فقال شيخ يحيى وكان آخر المتكلمين . يا اخوتي وانتم اولادي .. ..

 هذا الموضوع لم يكن هو الاول . والمندائيون دوما يتعرضون لمثل هذه الحاله . ولكن هذه الحاله حتى الان لا نعلم تفاصيلها . هل ان ( مولى ) نهبها بالاكراه وغصبا أم لا ..؟ والامر الثاني يجب اخذ رأي اهلها قبل كل شيئ .. واخيرا توصل الحضور الى الاتفاق مع رأي الشيخ . 

وفي المساء حضر معظم الاشخاص الى مجلس ( خماس ) لشرب القهوه وكان دوره ذلك اليوم كما هي العاده الجاريه في ذلك الوقت . فحضر الشيخ المبجل رغم انه لا يتناول ولا يشرب أي شيئ كما هي احكام الدين المندائي بالنسبه الى رجال الدين ..

 بادر الكنزبرا يحيى بالكلام وقبل اي فرد آخر من الذين حضروا هذا المجلس . واعتقد كان سبق غيره بالكلام يعود لامر إما وارد في ذهن شيخنا المحترم . هذا ما كشف عنه لاحقا . وهنا في هذا المجلس كانت إحدى النساء تجلس في طرفه وعلى مقربة من ( خماس جوال ) صاحب هذا المجلس لذلك اليوم كما ذكرت سابقا . وقد تبين انها حضرت بناء على طلب الشيخ . والسيده هي ( لطيفه صالح الكيلانيه ) زوجة المرحوم فرحان جوال الخميسي . وكانت إمرأه معروفه جيدا بقوة الشخصيه والمعرفه الواسعه بالعرف والتقاليد وتلقى الاحترام من جميع ابناء المحله والمندائيين عموما . وبعد ان انهى ( خماس )من سقي القهوه للحاضرين ‘ قال الشيخ ...

 يا جماعه .. كلكم يعلم ما حدث هذا اليوم ‘ وهو أمر مزعج لنا جميعنا ‘ ولا أريد منكم غير السماع ‘ وارجوكم عدم التعليق أو الحديث ‘ لآن الموضوع يمس الغير قبل ان يمسنا نحن . 

ثم وجه كلامه الى السيده ( لطيفه ) قائلا لها – ما هو رأيك يا لطيفه ؟؟

 اجابت لطيفه .. يا شيخ ( يحيى ) وانتم زلمنا المحترمين –( إذا الماي إنجب على الكاع هل يمكن لمه من جديد ) ؟ الامر راح وإنتهى . ثم استرسلت قائلة ( الحجي ماكله الثور. والحرتكفيه الاشاره ). وعندها سكت الجميع وانحنت روؤسهم نحو الارض وكأنهم كلهم قد اصابهم الخجل بعد ان فهموا الامر ووعوه.

 واكتفت هذه المرأه المحترمه بهذا الكلام الموجز ‘ وعلى الفور غادرت المجلس وكأنها تقول (إن خير الكلام ما قل ودل ) .

 وهكذا ساد الجميع الصمت ولم يتكلم أحد او يحاول الكلام أبدا . وعلى الاثر انفض مجلس الحضور وانصرف كل الى داره .. وقد تبين فيما بعد أن ( البنت ب ) التي وصفناها بالمخطوفه كانت على علاقه مع ( مولى ) منذ وقت ليس بقصير ‘ وان امها كانت تعلم بهذه العلاقه ‘ وقد بذلت جهدا كبيرا لتجنب ما قد يحث ‘ ولكن ما حدث كان خارج عن ارادتها .. ومع ذاك فان شيخنا الفاضل لم يترك الموضوع بل قام بالاتصال برئيس عشيرة ( مولى ) ( بني لام ) طالبا تقديم الفصل وفق العرف والعادات. إلا انه عدل عن ذلك لسببين أولهما رفض اهل البنيه . وثانيهما ان المطالبه بتأدية الفصل يعني ذلك الموافقه بشكل غير مباشر ‘ وهو ما قد يفتح الباب للغير ويشجعهم على القيام بنفس الممارسه ما دام الفصل هو نهاية الحل .. وهذا ما لا يرضيه المندائيون أبدا . ( له تابع )

الدخول للتعليق