• Default
  • Title
  • Date
  • اعداد : عزيز عربي ساجت
    المزيد
    اللغة المندائية والحاجة الملحة للبحث العلمي الدائم هناك جملة تساؤلات
  • فهيم عيسى السليم
    المزيد
    كتب الكثير عن هذا التنظيم الإرهابي الدموي ودخل الإستخدام اللغوي
  • د . قيس مغشغش السعدي
    المزيد
    بتوقف  دراسة اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق
  • د. قيس السعدي
    المزيد
    قصيدة لميعة عباس عمارة حين تتحدث مع لميعة عباس عمارة،
الأحد, 06 كانون1/ديسمبر 2020 10:41

السقوط ... قصَّة قصيرة

 

كاد إطراؤها بشخصه، وذكر ما أشعرها بالقرب منه، وذاك الشعور الغريب بالارتياح عندما تبادله الحديث، بالكتابة أم بالصوت؛ إلى الإفصاح يقترب عمَّا كان واضحاً من رنين صوتها الرخيم، ومعسول ما به تنعته من الأوصاف، ما غريب ذاك عن شاعر مثله، خبيراً كان بما تؤول إليه تلك المحادثات، وما تعنيه حشرجة الأصوات عند بعض النساء، واختناقها عند إطلاق الزفرات؛ بل لو كان مُصوراً لوثَّق صورة لتلك التي على الطرف الآخر من الأرض، وقد غزتها القشعريرة من أقصى الرأس حتى أخمص القدمين، أو أمسك ريشة لكانت هناك لوحة لامرأة يقترب وضعها مما كان يجبره على اقتراض أثمان تذاكر دور السينما، كي يشاهد أكثر من مرة أفلاماً لم يدرك وقتها أنها تمثيلٌ، ليس إلّا، لجني النقود، وهذا الصنف منهنَّ إما أن تكون خجلى، لم يطرق الحبُّ بابها من قبل، صفحة بيضاء، كما قال البلغاء، لا تقوى على الإفصاح عمَّا يسرق عن جفنيها النوم، أو ذات تجربة، تمثيل دورها أجادت، وأحسنت التمثيل. .
تقمَّص دور من لا يدرك ما كانت تعنيه مُحدِّثته التي تأكد من خلال صفحتها مما تحمله من مؤهلات، وما عليها قد نشرت من نشاطات، واحدة إثر أخرى تفحَّص ما عليه حازت من أوسمة، وأنواط تكريم، مما كان موثوقاً به أو غير موثوق من المؤسسات، وما تمنح بعض الروابط الوهمية من شهادات لمن لا يجيد قراءة ما تعنيه تلك الشهادات، على أكثر من مؤهل علمي حازت تلك المرأة، عشرات المعارض الفنية قد شاركت فيها، محليَّاً وعالميَّاً، وفي كلٍّ منها شهادة أو وسام عالٍ، خواطر شعر تكتب، وأحيانا نصوص شعر جميلة كتبتْ، نالت استحساناً عليها، ومن التعليقات العشرات، الظاهر من أغلبها أنها إكراماً كانت لجمال صورة سرقتها من صفحة أخرى؛ بها خدعت مئات من المغفلين.
سندي أنت وسرُّ نجاحي، وإن كان ذاك غير اختصاصك؛ فقد قوَّم إبداعي ما تمليه علي من ملاحظات، لوحاتي من وحي قربك مني تنفَّست الحياة، حين أستحضرُ أمامي رسمك تكون أنت اليد التي تمسك الفرشاة، فترسم لي أجمل ما رسمتُ، وما بي تغنّى المتابعون والنقاد، أجمل ما في عمري تلك اللحظة التي تنشرُ فيها لوحة لي على موقعك، أو صفحتك، تؤطرها بأرق ما خطَّ أديب، وأعذب ما غنَّت حنجرة لفنان، أعلاماً مميَّزينَ من خلالك عليهم تعرفت، وعلى تجارب الآداب والفنون لديهم اطّلعت، وهل بلا مُلهِم ممكن أن يكون فناناً هو الفنان، أو الشاعر شاعراً، نعم، قد قرأتُ عن هذا من قبل؛ لكني معك أدركتُه حقيقة لا تقبل التأويل، أو الإيغال في الوصف، فكن لي كذلك ما دمتَ حيَّاً وما دمتُ، كنْ صديقي، وأكثر إن قبلتَ، وكن مُلهمِي مدى الحياة.
يوماً مُضنياً كان، بين مراجعة لما يجب أن ينشر من نصوص على موقعه، وصحيفته، وما به كان أخلاقياً ملتزما في إعانة من يحتاج للتصويب، والأهم من ذا كله؛ ما عليه كان واجباً أن يروي ظمأ البعيد الذي ارتضاه شريكاً للروح، بل كان هو الروح، الفجر قريب جداً، وسريره الفارغ يستدعيه؛ رنَّ الهاتف، وما عنه غريبا كان ذلك الصوت، بلا تحية اعتادها منها، ولا ذلك الشوق:
- أهلا صديقتي، الوقت صباح عندكم، وعندنا الفجر.
- أعلم ذاك، ولا يهمُّني؛ أردتُ إبلاغكَ أنْ ذا بيننا آخر الكلام.
- غريبٌ عنك ما قلتِ، فهلاّ أفصحتِ؟
- لم تعدْ أنتَ كما أردتُ لك أن تكون لي؛
لم تخبرني أنَّ دينَك غير ديني، وهذا في شريعتي حرام...

