• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 23 آذار/مارس 2014

أيام لا تُنسى في قصر النهاية

  همام عبد الغني
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 -3-

تأكيد وجود : في خارج اسوار قصر النهاية , كانت زوجتي تعمل على تأكيد وجودي في المعتقل , حيث نصحها بعض الأصدقاء , خصوصاً المناضل الرائع , الفقيد سامي احمد العباس ( أبو وميض ) , بأن تثَّبت وجودي عن طريق طلب مواجهتي , إذ انهم أعدموا الكثير من المناضلين , وأنكروا وجودهم , كما ذكرتُ ذلك , اثناء جلسة التفاوض مع محمد فاضل , حين قدمتُ له قائمة بأسماء عدد من الشهداء , فأنكر أنهم معتقلون أصلاً , وقال اننا نبحث عنهم !!!. وقد نصحها الفقيد ( أبو وميض ) بالتوجه الى المناضل الفقيد عزيز شريف , وكان وزيراً للعدل آنذاك ...وقد استقبلها الرجل بالترحاب والأهتمام , واتصل , بحضورها , بناظم كزار , قائلاً : ناظم ..في مكتبي عائلة المعتقل فلان , يريدون مواجهته ...فرد عليه ناظم : ان هذا الرجل عليه حكم اعدام ...فأجابه عزيز شريف ..حتى اذا كان محكوماً بالأعدام , فإن من حق عائلته ان تراه قبل إعدامه ...فأجابه المقبور ناظم , سنرى سيادة الوزير 

لم أكن اعلم بهذه الجهود , ولا ادري الفترة الفاصلة بين زيارة زوجتي للفقيد عزيز شريف , ودعوتهم لي بعد ظهر احد الأيام ...همام , أحلق وبدل ملابسك , استفسرت , ماذا هناك , قالوا : لا ندري ...ارتديت قميصاً وبنطلون , وانتظرت ...بعد حوالي ساعتين , نادوني مجدداً ... همام , تأجلت الى يوم غد , واستفسرت من جديد , فكان جوابهم , لا ندري , لا نعرف ... عشتُ ذاك المساء وليلتها في قلق وتوجس...سألت بعض من تعرفت عليهم هناك , ومنهم السيد غازي الربيعي , الذي ربطتني به معرفة وصداقة , ورحنا نقلب الأمر والأحتمالات المتوقعة , قال احدهم : ربما هي مقابلة مع صدام حسين , وقال آخر : ربما هي اطلاق سراح , وعلقت انا : ربما إعدام , فقالوا : وهذا وارد ايضاً , فكثيراً ما أخذوا بعض المعتقلين تحت عنوان " اطلاق سراح " ويختفون ...عشت ليلتها في قلق متواصل ... وفي ضحى اليوم الثاني , نوديَ عليَ مجدداً , وكنت جاهزاً , أخذوني بسيارة الى الأمن العامة , وفي الطريق استفسرت مجدداً , وتلقيت نفس الأجابة , أنهم لا يعلمون شيئاً ... وفي الأمن العامة , القديمة طبعاً , وجدت عائلتي بانتظاري, زوجتي وأطفالي وأمي , وكان لقاءً عاطفياً جياشاً , حدثتني عن لقائها مع الفقيد عزيز شريف , كما سألتني عن المناضل كريم حواس , وهل كنت اعرفه سابقاً , فنفيت ذلك ...قالت ان زوجته تدعي أنك سببت اعتقاله , قلت : اطلبي منها ان تتأكد من زوجها , اذا تمكنت من لقائه ...وفعلاً أبلغتني , بعد إطلاق سراحي , بأن رفيقتنا زوجة كريم , اعتذرت منها في لقاء ثانٍ جمعهما , بعد ان علمت من زوجها حقيقة الأمر الذي ما زلت أجهله لحد الآن ...كانت هذه هي المواجهة الوحيدة التي سمحوا بها طوال سبعة أشهر قضيتها في قصر النهاية ...

في ظهيرة أحد ايام الصيف , كنا في القاعة , فُتحت الباب , ودخل أحد " الملازمين " ويدعى " الملازم محسن " , كان قصير القامة ومملوء الجسم بعض الشيئ , يشكو من حوَلٍ خفيف في عينيه , لم أره طوال فترة وجودي إلا هذه المرة ...وصاح من باب القاعة : هل بينكم شيوعيون هنا ؟ نهضت , وقلت , نعم أنا متهم بالشيوعية ...فتوجه لي شاتماً , زاعقاً , أمك .. أبوك ..عرضك ..وحين وصل قربي , قال : " أريد أحجي وياك حجي مال أولاد شوارع ", قلت : صحيح والله , هذا حجي مال أولاد شوارع " , عندها رفع يده ووجه لي صفعةً قوية , واستدار مغادراً القاعة ... ساد صمت في القاعة , وجاء بعض المعتقلين يخففون عني .. قلت يا اخوان , اننا هنا نتوقع كل شيئ , وهذه أبسطها ... بعد قرابة نصف ساعة جاء اثنان منهم , نادوني , متسائلين : لماذا اعتدى عليك هذا ال...وبدأا يكيلان له الشتائم واللعنات , ويعتذران مني !!! ..لم أفهم هذه التمثيلية , وما سببها ؟ وماذا يستهدفون منها ... وللحقيقة أنني لم أتعرض لأي عنف جسدي , طوال وجودي , باستثناء هذه الصفعة ...

