• Default
  • Title
  • Date
  • اعداد : عزيز عربي ساجت
    المزيد
    اللغة المندائية والحاجة الملحة للبحث العلمي الدائم هناك جملة تساؤلات
  • فهيم عيسى السليم
    المزيد
    كتب الكثير عن هذا التنظيم الإرهابي الدموي ودخل الإستخدام اللغوي
  • د . قيس مغشغش السعدي
    المزيد
    بتوقف  دراسة اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق
  • د. قيس السعدي
    المزيد
    قصيدة لميعة عباس عمارة حين تتحدث مع لميعة عباس عمارة،
الأحد, 14 نيسان/أبريل 2013

اللغة الفينيقية وحوض البحر المتوسط

  ثائر صالح
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

كان الفينيقيون من الشعوب التي تركت بصماتها الواضحة على تطور الحضارة البشرية. فالى جانب ابتكارهم حروف الأبجدية ونقلها الى النصف الغربي من العالم القديم، سادت لغتهم واللهجات المتفرعة منها على مساحة شاسعة من الأرض لمئات السنين، وكانوا من الأمم التي قاومت الامبراطورية الرومانية، ولم يتمكن الرومان من قهرها عسكرياً إلا بشق الأنفس. وارتبط الفينيقيون بالتجارة منذ القدم، وأسماهم اليونانيون بالفينيقيين نسبة الى Phoinikes وهي صبغة الارجوان التي كانوا يتاجرون بها، أما هم فكانوا يطلقون على أنفسهم اسم كنعان، وكذلك سمتهم وثائق تل العمارنة بمصر. وأطلق عليهم العهد القديم اسم السيدونيين احياناً نسبة الى صيدا، احدى المدن الفينيقية المهمة. اما تسمية البونيين فهي من ابتكار الرومان الذين أطلقوها على الفينيقيين الذين سكنوا قرطاجة والمستوطنات الفينيقية في البحر المتوسط، وهي الصيغة اللاتينية لكلمة فينيقي اليونانية. ومن المعروف ان حوض المتوسط مدين للفينيقيين بكلمة "أدون"، ومعناها سيد، فقد استعلمها العبرانيون في "أدوناي" للدلالة على الرب، وأخذها اليونانيون ايضاً بصيغة "ادونيس" وهي الاله الذي يقابل الاله البابلي تموز، وكذلك أخذت اللغات اللاتينية (الايطالية والاسبانية) الكلمة للدلالة على السيد، واسم اوبرا موتسارت "دون جيـوفاني" معروف في عالم الأدب والفن ومعناه التملك للمتحدث المفرد، وتستعمل الكلمة على نطاق واسع ايضاً كلقب للسيدة مريم العذراء .

ولو عدنا الى التقسيم المعروف للغات السامية، نجد عائلة اللغات السامية الشمالية - الغربية، التي تتألف من الكنعانية وفروعها المعروفة مثل السريانية والسامرية والنبطية والتدمرية (من المجموعة الآرامية الغربية) والتلمودية والمندائية (من المجموعة الآرامية الشرقية). ويعتقد العلماء بأن النصوص التي وجدت في مدينة ماري (تل الحريري) على الفرات وفي مناطق من شمال سورية والتي تعود الى القرن الثامن عشر ق.م. هي نصوص كتبت بلغة تعتبر اللغة السامية الشمالية الغربية قبل انقسامها الى آرامية وكنعانية. اما في القرنين السادس عشر والخامس عشر ق.م. فقد تميزت الكنعانية كلغة مستقلة عن الآرامية، وذلك في نصوص جبيل، وسرابيط الخادم (في سيناء)، على رغم عدم وضوح هذه النصوص بشكل كاف. كذلك وجدت كلمات وأسماء كنعانية ضمن الرسائل الأكدية التي عثر عليها في تل العمارنة. اما اللغة الاوغاريتية، وهي لغة مدينة أوغاريت (رأس الشمرا على الساحل السوري) والتي ورثنا عنها مكتبتها الشهيرة التي تعود الى القرن الرابع عشر ق.م، فهي لغة كنعانية شمالية، وظهرت الفينيقية كلغة كنعانية شمالية (ساحلية) في العصر الحديدي (بعد 1200 ق.م . ) .

اما العبرية فقد حفظت لنا في أسفار العهد القديم التي كتبت غالبيتها باللهجة العبرية لمنطقة القدس (عدا عدد من أصحاحات سفري دانيال وعزرا واجزاء من بعض الأســفار الأخرى التي كتبت بالآرامية)، وهناك جزء يسير من الأسفار التي كتبت بلهجة السامرة الشمالية مثل سفر هوشع وأجزاء من نشيد الأناشيد. وتعود هذه النصوص الى فترات مختلفة، كتب آخرها في القرن الثاني ق.م. واختفت اللغة العبرية كلغة حية واقتصرت على الكنيس فحسب ولم تستعملها عامة اليهود إلا في تأدية الطقوس الدينية، إذ ازاحتها اللغة الآرامية التي أصبحت لغة التخاطب في المنطقة، وبدأت تسود تدريجاً منذ القرن الرابع ق.م .