________________________________________

نشرت في قصة
الأحد, 06 كانون1/ديسمبر 2020 15:30

الطابوقة

في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون وجهي وحرارته وشدة الصداع كرر المضمد في وحدة طواريء مستشفى المقدادية العام الضغط على كرة جهاز قياس الضغط ولكنه فشل وللمرة الثالثة من معرفة مقدار ضغط دمي، واخيرا قال ان الجهاز عاطل وليس من بديل له في هذه الوحدة فأكتفى الطبيب بأعطائي حقنة مدرة للأدرار وعدت بيتي متعبا.

هناك في غرفة امتلأت الى اخرها بالمرضى وعدد من الاجهزة القديمة المتهالكة ،جلس الى منضدة رجل بصدرية بيضاء وبيده قلم يكتب على اوراق صغيرة امامه بلغة انجليزية مليئة بالاغلاط الاملائية لا يحل رموزها الا هو ويعتقد وهو يؤدي دور الطبيب وقد امتلأ غرورا بأنه شخص ما يحتاجه هؤلاء المرضى من مفردات وتمارين وخطوات للعلاج ،ذلك الرجل هو المعالج الوحيد في وحدة العلاج الطبيعي في مستشفى المقدادية العام . جاء دوري وكنت اعاني من دوار والام في الفقرات العنقية فأجلسني على كرسي وطوق عنقي بحزام من النسيج الاسود الذي تحول لونه الى البياض وتهرأ بعضا من نسيجه بفعل عرق المرضى الذين تناوبوا على استخدامه ثم رفع العتلة فضغط الحزام على رقبتي وشدها الى الاعلى وكاد ان يخنقني او يشنقني وعندما صرخت طمأنني وقال ان ذلك بفعل (الطابوقه )التي وضعت بدل الثقل النظامي الذي انكسر وليس من بديل له ،وبمزيد من الثقة قال لكننا لا يمكن ان نتوقف عن العمل ،فقلت بارك الله فيكم وشكرا ولا زلت والى الان وبعد عشرين عاما اعاني من مرض جلدي بسبب ذلك الحزام و طابوقته العجيبة ،والشكر موصول الى الاستاذ الدكتور الذي جعل من سلم عيادته والكائنة في الطابق الثاني بمثابة جهاز فحص القلب تحت الاجهاد حيث يطلب من مرضاه بالنزول الى ارض الشارع والصعود ثانية الى العيادة مع الاعادة من خلال ذلك السلم الكونكريتي القائم الزاوية والناعم الملمس بفعل الاسمنت المسقول الذي انشأ منه والنتيجة حسب حالة المريض واحيانا تضاف للمريض كسورا او كدمات من خلال انزلاقه من ذلك السلم اللعين .

في المقدادية وفي مكان مهجور ليس له مصدر للنور الطبيعي سوى بابه الرئيسي ،حولته الظروف الانفجارية التي تلت عام 2003 من مكان لقضاء حاجة اصحاب المحلات المجاورة في السوق المجاور الى محلات و دكاكين ببدلات ايجار عالية وجعلت مالكها (الحاج) لا يصدق وهو يرى الوان الملابس النسائية تزهو وهي معلقة على الجدران على الرغم ان رزق هذه المحلات يشبه ما يسقط من افتراس الوحوش و الكواسر لفرائسها لتستفيد منه مخلوقات اخرى اضعف واقل حيلة.

هنا في هذا السوق وانا جالس في محلي للصياغة (افزع )عندما يتكلم (سين) بصوته الجهوري المرعب، وبالمقابل بالكاد استطيع ان اميز ما يقوله (صاد) بصوته الابح والاثنان من عائلة واحدة. وعندما يسألني بعض الاصدقاء عنهما يكون جوابي كجواب (برنادشو) عندما سأل عن الفرق بين الرأسماليه والاشتراكية فأشار الى لحيته الكثة الطويلة و رأسه الاصلع وقال (كالفرق بين رأسي و لحيتي )غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع ، وكنت في كل مرة اسمعهما انظر الى مصباح النفط المتوهج فاضحك واخفف عن نفسي ما اعانيه من انقطاع الكهرباء وحرارة المصباح وقلة الرزق .

اربعة احداث اجتمعن في ثلاثة اماكن وبينهم على مدى اثنتا عشر عاما قضيتها في هذا القضاء عشرات بل مئات الاحداث الحلوة والمرة وعشرات الاصدقاء لم تستطع جميعها ان تتفوق او تساوي او توازي حدثا واحدا حتى لو كان صغيرا من (ديوانيتي) التي ولدت وترعرعت فيها وكل ذلك حدث في بلدي فكيف اقارن احداثا في بلد الغربة بعيدا عني بالجغرافية والثقافة واللغة و الشعور.

