كلما تنمو المدن الواقعة على النهر وتتوسع، تزداد الحاجة لإنشاء وسائل تربط الضفتين، والجسور هي أسهلها وأهمها وأنجعها...
في لندن وعلى نهر (التايمس) يوجد 34 جسراً تخدم السيارات والناس، أقدمها (ريجموند بردج) بني في 1777 وهو حجري، وأحدثها جسر السيارات المعلق (كوين إليزابث الثانية) الذي بني في 1991 وجسر(ملينيم بردج) للسابلة وقد بني في 2002... لكن يبقى أشهرها (جسر لندن) الذي يشرف على مبنى البرلمان وساعة (بك بن)، بني في 1894...
وفي باريس هناك أنفاقاً لعبور السيارات والقطارات تحت نهر (السين) وجسوراً فوقه تبلغ 37، ويوجد لمرور المشاة فقط 49 جسراً...
اليوم وبكل سهولة يمكننا أن نطـّـلع على أية جسور في العالم بسهولة من خلال محرك البحث (كوكل)، ومنها جسور بغداد الأثني عشرة، لذا ففي مقالنا هذا سنتطرق لما تحتفظ به ذاكرتنا عنها وليس بما في ذاكرة العم (كوكل).
من الضروري أولاً أن نتكلم قليلاً عن تارخ الجسور ببغداد... فقد ذكر (إبن بطوطة) لدى زيارته بغداد قبل قرابة الألف عام، بأن كان فيها جسرين (عائمين) من الخشب، أما أول جسر حديدي وهو عائم أيضاً فقد أنشأ في العهد العثماني وكان سابقة لدى البغادلة أحتفوا بها أيما احتفال...
في بداية القرن العشرين، أنشأ الأنكليز جسر مود العائم، أما أول جسرين ثابتين فقد بُنيا بنهاية الثلاثينات، العتيق (الشهداء) ومود أو الملك فيصل (الأحرار)، بينما نقل العائم ونصب بين الكاظمية والأعظمية...
توالت الجسور بعد ذلك في الخمسينات... الصرافية والجمهورية والأئمة، وفي الستينات... المعلق والصرافية، وفي السبعينات باب المعظم والمثنى، والثمانينات جسر الجادرية والدورة وفي التسعينات ذي الطابقين...
لكن بغداد اليوم ومن خلال حركة مليون سيارة بشوارعها ـ تقول دراسة ـ أنها على الأقل بحاجة لخمسة جسور أخرى مع مقترباتها...
سنتوقف مع ذكرى واحدة على الأقل مع بعض منها والذي أرتبط بنا فأرتبطنا به...
× لما بُني جسر السنك، أقتُطع لأجله جانب من شارع الرشيد كان فيه فندق جميل بأقواس وردي اللون أسمه (فندق إبن خلدون)، وفي ركن قريب كان (تيك أوي) أبو يونان الشهير، والجسر يعبر فوق شارع الرشيد ليخدم ساحة الخلاني وشارع الخلفاء من جهة الرصافة، بينما كان من المفترض أن يعبر فوق شارع حيفا كي لا يتسبب بإختناقات، تلك التي نشهدها حتى اليوم بجانب الكرخ.
خلال حرب الكويت والقصف الجائر على بغداد، كنا نتخوف من أن تطاله قنابل الأمريكان حيث يعبر عليه الكيبل الضوئي الهام في الإتصالات والذي يصعب إصلاحه بين يوم وليلة، فأوقدَ عمالنا النار بسعف النخيل الأخضر لتغطيته بالدخان (لتمويه) صواريخ كروز الأمريكية* فيما لو أتت للبحث عنه، والفكرة ليست خالية كلياً من الصحة، فالصاروخ لا يستهدف هدفه إل إذا تطابق المشهد أمامه بما يُخزن بذاكرته.
× أما جسر الجمهورية، فهو يشرف على أجمل مناطق بغداد وأكثرها قرباً من وجدانهم، ساحة التحرير ونصب التحرير الخالد، وينزل من جهة الكرخ بجانب بناية وزارة التخطيط التي بُنيت بشكل عمودي على ضفة النهر وقد تلاها فندق ميليا المنصور بنفس الطريقة.
وقد طالت هذا الجسر يد العدوان في العام واحد وتسعين ودمرت إحدى فضاءاته الكبيرة، وتم معالجته بجهود ومواد عراقية أيام الحصار وبفترة قياسية وذلك بنقل (شيلمانات) عملاقة من موقع عمل آخر، وما كانت العملية لتنجح لولا مهارة المهندس العراقي، ولحد اليوم فإننا نرى (قمتين) للجسر!
