• Default
  • Title
  • Date
  • د. تحسين عيسى السليم
    المزيد
    Starving Cancer Cells, scientific fact or science fiction هل خلايا
  • د. عبد الهادي صالح
    المزيد
    DVT Deep Venous Thrombosisقد تحدث لكثير من الناس . خطورتها تكمن
  • د. عبدالهادي صالح
    المزيد
    شكوى معظم الناس من كلا الجنسين ، ممكن أن يصيب أي
  • د. تحسين عيسى السليم
    المزيد
    Breast cancer, a tame lamb or a fierce beast?سرطان الثدي
الأحد, 16 تشرين2/نوفمبر 2014

المـــيـاه - ضرورة واهمية الحفاظ على نظافتها وحمايتها من التلوث

  تحســــين مهدي مكلف
تقييم هذا الموضوع
(15 عدد الأصوات)

لاشك ان الماء هو احد اهم عناصر الطبيعة ، اذ لا حياة دون ماء ، فهذا العنصر كامن في كل جزء من مكونات هذا العالم وهو الذي يديم حياة جميع الكائنات ، انه سائل الحياة والعنصر الحيوي الذي لا استغناء عنه . ان اهميته وضرورته تشمل كل ركن من اركان هذا العالم وكل نواحي الحياة ومجالاتها ، وهو المادة الوحيدة التي يستخدمها الانسان من اجل الاغتسال والتنظيف والتطهر من الاوساخ والنجاسات .
كذلك فان للمياه اهميتها القصوى في الاستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية . ومن هنا اولى الانسان اهتماما خاصا لهذا العنصر ومنحه مكانة واحتراما كبيرين .
لقد استوعب الانسان منذ القدم قيمة المياه وادرك اهميتها في حياته واكتشف وجودها في كل ما يحيط به من موجودات ، فالحاجة الى المياه دائمة وان الكائنات جميعها تحتاج الى الماء كمصدر اساسي لديمومة الحياة ، فالمزروعات تعشق المياه والارض الخربة تشفى وتصلح بالمياه ، فهذا العنصر لاشك يحمل اسرار الوجود ، انه مسرة الحياة وراحة النفوس وصحة الابدان.
كما ان اهمية الماء لاتقتصر على ادامة حياة الكائنات فقط ، بل ان له مكانته المتميزة في الحياة الروحية للشعوب المختلفة .
ولعل مكانة المياه في الفكر الديني للانسان هو القاسم المادي المشترك بين الاديان، فمعظم الاديان ارجعت اصل الحياة وبداية الخلق الى الماء الذي ارتبط في ذات الوقت بالنماء والخصوبة والازدهار والحياة .
والماء يعتبر في عرف العديد من الديانات مادة التطهير الاولى ، فبواسطته يتم الاغتسال لتنظيف الجسد وتطهيره قبل ممارسة الطقوس الدينية واداء الفرائض ، كما يشكل في بعض الأديان عنصر التجديد الروحي بالتخلص الرمزي من الخطايا وبداية الانسان عهد جديد مع الخالق في السير بحياة مستقيمة .
ان اسباب وجوب الحفاظ على نظافة المياه وحمايتها من الاوساخ والملوثات تنطلق من قيمتها واثرها في الحياة الروحية للشعوب والاديان المختلفة ، ومن اهميتها القصوى لديمومة حياة الانسان والكائنات الاخرى وضرورتها ودورها في حقلي الصناعة والزراعة .

اما عن قيمة المياه في حياة الشعوب ومعتقداتهم الروحية والدينية فتظهر جلية منذ اقدم العصور وعند مختلف الامم ، فعلى سبيل المثال كان العراقيون القدماء قد عرفوا اهمية الماء فقدسوه وبحثوا عن منابعه وسكنوا على ضفاف الانهار ومساقط المياه ، واعتقدوا أن الماء كان موجودا قبل كل شئ وانه كان يغطي كل مكان ، وأن العالم ولد من بحر لاحدود له من المياه .

لقد انتبه البابليون ومن قبلهم الاشوريون والسومريون الى اهمية الماء كعنصر اساسي في الحياة فمنحوه قيمة عظمى ونزلوه منزلة عليا وخصصوا له (اِله) اختلفت تسمياته بأختلاف هذه الحضارات .
كما قدس القدماء الانهار بأعتبارها المصدر الرئيس للمياه العذبة وحرصوا على التجمع حولها في المناسبات الروحية من اجل الأغتسال لأكتساب النقاء الجسدي والصفاء الروحي ونيل البركات.
ولذلك صوّر قدماء العراقيين الشعار الذي يرمز الى بلادهم ، بلاد مابين النهرين ، على هيئة كأس تخرج منه المياه متدفقة من حافتيه اليمين واليسار على شكل ينبوعين يمثلان نهري دجلة والفرات ، وتمسك بهذا الكأس (المنبع) يدان تشير احداهما الى الساميين الذين نزحوا من جزيرة العرب الى وادي الرافدين في الالف الخامسة قبل الميلاد ، وتشير الاخرى الى السومريين سكان الجنوب وبناة اقدم حضارة في التاريخ .

