• Default
  • Title
  • Date
  • اعداد : عزيز عربي ساجت
    المزيد
    اللغة المندائية والحاجة الملحة للبحث العلمي الدائم هناك جملة تساؤلات
  • فهيم عيسى السليم
    المزيد
    كتب الكثير عن هذا التنظيم الإرهابي الدموي ودخل الإستخدام اللغوي
  • د . قيس مغشغش السعدي
    المزيد
    بتوقف  دراسة اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق
  • د. قيس السعدي
    المزيد
    قصيدة لميعة عباس عمارة حين تتحدث مع لميعة عباس عمارة،
الأحد, 07 نيسان/أبريل 2013

أحياء اللغة المندائية بين النظرية والتطبيق العملي

  الترميذا علاء النشمي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ان اللغة من المقومات الاساسية للشعوب والاقوام التي تبغي الحفاظ على هويتها وكيانها الحضاري والثقافي. ومن المعلوم بان تقدم اي امة يبقى منقوص اذا لم يتم الحفاظ على لغتها المميزة لها، والتي انتقلت فيما بين متونها افكار وفلسفة ومشاعر وتمنيات ابناء هذه الامة ام تلك. ان التاريخ الانساني على هذه المعمورة حافل بلغات عديدة لا تحصى، اندثر بعضها وبقى البعض الاخر وتطور على انقاض المندثر منها، وهنالك من اللغات التي تنتظر الاندثار لانها وبكل بساطة لم تواكب تطور الانسان ومن ثم لم تلبي حاجات الانسان في حياته اليومية والفكرية والاجتماعية المصاحبة لتطوره. اما في الحالة المندائية، ان انهيار اللغة المندائية واندثارها يعني انهيار واندثار الكثير من الروح المندائية الدينية منها والفكرية.

هنالك دعوات لاحياء اللغة المندائية من مختلف شرائح المجتمع المندائي. وهنالك نوعين من تلك الدعوات:

دعوة مبنية على عواطف رخوة لاتغني ولاتسمن وغرضها علاج مشكلة بمشكلة اكبر واعم، كمثل ذاك الرجل الذي اصابت البلهارزيا احد افراد عائلته فجلب طبيب مصاب بالجدري لعلاجه!! قصدي هو ان البعض الذي يدعو الى استعمال اللغة المندائية في الحياة اليومية فيما بين افراد الطائفة قد جلب هذا الحل لعلاج تشتت افراد الطائفة فيما بين اكثر من عشرة بلدان، وهو يرى بان استعمال اللغة الموحدة سوف يحل لنا مساءلة تشتت الاجيال القادمة. وان هذا لربي عظيم ان نفكر بمشكلة الاجيال القادمة وكيفية اتصالها وعلاقاتها ببعضها، ولكن الحل المطروح لا يشفي الجرح لان حال اللغة المندائية لا يسر عدو ولاصديق وهو نفسه يحتاج الى حل وعلاج فكيف له ان يعالج ويحل مشكلة الاجيال القادمة!!

ان مساءلة احياء لغة معينة دائما يرتبط بهدف عظيم تنشده امة او جماعة معينة .. ويجب ان يكون هذا الهدف ذو علاقة مباشرة مع حيثيات اللغة وخصائصها اللغوية في الادب والشعر .. فلا يمكن عمليا احياء لغة ميتة لغرض او هدف ليس له علاقة بروحية تلك اللغة.

اما مساءلة الاجيال المندائية القادمة والمنتشرة حول العالم وكيفية الاتصال والتواصل فيما بينها وبقائها في حدود الطائفة، فاعتقد بان هذه المساءلة لا تحل بقضية احياء اللغة فقط. لان عملية التزامهم بالمندائية وبقاء علاقاتهم وتواصلهم ابعد واعمق من مساءلة تخاطب شخصين بنفس اللغة. ان عالم اليوم يزخر بجماعات تؤمن بفكرة وقضية واحدة وتدافع عنها وفي نفس الوقت المنتمين لها يتحدثون بلغات مختلفة عديدة ربما لا تمت للاخرى بصلة. ان اللغة في عالمنا اليوم ليست العامل الوحيد والفريد في تجميع الافراد تحت غطاء قضية واحدة وانما هنالك عوامل ابعد من الانتماءات اللغوية هي التي تشد اواصر الافراد والجماعات وتجعلهم يسيرون بمسار واحد وتحت خيمة واحدة. وهنالك امثلة كثيرة تدعم مقولتنا السابقة يمكن سوقها هنا.