وقفت الدبابة الأمريكية في العام 2003 فوقه لتعلن للعالم سقوط النظام وليباح البلد الآمن وتسبى محرماته في مسلسل لم تنتهِ حلقاته حتى اليوم، ولا أحد يعلم هل نحن في بداية هذا المسلسل المقيت أم اشرفنا على نهايته؟
× جسر الأحرار يرتبط بذكرياتنا في شارع النهر الذي يلامس أحد طرفيه، وكم نزلنا من الباص ذو الطابقين وهو يسير نازلاً الجسر حين يقترب من مدخل الشارع، وقد وقعتُ يوماً على وجهي في أحد مغامرات نزولي من الباص المُسرع وكادت عجلاته أن تدهسني، وأنتهت بأقل الخسائر، بتمزق بنطلوني (الجارلس) وكسر كعب حذائي ذو الخمس إنجات!
كان نفق المشاة الذي يستخدمه الجميع في إلتزام شديد لأنظمة المرور نظيفا فيه مكتبة ومحل مرطبات وآخر لبيع وتصليح (بنادق) الصيد، لحد اليوم (تنتظر) بندقية أبني التصليح لديه!
حين سكنت شارع حيفا، كنت أحياناً أعبر هذا الجسر يومياً أكثر من مرّة الى لشارع النهر وأجترُّ ذكريات تلك الأيام الخوالي، وكان يصاحبني في بعض الأحيان رجل (أعمى) لكنه يقود نفسه بنفسه ويعرف كل خطوة لاحقة من خطواته بدقة، فيصل لشارع النهر وينتظر (بغنى) نفس كرمنا عليه...
ولي حادثتين طريفتين فوقه... كان شيخ يسير فرأى قطعة (صمون) على الأرض فدنا منها وحملها ونفخ عليها ليبوسها ويطبقها ثلاث مرات على جبينه ثم وضعها على حافة سياج الجسر وبدا يستغفر ربه بسبب رمي (نعمة الله) على الأرض، فأثار اعجاب المارّة الذين راقبوه عن كثب، لكن... ما هي إلا ثوانٍ لتهب نسمة هواء ولتطير هذه (القطعة) وتنزل متبخترة على مهل نحو الماء ولتكشف لنا عن حقيقة أنها لم تكن سوى قطعة (أسفنج) قديمة مقطوعة من (دوشك) عفا عليه الزمن!
كان حرجنا أكبر من حرج الشيخ الذي تلفتَ ذات اليمين والشمال وليمضي بطريقة يتلو الآيات ويستغفر ربه ويلعن مَن وضَعَه بهذا الموقف الحرج!
أما الثانية فهي تتعلق بكون هذا الجسر وجسر الشهداء قد بُنيا ولهما قمة هرم وليس سطح مستوي مثلما تُبنى الجسور الحديثة، والسبب أن تصميمها قديم، وبينما كنا ثمانية أشخاص بطريقنا لحفلة زواج نركب سيارة منطلقة بنا من جهة الصالحية بإتجاه ساحة الوثبة (حافظ القاضي)، وما أن وصلنا لقمة (الهرم) وإذا بالسير متوقف ولم تُجدِ الفرملة لأن السيارة ثقيلة، وبدل ما نكون (بالعرس) قضينا بقية اليوم بشارع الشيخ عمر نبحث عن (دعامية وبنيد وشباك ولحية ولايتات...)!
× الجسر المعلق له ارتباط بنشأة الجمهورية العراقية والقصر وقاعة الرباط، فقد شهدت هذه المنطقة إتخاذ القرار وأحداثاً من تاريخه المعاصر، والذكرى التي في بالي عنه أن طياراً أمريكياً أسديت له مهمة تدمير الجسر في عام 91 وبينما كان يوجه صاروخه في الليل وإذا بسيارة تعبره، ومن أجل (الدعاية) الرخيصة والفبركة الأمريكية لطمر جرائم أكبر وافضع، أدّعى أنه (اضطر) لإنتظار السيارة تعبر قبل أن يضغط على زناده، وقال بالحرف... (كم محظوظ سائق هذه السيارة...)!
اُعيد بناءه بجهود استثنائية حيث نزل الغطاسون في عمق المياه لتقطيع الأجزاء السليمة التي رقدت في طين القاع، وتم معالجتها وتعويض النقص من المتوفر برغم الحصار، ماعدا أسلاك التعليق التي أضطر العراق لشرائها ـ أغلب ظني ـ من شركة (نمساوية) وبتكلفة يُقال أنها توازي كلفة بناءه قبل ثلاثون عام.
كان من المقرر أن يُطلى باللون الأبيض ليتميّز ويُشير للنقاء والسلام، لكن ولكون جميع جسور بغداد تُطلى بالأخضر، مشت القاعدة علية وليعود زاهياً بجهود فنية عراقية غاظت الأصدقاء قبل الأعداء.
