• Default
  • Title
  • Date
  • نعيم عربي ساجت
    المزيد
    استيقظت من النوم على اثر هزة خفيفة لرأسي ، وصوت امي
  • مؤسسة الذاكرة المندائية
    المزيد
    the Foundation for the Preservation and Riviving of Mandaean Memory
  • عبد الحميد الشيخ دخيل
    المزيد
    كان التجمع في شارع ابي نؤاس عصرا وكما اتذكر مساء
  • همام عبد الغني
    المزيد
      تواصلت رحلتنا , متنقلين بين قرى كردستان , التي كانت آمنة
السبت, 07 كانون1/ديسمبر 2013

إيّاكَ والكلبَ ذا الصاحبين

  اعداد عبد الجبار السعودي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

   الوقت و المكان:- بين الصيف والشتاء من عام 2006 في البصرة

 بكُلِّ فخرٍ أقول إنني أولَ عراقي أستمع لنصيحة وأعملُ بها. وهي بنظري سابقة غريبة، فالعراقي يكره النصائح ومن يُطلقها. ولدينا مثل يقول ((العراقي إنِطـْحَـه ولا تِنصْحَه)).

 أعود إلى الموضوع؛  فلقد وجدت نفسي مرغماً على العمل بنصيحة تبرع بها صديقٌ لي بعد أن إستمع إلى شكواي من قلة النوم والقلق والخوف من العصابات الليلية التي عاثت في البصرة فساداً؛فكلُّ من يمشي على قدمين هو هدفٌ محتملٌ إلى هذه العصابات، ومن يمتلك مالاً يُختطف ويُقتل، ومَن كان لديه رأيٌّ يُخالف رأي المتنفذين يُقتل أيضاً، ومن كانت لديه زوجة جميلة فهو مقتول مقتول مقتول ..

 ولقد شملتني حُمّى الخوف على الرغم من إني لم أكن أملك مالاً ... فكلُّ ما أملكه هو سيارة عتيقة أستخدمها كسيارة أجرة، وكان كلُّ من يركبُ فيها يُقسم أغلظ الإيمان أن لايركبها مرةً أخرى؛ لأنها وببساطة سيارة مصابة بمرض باركنسن ؛لأن كلَّ جزءٍ فيها يرتجفُ على حده ، وأقول : أعان الله من ركب فيها مرة.

 

ثم أنَّ زوجتي لا تُشبة الممثلة شارون ستون لا من قريب ولا من بعيد، وبعد ذلك ليس لدي رأي مخالف لأي أحد، فالآراء والحمد لله كلُّها متضاربه. ومع هذا كنت لا أنامُ ليلاً ؛ خوفاً من غدر عصابات قذرة تسلحت بكلِّ آلات القتل، وتمتطي سيارات مملوكة للدولة والدولة ليس عليها سلطان، وتباركها فتاوى مقدسة لرجال مشكوك بولائهم للوطن والدين.

 

أصبح سهر الليالي عندي ضرورةً وعادة، أما عن كونه ضرورة، فلإني لا أريد الموت بطريقة خروف العيد. وعن كونه أصبح عاده فقد كنت أسهر ليلاً وأنام نهاراً لأني- والحمد لله - لم يكن لدي عملٌ ثابتٌ يُرغمني على النهوض صباحاً.

 

قال صديقي المحترم: ((إقتنِ كلباً يُعينك على الحراسة ليلاً ويُنبهك في حالة غفلتك))...

 

وجدتُ إنَّ نصيحته رائعة فعلاً وتنمُ عن عبقرية وفهم مدروس للأوضاع الحالية ،ونادراً مايتفوه بها أحد هذه الأيام.

 

وأعلنت عن رغبتي بإقتناء كلب، فبادر أحدهم وأرسل لي كلباً كبيراً ،جميل المنظر، فنظرت اليه بإحترام لأنه سيكون منقذي من سهر اليالي..

 

  أطعمت الكلبَ وربتُّ على رأسه وعنقة ((هذا مأخوذ من كتالوج الإستعمال))، بدأ الكلب يتعود عليَّ ؛ فإذا خرجتُ ركض إليَّ وهو يهز ذيله قافزاً حولي فرحاً.

 لكن، برزت مشكلة أخرى مع زوجتي التي لا تُشبه الممثلة شارون ستون. أما المشكلة فهي في نجاسة الكلب، فكانت تُرغمني على الإستحمام كلما هز الكلب ذيله قربي، ومع هذا فقد رضيت بالوضع لإنعدام الخيارات الأخرى، كما إنَّ المثل يقول ((ويرضى بالحمى من ذاق الموت))، فكان الإستحمام المتكرر أهون من السهر الدائم، رغم تحفظي على مسألة نجاسة الكلب، فأنا أعتبر إنًّ الكلبَ رغم نجاسته أطهر من بعض الذين أعرفهم.

   في خضم هذه الأحداث فاتني وأنا في أزمتي مع ضعف قدرتي على التركيز التي ورثـّها لي السهر المتواصل أن أسأل عن الكلب، عن أصلة ونوعه، ولماذا تخلى عنه أهله،  لكن لايهم كل هذا.

فالمهم ((أصبح عندي الآن كلبٌ .... فإلى النوم خذوني معكم)).