ان احياء اللغة ليس الحل الشامل والسحري لمساءلة الحفاظ على اجيالنا القادمة!!! وانما هنالك مساءل اخرى لا تقل اهمية من اللغة اذا لم تفوقها في الاهمية. فالاهم في نظري هو كيفية احياء المفاهيم المندائية والبناء عليها ومن ثم ضخها باجيالنا القادمة !! وكيفية احياء مفهوم الهوية والانتماء المندائي فيهم، وجعلهم يشعرون بوحدة القضية وبوحدة الانتماء بغض النظر عن لغاتهم وثقافاتهم !! وان اللغة ليست المساءلة الوحيدة التي سوف تفرق اجيالنا القادمة وانما هنالك اسس اخرى وانتماءات وولاءات اخرى سوف تتغير باجيالنا القادمة منها الانتماء الوطني والثقافي والاجتماعي .. فاين نحن من ذلك كله !!

والدعوة الثانية المبنية على اصول علمية متينة ونظرة واقعية صحيحة للغة المندائية، ويبغي احيائها كلغة حية منتجة لها فوائدها الجمة وليس مجرد استعمالها كلغة عامية يومية للتفاهم (ان صح استعمالي لكلمة لغة وانما هي مجرد كلمات مبعثرة ليس لها اي قائمة من مقومات اللغة). على كلا ان اللغة المندائية التي استطيع ان امثلها بالانسان المصاب بمرض عظيم، فاما ان نطلق عليه رصاصة الرحمة ونوقف عذاباته ام نحاول اسعافه ونكتشف مرضه، وكلنا امل بان رحمة الحياة تسعفنا لانقاذه!!.. لربما سوف ينتقدني البعض بان امثل اللغة المندائية بهكذا مثل، واقول لهؤلاء باني كنت متحيزا ومحبا للغتي بان انعتها بالانسان المحتضر الموشك على الموت، لان الباحثين وعلماء اللغة قد اطلقوا رصاصة الرحمة منذ زمن على اللغة المندائية وحرروا لها وثيقة وفاة وجعلوها من ضمن لغات العالم المندثرة!! فاعتقد بان وصفي كان اكثر لطافة ورقة بحق اللغة المندائية.

ولمعلومات القارىء الكريم ان علماء اللغات يصنفون اللغة التي ليس لديها متحدثين اصليين (يقصد هؤلاء الذين يولدون ويتحدثون بتلك اللغة منذ طفولتهم) على انها لغة (ميتة او مندثرة)، واللغة التي ليس لديها متحدثين اصليين في الاجيال الشبابية تصنف على انها لغة (محتضرة او موشكة على الاندثار)، اما اللغة التي لديها عدد جدا قليل من المتحدثين الاصليين فتصنف تلك اللغة على انها (معرضة لخطر الزوال).

دعونا ناتي الى النقطة الاهم وهي ماهي المعضلات والمشاكل التي تواجه عملية احياء لغتنا اللغة المندائية؟!! دعونا نسطر هنا بعضا منها:

