• Default
  • Title
  • Date
  • اعداد : عزيز عربي ساجت
    المزيد
    اللغة المندائية والحاجة الملحة للبحث العلمي الدائم هناك جملة تساؤلات
  • فهيم عيسى السليم
    المزيد
    كتب الكثير عن هذا التنظيم الإرهابي الدموي ودخل الإستخدام اللغوي
  • د . قيس مغشغش السعدي
    المزيد
    بتوقف  دراسة اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق
  • د. قيس السعدي
    المزيد
    قصيدة لميعة عباس عمارة حين تتحدث مع لميعة عباس عمارة،
الأحد, 07 نيسان/أبريل 2013

الصاية والصرماية في اللغة المندائية

  قيس مغشغش السعدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

حين تبتكر حضارة وادي الرافدين أول أبجدية وتعتمدها في الكتابة، فما ذاك إلا ّ
لرقي إنسانها في ميادين عديدة ومنها الميدان اللغوي. لذا فإن أرض الرافدين تعد
مخزونا لغويا هائلا بدأ ابتكارا وأثرى بحكم ثراء حضاراته وما يمليه ذلك الثراء
من حاجة للمفردات على اختلاف ميادين الحياة المزدهرة. لقد توارثت حضارات وادي
الرافدين اللغة من بين ما توارثت، ذلك أن اللغة تراكم أصوات ومفردات واشتقاقات
وبناءات وقواعد واستخدام لين سلس تفوق حاجة الإنسان فيها حاجاته الأخرى من حيث
الاستخدام. فالإنسان إنما يأكل مرات محسوبة ويشرب مثلها.. وهكذا في حاجاته
الأخرى، في حين أنه يستخدم اللغة على مدار يومه نطقا أو تفكيرا ، بل يعتمد
اللغة حتى في أحلام منامه.

ومعلوم أن اللغة السومرية هي أساس لغة وادي الرافدين ثم تأتي اللغة الأكدية 

بعبقرية تكاملها لتكون اللغة الأم لما أصبح تقسيما شائعا تحت تسمية اللغات
السامية من قبل الباحث الألماني "شولتسر" في نهاية القرن الثامن عشر. وتأتي
اللغة الآرامية لتكمل البناء اللغوي في لغة وادي الرافدين. ومنها تفرعت لغات
شعوب المنطقة وتعدت الى أصقاع عديدة استخداما وتأثيرا.

ولأن المندائيين مكون أساسي من مكونات شعب وادي الرافدين، وبحكم حجم وجودهم
وغنى تراثهم فقد اختصوا بلغة خاصة هي اللغة المندائية التي يعدها الأكاديميون
والمعنيون الفرع النقي الخالص للغة الآرامية الشرقية لعدم تأثرها بمفردات اللغة
العبرية كما في اللهجات اليهودية، ولا بالإغريقية كما في اللهجات المسيحية. كما
طوروا أبجدية خاصة بهم أيضا غير متأثرة برسوم الأبجديات المتوارثة الأخرى. لذا
يرى عالم اللغات "كارل بروكلمان" بأنها تمثل الأصوات الحقيقية للغة تمثيلا
صادقا. ولأن بيئة المندائيين المعهودة هي وسط وجنوب العراق فإن تداول هذه اللغة
كان هو الشائع الى حد سك نقود مملكة ميسان بها.

وبدخول الإسلام أرض العراق بدأ تسيد اللغة العربية التي هي أيضا فرع من اللغة
الآرامية. ومع سيادة اللغة العربية كونها لغة القرآن وأداة فهم الدين وطقوسه
وشعائره، ثم تبني العراق تشييد صرح هذه اللغة بمدرستي الكوفة والبصرة وما أعقب
ذلك من ثراء لغوي بنتيجة ثراء الدولة العربية إبان الخلافة العباسية، مع ذلك
كله، فقد بقى لسان الناس يحفظ الكثير من الكلمات والمفردات التي قد يستغرب
بعضهم استخدامها ولا يعرف أساسه لانقطاع الرجوع الى اللغات التي كانت سائدة في
المنطقة. وليس غريبا أن إحصاء هذه الكلمات سيكون كثيرا جدا الى الحد الذي أصبح
بعضهم يطلق عليه اللهجة أو اللغة المحكية أو اللغة غير الفصيحة مع أن الكلمات
المتواترة في اللغة المحكية هي كلمات فصيحة في أساس لغاتها.