 

 ذهب عني الخوف قليلاً لوجود الكلب المحترم، وشعرتُ ببعض الأمان... ولماذا لا، والكلبُ أخذ على نفسه السهر على سلامتي وسلامة بيتي ؛ فكان نِعم الحارس الأمين؛ فما أن تقفزَ قطةُ الجيران في باحة بيتي حتى تنشبَ معركةً شرسة فيها من النباح والصياح والصراخ وبعثرة محتويات صندوق القُمامة، أصواتٌ تجعلُ الأطفالَ يهبون من نومهم مذعورين، فكنت أسرع لفض الإشتباك لكن بدون جدوى فشراسة الكلب تجعلني أتراجعُ خوفاً منه، وفي بعض الأحيان كنت أفكر بالإستعانه بقوات التحالف لفض الإشتباك الدائر في باحة البيت ،لكني أتراجع في اللحظة الأخيرة خوفاً أن يتهمني البعض بالعماله للمحتل، وتنهزم القطة وأبتسم أنا من كل قلبي فرحاً بإنتصار كلبي الوفي وأقول في نفسي ((والله إنه لكلبٌ إبنُ كلب!!!))، إذا كان الكلب مع القطة يجعلها معركة فما الذي سيفعله مع اللصوص؟ أكيد سيجعلها ((أُم المعارك)) وأشفق في سري على اللصوص وأنا أتخيل مؤخراتهم الممزقة. وأعود للفراش وأنام قرير العين.

 

  مرّ أُسبوعٌ شعرت فيه براحة النوم وعاد بدني لسابق عهده وفارقني المزاج العكر الذي صاحبني لفترة، وعدت لعملي وسيارتي الرعاشة وعاد الركاب يقسمون أن لايركبوها ثانية، وعادت علاقتي بزوجتي التي لا تُشبه شارون ستون إلى طبيعتها السابقة.  الحمد لله فالنوم له سحرٌ في حياة الإنسان حتى كانت ليلة إستسلمت فيها  لنومٍ عميق وشعورٍ الأمان يُغطيني بفضل الكلب.

 

  وفي الصباح إستيقضت على صوت زوجتي تناديني للإفطار، جلسنا نفطر سوية ....على المائدة خيراتٌ كثيرة لكنها للأسف كلها مستوردة من البيض إلى كلِّ منتجات الألبان، سألت نفسي هل الدجاج العراقي عاقر أم هل الأبقار العراقية تتعاطى حبوب منع الحمل؟ لماذا يغزر إنتاج المواشي والدواجن في الدول المجاورة ومواشينا يصيبها العقم؟ سؤال لم أعرف إجابته، قلت في نفسي ((لاسمح الله لو أغلقت الدول المجاورة حدودها ولم تصدر لنا المنتوجات الزراعية ماذا سيحل بنا؟)).

 

  أكيد ثم أكيد إنها المجاعه بعينها، تعوذت من الشيطان اللعين الرجيم من هذه الأفكار السوداء ودعوت الله تعالى أن ييسر حمل دجاجنا بالبيض وأبقارنا بالعجول، وأرضنا بالزراعة الوفيرة لكي نتخلص من الذل الاقتصادي الذي يسومه لنا جيرانُنا بدون إستثناء... إتكلت على الله وخرجت للعمل بسيارتي الباركنسونيه، لكني صدمت بعدم وجودها أمام باب بيتي !.

 

  وبعد الأخذ والرد والسؤال أدركت إنَّ سيارتي قد سرقت! فسجلت شكوى في مركز الشرطة، وحضر أفراد الشرطة لمعاينة مكان السرقة، فجأةً سألني ضابط الشرطة وهو يقف أمام منزلي:

 

 ((يبدو إنَّ لديك كلباً)) فأجبته بالإيجاب. وعاد يسألني ((ألم ينبحْ كلبُكَ أثناء الليل؟)). أجبته بالنفي.

 

  أثارت ملاحظة الضابط إنتباهي لعدم نباح الكلب على اللصوص وإستغربتُ من تصرف الكلب.

 

   سألني الضابط ((هل تربّي هذا الكلب منذ صغره؟)) فأخبرته بالقصة كلِّها ،وكيفية حصولي على هذا الكلب، أكمل رجال الشرطة إجراءآتهم ورحلوا تاركيني وحيداً مع قهري وحزني بقلب يملؤه الغضب.

 

  مرّ يومان وتم إستدعائي من قبل الشرطة فلقد عثروا على سيارتي وعلى سارقها أيضاً، أتعرفون من هو؟ لقد كان شقيق الرجل الطيب الذي أهداني الكلب.

 

  قال لي رجل حكيم (( إياك والكلبَ ذا الصاحبين ))، أتعرف لماذا؟ لأنك لو ربيت كلباً وهو صغير فسيكون إنتماؤه وولاؤه لك، أما إذا أخذت كلباً وهو كبير فسيكون إنتماؤه لك ولكن ولاءه لغيرك، فهو يدرك غريزياً أنه إذا إحترق بيتك أو سرق سيكون دوماً هنالك دار أخرى له)).

 

لهذا ياعزيزي إنَّ كلبك الشرس لم ينبح على اللصوص لأنهم بكل بساطة..أهله!

 

ملاحظة/ إهداء لكل الساسة العراقيين الذين أتونا من بلدان أخرى يحملون جنسياتها، لكنهم ليسوا بالعراقيين !

 

***

 

هَمسَ الصديق أبو ضامن عبر الهاتف وهو يستمع الى الحكاية:

ذبّولـــــه رغيف وهز ذيله !

الدخول للتعليق