نشرت في قصة
الأحد, 27 أيلول/سبتمبر 2020 04:48

خَـــيـْـــــــــــطـ

اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في سماءٍ صـافية وتسطعُ بنورٍ دافئٍ كان الناس في مـدينتهِ ينتظرونهُ منذُ أَيام بشوقٍ ولـهفـة ، إِنها شمسُ الضحى لـذيذةٌ ، لـذيذةٌ جـداً بـعد أَيامٍ من البرد والـضَّبابِ والـمطر .. إِنَّ جسدَهُ المرطوب حتى العظام والمتعب بـعـد اسبوع العمل ، بحاجةٍ إِلى مثل حرارةِ هـذهِ الشمس بـالتأكيد ، تـمـددَ فوق الحصير المفروش على أَرضيةِ سطح المنزل المُـبتَلة ، أَسنـدَ ظهرَهُ إِلى سياج السطح المُـتآكل واسترخى تماماً تاركاً أَشعة الشمس تلامس الأَجـزاء المكشوفة من جـسدهِ ، فتتوغلُ حرارتها شيئاً فشيئاً داخـلَ خـلايا جـلده وعـروقـه .. بـعـد دقائق صـار يـشـعـرُ بـانتعاشٍ لـذيــذٍ يـدب في جـسده . ـ

ـــ آه .. أَيـتهـا الشمس الحبيبة مـا أَروعــــكِ ! ! ــ
قـالها جَـذلاً ، وهـو ينظـرُ إٍلى السماء بـامتنان .. ثم راح ينبشُ ذاكـرته باحثاً فيها عـن أَي شيء .. أَيَّ شيء يُـشغل بـه نـفسه ، فـيُـبَدد بـعضاً من ثـقل الوحشَـةِ التي داهمتهُ منـذُ استيقاظهِ صباحَ هــذا الـيـوم ، فهو الآن يحسُّ بشعورٍ لم يَـمر به من قَـبل ، استـمرَّ في نبشِ ذاكرته المشَوَّشة فاستطاع أَن يسترجعَ بعضاً من شريطِ حياته الماضيةِ ، طفولته المعذَّبة ، وبيتهم الطيني آنذاك ، ومدرسته الإِبتدائية والمتوسطة ثم إِعـدادية الـصناعة التي تخرَّج منها وانخرطَ في صفوف العمال ليساعـد والـديهِ .. وتذكر أَيام الصبا والشباب وزملاء الدراسة ، لكن كل تلك الذكريات لم تفلح بـإِزاحة حالة الحزن الذي تسلل كاللص إِلى داخل نفسه وترسبَّ في قاعها .. ثلاثة أَيامٍ فقط مـضت على سفرهما ، وها هـو يشعـرُ بثقل الوحـدةِ يطوقه ويحاصره فـي كـل ناحية من البيت .. ثلاثةُ أَيـامٍ وهو في البيت وحيداً ، فكيف يكون حاله إِذا طال غـيابهما شهر ، شهران إِلى الأَبـد من يـدري ؟ إِنها الدنيا .

منذ أَن غـادرا البيت وسافرا إِلى بغـداد لزيارةِ أَخيهِ ( ماجـد) وعائلته صار يشعر إِنَّ البيت لم يـعـدْ كما كـان أَمامَ عـينيه يحسُّهُ قـد تبدَّل ، صار خاوياً بلا حياة أَشبه بزنزانةٍ إِنفراديةِ .. صحيح أَنهما في خريف العمر ، زهرتان ذابلتان ، غصنانِ يابسان لكنهما أَبواه ، لقد أَعطيا لدنياه طعماً حلواً وحياةً جميلةً ، فحينما يثرثران عن أَيامهما الماضية ، أَو يمزحان ويضحكان أَو حتى عـنـدما يتشاجرانِ أَحياناً كانا يمدانه بنبض الحياة ، وكان هو يملأُ حياتهما بحركته وصوته في البيت ، وأَحاديثه عن العمل ورفاقه العمال ، وعن الحياة والأَيام الجميلة الآتيةِ التي كان يصورها لهما .. تـنهَّـدَ ثم تناول الكتاب الذي بجانبه وهـو يـرمُـقُ دجاجتهُ الوحيدة وهي منهمكةٌ بنقرِ أَزرار بجامته ، ضاحكاً من سذاجتها وراح يقرأُ مستمتعاً بِـإِسلوب وأَفكار الكاتب الذي يكن لـه حباً واحتراماً كبيرين ..

