• Default
  • Title
  • Date
  • اعداد : عزيز عربي ساجت
    المزيد
    اللغة المندائية والحاجة الملحة للبحث العلمي الدائم هناك جملة تساؤلات
  • فهيم عيسى السليم
    المزيد
    كتب الكثير عن هذا التنظيم الإرهابي الدموي ودخل الإستخدام اللغوي
  • د . قيس مغشغش السعدي
    المزيد
    بتوقف  دراسة اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق
  • د. قيس السعدي
    المزيد
    قصيدة لميعة عباس عمارة حين تتحدث مع لميعة عباس عمارة،
الأحد, 07 نيسان/أبريل 2013

اللغة المندائية فرع نقي للأرامية مهددة بالانقراض

  قيس مغشغش السعدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

موروث بلاد النهرين لايحظي بدراسة مراكز البحوث والاكاديميات

إظهارا ودعما لأهمية اللغة في حياة الشعوب والأمم، فقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعتماد عام 2008 سنة دولية للغات وقد أسندت مهمة تنسيق الأنشطة المتعلقة بهذا العام لليونسكو التي أكدت عزمها علي القيام بدورها القيادي في هذا المجال إدراكا منها بالأهمية الحاسمة للغات في التصدي للتحديات العديدة التي سيتعين علي البشرية مواجهاتها خلال العقود المقبلة.

حماية جميع اللغات
وقد دعا مدير عام المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم " يونسكو " كوتشيرو ماتسورا الحكومات ووكالات المنظمة الدولية والمؤسسات التعليمية والجمعيات المهنية وجميع الجهات المعنية إلي العمل علي احترام وتعزيز وحماية جميع اللغات لاسيما اللغات المهددة بالإنقراض. وأشار ماتسورا إلي أهمية العمل للحيلولة دون اندثار هذه اللغات من خلال وضع سياسات لغوية تتيح لكل جماعة لغوية استخدام لغتها الأولي أو لغتها الأم علي أوسع نطاق ممكن ولأطول فترة ممكنة. وأكد ماتسورا ضرورة اتخاذ مبادرات في مجال التعليم والإنترنت بالإضافة إلي القيام بمشروعات تهدف إلي حماية اللغات المهددة وتعزيزها باعتبارها وسيلة للاندماج الاجتماعي. وأشار إلي أن السنة الدولية للغات 2008 تعد فرصة فريدة لإحراز تقدم حاسم في المساعي الرامية نحو بلوغ هذه الأهداف. وأعلن ماتسورا أن 21 فبراير القادم - الذي يوافق اليوم الدولي للغة الأم - يكتسب أهمية كبري هذا العام في ظل السنة الدولية للغات، حيث سيكون فرصة لإطلاق المبادرات الرامية إلي تعزيزها.
لقد إعتمدت اليونسكو تاريخ 21 شباط من كل عام يوما للغة الأم، وهذا اليوم هو تخليد لتاريخ أبشع تصفيات جسدية ذهب ضحيتها أساتذة ومتخصصون وناشطون بنغلاديشيون ناضلوا من أجل بقاء لغتهم البنغالية الأم مقابل تسييد اللغة الأردوية المعتمدة في الباكستان قبل إستقلال بنغلادش عن باكستان. وهكذا صار هذا اليوم مناسبة للتأمل في اللغات المهددة بالانقراض، وتقصي الأسباب الكامنة وراء ذلك، والتحرك دولياً للحد منه وتعزيز اللغات الأم وإحياءها. فاللغة هي التي تحمل قيم الجماعات وهويتها الاجتماعية، وهي وسيلة الإنسان للتواصل مع الآخرين، وأداته المعرفية. وبالتالي فاللغة هي الإنسان نفسه، و" هي البعد الأساسي للكائن البشري، بل أننا نحيا في اللغة وبها " كما يقول المدير العام لليونسكو.