1. هل تعرف عزيزي القارىء بان لا يوجد اي احد يتحدث اللغة الكلاسيكية المندائية وينظم بها الشعر والنثر ويستعملها في الحياة اليومية (ماعدى الرطنة "اللهجة العامية المندائية والتي يتحدث بها عدد قليل جدا وعلى نطاق ضيق)!! ومثلما يعرف الكثيرون ان عملية تواجد اي لغة حية لا يقف على مساءلة ذهاب شخص الى السوق ويشتري كيلو طماطة مستعملا تلك اللغة !!! فهذه بمثابة القشرة من اللب.
2. هل تعرف بان 99.9% من المندائيين تعتبر لغاتهم الام اما عربية او فارسية او انكليزية. فمهمتنا الان هي كمن يعلم المهاجرين العرب في استراليا مثلا اللغة الانكليزية. تخيل عزيزي القارىء الجهود الجبارة التي تبذل من كافة انواعها لجعل هذا الشخص يتحدث باللغة الانكليزية !!!
3. ان هنالك لهجتان مندائيتان متاثرتان بمحيطين مختلفين وهما لهجة مندائيي العراق المتاثرة بالمحيط العراقي ولغته العربية، ولهجة مندائيي ايران المتاثرة بالمحيط الايراني ولغته الفارسية. وان هذا الامر الطبيعي والعلمي اخذ منحى عنصري مع الاسف الشديد.
4. ان بنك المفردات المندائية في الحياة العصرية اقل من ضئيل، ويكاد ان يكون مفلسا، وهذا سوف يعيق مهمة المعلمين الذين يبغون تعليم مادة اللغة المندائية.. فمن الاهمية ان تستنبط كلمات ومفردات جديدة تواكب الحياة العملية من صميم وروح اللغة المندائية، واذا وصلنا الى طريق مسدود فمن الممكن الاستعارة من الارامية الام او من لهجاتها المتعددة لان المندائية وكما هو معروف لهجة من تلك اللهجات.
5. ان مواد التدريس من كتيبات وكراريس وملصقات وتوضيحات لغوية وقواميس مختلفة غير متوافرة. قصدت بتلك المواد المبنية على اسس علمية ولغوية واكاديمية صحيحة وبمختلف اللغات.
6. افتقارنا الى مدرسين مؤهلين اكاديميا لتدريس مادة اللغة، ويجيدون المندائية في نفس الوقت.
7. ان الابجدية المندائية من الابجديات القديمة التي لم تتطور، وبالتالي افتقارها الى الليونة الكتابية والسهولة اللفظية لاستعمالها كلغة حية مرة اخرى كما كانت في فترة تاريخية معينة .. فمثلا لا يوجد تنقيط ولا حركات مميزة في المندائية، فلحد الان هنالك حروف تلفظ باكثر من لفظ وبدون اي تمييز فيما بينها كتابيا (وغيرها)، وهذه من الامور التي تعيق عملية تطور اللغات واحيائها ايضا. فالبعض يحرم كلمة تطور على اللغة المندائية ويرفض تطورها او مدها باسباب الحياة، ومما يزيد من الطين بلة يدعو الى احياء اللغة، وكأن اللغة في حساب البعض قالب حلوى ينفع في كل زمان ومكان وما درى بان اللغة كائن حي سنته الحياة لكي يتطور ويتكيف وان لم يفعل ذلك اضمحل وانفنى.
8. ان عملية بقاء لغة متوقف ايضا على مدى تعلق متحدثيها وايمانهم بها .. فاين نحن من ذلك!! فهل عوائلنا مستعدة لتحمل تبعات عديدة في سبيل تعليم اولادهم تلك اللغة. ومن هذه التبعات ما تكون مادية ومعنوية ووقت ووجهد وطول صبر واناة.
9. التراث المندائي المكتوب مبعثر ولا توجد جهة مركزية واحدة ولا معلومة تحوي هذا التراث المكتوب. فكيف نريد ان نحيي اللغة وتراثنا المكتوب مبعثر وليس بمتناول يد الجهة المسؤولة عن عملية الاحياء المفترضة؟!!
10. لايوجد لدينا اي مركز مؤهل خارج البلاد، لكي يكون بمثابة مدرسة منتظمة للغة المندائية.