بـعـد أَن قرأَ عـدة صفحات أَعاد الكتاب إِلى جانبه ، سرح بأَفكارهِ من جـديد وصور الأَشياء تهربُ من ذاكرته ، إِنـه يحس بكيانه وكأَنه غير موجود ، شعـرَ بحرارة الشمس تلسعُ وجهه وصدره نهضَ وقـد كـفَّ عـن التفكير ، وراح يتمشى على أَرضية السطح محدِّقـاً في البلاطات الحجرية المتآكلة وكـأَنهُ يراها لِلأَول مـرَّة ، ويرمي بصرهُ في كل ناحية تاركاً أُذنيهِ تنصتان إِلى ما يجري في الزقاق الذي كان يضجُّ بالحياة ، فالأَطفال يملأون المكان بـلِعبهم الصّاخب ، وثرثرةِ النساء الجالسات أَمام الأَبواب كعادتهن كل يوم ، وزقزقةِ العصافير التي كانت تتشاكس على شجرة النبق التي تتدلى أَغـصانها الى سطح الدار ظـلَّ يتمشى مصغياً بكلِّ حواسـهِ إِلى سمفونية الزقاق فشعـرَ ببعض الإِرتياح يسري في داخلهِ ، وفـجأَةً تركَ دجاجته تتجول على السطح ، ونزل مسرعاً إِلى داخل الدار ، غسَلَ وجههُ على عـجلٍ وارتدى ملابسه الشتائية الثقيلة ، وخرج إٍلى الزقاقِ مسرعاً فصفعت وجهه نسماتٌ باردةٌ ، حـيّا النسوَةَ الجالسات قبالة دارهم وحثَّ الخطى صوبَ الشارع المحاذي للنهر المجاور لمحلتهم والذي يفضله على أَي طريق آخر ، بـعـد دقائـق وصل إِلى السوق ولم يلبث حتى وجـدَ جسدهُ يتحرَّك وسط الـزحام الـصاخب المتحرك ..
في لحظات شعـرَ وكأَن شيئاً ثقيلاً أَزيح مـن صدرهِ ، وأَحـسَّ أَنَّـه مـوجــود.

..................................

نشرت في قصة
الأحد, 23 آب/أغسطس 2020 19:00

سیمبا

 

رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا )، نحو الباب الرئیس، بعد أن

لمَحنَ، من خلالِ نوافذِ الصالة، أباھنَّ الحبیب "وسام" .. وسام، أبٌ عراقي مھاجر لمملكة السوید،

منذ ربع قرن.. رَحَّبنَ بھ، وفَرِحنَ بھدایاه الیومیة المعتادة، وقد فُوجئنَ بمَن یرافقه! فسبقَ الوالدُ

إستفسارَھنَّ، وقدَّمَ لَھنَّ الصغیر " سیمبا "، وأوضح لھنَّ، لماذا "سیمبا" سیعیش مع العائلةِ،

كأحدِ أفرادِھا، وأوصاھنَّ برعایتھ والاھتمام به.

مرَّت الأیام، وتلتھا الأشھر .. وفي یوم ربیعي من أیام السوید، إنتبَھت، الفتیات الثلاث، أنَّ دموعاً

غیر إعتیادیة، تنزل من عَینَيْ "سیمبا"..! أتبكي یا سیمبا..؟! كان سؤال الفتیات..! فھزَّ رأسه

یمیناً ویسارا، بمعنى لا..! فأخبَرنَ والدَھنَّ بالأمر !.. وبمكالمة ھاتفیة، حدَّد الطبیب الخاص، موعداً

لفحص "سیمبا".. ذلك الفحص، الذي إنتھى بمداخلة جراحیة، لمعالجة خلل في القناتین

الدمعیتین.. دفع "وسام الأب" رسماً مالیاً بسیطاً، من خلال الھویة الرسمیة ل "سیمبا"، لتتحمل

" دائرة التأمین البیطري " ، تكاليف إجراء المداخلة الجراحية، التي إكتملت بنجاح، لیعود

"سیمبا" ذلك الكلب الوفي الجمیل، ذو العینین العسلیتین والفروة الجوزیة اللون، المطعَّمة بخصلٍ

من الشَعر الذھبي، لدار مالكھِ وسام.. ومنذ اللحظة الأولى، لعودته للدار، التي حفظ كل زوایاھا،

وحتى ملامح أھلھا، عاد " سیمبا" من جدید، یلعب ویمازح ویرقص مع صدیقاتھ الفتیات الثلاث.

فھنیئاً لكَ یا "سیمبا".. وھنیئاً للشعوب الواعیة، التي تصنع أنظمتھا الراقیة، وتكتب دساتیرھا،

بما یُضمن، لیس حقوق الانسان، فحسب، إنما، حتى حقوقكَ أنتَ یا "سیمبا"، وحقوق فصیلتكَ

