• Default
  • Title
  • Date
السبت, 05 نيسان/أبريل 2014

كلود ليفي شتراوس .. عالِم أثار الثقافة

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 كلود ليفي شتراوس المولود في مدينة بروكسل التابعة الى مقاطعة فرساي ( 1908- 2009 م ) ،  نشأ في عائلة يهودية برجوازية ، جده كان الحاخام الاكبر لفرساي العاصمة الامبراطورية لملوك فرنسا ، وهو اقرب في إيمانه الى الديانة الاحيائية وبخاصة ديانة الشنتو اليابانية ، وهي تمثل الدين الاصلي لليابان ، في حين البوذية استوردت حديثا الى تلك البلاد ، اي في القرن السادس الميلادي ، وديانة الشنتو تقوم على اساس التقديس الكامل للطبيعة ، وانها تؤمن بوحدة الطبيعة على طريقة الشيخ الاكبر بن عربي ، لقد كان ليفي شترواس احد رواد المدرسة الفلسفية الفرنسية في بداية مشواره الدراسي متزامنا مع زميله الفيلسوف الفرنسي الوجودي جون بول سارتر الذي توفي قبل ربع قرن .

قبل الثورة التي احدثها كلود ليفي شتراوس في علم الانثروبولوجيا ، كان هذا الفرع المعرفي في فرنسا وفي كل مكان اخر في العالم ، يقتصر على مجرد محاضرات قلما شهدت نسبة حضور مرتفعة ، وتقام في قاعات صغيرة وباردة ، مع وجود مجموعة من ريش السهام والعصي المعقوفة المستخدمة في صيد الاسماك ، كأشارة الى الاختلافات الغريبة الكائنة بين القبائل ( البدائية ) للجنس البشري . جعل من الانثروبولوجيا مجالا معروفا ومشهورا كالفلسفة والشعر ظهرا معا في نسيج  واحد في جميع دراساته الانثوبولوجية على غرار ما كان مشهورا ربما للمفكرين الفرنسيين وحدهم دون غيرهم . فالدراسة السليمة للجنس البشري تكمن في دراسة الانسان نفسه : ليس في ممارسته في حقول السياسة او الحروب او المعاملات البنكية ، وانما لا في حالته عندما يخرج عاريا ، ملونا جسده ، يصيد الدببة وينصب الشباك للطيور . هنا تكمن الحقائق العامة حول اًلية عمل العقل البشري وهوية الانسان الحقة .

يقول عالم ( الأنثروبولوجيا- علم تطور العقل ألبشري) جيمس فريزر 1854-1941 في كتابه الغصن الذهبي : هناك بعض العادات التي يمارسها المجتمع المتحضر دون ان يدرك لوجودها سبب ، وسماها بالرواسب او المخلفات الثقافية ، التي  يتمسك بها الناس دون ان يعرفوا معناها .

 

ان مؤلف ليفي- شتراوس  (مدارات حزينة ) عام 1955 محطة اساسية كرست هذا العالم ، محللاً للحضارات والثقافات الاّيلة للانقراض . لقد قاوم الفكر الفرنسي بفلسفة لغة متشعبة من مدرسة القواعد العامة في فرنسا ، خصوصا في مقاله الشهير سنة 1945 وعنوانه ( التحليل البنيوي في اللغة والانثروبولوجيا ) ليولد مناخاَ من الانتباه العلمي حيث تجد الألسنية حيزاً مهما  لها ،  والتي كانت تعطي وصفاً دقيقاً للمكونات الاساسية للاسطورة المتعددة المضامين وحسب التدرج التالي :

( 1- الهيكل ، 2- الرمز ، 3- الرسالة ) ، في عملية فهم رواية او حكاية او قصة الاسطورة ، وكيف تقوم هذه المكونات في اِطار نظرية علم المعاني ، من ثم ابحر في تكوين الاسطورة في ( الفكر المتوحش ) حيث عثر على البدايات منذ العام 1962 ، التي اعطاها صفة الطبيعي ، وهكذا انقلب على الفلسفة الاجتماعية السابقة التقليدية السائدة عبر قرون من دراسة عالم الأساطير ، وابرز إرث يتركه شتراوس هو عملية تأسيس تقوم بها الميثولوجيا ، في الفكر المتوحش .. بهذا النتاج انتقل من دور المفكر الى دورعالم يقوم عمله على التجربة والاختبار في ميدان حياة المجتمعات ضد الأوهام وتمجيدها .