صوت الامة
إن كل لغة هي نتاج شعب أو أمة وهي دليل قوي علي قيمة ذلك الشعب وأهميته وحاجته للتميز بلغة خاصة يأتي ابتكارها وتطويرها واستعمالها مؤشرا علي الضرورة الخاصة بالقيمة الاجتماعية والخصوصية. وقد صارت مقوما أساسيا من مقومات كل شعب أو أمة. ولأنه لا يمكن إدراك الحياة دون لغة، فإنها من هذا الجانب غدت بمثابة كائن حي يعيش مع البشر عامة لتميزهم دون سائر الكائنات الحية الأخري بها. وهي أداة التعبير عن الإحساس والشعور والعاطفة والتفكير والمعني. ولتميز الإنسان دون سواه بأعلي الدرجات في هذه الخصائص بل وتفرده في بعضها، فلم يعد مجرد التعبير الصوتي واللفظي ولا حتي اللغة المنطوقة كافية لسد حاجة التواصل الإجتماعي وخدمة ثقافة الشعوب. ولذلك فقد تخطت اللغة أن تكون مجرد وسيلة اتصال، بل صارت أداة توثيق ونقل ومعرفة للأنظمة القيمية للشعوب وأساليب تعبيرها الثقافي وعاملا أساسيا في هويتها. فاللغة ابتكار عظيم من قبل البشرية وعليها المحافظة عليه.
إن تعدد الشعوب وتنوعها وقدمها كان وراء وجود ما يقرب من 7000 لغة في العالم بحسب إحصاءات الجهات الدولية المتخصصة. إلا أن ما يسجل الآن أن أكثر من نصف هذا العدد مهدد بالإنقراض بأسباب تسيد لغات أخري عليها أو قلة أعداد المتحدثين بها. وقد كان ذلك مدعاة لأن تسعي منظمة اليونسكو ومنظمات أخري لتبني مشاريع للمحافظة عليها وأن ينادي بالعام الحالي عاما للغة.
ومفهوم اللغات المهددة بالانقراض يشرحه عنوانها بوضوح. وميدانيا، إعتبرت اليونسكو أن اللغة مهددة بالإنقراض إذا كان عدد المتحدثين بها لا يرقي إلي 1000 شخص، وإن أقل من 30 % من أبنائها غير قادرين علي تحويل ألفاظها إلي تعبير كتابي. وتأسيسا علي هذا فإن هنالك لغة تنقرض كل أسبوعين تقريبا بوفاة آخر المتحدثين فيها. وهذا ما كان وراء جهود كثيرة وكبيرة وحثيثة للمساعدة في تدوين هذه اللغات وتوثيقها والمحافظة عليها ، بل وإحياءها. فمثلا كان عدد الناطقين بلغة "الاينو" في جزيرة هوكايرو اليابانية ثمانية اشخاص فقط في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، لكن هذه اللغة تم العمل علي إحيائها وصار لها متحفا للغة يقدم دروساً للشبان والشابات المقبلين علي تعلمها. وفي انجلترا انقرضت لغة "كورنيك" منذ عام 1777، وتم إحياؤها في السنوات الماضية، وهناك اليوم ألف ناطق بها كلغة ثانية.
وتحددا بالعراق، بلاد ما بين النهرين، فإن موروثه اللغوي يتطلب أقصي رعاية، ذلك أن سجله في تاريخ البشرية يشير الي أن سكانه هم أول من ابتكر اللغة وامتلك أكبر إرث لغوي في العالم، وأنهم سبقوا العالم أجمع بأبجديتهم السومرية التي بدأ بواسطتها تدوين التاريخ مقارنة بعصور ما قبل التاريخ، وعن طريقها تم الوقوف علي موروث أدبي وقيمي كبير وقيم خلد جانبا مهما من حضارات سومر وأكد وبابل وآشور وجعلها حاضرة ليس بآثارها المادية الشاخصة علي أرض العراق، وليس بلغة الوثائق المكتشفة التي دونت جانبا من عصور وجودها، بل باللغة المنطوقة المحكية التي مازال اللسان العراقي يحفظها ويعتمدها علي الرغم من إعتماد اللغة العربية لما يزيد علي أربعة عشر قرنا. وحيث صارت اللغة العربية لغة البيت والشارع والتعليم، وبالتالي اللغة الرسمية للبلاد، فإن ذلك لا يمنع من متابعة الأساس اللغوي المشترك بين لغات العراق القديمة واللغة العربية خاصة أن هذه اللغات تشترك جميعا ضمن تسمية عائلة اللغات السامية بالإضافة إلي اللغة الكردية ولهجاتها واللغة التركمانية.