الوفیَّة، المُصنَّفة على المملكة الحيوانية، لا مملكة الانسان ..!ا

~~~~~~~~~~~~~~~

 

نشرت في قصة
الأحد, 12 نيسان/أبريل 2020 14:24

شوقٌ في زمن (الكورونا)... قصة قصیرة

لا أحد كان یتوقع، أن یجد غالبیة محلات مدینتھ ومقاھیھا قد أغلقت أبوابھا، وأرصفة شوارعھا
خلت من المارة، أو من أي عابر سبیل كان یتحف الناس بصوتھ او بمعزوفتھ، طیور المدینة
أصبحت تأخذ ساحتھا الكبیرة طولاً وعرضاً دون أن تجد من یدلّلھا بفتات الخبز، والأصعب من ھذا
أن یجد الفرد نفسھ فجأة حبیساً بین حیطان البیت، یدیر عملھ منھ، وإن كان بلا عمل فالكارثة أكبر،
كل ھذا وأكثر جاء بسبب فایروس (كورونا) اللعین الذي حلّ على البشریة ضیفاً ثقیلاً غیر مرغوب
بھ... قصة ظھوره في الكون اختلف المنظرون علیھا، منھم من قال: إن الطبیعة توازن نفسھا،
ومنھم من قال: بسبب الإھمال، أو أكل طعام غیر معتاد ، ومنھم من اكتفى بنظریة المؤامرة.
لم یكن مھتماً بطریقة ظھوره وأسبابھا، بقدر ما كان مشتاقاً لرؤیة وجھ من أحبھا، بعد أن فرضت
السلطات حظر التجوال، ونصح الأطباء الناس بالبقاء في بیوتھم، وھذا أسلم الحلول في نظرھم؛
لكي لا تحدث الملامسة، وتنتقل العدوى بینھم، فینتشر ھذا الوباء . حقاً إنھ زمن الموت الذي لم
یكن بالحسبان، في الحرب أحیاناً تعرف عدوك وتستطیع أن تنقذ نفسك بغالب الأحیان، أما ھذا
الوباء فعدواه سریعة الانتقال بین البشر، ویمیت من یصیبھ بعد أیام، حزینة أیامنا ھذه دون لقاء .
لم یستطع إخفاء اشتیاقھ لھا، كان یتوسل أن یصل إلیھا، یتحایل لرؤیتھا، وھذا أكثر الأخطار علیھ،
وعلیھا، إن خرج من البیت، والتقاھا.
أخذت الحیاة تضیق بھ ذرعا، بات یبحث عن شيء یفرحھ ویجلب لحظات السعادة إلیھ، إذ لم تفارقھ
صورتھا، ضحكتھا البریئة، وابتسامتھا التي كان یجد فیھا ربیع أیامھ؛ وسرُّ محبتھ لھا أنھا كانت
كلما ابتسمت أو ضحكت لھ، یضمّھا في الحال إلى صدره، لا یتركھا إلا وقد أودعَ قبلة على خدھا،
لم تطلب منھ شیئا یضنیھ، ولم تقل لھ شیئاً ذا كدر، جعلت أیامھ أملاً بعد خریف مملّ، وأصبحت
سلوتھ عند شتاء بارد، وأمیرة أیامھ وربیعھا الدائم.
- لا... لا... بصوت عالٍ صاح، وأردف: الوضع لا یطاق ما الذي أبعدك عنّا، ما أصعب الاشتیاق؟،
حمل ھاتفھ دون تردد أو مواراة...
- ألو: - أھلا: كیف حالكم؟ - الحمد .. ھل ھي صاحیة؟
- نعم - أرجوك اذھب إلیھا، وافتح الكامیرا معھا الآن، فقد ضاق صدري ولم أعد أحتمل عدم
رؤیتھا.
- لحظة:
وإذا بوجھھا یملا شاشة الھاتف... تنظر إلیھما بعین حائرة، كأنھا لا تعرفھما، ترید أن تتذكر من
یكونا.
لقد فرحا فرحاً عظیماً برؤیتھا، وأخذا یلوحان لھا بیدیھما، ینادیان علیھا : ھلو (نینیا) أنا جدو...
وأنا جدتك...
تسمرت في مكانھا، وأخذت تجول بعینیھا نحوھما.. كادت أن تبكي من فراقھما، أو من استغرابھا
لوجھیھما، فھي حبیسة البیت أیضاً، ولما عرفَتھما، أخذت تھزّ جسدھا فرحا، وتطلق أصوات
سعادتھا، وحین ابتسمت عادت البسمة والفرحة لھما، یحدثانھا وھي ترقص على نغمات صوتیھما،
وبینما ھي تضحك، بان سنھا اللبني الوحید، كأنھ حبة قمح في فمھا، وغدا مفاجأة لھما، لقد كبرت
حفیدتنا بعد شھر من غیابنا عنھا.
لَعَنا (كورونا) بما فعلتھ من فراق جبري، سارقةً أجمل لحظات العمر مع الأحفاد. ھكذا تعلمنا
الأیام... قد یأتي الربیع ویذھب دون أن نشعر بجمال أزھاره . صبرا جمیلاً، عسى أن تزول ھذه
المحنة، وتعود إشراقة الأیام .
حمى الله البشریة جمعاء من قادم الأیام.
******************************************

نشرت في قصة
الأحد, 12 نيسان/أبريل 2020 14:20

قصص قصیرة جداً

1 -دَیـن
- لماذا أنت تلاحقني أینما ذھبت ؟
- لأن لي دَین علیك.
- لقد تركت كل ما أملك، وخرجت بملابس لا جیوب لھا.
- لي دین علیك.
- ما ھو الدَین وكیف أسدده؟
- كل ذرة من جسمك مني.
فتح الرجل المسجى عینیھ على سعتھما، ھرع صدیقھ الوحید الذي یقف بجواره في غربتھ وساعة
احتضاره .