انتشرت اللغة الفينيقية على طوال الساحل الشرقي للمتوسط وامتدت الى اطراف من جنوب شرق آسيا الصغرى والى قبرص (منذ بداية الألف الأول ق.م) والجزر اليونانية مثل رودس وحتى الى اليابسة اليونانية (اثينا وبيريوس، وديميترياس في تساليا) وذلك خلال القرون الثالث - الأول ق.م. وكان التوسع الحقيقي حدث في شمال افريقيا، بعد بناء قرطاجة (قرت حدشت أي المدينة الجديدة) العام 824 ق.م، وبناء المستوطنات الفينيقية على سواحل وجزر البحر المتوسط. فقد استوطنوا جزر مالطا وصقلية وساردينيا (واستعملت اللغة الفينيقية لغاية القرن الثاني الميلادي في ساردينيا)، وسواحل شمال افريقيا واسبانيا، وعبروا أعمدة ملقرت (التي اسماها الرومان اعمدة هرقل وهي مضيق جبل طارق) وسكنوا ساحل المحيط الأطلسي ايضاً. وملقرت المذكور هو أحد كبار الالهة الفينيقيين، ومعناه مختصر من "ملك قرت" اي ملك القرية او المدينة. وعرفت لغة المستوطنات الفينيقية (وعلى رأسها قرطاجة) باللغة البونية، وبعد سقوط قرطاجة العام 146 ق.م. اصطلح على تسميتها باللغة البوينة الحديثة. واستمر تأثيرها لقرن بعد ذلك، فقد تحدثت شعوب شمال افريقيا بالبونية (مثلا استعملت المملكتان النوميدية والموريتانية هذه اللغة لغاية القرن الثاني الميلادي)، وتمكن الرومان من اجبار سكان المدن على الحديث باللاتينية، غير انهم فشلوا في التأثير في سكان الأرياف الذين بقوا أوفياء الى لغتهم القديمة، خصوصاً في مناطق ليبيا والجزائر الحالية .

بعض الخصائص اللغوية

مقارنة باللغة الآرامية شقيقة الكنعانية، نلمس تحول الألف الممدودة الى واو (في البداية O ثم U ) في حين ظلت في الآرامية القديمة (مثلاً "راش" - "روش" وهو الرأس)، ويتميز جمع المذكر باستعمال لاحقة "يم" بدلاً من "ين"، مثل العبرية (بعليم مثلا، وهو جمع بعل أي سيد او اله). ومن الميزات الأخرى تحول أحرف ما بين الأسنان ( interdental ) مثل الثاء والذال، الى أحرف صفير مثل السين والصاد في الكنعانية، في حين تحولت في الآرامية الى حروف نطعية كالتاء والدال .

اما الاختلاف عن العبرية فيكمن بالدرجة الأولى في المفردات، ومنها أساسية، مثل الفعل (عمل، فعل) فهو في العبرية "ع س هـ"، وفي الفينيقية "فعل" أي مشابه تماماً للفعل العربي، وكذلك فعل الكينونة، فهو في العبرية "هـ ي ي" وفي الفينــيقية "كون". واستعملت الفينيقية تاء التأنيث في الوقت الذي تحولت في العبرية إلى ألف أو هاء. وعلى رغم استعمال العهد القديم لكلمة "حرص" بشكل ضيق في بعض الأشعار (وهي في الأوغاريتية "خرص") للدلالة على الذهب، إلا أن الكلمة العبرية المعتادة هي "زهب". ومن الغريب أن تكون أداة النفي في الفينيقية "بل" و"إي"، وهي في العبرية "لو" و"أل " .

وعدد الحروف الفينيقية 22 حرفاً، وهو نفس عدد الحروف الآرامية والعبرية، في حين كان عدد الحروف الأوغاريتية 29 حرفاً، ووصل عدد الحروف في البونية المتأخرة إلى 43 أو 44 حرفاً. ولم تبق أسماء الحروف إلى عصرنا الحالي، لكن يبدو أنها مشابهة لليونانية بالدرجة الأولى، وللعبرية أيضاً. ومقارنة الحروف العبرية واليونانية تؤكد ذلك، فقد حافظت الأبجدية اليونانية على الحرف الفينيقي "روش" ومعناه رأس في "رو" اليونانية، وهو الحرف الراء، الذي تحول إلى "ريش" في العبرية بسبب تأثير اللغة الآرامية، (وأسماء الحروف اليونانية والعبرية معروفة فهي ألفا = ألف، بيتا = بيت، غاما = غمل، دلتا = دالت... الخ).