المجرم سالم الشگرة : كان بين عتاة المجرمين , سالم الشگرة , ويلقب " أبو طه " , وهو أخ المقبور فاضل الشگرة الذي قُتل أثناء حركة الشواف في الموصل عام 1959 , كما أنه والد فهد الشگرة , وزير التربية في تسعينات القرن الماضي . وأبو طه هذا كان جزاراً حقيقياً كما يصفونه , وكان المعتقلون , يرتعبون لمجرد سماع اسمه ... وقد ساهم بشكل ما في الحركة الأنقلابية التي قادها ناظم كزار , عام 1971, وحُكم عليه بالسجن لمدة سنتين , بينما أُعدِمَ فيها ناظم ومحمد فاضل وآخرون ...

في صباح يوم 9/9/1970 , سرت شائعة , بأن عملية اطلاق سراح واسعة ستتم هذا اليوم . وفعلاً راحوا ينادون على مئات المعتقلين , على شكل قوائم , لحزم أمتعتهم للمغادرة , وكان الجميع بالأنتظار , وعند حلول المساء جاء اسمي واسم المناضل كريم حواس , في احدى القوائم ...حملت حقيبتي , وصعدنا سيارة صغيرة , كما اتذكر , كنا قرابة خمسة عشر معتقلاً ... وعند الباب , اوقفوا السيارة , ونادوا علي الى غرفة الحرس أو الأستعلامات , لأجد هناك " أبو طه " ومجموعة من الزبانية , وحين دخلت , دار بيننا الحوار التالي ...

-قال : همام , تعرف انت عليك حكم اعدام ؟ قلت : لا ..اذاً لماذا تطلقون سراحي ؟  

قال : نريد ننطيك فرصة ...أكيد راح يزورونك الجماعة الشيوعيين ...راح انطيك رقم تلفون , تتصل بينا وتنطينا اسماءهم ...قلت : لا تنطيني تلفون ولا انطيك تلفون , ولا أتصل بيك ولا تتصل بي , تريد انزِّل جنطتي وأرجع للداخل ؟

قال : لا ..انت تريد تطلع خارج العراق ؟ . قلت : لا لن اغادر العراق ...

قال : اسمع تره نقتلك , مثل ما قتلنا غيرك ...قلت : انتم حكومة , تگدرون تقتلون أي واحد .. بس أگلك , أنا تركت العمل , وأريد ان أنشغل بعائلتي , ولكن لا توجد قوة بالأرض , بإمكانها إجباري على معاداة الشيوعية والحزب الشيوعي ...

قال : روح للسيارة , بس انقتلك ..انقتلك ...

صعدت الى السيارة , وأنا ارتجف من شدة الأنفعال , سألني كريم , شكو ؟ قلت , أبو طه يريد يودعني !!! لاحظ من انفعالي وارتجاف صوتي , انني خضت مواجهةً حامية مع هذا المتوحش ...

ومن الأمن العامة , اتصلت بالعائلة , لأبلغهم انني في الأمن العامة , واحتاج كفيلاً لإطلاق سراحي ... وفعلاً وصل المرحوم المربي الفاضل حسين سالم المراني وتكفلني ...

وصلت الى الدار في الساعة الحادية عشر مساءً يوم 9/9/1970 , وهو نفس التوقيت واليوم , الذي اطلق فيه سراحي من سجن الرمادي , حيث وصلت الى الدار في الساعة الحادية عشر مساءً يوم 9/9/1968 ... وحيث انني لا اعرف تاريخ ميلادي , مثل غالبية العراقيين , فإن عائلتي راحت تقيم لي حفل عيد ميلاد في يوم 9/9 من كل عام , ولحد الآن ...

بعد استراحة يومين أو ثلاثة , كان أول عمل قمت به , هو زيارة الفقيد عزيز شريف , في مقر الوزارة لأقدم له شكري وامتناني لمساعدة زوجتي لمواجهتي , وبعد ان هنأني بالسلامة , قال ان من يستحق الشكر هي زوجتك , واضاف ان ابنة عمك هذه بطلة , حافظ عليها كما تحافظ على حدقة عينك , وهذا بالفعل ما كنت ومازلت افعله ,لحد هذه اللحظة .

أرجو ملاحظة , انني حين أكتب الحوار باللهجة العامية , لا أراعي قواعد النحو العربي لكي اعبر بدقة عما كان يدور من حديث .  

__._,_.___

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014