عائلة السامية
واللغة المندائية واحدة من عائلة اللغات السامية. يصنفها اللغويون بأنها الفرعي النقي للآرامية الشرقية لصرامة محافظتها علي عدم التأثر بأي لهجة أخري. ساهمت، من خلال التدوينات الكثيرة، في توثيق موروث المندائيين الديني والطقسي. وهي الشاهد القائم علي طريقة تدوين الأدب البابلي وأسلوب كتابة التلمود البابلي. والدارس لهذه اللغة يفاجئ بالكم الكبير الذي تحتويه هذه اللغة من المفردات التي مازالت مستعملة في اللغة العامية المحكية في العراق وبشكل خاص في وسطه وجنوبه بحكم وجود المندائيين في هذه المناطق، والتي ظلت لصق لسان العراقيين علي الرغم من إعتماد اللغة العربية لغة دين ولغة رسمية. فمن من العراقيين لا يقول في لغته المحكية " أكو، ماكو، چـا، يمعود، ياعين موليتين، عالميمر، چـوبي، أبو خـْريّان، صاية وصرماية، ترجية، طرشي، نشمي، ... ومئات الكلمات من التي عكفنا علي وضعها بمعجم أصلها المندائي، وسيكون بين أيدي عامة العراقيين قريبا.
إن هذه اللغة التي تعتبر من مقومات كيان الصابئة المندائيين، والتي توثق جانبا أساسيا من تراثهم وأدبهم وطقوسهم ، بل ومن تراث العراق بحكم الإشتراك الذي أشرنا إليه، هذه اللغة اليوم تعد بكل المقاييس لغة مهددة بالإنقراض. وإنه من المؤسف حقا أن تكون هذه النتيجة بأسباب الإهمال التام الذي أصابها في وطنها الأم العراق خلال عصور الإضطهاد ، والأخطر أن هذا الإضطهاد صار وراء تخلي أبنائها عنها علي الرغم من فاعليتهم وكفاءتهم المعهودة في جميع مجالات الحياة والتخصص.
لا يتحدث اللغة المندائية من المندائيين البالغ عددهم في جميع أنحاء العالم حوالي 60000 نسمة أكثر من 100 شخص. يشكل رجال الدين نسبة 40% تقريبا منهم بحكم أن الطقوس الدينية المندائية التي يجريها رجال الدين تتم باللغة المندائية. لكن هؤلاء أنفسهم لا يتحدثون اللغة المندائية في بيوتهم ولا حتي فيما بينهم أثناء تلاقيهم. ومن عامة المندائيين في العراق لا يتحدثها أكثر من 10 أشخاص. والعدد الآخر هو من المندائيين المتواجدين في جنوب إيران. علما بأن اللغة المعتمدة من قبلهم يطلق عليها " الرطنة " وهي ليست مندائية خالصة ، بل هي مزيج من المندائية الكلاسيكية والفارسية والعربي.
وتأسيسا علي مقاييس منظمة اليونسكو ، فإن اللغة المندائية من بين أكثر اللغات المهددة بخطر الإنقراض. وقد حفزنا ذلك للسعي من أجل جلب انتباه بعض الجهات المسؤولة بهذا الخصوص بما نجم عنه تدوين اللغة المندائية ضمن أطلس اليونسكو للغات المهددة. وبناء علي هذا التدوين يتوجب أن يقدم بلد اللغة المهددة بالإنقراض كل الدعم اللازم في التدوين والتوثيق والتعليم وضرورة مساهمة المنظمات المعنية بتقديم الدعم والخبرة المطلوبة بما تلمس نتائجه خلال فترة تحسبا للانقراض.
من هنا، ولأغراض المحافظة علي هذه اللغة الأصيلة والقديمة فإننا نري ضرورة تظافر جهود مكثفة وحريصة يقف في مقدمتها نشاط المندائيين أنفسهم في دعم لغتهم، ذلك أن أي نشاط في هذا المجال إنما يتأسس أولا علي إقبال المندائيين علي تعلم لغتهم والحرص علي قدر مقبول من التخاطب بها ولو ببعض المفردات التي تعزز نطقها وربما تعارف المندائيين فيما بينهم من خلال كلمات التحية والسؤال والجمل القصيرة. كما أن هنالك مسؤولية مباشرة للجهات الرسمية المعنية في العراق ممثلة بوزارة الثقافة ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتبني ودعم برامج في هذا الخصوص تتمثل في توثيق اللفظ والقراءات المندائية بصيغتها الكلاسيكية التي وردت في الكتب الدينية قبل إنقراض القادرين علي التحدث بها، وكذلك توثيق اللغة المندائية المحكية التي تسمي بالرطنة لأغراض المقارنات والحفظ وكذلك جوانب التمايز من أجل الفهم. كما يتطلب الأمر تطوير الحرف المندائي بحسب الأبجدية المندائية الخاصة والمتميزة وتوفيره لأغراض الإستخدام الكومبيوتري لمساعدة المندائيين في إعادة تدوين الكتب الدينية المندائية التي تحفظ لغتهم وتراثهم وإعتماد تقنيات وبرامجيات الكومبيوتر لهذا الغرض وكذلك دعم البرامج التعليمية التي تساعد في تعليم هذه اللغة لأبنائها.