ان هذه العملية ليست بالامر اليسير ولكنها ليست بالامر المستحيل اذا توفرت وسائل انجاحه. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من يقوم بعملية احياء اللغة المندائية؟!! هل الافراد ممكن ان يقوموا بهذه المهمة الكبيرة؟!! هل الجمعيات المندائية في بلاد المهجر؟!! والتي لا تملك اي واحدة منها مواصفات اكاديمية ولا برنامج علمي صحيح ولا موارد مناسبة للقيام بتلك المهمة التي يتطلب انجازها سنين طويلة ومستمرة من العمل الجاد والصحيح وفق خطة اكاديمية وعلمية ومدعومة ماديا ومعنويا. لا اعتقد بان جمعياتنا مؤهلة لهكذا غرض وهدف كبير، فان جمعياتنا (البيها مكفيها). ممكن ان يكون لتلك الجمعيات دور مساند.

اما مقترحاتي التي ادعو بها هي الاتي:

1. انشاء مجمع للغة المندائية على غرار المجامع اللغوية الاخرى مثل مجمع اللغة السريانية في العراق. وهو مجمع اكاديمي متخصص مبني على اسس علمية وعلى ايدي ناس متخصصين. لدى هذا المجمع خطته واهدافة ولجانه المتخصصة.
2. يضم هذا المجمع كافة المتخصصين والمهتمين باللغة المندائية من مندائيين وغير مندائيين. ومن الضروري ادراج بعض المتخصصين في اللهجات الارامية الاخرى من ضمن هذا المجمع، ومنها السريانية والتلمودية وغيرها.
3. دعم هذا المجمع العالمي للغة المندائية بالموارد المادية والمعنوية من قبل جميع الجمعيات المندائية في العالم. ومن الممكن جدا العمل على تحصيل دعم مادي ومعنوي من قبل مؤسسات وجامعات اكاديمية عالمية .. ومن الممكن ايضا ان تكون مؤسسة ارام العالمية والتي تنظم المؤتمرات الدورية حول المندائية نقطة الانطلاق.
4. بذل الاموال والجهود الكبيرة وفق خطة علمية وصحيحة لجمع التراث المندائي المكتوب والمخطوط بعدة نسخ، حتى ولو كانت قصاصة من الورق مكتوبة بالحرف المندائي.
5. تشجيع البحوث والدراسات اللغوية، وفتح المجال والدعم امام نشر وطباعة القواميس والكتب والكراريس التي تختص باللغة المندائية ولكافة المراحل.
6. انشاء الصفحات الالكترونية المختصة بتعليم اللغة المندائية من خلال شبكة الانترنت وفق اسلوب علمي وصحيح. ودعم ابتكار الخط المندائي الكمبيوتري وتعميمه على نطاق واسع.
7. توعية عوائلنا وابنائنا وبناتنا باللغة المندائية واهمية تعلمها وبقاءها لانها حاملة للفكر المندائي.

ان انهيار اللغة المندائية واندثارها يعني انهيار واندثار الكثير من الروح المندائية الدينية منها والفكرية. لان الفكر المندائي لحد هذه اللحظة هو خزين الكتب والمخطوطات، وما ترجم منها سوى النزر القليل. ان النقاط اعلاه من الامور المهمة لمن يريد احياء اللغة المندائية ويدعو لها جديا. ويجب ان يتم تحضير البنية التحتية لاي عمل قبل الشروع به .. واعتقد ان ما اثرته من خلال مقالتي هذه، هي بعض الاسس المهمة التي يجب العمل على تثبيتها وانشائها لغرض المضي قدما في سبيل تحقيق حلما عريضا ورديا جميلا كهذا. فيكفينا ترديد الدعوات والامنيات والحلول النظرية والغير عملية. يجب التركيز الان على وضع الخطط وتحضير الموارد للمضي قدما في تحقيق بعض الامنيات والاحلام. فعلى ضوء مستوى فكري البسيط، اعتقد بان الطائفة المندائية لديها الكثير من المؤهلين والمبدعين والاختصاصيين للقيام والنهوض بهكذا عمل والنجاح فيه .. ولكن .. لكن .. ما اصعبها من كلمة .. فلو كانت رجلا لصرعته !!

الدخول للتعليق