• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 11 شباط/فبراير 2013

الماضي عِبرة، وليس حَسرة وعَبرة

  د. قيس مغشغش السعدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

لأن الحَسرة والعَبرة تولد إما القنوط وإما الحقد على الحاضر. وكل من لا يستطيع أن يعيش الحاضر ويضعف بصره عن رؤية المستقبل يظل أسير الماضي متناسيا أن الماضي هو ما مضى. وكل من لا يقدر أن يقدم للحاضر ويمهد لصناعة المستقبل يأكله صدأ الماضي وهو يعلل نفسه ويوهمها بأنه بذلك يكون موجودا. وفي الوقت الذي يسحب الحاضر إلى العيش والحياة فإنا التقوقع في الماضي يسحب إلى العَطـَلة والتعطل والتعطيل. ونحن بهذا لا ننكر الماضي الذي نحتاجه لنتباهى بالبارز والإيجابي والإنجاز الملموس والمتحقق فيكون لنا به تأريخا مثلما نتباهى بتأريخ المندائيين، بل نرفض أن يكون مغناطيسا موقفا للحركة لأنه بذلك يكون حبسا ًيعيش فيه البعض ويحاول أن يسحب غيره إليه.

ولأن المندائيين اليوم في أحوج حالات الفعل قياسا بكل أنواع التحديات التي يواجهونها ككيان، فإنهم بحاجة شديدة لأن يأخذوا جرعات التنشيط والتقوية والصمود لينهضوا صباح كل يوم وهم يقولون هيا نكمل ما كنا فيه ليلة أمس. فالمندائيون مطرودون من وطنهم بحكم ما جرى ويجري فيه، والمندائيون تلوعوا ويتلوعون في بلدان النزوح يعيشون الشاقة والفاقة التي تسحب إلى خروج النفس عن قيمها وربما عن دينها، والمندائيون موزعون في بلدان الشتات على حوالي 20 بلدا والمئات من المدن فيها رغم قلة عددهم، والمندائيون يواجهون الحرج في ضياع هويتهم فلا يقدر البعض وبخاصة الأبناء أن يُعرّف بنفسه فيعمد سريعا إلى القول بأنه معمداني أو مسيحي وليس هو كذلك، والمندائيون تسحبهم حياة وثقافة المجتمعات الجديدة بدون جذور فيها ولا فرامل لأنهم أميل إلى التقبل مقارنة بإنغلاق الآخرين دينيا أو عرقيا، والمندائيون عانوا الإضطهاد في أمر مراراته وقد صار البعض يؤمن أن ذلك كان بسبب مندائيته وهي سبب في إختلافه واستهدافه فضعفت فيه المندائية وقلت معنيتها له، والمندائيون تصارع طقوسهم الجميلة ونشاط تباهيهم وتميزهم الظروف المناخية فاستسهلوا الترك بدلا من أن يجهدوا في التيسير مكانا وشعيرة، والمندائيون تركوا لغتهم في بطون السنين ولم يبق في لسانهم إلا كلمات منها، وتبلبلت ألسنتهم وألسنة أبنائهم اليوم فغدا الكلام ينحسر لديهم وهم موزعون، والمندائيون أصحاب الحِرف والوظائف التي كانت تشغلهم وتبرزهم بين أنفسهم وفي المجتمع فصار أغلبهم اليوم حبيس البيت وصار آذانا وحسب للإستماع وما يجر ذلك من تقولات ونميمة، والمندائيون بدون إمكانيات مادية تضع كل الطموحات موضع الإنجاز والتحقيق فيلمس الجميع ترجمة الأقوال إلى أفعال فصار كل طموح ومقترح وكأنه بيت شعر يقال وتكتفي الأغلبية بالقول: بارك الله فيك! والمندائيون مازالوا وحيدون بدون سند وطني أو دولي يستندون إليه في كل ما يحفاظ عليهم كيانا ووجودا. والأدهى أن العراق كان يحتضننا شئنا أم أبينا ويلزمنا بكياننا بحكم اللاانتماء لغيرنا، كيف وبلدان اليوم تقدم لنا بحكم إختيارنا لها كل المغريات، وصار الأبناء الذين كانوا يتجمعون حول الآباء ويزهون بمشاركاتهم، يعزفون اليوم عنا وفي الأقل أنهم مبتعدون بسبب ما يرون ويسمعون ويقرأون، وبهذا ننسحب ربما دون أن ندري إلى التخلي عنهم ونسلمهم لقمة مضغتها المعاناة وقطعها اللا احتضان فصارت للآخرين سهلة سائغة.

لا، أيها الأخوة. كل من يحب المندائية يجب أن يعمل لها. حرام أن تكون مندائيا ولا تعمل لمندائيتك. لسنا بحاجة لمزيد أقوال، ولا يكن فعلنا هو الكلام، وأي كلام؟ ليته الذي يشحذ الهمم ويولـّد العزم، بل إنه الذي يجرنا إلى جوانب في الماضي ليجعل منها عراقيلا في الحاضر. ولا شك أن من يفعل هذا هو بأقصى درجات المرض والحقد الذي شانه وهاله أن تتوسع حلقات الضوء في اليوم المندائي والغد المندائي لأن عيونه الرمدة وفكره الوهمي السوداوي لا يحب غير الظلام ويريد الآخرين أن يشاركوه ظلامه ويعيشوا معه، فهل توافقون على أن يرشدكم الأعمى ويهديكم المعتوه؟

كل من عمل للمندائية كان عمله طوعيا وهو أسمى العمل كما هو عمل الأنبياء وباهري الصدق، واليوم أبرزها سعة الحاجة للتجمعات والجمعيات المندائية في بلدان التواجد وتنظيمها في إتحاد يجمعها يحب أن يدعم قياسا بحجم الطموحات المتولدة عن أنواع المعاناة التي ذكرناها وغيرها الكثير وقياسا بالحق الذي لنا ككيان ووجود، والواجب أن تمد أيادي العون والتشجيع وتوفير الأمكانات للساعين من أجل لم الشأن والمحافظة عليه، وكل من يقف بخلاف ذلك فهو باطل باطل، ومع أن فعله باطل لكن علينا أن نصلحه فهو محسوب على المندائية ولو بحكم الولادة من أبوين مندائيين ، ولو بشعرة، فإن قطعها وحاول أن يقطع شعورنا ومشاعرنا علينا أن نحاسبه جميعا وننبذه جميعا ونبعده أيا كان ومهما كان، فما زال الأخيار هم الأقوياء. وهيي زكن

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014