ومع أن بعض الأكاديميين والباحثين قد تناولوا هذا الموضوع وبخاصة في الكلمات
الأكثر شيوعا، فإن بروز الحاجة لاستخدام بعض الكلمات مما هو شائع في اللغة
المحكية أما لالتصاق تداولها بعامة الناس أو لغرابة استخدامها أو لغرض التنوع
وتجاوز المألوف أو لصلاحيتها للتعبير المتكامل عن معنى كبير لا تخدمه مفردة
واحدة في اللغة العربية قد جعل بعض الكلمات شائعة إعلاميا في الوقت الحاضر.

للأسف بقت اللغة المندائية مهملة في مهد منشئها ووطن وجودها مع أن لفظ الجنوب
العراقي، خاصة، يتطابق تماما مع لفظ اللغة المندائية ناهيك عن الكم الهائل من
المفردات المستخدمة والتي إنما هي مفردات بقت المندائية تحفظها عن الأكدية
والآرامية أو ابتكرتها وأشاعت استخدامها جميعا في المنطقة بحكم وجودها وشيوع
لغتها فيها منذ ما يزيد عن 2200 عاما.

لقد تناولنا في مواضيع سابقة استخدام اللغة المندائية بشكل فصيح لمفردتي " أكو
.. ماكو" وكذلك لمفردتي " الجا واللعد " وغير ذلك مما أحصيناه والذي يربو على
ألف كلمة وأساس أفعالها في ما نعكف عليه الآن في قاموس المفردات المندائية في
اللهجة العراقية. ومن بين الكلمات التي علا صوت استخدامها بعد أن اعتمدتها قناة
الشرقية وأشاعت ذكرها إعلاميا مفردتي " الصاية والصرماية " و " كرستا وعمل ".
وقد ذهب بعضهم في تفسيره بناء على المتداول في أن " الصاية والصرماية " هما
الجاه والمال والاكتفاء بأن المفردتين من أصول أكدية.

وبعد الرجوع الى اللغة المندائية فقد وجدنا أساسا لهذين المفردتين وكما يلي:
أما " الصاية " فأساسها في اللغة المندائية هو كلمة (صايتا ) التي تعني السند
والحزم والقرب والمعـيـّة. ولذلك يقال في اللغة المحكية ( بصاية الله وصايتك )
بمعنى بسند ودعم ومعية من الله ومنك . وبالمعنى نفسه ترد كلمة ( سياتا ).
ويلاحظ أن حرف التاء في آخر الكلمة في اللغة المندائية يشير الى صيغة المؤنث
أما ورودها بصيغة المذكر فيكون ( صايا ) وفي حال الجمع (صايي). وأما كلمة "
الصرماية " فأساسها في اللغة المندائية الفعل (صرر) ومنه تتشكل كلمة (صرراية )
وأيضا كلمة ( أ ُصرايا ) التي ترد بمعنى " الذخيرة والمخزون والإدخار والثروة
". ويظهر لنا بأن الحاجة الى إعتماد الكلمتين كمصطلح شامل متكامل بين الـ "
صاية " بمعناها السند والـ " أصرايا " بمعناها الذخر قد تطلب تحوير الكلمة
الأخيرة لتكون على وقع وسجع الكلمة الأولى فصارت مع تقادم الإستعمال وتليين
إستخدامه " صراية ثم صرماية ". وهكذا فإن مصطلح " صاية وصرماية " في اللغة
المندائية يعني ( السند والذخر) وهو ما يراد به تماما بحسب فهمنا لمعنى
الإستخدام الدارج حينما تشير الأم الى أبنائها بأنهم ( الصاية والصرماية) .

أما مصطلح ( كرستا وعمل) فإن كلمة "عمل" معروفة بأساس الفعل في اللغة العربية.
وأما كلمة (كرستا) فإن أساسها ما وجدنا في اللغة المندائية حيث تلتقي هذه
الكلمة مع الكلمة المندائية ( كَـِرساتا ) التي تعني الطحين أو دقيق الأشياء
القابلة للطحن. وعلى هذا فإن الخبز مثلا لا يحتاج إلا الى الطحين والعمل أي (
الـكرستا والعمل). ولأن عيش الناس قائم على الخبز فقد أصبحت مادته الأولية
(الطحين / الكرستا ) مثالا للمادة الأساسية لأي مجال إنجاز آخر. فصار وصف
متطلبات الإنجاز بـ (الكرستا والعمل).

الدخول للتعليق