فالساميون والسومريون كانوا يتصورون ان نهري دجلة والفرات ينبعان من منبع واحد ، لهذا صوروه بذلك الشكل الذي يعبر عن اهميته لديهم وارتباطه الوثيق في حياتهم المعيشية والزراعية .

وتحتل المياه اهمية خاصة في طقوس الصابئة المندائيين . فطقس التعميد (الصباغة) وطقس الرشاما (طقس التطهر قبل الصلاة) ومراسم الزواج ومراسم تكريس رجال الدين وطقوس الاحتفال بالمناسبات الدينية ... الخ ، جميعها تتطلب الارتماس أو الصباغة (التعميد) بالمياه الجارية .
والمندائيون يعتبرون الماء اساس الحياة ، كما هو الحال في عرف العديد من الديانات ، فالماء وبحسب ما جاء في كتاب الصابئة المقدس (كنزا ربا) ، كان موجودا منذ البدء وانه كان قبل كل شئ. والصابئة المندائيون لم يقرنوا الماء بالحياة فحسب بل قرنوه بالنور (الضياء السماوية) ايضا .

والمياه التي يُجري فيها الصابئة طقوس التطهر والارتماس والصباغة ينبغي ان تكون مياها نظيفة جارية جريانا مستمرا من نهر او سواه ، وتعتبر كل المياه الجارية نظيفة ومقدسة في نظرهم ولايجوز تعكيرها وتدنيسها مطلقا ، فتدنيس المياه الجارية وتعكيرها أمر محرّم .

ان تعكير المياه يعني فسادها وعدم صلاحيتها للشرب او التطهير بسبب فقدانها لصفة النقاء ، ولكي يقوم الماء بعملية التطهير ينبغي ان يكون هو نفسه نظيفا وصالحا لهذا الغرض .

ان المياه المتدفقة الجارية هي مياه حية عذبة متجددة تفيض بالحياة والنور ، يشعر معها الانسان بالبهجة وبأستمرار الحياة وحركتها ويمكن له استخدامها والتطهر بها ، كما يمكن لكل شئ في هذا العالم ان يتطهر بتلك المياه . والمياه الجارية هي حتما اكثر بهاء وصفاء ونظافة من المياه الراكدة غير المتحركة وغير المتجددة والتي يشعر معها الانسان بالسكون وانعدام الحياة وعدم النقاء فتكون غير محببة وغير صالحة لأي استخدام .

ومن هنا كانت اهمية الانهار في نظر الشعوب والاديان لأنها جارية بأستمرار وذات مياه حلوة متجددة ، على عكس البحيرات والبرك ذات المياه الراكدة .
لقد قدس العراقيون القدماء نهري دجلة والفرات ومنحوهما اهتماما كبيرا ، كما عرفوا الروافد العديدة التي تصب فيهما لأستقرارهم على ضفافهما .
ويعتبر الفرات احد اهم الانهار التي ذكرتها الاديان وكتب التاريخ ، اذ ذُكر كثيرا في الكتب المقدسة لأهميته ودوره الحيوي في حياة شعوب وادي الرافدين قديما وحديثا . فالفرات مع توأمه دجلة يغذيان تلك الرقعة الجغرافية التي نشأت عليها اقدم حضارة في التاريخ والتي سُميت قديما بأسم بلاد مابين النهرين ((Mesopotamia .

مكونات الماء ، وجوده ، مسببات تلوثه

ينتشر الماء على الارض بحالاته المختلفة الثلاث ، السائلة والصلبة والغازية ، وهو يعيد تكرير نفسه عن طريق دورته المتواصلة في الطبيعة بتحوله الى بخار ثم الى غيوم ثم الى ماء متساقط على سطح الارض وهكذا . وصفات الماء الطبيعية التي يتفرد بها دون سواه من عناصر الطبيعة هي انه سائل شفاف ثقيل الوزن بلا لون ولا طعم ولا رائحة ويتجمد عند درجة الصفر المئوي فيتحول الى الحالة الصلبة.