× جسر باب المعظم... اُنشأ لمّا كنتُ طالباً بالجامعة ـ وبالتحديد في عام 77 ـ من قبل شركة يابانية، وهو أول جسر ذو مسار مستوي على طول النهر، وكانت الشركة (تُراهن) على (خبطة) سحرية للأسفلت تتحمل حرارة الصيف ولا تنصهر تحت عجلات باصات (اللايلاند) العريقة وهي تُفرمل عند نزولها الجسر، فألتجأت الشركة أولاً لخبرة أساتذتنا ولمختبراتنا في الجامعة التكتلوجية، وحين لم تفِ بالغرض قامت الشركة بأستيراد مختبر متخصص من اليابان...
لكن لم تنجح (خبطتهم) السحرية فأذلتها شمس تموز وأعادت حساباتهم لنقطة الصفر فاُزيلت الطبقة الأسفلتية بعد ستة أشهر واُعيدت (بخبطة) عراقية، صحيح لم تقاوم كثيراً لكنها على الأقل كانت أطول عمراً.
× الجسر ذو الطابقين... كان أسمه (جسر صدام) وكنتُ آمل بأن تتغير كل كلمة (صدام) لكلمة (سلام) على كل شارع وجسر ومستشفى... كانوا قد أطلقوا الأسم عليه، لكن للأسف نحن نتخبط اليوم بالتسميات ونطلقها ونغيرها حسب هوانا، وهذا الأمر لا يحدث في أي مدينة أخرى، مما حير العم (كوكل) بأستقرار التسمية النهائية لحاراتنا ومدننا وشوارعنا...
المهم... كان مخطط منذ زمن بعيد أن يمتد شارع بإستقامة من جهة الكرخ ساحة (14 تموز) في (أم العظام) عند بوابة القصر الجمهوري الى الكرخ مرة ثانية بمنطقة (الدورة) عِبر منطقة (الجادرية) بالرصافة، وعلى السيارة أولاً أن تعبر الجسر المعلق لتصبح بمنطقة (الجادرية) ثم تعبر الى الدورة.
إلتواء نهر دجلة أحتضن منطقة من بغداد نسميها (الزوية) فبدت وكأنها شبه جزيرة جميلة زاخرة ببساتينها، تقول المصادر أن كلمة (زوراء) تُشير لإلتواء نهر دجلة هناك.
× جسر الأئمة أنشأ بدل العائم بعد نمو الكاظمية والأعظمية، وكان اطلاق تسمية عليه هو ما حيّر الحكومة، فكل طرف يسميه بحسب (إمامه)، حتى أقترح السياسي المحنك (نوري السعيد) أسم (جسر الأئمة) وليجنب الطرفين أي إحتقان محتمل، وكان حل رضي به الطرفان...
ونتذكر كيف شهد الجسر فوضى وتدافع حجيج بطريقهم لزيارة الإمام (موسى بن جعفر) وليطفح كيل الجسر بهم فتساقط العشرات وغرق في مياه النهر، وقد قام أحد السباحين المهرة بإنقاذ أناساً غير مبالٍ بمعتقدهم وانتمائهم، ليستحق بحق لقب البطل القومي.
كنا في ظله في الثمانينات والتسعينات نشهد مجالس إلقاء شعر وقصيدة بين رجالات الأعظمية وكتابها وصحفييها البارزين...
× أما جسر الصرافية ذو الهيكل الحديدي الرشيق، فقد جُلب لبغداد بعد أن كان جاهزاً أن يُنصب في مدينة سيدني الأسترالية ثم أستعيض عنه بآخر... ويُعتبر بمقترباته ثاني أطول جسر حديدي في العالم بوقتها، نصبته شركة بريطانية بحديد ذي نوعية فاخرة مقاوم لعوادي الزمن.
أرتبط هذا الجسر بذكرياتنا بين منطقتي الوزيرية والعطيفية، حيث الأرض رملية مستوية تسمح لنا بلعب الكرة والـ (بار بي كيو) خلال (بكنك) نقوم به لنهار كامل، وكنا نسبح بالنهر ويمكننا عبوره مشياً على الأقدام لضحالة الماء بسبب عرض النهر وسرعة تياره...
كان الجسر عند تصميمه يسمح بعبور الخط المتري لقطار بغداد كركوك، وكان بممر واحد لكن وحين ألغي خط القطار صار بممرين، وفي حادثة فريدة أتذكرها جيداً، كنت بسيارتي الجديدة في العام 79 في شارع كورنيش العطيفية عند عبوره تحت مقتربات الجسر، ثم مسك بي زحام شديد، في هذه الأثناء مر على الجسر قطار بضائع بقاطرة بخارية، ثم لسببٍ ما توقفت القاطرة بحيث أصبحت سياراتنا تحتها بدقة، كانت القاطرة تصدر صوتاً مرعباً وتصب تحتها سوائل ودهونات ساخنة أربكتنا، لكن لم يكن من مفر فاغلقتُ الزجاج ولم يكن بيدي سوى أن أتابع مشهد تلوث سيارتي ولتترك تلك الحادثة على طلاء سيارتي الأبيض بُقعتين صفراوتين يشهدان صحة حكايتي وسط الدهشة وعدم القناعة بها...