-ماذا ترید؟
- أعد جثماني لیدفن في أرض الوطن.
*******************
2 -أنا أتحدى
سأنام ھذه اللیلة ،لأني متعب ، ورأسي مثقل بأفكار وأخبار متضاربة لا حصر لھا ولا فیھا بارقة
أمل في الیقضة من ھذا الكابوس اللعین.
لم یسمع كم ھزئت منھ الوسادة ، وكم سخر منھ الارق.
إنقضت ساعات اللیل الواحدة تلو الاخرى، وھو یجتر ھذه الاخبار والأ فكار.
رفع رأ سھ الى الساعة ، كانت تشیر إلى السابعة صباحاً
إرتدى ملابسھ وھرول ألى العمل.رغم إن الأخبار سیئة ، والموت یتجول في الطرقات.
*******************
3 -صراع
كانت الساحة تضج بالحیاة، تطالب بالحیاة، وشبح الموت یدور حولھا .
صراع أبدي منذ أن شج كلكامش رأس الثور السماوي، لاتراه بوضوح إلا إذا كنت عراقیاَ
وحین قرر الموت أن یوسع الدائرة ، تناسلت الاشباح،دخلت كل الازقة والبیوت.
وراحت تمارس التنسیق والبغاء مع زعماء السلطة .

نشرت في قصة
الخميس, 12 أيلول/سبتمبر 2019 16:28

خـفـة وراحـة

ينساب الماء بخطوط متعرجة من خلال ثقوب شبابيك مبردة الهواء الثلاث ,فأرسمه لوحة في عقلي الباطني و كأنه شلال ماء كنت قد لامست مياهه الساقطة في ( كلي علي بك ) في أيام خوالي كنت قد اغتصبتها عنوة من زمن حكم علينا ان نعيشه قوانينا استثنائية و فقرا و مشاكلا و حروبا . امتلأ حوض المبردة مع ما علق به من غبار و صدأ وقطع من نشارة خشب وحشرات جلبها حظها العاثر بحثا عن مكان بارد فتدفق الماء اسفل المبردة فكوّن بركة من الوحل الممتزج بملح الأرض فازدادت النباتات التي نمت تحت ظل و رطوبة المبردة خضارا و نضارة و ارتفاعا تعالت فيه على النباتات البعيدة عن مصدر ذلك الماء .

شدة حرارة شهر تموز وشحة مصادر الماء المبرد جعلنا نخطط لملأ اقداحنا من ذلك الشلال الذي نلتمس فيه برودة نطفأ بها عطشنا و نخفف من حرارة ريح السموم التي تلفح وجوهنا , وقبل ان انهض من مكاني ازدحمت الأفكار في رأسي و استرجعت كل ما حفظته تقريبا عن حاجة الجسم للماء وان الشعور بالعطش هو المرحلة الأخيرة من التفحم الذي يصيبه ,ثم سمى بي الايمان عاليا فتذكرت قول الخالق سبحانه ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) ,اذن انا حي ابحث عن ماء لاستمرار الحياة في داخلي ,اعود بذاكرتي مستذكرا شكل الماء و
طبيعة تركيبه الكيميائي ( الماء سائل عديم اللون و الطعم و الرائحة فأضيف اليه صفة أخرى أن يكون باردا ليكون مستساغا عند شربه راويا ظمأ العطشى ولذلك جلبت مكعبات الثلج من أعالي الجبال المتجمدة الى قصور الخلفاء العباسيين ليهنأ الخليفة بماء بارد اما الرعية من امثالي فيكتفوا بالنظر و بلع ريقهم لترطيبها باللعاب الذي تحول عندي الى مادة لزجة سميكة القوام تنتهي عند اول عملية بلع .

توقفت الأفكار عند هذا الحد فقد وصل التفحّم اشده فأنهض و اركض مسرعا حاملا قدحي ,ازاحم أصدقائي ( أبو فردوس ,نعمه عبد الصاحب و عباس عبد رحم ) لأضعه تحت سيل الماء المنسكب من قاعدة المبردة رغم تحول لونه الى البني الفاتح بفعل الصدأ و قطع نشارة الخشب المختلطة فيه ,ابتلع القدح كاملا ,أقول بصوت عال ونفس طويل ( الله ماء نصف بارد ) فتح اللعاب الذي التصق بمدخل المريء و مرطبا للسان المزمار الذي اكاد احسه قد مال جانبا و ترك مكانه المتوسط بين القصبة و المريء.
صراع جديد في داخلي هل اثني بكأس اخر ,قلتها بصوت عال فكان الجواب من أصدقائي ( امي ما علمتني على التثني ) فأعود الى مكاني مبتسما اتحسس علبة السجائر واخرجها من جيبي اسحب واحدة منها ,اشبع رأسها نارا فيتصاعد دخانها فتصيبني نشوة تخدر اعصابي فأهدأ قليلا ,ثم اعود الى داخل القاعة او الاصطبل من ذلك المكان المتهالك الذي أصبحت جدرانه المبنية من القش المحاك حصرا والمربوطة بأسلاك معدنية ومكسوة بالجص مخابئا للجرذان و الحشرات ولكنه بناء لا يزال واقفا يتحدى سبعون عاما مذ ان بناه الإنكليز معسكرا لهم او اصطبلا لخيولهم والقائمين عليها عند غزوهم الذي اسموه تحريرا للعراق كحصة و غنيمة للمنتصرين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى .

تموز 1982 -أبو غريب -فوج الدفاع والواجبات الثاني مركز لتجميع الشباب بمختلف أعمارهم و مستوياتهم الثقافية وظروفهم الصحية و المرضية من خلال دوائر تجانيدهم ,لتجهيزهم بالملابس العسكرية و السلاح وتعطيشهم وشي جلودهم بحرارة الشمس استعدادا لشحنهم الى جبهات القتال وقودا لحرب ضروس بدأت منذ سنتين و اكلت الأخضر و اليابس و حصدت الالاف من أرواح الأبرياء وبترت ما يزيد منها رقما من الأطراف و العيون والاذان وأعضاء داخلية أخرى ,وثكلت و رمّلت و يتمت الالاف من الأمهات و الزوجات و الأبناء .

الرائد هاشم ,امر سريتنا ,رجل متوسط العمر ,ذو روح مرحة شفافة تتعاكس مع شروط الرتبة وسياق القانون العسكري وما اعتاده الضباط في زمن الحرب والسلم ,يبادرنا بالسلام قبل ان نؤدي له التحية العسكرية ,ينظر الى ( علي ) ذلك الرجل البدين جدا الذي يجلس خلف طابور السرية بوضع مائل و مستندا على يده لعدم استطاعته الوقوف ويقول له ( علاوي خفة و راحه ) .

نقلنا الى المحرقة جميعا فأعيد علّاوي لعدم الاستفادة منه و عاد الرائد هاشم محمولا في صندوق خشبي ,اما نحن فأنهينا ما جبرنا عليه صاغرين وعدنا بعد ست سنوات بقايا بشر احياء لا زلنا نعاني الام الجسد و الروح .لأرواح الشهداء السلام ودمتم بخير.

نشرت في قصة
السبت, 07 أيلول/سبتمبر 2019 13:30

قصص قصيرة

1. حبٌ بين الخيام

أفل القمر وانتشرت الغيوم .. صفير الرياح الباردة دفعته خارجا نحو خيمتها المتراصفة مع بقية الخيام في العراء ..كان يهتز من شدة البرد كما اهتزاز حبال الخيام ..وضوء الفانوس المتارجح داخل خيمتها يبعث خيالا يطيب لنفسه ويسري دفء الشوق في عروقه . يسترق سماع صوتها وهي تحاول اسكات اخيها الصغير الذي نام يصرخ من الجوع، توعده بإفطار الصباح ..
وسعال أمها المريضة يخترق صوت الريح بحشرجته ..وندب حظها لما اوصلته ظروف الحرب لهذا الحال.. وهي المعلمة الفاتنة التي طالما كانت تغني لوطنها مع الطلاب برفعة العلَم ...واين العلَم، لقد لف به جسد أبيها الشهيد ..
كان يقاوم شدة الريح وهي تدفعه، تحاول ابعاده عن خيمتها؛ لكنه ثابت في مكانه.. قريب عن حبيبته لا حاجز بينهما سوى قماش الخيمة
يسأل نفسه أأنام بسد الخيمة واسرق انفاس حبيبتي وهذا محال ..
في لحظات تأمله وصمته العميق جاءته رسائل من السماء مع زخات المطر ،تدعوه العودة الى خيمته ....
ترك حبيبته لحين انبلاج ضوء الصبح وانقطاع المطر .

2. لمسة إصبَع
كان في كل يوم يبحث عن شيء مفقود في نفسه...
حتى شعر به يتسرب بدفء إلى روحه بلمسة إصبعٍ ناعم ٍكنعومة الريش...
من جميلة الطلعة... ناعمة الجسم تجلس إلى جنبه...شعرها مسدول، عيناها صافية كصفاء ماء البحر...
ملَكَته موجة إحساس وقعها كصدمة تيار كهربائي... غَفَتْ عليها أحلام يقظته...
فالوقت مازال طويلاً والمسافة مازالت بعيدةً كي يفترقا...
انحسرت افكاره فلم يعد يرى كياناً له سوى إصبع... كخيمة بَدْويّ دُقت بأوتاد ثقيلة وباتت لا تفارق عشق الصحراء...
رمال متحركة تداعب أطراف الإصبع ...
كاد أن ينهزم الأصبع؛ لكن روحه البدوية منعته من الهزيمة وعاد يلاصق الإصبع...
تعب وأرخى ذراعه على جنبه ملاصقاً لذراعها؛ حتى تفصد جسده عرقاً وازدرد لعابه...
صدى صوت قنبلة انفجرت بداخله... وعاد بالأيام يستذكر الساتر الترابي وتلك المعركة...
سحب يده بهدوء... يسرق النظر إلى كفه... ولم يرَ فيه إصبع.

نشرت في قصة
السبت, 07 أيلول/سبتمبر 2019 13:08

همسٌ وهشيم - قصص قصيرة

1. همس...
كانت الشاشة العملاقة التي نُصبت وسط جموع الشباب الغفيرة المحتفية بمناسبة (فير داخ فيست)* على ضفة نهر (الراين) بمدينة (نايميخن) التاريخية بهولندا تجتذب عيون وآذان كل من حضر لمشاهدة فيلم يتحدث اللغة الإنكليزية بلكنة أمريكية، وكان أحد صيحات هوليود، بينما صارت أقداح البيرة حولهم أكداساً بعد أن عجزت عن استيعابها حاويات بلاستيكية منتشرة بجميع الزوايا. كان الجميع منهمك يتابع الأحداث إلا شاب وشابتين أعطوا ظهورهم للشاشة وراحوا يرقبون مياه النهر قاطعة المسافات تنساب بنعومة متجهة نحو البحر.
