• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 29 أيلول/سبتمبر 2015

وحي الألهام الشعري عند الجواهري

  فوزي صبار طلاب
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

الشعرُ ليس نُزهةً عند صاحبه ، وهو لا يُصنعُ عنده صناعةً ، فهو مجبولُ عنده منذُ نطفته الأولى ، فينمو معه عندما يرى النورَ لأول وهلة وتتراقص امام عينيه فضاءاته الواسعة ، وتبدأ الفاظُ اللغة تتنافس امامه ليختارَ ما يشاءُ ، وقوالبُ الجملِ تبدأ تتزاحمُ مع بعضها ، وبمرور الزمنِ تنصقلُ الموهبةُ ، فتتهذبُ المعاني ، وتحلقُ رشيقةَ الجناحِ ، متراصفةً مع بعضها ، تطربكَ لسماعها ، وتنتشي لصورتها ، وتدهشكَ الصورةُ المرسمومةُ أمامكَ ، انها فقط قدرة الشاعر المتمكن في صياغة بيته الشعري وخصوصا في مطلعها .
وعندما نقولُ في مطلعِها انما المقصودُ هي تلك الجدحةُ التي يقتنصها الشاعرُ للبدء بقصيدته الشعريةِ ، أو ما يسمى بالهامه الذي يهبطُ عليه .
والجواهري رغم ما يمتلكه من مقدرةٍ بلاغيةٍ في الشعرِ صياغةً ، واللغةِ الفاظا ، وتمكنه من الذهابِ الى اللفظةِ أينما تذهبُ ، بل هي التي تاتي اليه طيّعةً منقادةً ، لكنْ يقفُ في أحيانٍ أخرى مشدوها لا يدري من أين يبدأ ! بل ويتيه وسطَ وزحمةَ الألفاظِ وكأنها تتطاير امام عينيه ، يحتارُ في امره ، من أين يبدأ !
هذا ما عاشهُ الجواهري في قصيدته (ذكرى أبي العلاء المعري) الذي أقامه المجمعُ العلميُ العربي بدمشق وقد نُشرتْ القصيدة في جريدة الراي العام في سنة 1944م .
دُعي الجواهريُ ممثلا للعراق في سنة 1944للمشاركةِ في المهرجان المذكور لذكرى ابي العلاء المعري في دمشق وفي معرة النعمان حيثُ ولادة المعري ومدفنه فيها ،وقد وصلتْ اليه الدعوة ، الا أنّ ظروفَ السلطةِ الملكيةِ آنَ ذاك ومحاربتها للقوى الوطنيةِ جعلتْ وصوله متأخرا الى معرة النعمان ، وقد انشغلَ ولم يستطعْ أن يكتبَ شيئا (قصيدةً جديدةً )بالمناسبة ، ووصلَ قبل المهرجان بليلة واحدةٍ .
الجواهريُ حريصٌ أنْ يكتبَ قصيدةً جديدةً خصوصا وأن طه حسين الكبير بأدبه وعلمه وعلو شأنه سيكونُ ضمنَ الحاضرينَ .
تزودَ الجواهري بما يحلو له من مشربٍ وتبغٍ وذهبَ الى غرفته في الفندق ينتظرُ الهامه الشعري ووحيه بالهبوطِ عليه ، وبين كاسٍ وآخر وسيكارة وأخرى تنقلَ الجواهري بين الغرفة وشرفتها ينتظرُ تلك الجدحةَ لينطلقَ منها .
بدأ الليلُ يجرّ أذياله وبدأتْ النجومُ تومئُ اليه بالذهاب وهو بعدُ ينتظر .
وهناك ومن بعيد رأى الجواهري عمالا يسيرُ الواحدُ بعد الآخر نهضوا للبدء باعمالهم وسمع بعضهم ينادي الآخر : أوكف ، قف ، انتظر .
جاءتْ كلمة (قفْ) الطائر السريع للجواهري ، جاء الهامه الشعري ، فامسكه وبنى مطلعه الأول :
قفْ بالمعرةِ وامسحْ خدّها التربا واستوحِ منْ طوقَ الدنيا بما وهبا

وهنا رقص الجواهري وانثالتْ عليه ابياته الأخرى تتصارعُ فيما بينها ، فجاء بعظيم الجملةِ ، وجزيلِ البلاغةِ ، وسمو المعاني وأفخمها :

واستوحِ منْ طببَ الدّنيا بحكمتهِ ومنْ على جُرحِها منْ روحهِ سكبا
وسائلِ الحُفرةَ المرموقَ جانُبها هل تبتغي مطمعاً أو ترتجي طَلبـــا
على الحصيرِ وكوزُ الماءِ يرفدهُ وذهنهُ ورفوفٌ تحمـــــــــــلُ الكُتبا
أقامَ بالضّجةِ الدّنيا واقعدَهــــــــا شيخٌ أطلّ عليها مشفقاً حَدِبـــــــــــا
وللكآبةِ ألــــــوانٌ وأفجعُهــــــــا أنْ تبصرَ آلفيلسوفَ آلحرَّ مكتئِبـــــا
لثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدثُنــــــــــا بأنّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبـــــــــــــا
وهنا نهضَ طه حسين مصفقاً للجواهري في بيته الأخير هذا ونهضَ الجميعُ في القاعةِ ( استقطعتُ هذه الأبيات من القصيدةِ الكاملة) ، نعم ان ثورة الفكرِ والتأريخ في جميع العصور تخبرنا بذلك ، فالكثيرون ممن أُعدم أو قُذفَ به من الجبل لأنه بقيَ على ايمانه بفكره العلمي وحيثُ خدمةُ الأنسانية فيما بعد .
هذا هو الهام الشاعر وكيف تتفقُ له موهبته الشعرية في ساعة تجلي مقدسةٍ ، تنتصبُ أمامه طيعةً لمرادِهِ .
تحيـــــــــــةً للجميع

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014