• Default
  • Title
  • Date
  • اعداد : عزيز عربي ساجت
    المزيد
    اللغة المندائية والحاجة الملحة للبحث العلمي الدائم هناك جملة تساؤلات
  • فهيم عيسى السليم
    المزيد
    كتب الكثير عن هذا التنظيم الإرهابي الدموي ودخل الإستخدام اللغوي
  • د . قيس مغشغش السعدي
    المزيد
    بتوقف  دراسة اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق
  • د. قيس السعدي
    المزيد
    قصيدة لميعة عباس عمارة حين تتحدث مع لميعة عباس عمارة،
الأحد, 14 نيسان/أبريل 2013

الترجمة ومسؤولية نقل النصوص المندائية

  صباح مال الله
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

تمت في السنوات القليلة الماضية ترجمة بعض الكتب الدينية من المندائية مباشرة الى اللغة العربية. وأهم ما تمت ترجمته هو كتاب گنزا ربا المقدس حيث قدمت الينا ترجمتان احداهما من بغداد وقام بها كل من الأستاذ الدكتور يوسف متي قوزي وهو رجل مسيحي ضليع باللغات السريانية والكلدانية والآرامية وأستاذ متخصص باللغات السامية في جامعة بغداد، وعاونه في الترجمة الدكتور صببيح مدلول السهيري، وهو رجل مندائي معروف ببحوثه المندائية وتراجمه من اللغة الألمانية. وقد سلمت هذه الترجمة فيما بعد للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي قام باعداد صياغة الكتاب الأدبية بدون اذن من المترجمين. وبالرغم من الاعتراضات التي اثيرت حول هذه النسخة ـ والتي سنتطرق اليها في مقالات قادمة ـ الا انها تبقى المحاولة الأولى لنقل كتاب مهم مثل گنزا ربا المقدس مباشرة من المندائية الى العربية من قبل عراقيين. وقد اعتمدت هذه النسخة من قبل مجلس الطائفة في بغداد.

أما الترجمة الثانية ـ نسخة أستراليا ـ فقد قام بها الباحــث والمترجـــــم المندائي كارلـــوس گيلبرت ـ خالد عبد الرزاق الخميسي ـ نقلا عن نسخة المستشرق الألماني الكبير مارك ليدزبارسكي ـ الألمانية والعبرية ـ والتي أمضى فيها هذا المستشرق سنوات طويلة في ترجمتها عن المندائية، بعد ان قام بتنقيحها ومقارنتها بنصــوص متعـددة من كتـاب گنزا ربا الموجودة في مكتبات أوكسفورد ولايدن وميونخ ونسخة باريس التي يعود تاريخها الى سنة 1560 م، وكذلك مع مخطوطات يوحنا ، بعد تكليفه بذلك من قبل جامعـة گوتينـگن الألمانية في عام 1913 . وقد اتم ليدزبارسكي ترجمة كتاب الصابئة المقدس گنزا ربا خلال العامين 1916 و 1917 بعد ان واجهته صعوبات جمة في الترجمة منها ان هناك عددا كبيرا من المفردات المندائية تحتوي على معان غامضة او متباينة كما ان الكثير من النصوص تطغي عليها الرمزية المليئة بالمفاهيم الميثلوجية والثيولوجية المستمدة من حضارات وادي الرافدين و منطقة الهلال الخصيب. وقد ساق المستشرق ليدزبارسكي العديد من الأمثلة على ذلك اوردها في حواشي ومتن الترجمة التي قام بها. وتحسب للمترجم كارلوس گيلبرت نقطة ايجابية مهمة حين استعان برجل الدين المندائي الترميذا رافد ابن الريشما عبد الله لتفسير الكثير من المفردات الغامضة والتي بينها في الهوامش، وهي خطوة مهمة في ترجمة هذا الكتاب بدون شك.
ان ترجمة كتاب ديني مهم مثل كتاب گنزا ربا المقدس لدى الصابئة المندائيين وبقية الكتب المقدسة في المستقبل يستدعي استثمار الدراسات والنظريات الحديثة في الترجمة والاستفادة من التراث المندائي وأن يكون المترجم على وعي تام بمقتضيات المجال التداولي للمتلقي المندائي كما هو الحال بالنسبة للأكاديمي والباحث والمهتم بالأدب والأرث المندائي سواء كان هذا المتلقي مندائيا أو أجنبيا لأن التصادم الذي قد تحدثه الترجمة في نقل المفاهيم والمصطلحات يؤدي الى تشويه النصوص أو وأدها في مهدها او اعطاء صورة مغايرة تماما لما تعنيه هذه النصوص نتيجة لتباين المعاني تبعا لمفهوم النص وزمانه ومكاته، خاصة وأن المخطوطات المندائية تمتد الى حوالي الألفي عام في ذاكرة التاريخ. كما ينبغي على المترجم أن يكون يقضا لخصوصية النصوص التي يترجم عنها وتبيان أي لبس في المعاني مستخدما التنبهيات المستمرة للقارئ في حواشي ومتن النسخة المترجمة.

