يكثر الحديث اليوم عن الديموقراطية ويكثر استخدامها واجهتة براقة للحركات والتيارات والتجمعات والاحزاب السياسية وهي ببطساطة تعني ان يحكم الشعب نفسه من خلال ممثليه الذين ينتخبهم انتخابا حرا مباشرا ونزيها يجري لانتقاء من يعتقد الشعب انهم سيدافعون عنه وعن حقوقه ومكتسباته ورفع الحيث والظلم الاجتماعي والتمييز الطبقي والديني والعرقي وس عون لتوفير الحريات العامة مثل حرية الدين والمعتقد ووحرية التعبير عن الراي والانتماء السياسي والنقابي وغيرها من الحقوق, وباختصار فان الديموقراطية اذا طبقت حسب هذا المفهموم ستكون جوهر الحياة وغايتها .

لمذا اذن يساء لهذه المعاني الانسانية النبيلة , ومن اللذي يحرف الديموقراطية عن مسارها ويشوه ويمسخ قييمها ومنافعها ؟ انهم الحكام اللذين يستهويهم الحكم والسلطة فيتحول واحدهم الى الحاكم بامره المطاع المفدى وينسى او يتناسى المبادىء الانسانية النبيلة اللتي كان يعشقها يوما وتغنى بها وحلم بتنفيذها حين يتسلم سدة الحكم , فينسى الفقراء والمستضعفين والعمال والفلاحين المستغلين (بفتح الغين) لصالح ارباب العمل الجشعين والاغنياء لان هؤلاء بعتقاده هم الذين ينصرونه ويدافعون عنه ويديمون سلطانه فيشيع الظلم ويبدا الصراع بين الضالم والمضلوم , يعبر عن ذلك الصراع امير شعراء عصره الراحل الكبير الجواهري بقوله :
مذ حُكّمت سادة في الموالي تنسمت الارض ريح النضال
لا تتحقق الديموقراطية بلكلام والاحلام والامنيات ورفع الشعارات وهي ليست قميص يرتدى او ههتاف يرفع او انشودة تنشد بل هي عملية بناء طويلة تتطلب الكثير من التضحيات واولها توعية الناس وتثقيفهم الى ما ينفعهم , ولعل اهم خطوة في عملية بناء الديموقراطية تكون بمحو الامية والجهل (كافحوا الجهل علة العلل)
لم تحقق المجتمعات المتحضرة ديموقراطيتها بقفزة او بقانون وانما عبرة كفاح طويل ولانخذ مثالا في ديموقراطية بريطانيا التي تعتبر من ارقى الديموقراطيات في العالم فقد بذل الشعب البريطاني من اجل تحقيقها الكثير من التضحيات للحصول على مكاسب للفقراء حيث بدا نضال الشعب البريطاني منذ عام 1215 بلحصول على وثيقة الماكناكارتا وتعني : " العهد الاعظم" حين اجبر الشعب كبار الملاكين والاقطاعيين على التنازل عن الكثير من امتيازاتهم لصالح الفلاحين والطبقات الفقيرة.

لقد اشار على ونستون شرشل مساعدوه ومستشاروه ان يمنع هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي من اذاعة الاخبار التي لا تتفق ومصلحة بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية فرد عليهم قائلا : " لقد ناضل الشعب البريطاني طويلا من اجل حرية التعبير عن الراي ولا استطيع ان احرمه من ذلك , اني اغشى التاريخ"