همست إحدى الشابتين وهي على ثقة أن لا أحد يسترق السمع، وإن سمَعَها فلن يفهمها لأن لهجتها العربية السورية غريبة على المجتمع من حولها كغربتها فيه...
ـ أتمنى لو أنني أستطيع الغوص بالماء...
أجابها الشاب بنفس الهمس: كلنا يحب العوم والغطس في الاعماق.
أكملت كلماتها دون أن تعير لكلامه التفاتاً: ربما سأجده وأكلمه.
نظرت الشابة الأخرى لها: يجب أن تقتنعي أنك لن تجديه، لقد صار طعاماً أكله السمك البحر.
أجابتها وفكرها شارد في الأعماق: أدرك ذلك جيداً، منذ ذلك اليوم المشؤوم وأنا لا أحب السمك!

..........................

2. هشيم...
يتجمع الأطفال الأجانب الجدد في قاعة لممارسة نشاطات فنية مختلفة تبعدهم عن الأجواء المشحونة لذويهم وهم بانتظار نتائج قبول لجوئهم في هولندا، القاعة تتوسط مركزاً لتجميع لاجئين، آسيويين وأفارقة وعرب، نشرف نحن عليهم ونترجم للمشرفة الهولندية التي جاءتهم هذا الأسبوع بفعالية متميزة بأن يلصقوا قطعاً مهشمة لبلاطات سيراميكية على لوح خشبي تتوسطه مرآة فيصبح العمل كديكور ملون يعلق في غرفهم التي حشرت لآخرها بالبشر.
اقتربت طفلة مني بعد أن مارستْ مع البقية فعالية لصق قطع السيراميك على الألواح، فأخرجت عملاً جميلاً منسقاً، سألتني عن ضمادات كنا نضعها على جنب، قلتُ لها أنها إسعافات أولية إذا ما خدشت القطع المدببة أيديهم الناعمة، قالت...
ـ وما هذا الكيس المصنوع من قماش قاسٍ؟
قلت: كي لا تتبعثر القطع حينما نهشمها ونعدّها للفعالية،
سألتني بود: أيمكنني وضع تلك البلاطة السليمة داخل الكيس وأهشمها لقطع صغيرة؟
ـ بالتأكيد يا حلوتي الصغيرة.
قامت بعملها بحرص شديد، ما أن أخرجت الهشيم حتى همست بأذني...
ـ لا توجد ضمادات هناك ولا أكياس، مع أنه في (حلب) لدينا من قطع السيراميك المهشمة تلالاً تكفي أن يلعب بها كل أطفال العالم!
.......................................

نشرت في قصة
الخميس, 13 حزيران/يونيو 2019 21:21

أمي وأوجاع وطن

أرخى اللّيل سُدُوله وانتشرت وساوس الخيبة في صدري ..الوم في نفسي لِما هذا الاختيار ..غربة ثم عزلة ثم انطواء.. شيءٌ يوجع لطالما أسْكَرَني من شدة الألم ..
لكن في وحشة الليل ومع صعود القمر، ثمة يدٍ تمتد نحوي ، تخترق صدري، تسحب آلامي وترميها في جوف السماء بعيدة عني بنَفخة من فمي. وتعود بنَفْحة ريح طيبة أملأ بها صدري..
إنها أمي.. نسمة زكية وهالة عطف دائرية.. عند محيطها تنجلي كل مخاوفي وأوجاعي ..
أمي في منتصف عقدها الثامن لا أحدَ يعرف فكَّ رموز شَّفْرَتها إلاَّ الأحزان..
إن كان الحزن بوجهي أو بوجه طفل بريء سرقوا منه حُرِّيَّته أو من جائع نام على الرصيف وملأ الذباب وجهه أو من بريء أرادوا التنكيل به؛
فتراها تمد يدها عوناً للمحتاجين، وتراها لفحة شمس حارقة بوجه الظالمين ..
كما فعَلَت لأبن جارتنا وكان في سِنّ الرابعة عشر يوم احتلال بغداد ..
بعد أن هزأ بهم أخذه الجيش الأمريكي من باب داره، واشتدَّ الصراخ والعويل في الشارع؛ فخرجت لهم أمي رغم كبر سِنّها متصدية، تصيح بهم: اتركوه.. اتركوه.... صعدت سيارة الهَمَر العسكرية وجلست جنبه وقالت:
خُذُوني بدلاً عنه! فهو طفل بريء وإنه لريحانة أمه .. أتريدون فَطْرَ قلْبها ؟
كانت المسكينة أمه تلطم خديها وتصرخ ...حتى ترَجَّل أحد الجنود من السيارة .. سَحبَ أمي وأخرَجَ من جيبه رزمة نقود وضعها بيد المُترجِم وقال له: اعطِها هذه النقود كي ترحل ...
فاشتعلت النار الأزلية برأسها وصارت كلظى الجمر عيناها وتحشدت كل غيرة أهل سومر فيها..
رَمَت النقود بوجهه ..سحَبَت أبن جارتنا معها وقالت: أتَعْرِف من هذا؟
إنه عزّوز ابن وطني.. وإنَّكم لراحلون.

نشرت في قصة
الصفحة 1 من 8