وعلى رغم اتصال التجار الفينيقيين بعدد كبير من الشعوب، فإن الكلمات المستعارة في اللغة الفينيقية القديمة كانت محدودة للغاية، ولكن عددها ازداد بعد فترة، خصوصاً في لغة المستوطنات الفينيقية في اليونان وشمال افريقيا، وفي أغلبها مصطلحات تقنية أو سياسية، وأسماء العلم وأسماء الأشخاص. واقتبست الفينيقية من الاناضولية القديمة (اللوفية) بعض الكلمات مثل اسم الملك كيلاموا الذي حكم مملكة سمأل (شمال) في أواخر القرن التاسع ق.م. في مناطق من شمال سورية (وقد وجد نصب له في منطقة زنجرلي الحالية في تركيا، كتب بلغة تسمى بـ"پاليؤدية" وهي كنعانية في الأصل، تحمل آثار لهجة آرامية خاصة). واقتبس من اللغة المصرية بعض المصطلحات الدينية (مثل "حرسقراط" وأصلها حورس الطفل، والتي تقابل "هاربوكراتيس" في اليونانية)، ومن اليونانية أيضاً (مثل دراخمه وهو أصل الدرهم) ونقل الفينيقيون أسماء اعدائهم الرومان بصيغة لاتينية على الغالب مثل "أمبرعطور" وتلفظ امبراطور، "عوغسطس" أي أوغسطس (والعين هنا حرف علة)... الخ. وأخذوا حتى من النوميدية (وهي من لغات قبائل الطوارق) .

نماذج من النصوص

نص منقوش على تابوت الملك "أشمنعزر" ملك صيدا من القرن السادس ق. م. وبتحويله للحرف العربي: "(1) بيرح بل بشنت عسر وأربع لملكي ملك أشمنعزر ملك صدنم (2) بن ملك تبنت ملك صدنم دبر ملك أشمنعزر ملك صدنم لأمر..." وترجمته هي: "(1) في شهر بيل في السنة الرابعة عشرة من حكم الملك أشمنعزر ملك الصيدونيين (2) ابن الملك تبنت ملك الصيدونيين تكلم الملك أشمنعزر ملك الصيدونيين قائلاً..."

في هذا النص نجد كلمة شهر "يرح" التي تشابه كلمة "يرحا" التي يستعملها أهل معلولا (ولغتهم الآرامية الغربية الحديثة)، وأصلهما من الأكدية "يرخو" وهي القمر. ونلاحظ كذلك التماثل الكامل مع الصـــيغة العبرية الكلاسيكية المعروفة من العهد القديم "كلم الرب موسى قائلاً". ويبدو أنها صيغة شائعة الاستعمال في أدب المنطقة ولا تقتصر على نصوص العهد القديم .

وهذه السطور الأولى من نص الملك كيلاموا الذي مر ذكره آنفاً (ويعود إلى القرن التاسع ق.م.): "(1) أنك كلمو بر حيا (2) ملك جبر عل يأدي وبل فـ [ـعل] (3) كن بمه وبل فعل وكن أب حيا وبل فعل وكن أح (4) شأل وبل فعل وأنك كلمو بر تم [ـ] مأش فعلت (5) بل فعل هلفنيهم كن بت أبي بمتكت ملكم أد (6) رم وكل شلح يد للحم وكت بيد ملكم كمأش أكلت (7) زقن وكمأش أكلت يد وأدر علي ملك دنـ [ـنـ] ـيم..." وترجمة هذا النص الذي يصور حال الممالك السورية الصغيرة تحت رحمة الجيران الأقوياء: "(1) أنا كيلاموا بن حيا (2) ملك جبار على يَؤد (بفتح الياء) ولم أفعل [شيئاً سيئاً] (3) كان بمه (؟) ولم يفعل وكان أبي حياً ولم يفعل وكان أخي (4) شال ولم يفعل وأنا كيلاموا بن تم (؟) فعلت (5) ما لم يفعله الأسبقون، كان بيت أبي وسط ملوك (6) عظام، كل [واحد منهم] مد يده للخبز [ثروة البلد] وكنت بيد الملوك وكأنني أكلت [نتفت] (7) ذقني وكأنني أكلت [قطعت] يدي، وتجبر على ملك الدانونيين"...

والدانونيون هم قوم اسمهم باللغة الاكادية دا-نو-نا. هذا النص المؤثر يحمل البصمات الواضحة للفينيقية (مثلاً "أنك" = أنا، وصيغة جمع المذكر ملك ملكيم، "كن" = كان، والنفي بـ "بل"، وإستعمال "فعل" بدلاً من "عبد" الآرامية بمعنى صنع، فعل... الخ)، وبعض صفات اللغة الآرامية (مثلاً "بر" = إبن بدلاً من "بن") في الوقت نفسه .

الدخول للتعليق