• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 19 حزيران/يونيو 2016

هندل في بغداد

  ثائر صالح

استمعت إلى عمل جورج فريدريك هندل (1685 – 1759) كونشرتو غروسّو مجموعة 3 رقم 5 للمرة الاولى في السبعينات، في بغداد، عند صديق عزيز كان يمتلك مكتبة موسيقية كبيرة ومتنوعة. حركتها السريعة الأخيرة (الخامسة) هي التي شدتني وقتها، وأثارت اعجابي لما لمست فيها من تقارب مع الموسيقى الشرقية في بناء السلالم. منذ ذلك الوقت اعتدت القول أن بناء الموسيقى الأوروبية عمودي بسبب التألف الصوتي (الهارموني، أي تآلف الأصوات الموسيقية المتزامنة)، وبناء الموسيقى الشرقية افقي بسبب النظام المقامي الذي يفرض ترتيباً نغمياً صارماً لتسلسل القطع الموسيقية وأجزاء المقام. أقصد بذلك أن ما نراه في المقام هو هارموني افقي، بسبب بناء القطع الموسيقية التي تنتقل بين النغمة الأساسية (بيت المقام) إلى النغمة المسيطرة (الخامسة) مثلاً، أو الثالثة (تحت المسيطرة)، وكذلك الجواب (الاوكتاف أو الثامنة التالية للأساس) أو القرار (الثامنة السابقة للأساس)، أو غيرها من مفردات البناء الهارموني الذي طوره الأوربيون بمساعدة القوانين الفيزياوية من المادة الموسيقية التي يمكن العثور عليها في كل أنواع الموسيقى. ويذكر أن الموسيقي العربية توصلت إلى استعمال أشكال بسيطة من التآلف الصوتي الهارموني في فترة متأخرة، لكن هذا الأمر لم يتطور إلى أبعد من هذه المحاولات بسبب انهيار الحضارة العربية – الاسلامية فقد خبى بريقها بعد سقوط بغداد بفترة.
نعود إلى هندل وعمله الذي ألفه في شبابه بين سنوات 1712-1724، ونشرت دون علمه أو موافقته سنة 1734 بعدما غدا أشهر الموسيقيين الانكليز. استعمل المؤلف فرقة وتريات مع أداتي اوبو وأداة باسون مع أدوات المرافقة (التشمبالو والكونترباص). يكثر هندل من استعمال أداة الاوبو لجمال صوتها وطعمه الخاص، ويوظفها في أعماله الدرامية خير توظيف.
شكل كونشرتو غروسو هو من ابتكار وتطوير الايطالي اركانجلو كوريلي (تحدثت عن ذلك قبل بضعة أشهر)، لكن هندل ابتعد قليلاً في هذا العمل عن النموذج الإيطالي في العلاقة بين مجموعتي الأدوات. اقتبس الحركتين الثانية والرابعة من أناشيد مديح ألفها لراعيه دوق شاندوس، أما الحركة الخامسة موضع اعجابي فكانت جديدة. وقد اعتاد هندل تكرار استعمال الألحان الناجحة التي يبتكرها في عدة أعمال وهو ما يطلق عليه الباحثون تعبير "إعادة تدوير" (Recycling) تماما مثل إعادة استعمال وتصنيع المواد في الاقتصاد.
××××××××××××××××××××××××
https://www.youtube.com/watch?v=6yZhrqY0ViQ

 

في رحاب الموسيقى

Thaier Salih

 

مقالة أسبوعية (كل سبت)
بقلم ثائر صالح

 

شرعت في كانون الأول 2010 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.

ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.

قراءة المزيد