بالأمس كنا صغاراً ، نلهو ونلعب مع اطفال محلتنا الوديعة محلة الصابئة الغافية على نهر الفرات الخالد ، كان المندى مزهوا بها وباهلها الطيبين وبشيخنا الجليل الكنزفرا دخيل الشيخ عيدان ، رغم بساطته المعهودة ، لكنه كان شامخا صبورا متحديا كل النوائب وعاديات الزمن ، كان مجتمعنا المندائي الصغير عائلة واحدة في أفراحه وأتراحه ، بجلسات السمر والمحبة والحكايات وقت العصر على حافة النهر ( المسّناية ) أمام المندي ، تجمع رموزنا الطيبين اباءنا الاكارم مع شيخنا الجليل ، يتبادلون الاحاديث ذات الشجون والالام .
كم كانوا يتمنون ان تزهو براعم الحياة فينا ، وهؤلاء الكبار من ابناء جلدتنا وهم يحرصون كل الحرص على بقاء ما في الصميم من بؤر المودة والاصالة تجمعنا وتشْد من عزمنا وتنير طريقنا ، وهم يحرصون كل الحرص ان لا تموت هذه البذور اليانعة ، لان بقائهم من بقائنا ، يدعونا دائما ، انتم يا ابناء الاجيال القادمة ، وبناة حياة غير حياتنا ، تفرحون معا ، وتتألمون معا ، تتعايشون وتتخالطون ، وتتزاوجون ، وتعملون معا كأصابع اليد ، كل ما يجعل الحياة ، خليقة بان نحياها ، ونسعد فيها ، كما سعدنا بها قبلكم ، رغم بساطتها وعنفوانها ، دينكم ، ودرفش يوهنا نبيكم هو ملبسكم ومشربكم والضمانة الاكيدة لبقائكم وديمومتكم ، فاحرصوا عليهم ما حييتم .
ان الحياة مراحل ، كل مرحلة لها متطلباتها ، وفيها صعوباتها وهيئاتها ، والمرحلة التي تاتي ، تتطلب منا ان نلعب ونفرح ونلهوا ما استطعنا ، فعبوا واحملوا منها في حياتكم ما استطعتم ، ليكون فرحكم فرحا ذخرا لكم ، ويكون ايضا ذخيرة ، لما تتطلبه الحياة الاتية في سرائها وضرائها ، في استذكارنا ان ذاقت بكم الادبار واخذت منكم المحن مأخذاً، ان فرحكم الطفولي عندما تكبرون ، هو زادكم الذي يزودكم بمتعة الحياة ، التي متى ما تذوقتموها ، وغبتم من حلاوتها .. تحرصون ان لا تحرموا منها .. فتعلمون على تذويقها لغيركم .. فتفرحون بها ، وبها تفرحون .. وتعيشون في عالم ، خالٍ من الاحقاد .. والتفرقة ، والتفرقة المقيته بين الانسان واخيه الانسان مهما كانت الظروف ومهما كانت الاسباب ، ان الحياة بحاجة الى من يغيرها ، بل بحاجة الى من يقلبها راسا على عقب ، على الطريق الصائب والسليم ، ولسنا من يغيروها كما قالوا لنا بل انتم الى الاحسن والافضل والاجدر ، انتم يا اطفال الامس ، ويا شباب اليوم ، ويا رجال الغد ، انتم اصحاب الكلمة والقرار وانتم اصحاب الراي فيه على مدى الايام . مع ارق تحياتي .
اعداد /عزيز عربي ساجت/ المانيا
ملاحظة : بعض المقاطع مُنتقاة من كتاب للدكتور جُورج حَنا بعنوان ( عشرون رسالة الى حفيدتي ) .