• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 27 أيلول/سبتمبر 2020

المفاعلات والتجارب النووية - خطورتها وتأثيرها المدمر على البيئة والأنسان

  . تحسـين مكلـف
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 منذ اِجراء اول تجربة نووية عام 1945 حتى العام 2017 بلغ عدد التجارب والتفجيرات النووية حول العالم حوالي (2057) تجربة، وهو عدد كبير جدا قياسا لخطورة المواد المستخدمة وآثارها المدمرة. تلك التجارب تم اجراؤها في باطن الأرض وفي البحار وفي الهواء، كان منها 1000 تجربة باطن الأرض خلال عقدي السبعينات والثمانينات فقط، وفي جميع الأحوال واينما يكون مكان التفجير فانه يترك عواقب كارثية كبيرة على البيئة والأنسان على حد سواء. ويقينا ان العالم لم ولن يحصد من وجود السلاح النووي او المفاعلات النووية سوى الكوارث المفجعة، من تخريب الطبيعة الى موت وتشويه الأنسان والكائنات الأخرى، وماحصل لمدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، او مانتج عن حادثتي تشيرنوبل وفوكوشيما، خير مثال على ذلك.

ومعلوم ان لكل تفجير نووي آثار مروعة طويلة المدى على المياه والهواء والتربة وعلى جميع الكائنات القريبة من مواقع التفجيرات. سوى وان الإنبعاثات الذرية الناتجة عن التفجيرات تنتشر على مساحات شاسعة وتكون محملة بالعناصر المشعة التالية، سيزيوم (Cesium)، سترونشيوم (Strontium)، كريبتون (Krypton)، يود (Iodine). ويعتبر عنصرا السيزيوم واليود الأخطر بين هذه المواد. المقلق في الأمر ان تأثير وفاعلية بعض هذه العناصر المشعة يستمر لعقود طويلة يكون خلالها الخطر قائما ومهددا لحياة الأنسان.

يكلف انشاء المفاعلات وتصنيع السلاح النووي (اضافة لخطورته) مبالغا طائلة يمكن توجيهها (الأموال) لأهداف إنسانية بدل هدرها على اسلحة تقضي على الحياة والطبيعة. وبحسب وكالة الطاقة الذرية يوجد في العالم حتى عام 2019 حوالي 417 مفاعلا نوويا (بعضها سلمي)، وهذا العدد الكبير من المفاعلات يوضح خطورة ماقد يتعرض له العالم من كوارث. اما المفاعلات النووية قيد الأنشاء حتى عام 2019 فتبلغ 46 مفاعلا على مستوى العالم. وتذكر التقارير ان الطاقة النووية المصنعة في العالم نمت بنسبة 2.4% في عام 2018 .

والى جانب الآثار الكارثية الناتجة عن التجارب والتفجيرات النووية، فان خطورة وجود وعمل المفاعلات النووية ذاتها يتمثل في اكثر من اتجاه:

أولا. مخاطر النفايات النووية، تقوم المفاعلات (عادة تبنى قرب الأنهار او البحار) بتبديل المياه المبردة لها بشكل مستمر، المؤسف ان المياه المستخدمة الملوثة بالمواد المشعة يتم تصريفها الى البحار مباشرة، الأمر الذي يؤدي لتلويثها وتهديد الكائنات البحرية. كما تقوم بعض البلدان بطرح نفاياتها النووية وليس مياه التبريد فقط، في مياه البحار ايضا للتخلص منها بدل طمرها باطن الأرض (وهو الأمر المتعارف عليه). وبحسب ماجاء في تقارير لمؤسسة (Bellona) النرويجية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حولت روسيا بحر كارا (Kara Sea) شمال سيبريا الى مستودع لنفاياتها النووية، فقاع ذلك البحر يضم اليوم عددا كبيرا من حاويات النفايات المشعة إضافة الى مجموعة من المفاعلات والغواصات النووية الميتة. اما في الولايات المتحدة فتستخدم البحرية الأمريكية موقع المختبر الوطني في ولاية ايداهو مدفنا لوقودها النووي المستهلك وذلك منذ عام 1953 ، حيث تُدفن النفايات النووية تحت منبع نهر سنيك (Snake River) الأمر الذي يشكل آثارا سيئة ومخاطرا كبيرة على المياه والأراضي الزراعية هناك.

