• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 28 آذار/مارس 2018

بحر ديبوسي

  ثائر صالح

تعد مقطوعة البحر التي ألفها سنة 1905 الموسيقي الفرنسي اللامع كلود ديبوسي (1862 - 1918) واحدة من أهم الأعمال الاوركسترالية التي ظهرت في تلك الفترة. هي في الحقيقة عمل سيمفوني يتألف من ثلاث أجزاء أسماها ديبوسي تخطيطات سيمفونية. يعتبرها الكثيرون أبلغ تعبير موسيقي عن البحر، وواحدة من درر الموسيقى التصويرية والانطباعية.
مع حلول نهاية القرن التاسع عشر، أضحت الحركة الرومانتيكية تدور في فلك التكرار. فبدأ قسم من الموسيقيين الفرنسيين بالبحث عن الجديد، فكانوا شغوفين بالتأثيرات الشرقية، في البداية لم يذهبوا أبعد من الموسيقية التقليدية الاسبانية، وبالذات الاندلسية. غير أن المعرض العالمي في باريس الذي اقيم في 1889 كان نقلة في التعرف على عوالم جديدة في الموسيقى. فقد جاءت فرق موسيقية من مختلف بقاع العالم وقدمت موسيقاها. لذا نشهد بعد هذا المعرض ظهور اهتمام خاص بالفنون الشرقية الصينية واليابانية والشرق آسيوية عموماً لدى الفنانين الفرنسيين والبلجيكيين. بل يمكنني أن أتجرأ بالقول أن التيار الفني المسمى "الفن الحديث" قد وصل الذروة في العمارة والزخرفة عبر هذا الشغف الكبير بالفنون الشرقية. ولم يكن ديبوسي وغيره من الموسيقيين الفرنسيين استثناء، خاصة إذا علمنا أن أباه امتلك متجراً لبيع الخزف الصيني. وقد تأثر ديبوسي على الخصوص بفرقة موسيقية من جاوا في اندونيسيا تعزف الموسيقى التقليدية (غاملان)، فنجده يقتبس عالم الأصوات الأندونيسي الخاص في عدد من أعماله اللاحقة، منها عمله المعنون "باغود"، إذ يستعمل فيه سلماً بنتاتوني (خماسي النغمات، مثلاً السلم المتكون من المفاتيح السوداء الخمسة على البيانو) وهو السلم المستعمل لدى العديد من الشعوب. والحال نفسه في "البحر"، حيث يستعمل السلم البنتاتوني بكثرة، وتأثيره على السامع هو زيادة الانشداد والتوتر.

استعمل ديبوسي اوركسترا فيها وتريات وزوج من الأدوات الأخرى وثلاث أدوات من كل من الباسون والترومبت والترومبون، وأربعة من الهورن، لأنها كانت تمثل اله البحر الأغريقي، علاوة على أداتي هارب وأدوات ايقاعية مختلفة للحصول على التأثيرات الصوتية المطلوبة.
لم تكن موسيقى جاوا المنبع الوحيد لهذا العمل الفذ، بل هو مزيج من عدة تأثيرات وخلاصة ما مر به من تجارب وخبر، من طريقة استعمال باخ للحلية والزخرفة حتى أناقة ورشاقة موسيقى شوبان وتأثيرات الموسيقيين الروس الذين نشطوا في باريس، مثل مودست موسورسكي.
تحمل القطع الثلاث اسماءا هي "من الفجر حتى الظهر" و "تلاعب الأمواج" و "حوار الريح والبحر". وتعكس الموسيقى هذه العناوين عموماً، فالاولى تبدأ بشيء من الغموض، تماماً كما يبزغ الفجر، تتبادل فيها الألوان والظلال. والثانية تعني الحركة وانتشار الضوء وسقوطه على الماء المتماوج واختراقه الأعماق المجهولة. أما الثالثة فتصور هاتين القوتين الهائلتين من قوى الطبيعة، الريح والبحر، والتدرج من هدوء البحر حتى الذروة العاصفة لعناصر الطبيعة. في الحقيقة تحيلنا القطعة الأخيرة الى لوحة يابانية كانت معلقة على جدار مشغل ديبوسي، رسمها الفنان الياباني هوكوساي كاتسوشيكا (1760 – 1849) سنة 1830 أو 1831، عنوانها "الموجة العظيمة أمام كاناغاوا" ويظهر فيها جبل فوجي المقدس عند اليابانيين.
×××××××××××××××××××××××××××××× ×××××××××××××××××××××

إيسا – بكّا سالونن يقود فرقة اوركسترا باريس:

https://www.youtube.com/watch?v=kxEMgHGrAPM

 

قطعة باغود من عمله استامب (طبعة) التي الفها سنة 1903، وفيها نفس الأجواء الاندونيسية:

https://www.youtube.com/watch?v=OdB2lkzG_v4

عالم الأصوات في الغامَلان الذي سحر ديبوسي

https://www.youtube.com/watch?v=HfrOSJRCsfM

 

 

 

في رحاب الموسيقى

Thaier Salih

 

مقالة أسبوعية (كل سبت)
بقلم ثائر صالح

 

شرعت في كانون الأول 2010 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.

ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.

قراءة المزيد