• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 14 شباط/فبراير 2014

لولا ( أمُّ الحبوكرِ ) لكُنَّا بخيرٍ، منْ زماااااان...

  مديح الصادق
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

العبيد في الكون أنواع، اختلفت في أشكالها، واتفقت في جوهرها المبني على إلغاء الإرادة الإنسانية، وجعلها ملكا لمن استعبدها، سواء بفعل السيف، أم بمحض الإرادة، والأخير أحقر أنواع العبودية حين يعي الإنسان أنه قد تخلى عن شخصيته وكيانه وقراره لصالح طرف آخر، يملي عليه ما يفكر به هو، ويوجه فعله، خيرا أم شرا، كيفما يشاء، وكلما كثر عدد العبيد، كلما كان كبيرا حجم الطغيان؛ إذ لا طغاة على الأرض مالم يكن هناك من يحني القامات، ولغير من يعبد يجيد الركوع، يتفنن بهز الأكتاف والرقص في حضرة السلطان، يجيد رصف الحروف كي يجعل إماماً من الكافر، وشيخا صالحا من الزنديق، وكريماً حاتمياً ممن من لحم ثيرانهم يُطعم المساكين، أحقرالعبيد من يعير آذنه لسيد جائر بها يتنصت على أهله والجيران، مع أنه يردد في المسجد أن الله بسابع جار أوصى، وأن خير الناس من نفع الناس، ولعل شر ما يفعل المرء أن بكامل وعيه يمد المعصمين كي بقيده يطوقه الجلاد.

مشحوت عبد مطيع من عبيد والي بغداد المخلصين، والولاة في كل زمان يتبعهم جوارٍ وعبيد، إما مملوكون بصكوك بيع وشراء، أو طالبو لقمة من فتات السلاطين، ومنهم من يتلذذ ببيع نفسه طوعا طمعا فيما يراه جاهاً وهو سراب، ليس من مهمة ( لمشحوت ) سوى أن يسهر على راحة سيده، في الصحو والمنام، يعد له مائدة الطعام إذ يتفنن في تزيينها بما لذ وطاب، من الثمار والأرطاب، وعليها يرصف الكؤوس وما منه ينتشي الوالي من فاخر الشراب، وهذا يطربه نقر طبل، وهزُّ بطون الصبايا السبايا الراقصات، وإن أغدق بالعطاء وأدى الصدقات، وعلى جبينه الأسمرقد كوى ثلاث كياَّت.

الوالي يغط بنوم عميق بعد ليلة حمراء، خيوط الفجر خجلى تبسمت، يتصبب العرق من كل جسمه مشحوت وهو واقف قرب السرير بانتظار أن يصحو من نومه ويأمره بحاجة، يكاد ريقه يتيبس من شدة العطش، لم يسعفه لسانه في ترطيب بلعومه والشفتين، يقطع الغرفة جيئة وذهابا، بصوت خفيض يردد مع نفسه ( علوواه سيدي يطلب اميَّه، علوواه سيدي يطلب اميَّه ) تحرك سيده وأدار وجهه نحوه، يا ( مشحوت )، اجلب لي شربة ماء، لم يصدق ما سمع مشحوت، أطلق للريح ساقيه وأحضر زير الماء، اشرب يا هذا، لالا سيدي لا يجوز أن يعلو على سيده العبدُ، قلتُ لك اشرب وهذا مني أمر واجب وعليك التنفيذ، لم يصدق ما أخبرت به أذناه، شرب الزير كله من شدة عطشه، رفع بالدعاء كفَّيه للسيد الذي بعد عطش قاتل سقاه،

تعال، أيها العبد الكسول، لقد كاد أن بك يفتك العطش القاتل، والماء عنك بُعد بضع خطوات؛ فما الذي حال بينك وبين ما يبعث فيك الحياة؟ والله ياسيدي، بكل صراحة، كلما أحاول التحرك من مكاني تمنعني ( أم الحبوكر ) و ( أم الحبوكر ) تلك هاجس يحول بيني وما لي رغبة به، وإن كان لي فيه حياة؛ لكنني انتظرت أمرك الذي ما منه مناص، ومن هناك أقضي ما أريد.

استحضرت اليوم تلك القصة الطريفة التي لم أفقه وقتها أن المُحدِّثين بها في مجالسهم، ورغم بساطتهم كانت تورية فطرية؛بل وعياً سياسياً مبكراً لم تسمح بإظهاره طبيعة أنظمة الحكم آنذاك؛ وقد تبادر إلى ذهني أكثرمن سؤال ونحن نعيش حرب الدواعش للدواعش، وحرب الدواعش أجمع لشعب على أمره مغلوب، مسكين، بين مطرقة الإرهاب المتوحش الخالي من أية ذرة من الشرف الإنساني، يسفك الدماء، بيوت الناس يهدم، وبيوت الدين؛ باسم الدين، وبين سندان سلطة فاسدة، ومن يسندها من الأحزاب، وميليشياتها، والنواب، كذلك باسم الدين؛ وملايين العبيد، أخوة ( مشحوت ) عطاشى للحرية يلهثون، يلهثون؛ وخطوة واحدة نحوها لا يستقدمون؛ لأن ( أم الحبوكر ) تمنعهم، وهي لهم واقفة بالمرصاد.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014