 ولكي نفهم الاضافة الفلسفية التي ندين بها لشتراوس علينا تحديد مفاهيم الثقافة - العرق والذهنية عند علماء الاجتماع الذين سبقوه وفق المعادلة لعلماء السوسيولوجيا ، بدائي = طبيعي = غرائزي = عنيف ، فلا فكر عند هذه الشعوب ولا اختراع ولا خلق ، بل عوالم سحر لا تفرق بين الدين والشعوذة ، لكن حين جاء شتراوس اختزل فعل السحر عند البدائي بمفهوم ( المانا ) اي فكرة الروح في الاشياء .

ان الدعوة التي وجهت له في بعثة الى جامعة بوغليه البرازيلية ، كانت البداية المهمة في دراسة علم الاجتماع و الدعوة الانثروبولوجية التي غيرت مجرى حياة كلود ليفي شتراوس ، ومعها غيرت نوعية تفكير القرن العشرين ، طبعَ شتراوس القرن العشرين بواسطة اكتشافات المجتمعات البدائية وتفكيك الاساطير ، وهو يعتبر اخر البنيويين والانثروبولوجين في زمن مابعد البنيوية وما بعد الحداثة .

ان من اهم اعمال شتراوس : العرق والتاريخ ، مدارات حزينة ، الانثروبولوجيا البنيانية ، الفكر المتوحش ، ميثولوجيات 1-2-3-4 ، الانثروبولوجية البنيوية ، طريق الاقنعة ، الكلمات المعطاة ، نظرَ سمعَ قرأ .

لقد اكد شتراوس على حقيقة من خلال مقالاته ( البنى الاساسية ) للسلالة وللقرابة والتعارض بين الطبيعة والثقافة ، فيقول : لا وجود للانسان الطبيعي ، فالطبيعة هي معطى والانسان ينهض بها من خلال الثقافة ، وما كل ما هو كوني في الانسان مستمد من الطبيعة ، لقد اراد شتراوس تفسير حياة المجتمعات والثقافات بواسطة المنطق اللاوعي ، انها محاولة جادة لا يمكن فصلها عن المنهجية التحليلية التفسيرية المسماة ( البنيوية ) ، التي تعبر عن مرحلة الفكر المتوحش عند الانسان ، والتي اقترنت فلسفته بالرفض القاطع ولوظائفية او نهائية الثقافات والاجهزة الاجتماعية ، فالكون يقدم مادة للتفكير في اَن ، انظمة البنية تتقدم على التاريخ وعلى ولادة الحس ، الفكر ليس في الانعكاس بل في الضيق ، الدماغ كامن ضمن الانظمة ، وان التحليل البنيوي لا ينبثق في الفكر الا لان مثاله موجود اصلا في الجسد ، لان الكون والطبيعة والانسان في حركة ضمن نظام ميثولوجي .

وفي هذا يكون شتراوس قد اعطى الضوء الاخضر للتفكير الانقلابي ووضع حداً للتفكير العنصري ، واطلق العنان للحياة والحرية ، ان التكريم الهائل الذي حظيَ به شتراوس في حياته والمناصب العالية التي شغلها لم تبهره بل جعلته يتطلع دائما من بعيد الى اشياء العالم الحديث كي يرى بعينيه وبنظرته الثاقبة بفك رموز الطبيعة البشرية على مدى القرن العشرين ، اراد اعطاء حلول او علاجات للمجتمعات التي تبحث عن معنى وجودها ، كان ضمير البشرية ، شاعرها ، مفكرها ، محللها ، والعارف باسرارها ، وقبل كل شيء هو محُب للبشرية ، كانت له مقولة جميلة مفادها : اقرأ ، فكر ، ثم ناقش ) 

 

المصادر :

- د. ربى سابا حبيب / استاذة الاداب في الجامعة اللبنانية / شخصيات .

- الموسوعة الثقافية المصرية  .

- الموسوعة الحرة .

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014