دعم اللغة المندائية
إنها دعوة لأن يساندنا جميع العراقيين، متثقفون ومعنيون، من أجل أن توضع دعوة الأمم المتحدة بجعل عام 2008 عاما للغة الأم موضع التنفيذ. فنحن نأمل ونرجو ونطالب أن يكون هذا العام، علي مستوي العراق، عاما لدعم اللغة المندائية بإعتبارها حقا لغة مهددة بالإنقراض بحسب تصنيفها وتسجيلها في أطلس منظمة اليونسكو. كما نرجو أن تقوم الحكومة العراقية بالطلب إلي مندوب العراق في منظمة اليونسكو من أجل متابعة ذلك عن طريق التنسيق مع الجهات المندائية المعنية والأكاديمية المتخصصة علما بأنه سبق وكان لنا إتصال مباشر مع هذا المنظمة في هذا الموضوع. كما أن الأمر يتطلب تخصيصات مالية يقرها مجلس النواب لتنفيذ الكثير من البرامج التعليمية والتوثيقة المهيئة والتي تنتظر تمويلا مناسبا لوضعها موضع التنفيذ ومن ذلك إمكانية إيصال كتابنا التعليمي" أتعلم المندائية " مجانا إلي جميع المندائيين فهو كفيل بمرحلة تعليم القراءة والكتابة الأساسية، وقد حظي بتقييم وتقدير منظمة اليونسكو، ومشاريع أخري موقوفة بأسباب عدم توفر الدعم. ونشير أيضا أن هذا الأمر يمكن أن تشترك فيه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المنبثقة عن جامعة الدول العربية ذلك أن مثل هذا الموضوع يقع ضمن ميدان عملها وندعوها لأن تسهم معنا في وضع دعوة الأمم المتحدة بهذا الخصوص موضع التنفيذ تأسيسا علي قرار منظمة اليونسكو بإعتبار اللغة المندائية لغة مهددة بالإنقراض.

الدخول للتعليق