واضافة الى المفاعلات النووية، يوجد اليوم لدى الدول الكبرى عشرات الغواصات النووية العاملة في الخدمة (الغواصات النووية تعمل او تستمد طاقتها من مفاعل نووي صغير موجود داخلها) وهذا يعني ان مقابر الغواصات النووية ومدافن وقودها المستهلك ستبقى منتشرة على الدوام في مياه البحار او تحت التربة، وفي كلتا الحالتين ينتج عنها تأثير سلبي كبير على البيئة. وعادة تدفن النفايات النووية بعد تبريدها على أعماق كبيرة باطن الأرض وتُغطى بالصخور والإسمنت منعا لتسرب الأشعاع منها، ورغم ذلك تبقى خطورتها قائمة في محيط منطقة الدفن لفترات زمنية طويلة. اما التجارب النووية التي تجرى تحت سطح البحر فتسبب بطبيعة الحال تلوث المياه تلويثا صارخا وتقضي على عدد هائل من الكائنات البحرية وتصيب بالأشعاعات مايتبقى من تلك الكائنات على قيد الحياة فتكون مصدر خطر على الأنسان في حال اصطيادها وتناولها كغذاء.

ثانيـا . الحوادث العرضية التي تتعرض لها المفاعلات، مثل هذه الحوادث تؤدي في حال وقوعها الى تأثيرات بايولوجية هائلة تصل حد الكوارث الطبيعية، اذ ينتج عنها انتشار الأشعاعات القاتلة والغبار الذري على رقعة جغرافية كبيرة، وتكون تلك الأشعاعات على هيئة سحب محلقة في الهواء واخرى مترسبة على الأرض مُسببة تلوث خطير للمنطقة المحيطة بالمفاعلات المنكوبة. وتعتبر الجسيمات (الذرات) المشعة الناتجة عن تلك الحوادث، مصدر خطر كبير يهدد صحة الأنسان وحياته في حال ترسبها على الملابس او الجلد او الطعام او الأدوات او المزروعات. وماحدث لمفاعلي تشيرنوبل (Chernobyl) الأوكراني عام 1986 وفوكوشيما (Fukushima) الياباني عام 2011 خير مثال على ذلك، فاليوم وبعد مرور 34 عاما على حادثة تشيرنوبل، لاتزال أنواع من النباتات ملوثة بالأشعاع الذري، فالمعروف عن عنصر السيزيوم المشع انه يتغلغل داخل التربة ويصل جذور النباتات ويستمر في اشعاعه لعقود من الزمن، مما يعرض صحة الأنسان وحياته للخطر في حال تناوله تلك النباتات. والأمر ذاته يحدث في حال تناول الأنسان للأسماك التي اقتاتت مسبقا على الطحالب المنتشرة على سطح المياه والمصابة بالأشعاع.

تعتبر العناصر المشعة الناتجة عن التفجيرات النووية مسببا رئيسيا لأمراض السرطان وخصوصا سرطان الدم والطحال والعظام والجلد والغدة الدرقية (اليوم ورغم مرور فترة طويلة على حادثة تشيرنوبل لازال 40% من سكان المنطقة يعانون من امراض السرطان) ويصاب معظم الناس القريبون من موقع الحوادث النووية بسرطان الغدة الدرقية بسبب انتشار نظائر اليود المشعة 131- و 133 التي تكون مركزة في الأيام الأولى للحادثة. تتسبب الأشعاعات النووية كذلك في إصابة العيون بالمياه البيضاء وببعض حالات العقم لدى الرجال والنساء ولها آثار سيئة على الغدد الصماء. كما ان الأشعاعات الذرية تؤثر تأثيرا كبيرا على العوامل الوراثية للأنسان، وهذا ما حصل لمن تعرضوا للأشعاعات الناتجة من تفجيري هيروشيما وناكازاكي عام 1945 وحادثة تشيرنوبل 1986. اذ نتجت عن المصابين آلاف الولادات المشوهة.

وبطبيعة الحال تعتمد درجة الأصابة والضرر الناتج على مستوى الجرعة الأشعاعية ونوع الأشعاع (اشعة كَاما هي الأخطر) ومدى تحسس الجسم او العضو المصاب، وعموما فان النسبة الكبرى من الأصابات بامراض السرطان حول العالم سببها التأثيرات البايولوجية للتجارب النووية لكونها تطال كل عناصر الطبيعة. علما ان الأشعاعات النووية بجميع أنواعها تدخل الجسم اما مباشرة عن طريق التنفس او الجلد، او بشكل غير مباشر عن طريق تناول منتجات زراعية او حيوانية تعرضت مسبقا للأشعاعات، وفي كلا الحالتين يكون الضرر قائم وخطير.

اذن لأجل الحد من الكوارث البيئية والمخاطر والمشاكل الصحية التي تسببها المفاعلات والتجارب النووية، لابد من العمل على:
الحد من انتشار المفاعلات حتى لو كانت لأغراض سلمية.
تحريم التجارب النووية وسباق التسلح وعمل حظر شامل عليهما.
تحريم اِلقاء النفايات النووية في المياه او دفنها في مناطق قريبة من سطح الأرض او قرب المناطق المأهولة بالسكان.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014