وبحسب ماجاء في كتاب (موارد المياه لمؤلفه اس ، اتش ، شنيدر ، مطبعة جامعة اوكسفورد ، نيويورك ، المجلد الثاني) ، فان المياه تغطي حوالي 71% من سطح الأرض ، تمثل مياه المحيطات والبحار نسبة 96.5 % منها ، والبحيرات تمثل نسبة 0.013 % ، والانهار نسبة 0.0002 % ، اما الباقي فهو عبارة عن مياه جوفية في باطن الارض او ثلوج عائمة او رطوبة ممتزجة مع الهواء .
اما المياه المالحة فتمثل حوالي 97.5 % من مجموع المياه على سطح الارض والباقي يمثل المياه العذبة .

يؤلف الماء اكثر من 70% من جسم الانسان وهو يلعب دورا كبيرا في جميع العمليات البيولوجية داخل الجسم ، كما انه مذيب فعال للفيتامينات والأملاح والأحماض الأمينية والجلوكوز ، ويلعب دوراً حيوياً في هضم وامتصاص الغذاء داخل الجسم ، وهو الوسيط الآمن للتخلص من السموم والفضلات .
ويعتمد النظام الحراري في الجسم على الماء ، كما أنه ضروري في إنتاج الطاقة داخل جسم الانسان ، وفقدانه عن المعدل يصيب الانسان بالجفاف والغيبوبة ، فلا يستطيع الإنسان العيش دون ماء لمدة تزيد عن 72 ساعة في ظل ظروف اعتيادية .

يعتبر الماء ملوثا عند حصول أي تغيّر في طبيعته أو قوامه أو لونه ، فالتلوث يعمل على تغيير الصفات الطبيعية للماء بسبب وجود المواد الغريبة التي تسبب تعكيره وتكسبه رائحة أو لوناً أو طعماً معينا يجعله غير صالح للشرب أو للاستخدامات الحياتية الاخرى المختلفة .

أن المياه تفقد صفاءها ونقاءها من خلال الملوثات والمواد الغريبة التي تنغمر فيها، فقد تحتوي المياه الملوثة على مواد غريبة ذائبة أو عالقة ، أو مواد عضوية أو غير عضوية ، أو مواد مجهرية كالبكتيريا والجراثيم ، مما يتسبب في فساده ويحوله الى مادة ضارة وخطرة على الصحة لأنه يصبح مصدرا للاصابة بالامراض المختلفة .
ويقدر المتخصصون ان حوالي 80% من الامراض في العالم الثالث مصدرها المياه .

التلوث المائي نوعان :
الاول هو التلوث الطبيعي ، ويحصل عن طريق الملوثات الطبيعية كالشوائب المختلفة والاتربة والاملاح والطحالب والمواد العالقة سواء كانت من أصل عضوي أو غير عضوي ، وهو يحدث حين تزداد نسب تلك المواد في المياه عن المعدل العام او المستوى الطبيعي وتصل الى مستوى الخطر ، ومن علامات هذا التلوث ان المياه تفقد شفافيتها وتكتسب لونا معينا باهتا وتصبح ثقيلة فلا يخترقها الضوء بسبب كثرة وجود الشوائب والمواد الصلبة الحاجبة ، كما تكتسب رائحة غير محببة وتكون مرتعا خصبا للأحياء الدقيقة . ومياه كهذه تقل فيها نسبة الاوكسجين فلا تستطيع الكائنات النظيفة والرقيقة العيش فيها .
اما النوع الثاني فهو التلوث الكيميائي ، ويحصل عن طريق اختلاط المياه بالمواد الكيميائية الطبيعية أو الصناعية او المواد السامة القادمة الى الانهار عن طريق مياه الصرف الصحي (مياه المجاري) ، هذه المياه الحاملة للأوساخ ومواد التنظيف والزيوت السوداء والمبيدات الحشرية ، والحاوية ايضا على الكثير من مخلفات المصانع كالزيوت والاصباغ والاكاسيد ومخلفات الرصاص والزئبق وغير ذلك .
ويحصل التلوث الكيميائي كذلك عند حصول تسرب كبير للنفط او المواد الضارة في المياه الدولية .
والتلوث الكيميائي هو اكثر خطورة من التلوث الطبيعي ويبقى على مدى زمني اطول ، كما ان تكلفة معالجته تكون اكبر .