وعلى العموم تبقى ترجمة هذه الكتب مغامرة على من ينوي خوضها ان يكون ملما الماما شديدا باللغة العربية وباللغة المندائية واللغات التي كانت سائدة في وادي الرافدين مثل الآرامية، التي هي مفتاح مهم لكل من يحاول الترجمة عن المندائية، والأكدية والبابلية والفارسية والعبرية والنبطية واليونانية لوجود مفردات كثيرة منها في النصوص المندائية وأن يكون ملما باللغات السريانية والكلدانية والآشورية لاشتراكها مع المندائية في الكثير من المفردات والقواعد، ناهيك عن اتقانه اللغتين الألمانية والأنجليزية اللتين ترجمت اليهما أغلب النصوص المندائية والتي يجب ان يدرسها كل مترجم بعناية قبل اقدامه على الترجمة من المندائية. كما ينبغي للمترجم ان يكون على اطلاع واسع بتاريخ وادي الرافدين ومنطقة الهلال الخصيب والموروث الحضاري والأسطوري لهذه المنطقة امتدادا من حران شمالا وحتى القرنة جنوبا حتى لا ينساق وراء الدلالة العربية لكلمة اسطورة myth على انها خرافة بما تحويه من مدلولات سلبية على الترجمة في الفكر العربي. وكل هذا يتطلب ، كما هو واضح ، لجنة من المختصين بهذه المجالات يعهد اليها بالترجمة.
لقد استغرق الوصول لصيغة مقبولة لترجمة الكتب المقدسة كالأنجيل (العهد القديم والعهد الجديد) مثلا عن الآرامية واللاتينية قرونا عديدة واشترك في هذه الترجمة خيرة علماء اللاهوت و اللسانيات المسيحيين واليهود الى ان جاءت بهذه الصورة المتقنة التي نقرأها في الطبعات العربية. ان شروع المندائيين بترجمة كتبهم المقدسة هو بادرة تستحق التقدير والتشجيع لأنها ستؤدي بالنهاية الى اضاءة مجالات الا مُفكر فيه في التراث المندائي وستحفزهم لتبني نقل كتبهم الدينية الى اللغة العربية ولاحقا الفارسية ـ لوجود جالية مندائية كبيرة في أيران لا تجيد العربية ـ والأنجليزية ـ لأجيال المندائيين التي ستنشأ في المهاجر ـ لكون المندائيين هم الأولى والأحق في استخلاص مكنونات تراثهم ولغتهم وفك طلاسمها بدلا من تركها للمستشرقين الذين أفادوا منها كثيرا في مجالاتهم الأكاديمية. والترجمة ليست بالمهنة الغريبة على الصابئة فقد برعوا فيها منذ القدم كما برعوا في العلوم والطب والهندسة والفلك والشعر والصياغة .

ومن المعلوم فان الكتب المدونة باللغة المندائية ستبقى الوحيدة المستخدمة في الطقوس المندائية من قبل رجال الدين والعامة، اذ لا يجوز استخدام المترجمة الى لغات أخرى في طقوسهم كونها لغتهم المقدسـة التي حمتهم عبر تاريخهم الطويـل ، ولكن التراجـم ستتيح للمندائيين الاطـلاع على لغـة جميلة أصيلة كانت سائدة في بقـاع كثـيرة ردحا طويلا من الزمن، ثم أهملت بسبب القهر والجور، وحان الآن وقت تعلمها واحياءها.

الدخول للتعليق