يؤكد علماء البيئة على ان المياه النظيفة تتطلب بيئة نظيفة ، فوجود بيئة نظيفة يعني وجود مياه نظيفة وهذا الامر ينعكس ايجابيا على الحياة هناك لأن المياه ترتبط بالحياة في كافة جوانبها بما في ذلك الزراعة ، وان اي تلوث يطال البيئة سواء على الارض او في الهواء فأنه سيؤثر لاشك على المياه وجودتها ، فالاراضي الملوثة بالمواد السامة والخطرة تؤدي الى تلويث المياه الساقطة عليها او المارة بها اذ تجرف المياه معها تلك المواد الى الانهار والبحار.
اذن فالمياه النظيفة هي ثمرة البيئة النظيفة .

ان بعض الشعوب البسيطة تحلم بشرب مياه نقية ، فليس من اليسير احيانا الحصول على مياه صالحة خصوصا في المناطق او المدن الفقيرة اوالنائية او مناطق الغابات او الجزر او الصحارى ، فالكثير من سكان تلك المناطق يستخدمون مياه الانهار او الابار او الترع مباشرة دون معالجتها وهذا يؤدي الى خطر التعرض للأمراض خصوصا بالنسبة للأطفال .

وهنالك سلوك خطير يمارسه سكان المناطق الفقيرة او النائية او مناطق الأرياف فهم يلقون نفاياتهم وحيواناتهم النافقة بنفس المياه التي يستخدمونها للشرب او للطعام او للغسل دون التفكير بالنتائج .

ان عمليات تنقية المياه وتصفيتها وتحليتها تكلف البلدان مبالغ كبيرة خصوصا اذا كان معدل التلوث مرتفعا ، فأعادة تكرير المياه عملية طويلة تتطلب وجود محطات متكاملة يديرها متخصصون واداريون .

اما سبل الحفاظ على المياه من التلوث فيمكن ايجازها بما يلي :

اولا . زيادة التوعية الصحية والدعوة الى التثقيف المستمر بضرورة الحفاظ على المياه في جميع مصادرها الطبيعية لكونها عمود الحياة ومادة استمرارها ، فالماء هو العنصر الذي تحتاجه الكائنات بشكل يومي ودائم ، ان نشر التوعية بهذا المجال يؤدي الى خلق اجيال تدرك ضرورة ووجوب المحافظة على المياه من اجل حياة افضل .

ثانيا . عدم القاء النفايات والحيوانات النافقة في المياه (المياه الطبيعية او مياه الصرف الصحي) بل يفترض دفنها او حرقها ، كذلك الحد من القاء النفايات الصناعية في الانهار ومحاولة الاستفادة منها من خلال اعادة تدويرها .

ثالثا . السيطرة على مياه الصرف الصحي وعدم توجيهها الى الانهار مباشرة قبل القيام بمعالجتها ، ويمكن استخدام هذه المياه بعد المعالجة في ري وبزل الأراضي الشبه صحراوية بدلا من توجيهها الى الانهار .

رابعا . الحفاظ على نظافة البيئة بشكل عام وخصوصا الهواء فمياه الامطار تمتزج بكل مايحمله الهواء من ملوثات لتعود بها الى الانهار والبحيرات ، فالحفاظ على نظافة الهواء يؤدي الى الحفاظ على نظافة المياه .

خامسا . توفير ظروف سلامة اكثر لناقلات النفط البحرية للحد من حوادث التسرب النفطي في المياه ، فخلال الاربعين عاما الاخيرة وقعت اكثر من 60 حادثة اصطدام او انقلاب او انفجار او تحطم للناقلات تسبب عنها تسرب مئات الملايين من كالونات النفط ، وادى ذلك الى تلوث خطير لكميات هائلة من المياه .

ان تلوث مياه الانهار والبحيرات والينابيع آخذ في الازدياد عقدا بعد عقد وقد يواجه العالم ازمة مياه حقيقية في المستقبل القريب ، لهذا فان مسألة حماية المياه من التلوث وديمومة نقائها هي مسالة هامة وحتمية لكونها تؤثر بشكل عميق على صحة الانسان وترتبط باستمرار وجوده وكذلك وجود الكائنات الاخرى ، ولها ايضا علاقة وثيقة بجزء هام من اقتصاد العالم من خلال الثروة البحرية والزراعية ، ومن حق الانسان الحصول على مياه نظيفة صالحة للأستخدام لاتهدد حياته ولاتعرضه لخطر الامراض .

ان حماية المياه من الملوثات والمحافظة على نظافتها هي قضية عامة تخص البشر جميعا ، فالانسان هو المسبب الرئيس للتلوث وهو وحده القادر على حماية هذا الكوكب وحماية الحياة عليه .

الدخول للتعليق