فجّرَ أرهابيي تنظيم القاعدة بشاحنة محملة بالموت هذا الجسر الرائع بتحدي مقيت لمشاعر البغادلة، لكنه ما لبث أن صحا من جديد بجهود أهله ليُحدّث العراقيين عن مدينة يمكنها النهوض عبر التاريخ بعد كل كبوة غادرة...
× حينما أنشأت شركة ألمانية غربية في الثمانينات جسر الجادرية وهو الأطول في بغداد، كنا نسميه الجسر السياحي لأنه يمر بمنطقة غابات نخيل وبجزيرة الأعراس (أم الخنازير) ومبنى جامعة بغداد، وكنت اقرأ لوحة بنهاية شارع بيتنا بحي القادسية تتحدث عن فترة بناء الجسر وكلفة انجازه التي كانت ـ على ما أظن ـ بين الثلاثون والأربعون مليون دولار، أي بقدر (رشوة) لمسئول عراقي في الوقت الحاضر لتجهيز مفردة السكر بالبطاقة التموينية لعام واحد، لا تقبل التجديد لعام ثاني إلا لو تدفع الرشوة مقدماً ببنوك بيروت!
× وأخيراً لنسرح مع أقدم جسور بغداد وأكثرها مثقلاً بالذكريات... جسر الشهداء، والذي نسميه جسر المتسولين (المجادية) لما يتزاحم على جانبيه من سائلي المعروف، وشهد هذا الجسر عمليات انتحار ومغامرات بالقفز من فوق الجسر للماء، حيث أنه وبين النقطتين التي يربطهما الجسر، يكون دجلة في أضيق وأعمق وضع. تحت الجسر كانت تقوم معامل صناعة وتصفية الذهب بقذف مخلفات من بينها نسبة بسيطة جداً من ترسبات الذهب، مما يجعلها على مدى عشرات السنين، (منجماً) يحمل في أعماقه عشرات الكيلوغرامات من الذهب...
وقد شهد الجسر عام 91 قصف (غير دقيق) لطائرة معادية (ثلمت) جزءً من كتفه وحدثت فجوة برصيف المشاة يمكن أن ترى الماء يجري تحتها، ولم تتوقف الحياة عليه بل استمرت غير مبالية بالجريمة حتى تم اصلاحه وطلائه من جديد...
وقد حمل هذا الجسر العريق ذكرى شديدة الأهمية لنا أنتظرتها لسنين... ففي بدية شهر آب عام 88 وبينما كنت أعبر الجسر وقت المغرب لسيارتي التي أركنتها في ساحة الشهداء، سمعتُ بضعة كلمات بقي العراقيون يرددونها...
((... كان أرحم عليّ ان أجرع السُّم على أن أرضى بالقرار 598))
كانت سماعات كبيرة (لود سبيكر) تذيع خطاب الإمام الخميني، وقد أستغربتُ أول الأمر أني ولأول مرة في فضاء شوارع بغداد أستمع لنص خطاب باللغة الفارسية وترجمته للعربية، لم أستطع وقتها تجميع الكلمات بسبب الصدى الشديد الذي سببته كثرت تلك السماعات حيث شعرتُ حينها وكأنني أستمع لنداء في محطة قطار أو في مطار، لكنني سرعان ما تيقنتُ بأن الحرب العراقية الأيرانية قد لفظت أنفاسها بهذا الخطاب وانها ستنتهي خلال بضعة أيام.
لم يأتِ توقعنا بنهاية الحرب من فراغ، فقد كنا نقرأ التطورات ساعة بساعة ونتوقع ما سيحدث، كانت الأيام في ربيع عام 88 تمر ثقيلة على الايرانيين وقادتهم، بينما جيش العراق يتقدم ولم يتوقف فقط عند الانتصار الذي حققته عمليات تحرير الفاو التي كانت فعلاً بوابة النصر النهائي على إيران في حرب السنوات الثمان، فقد طهّرت جحافل العراق كل الأرض العراقية برغم هيجان نهر دجلة وفيضانه وتهديد الايرانيون بنسف سد دوكان، وكان بالإمكان ملاحقة الجيش الايراني المنكسر المهزوم المتقهقر في داخل أراضيه.
كما وجدها العراق فرصة أن يُكيل لميليشيات الأكراد التي كانت قد تمرّدت بدعم إيراني، فأطاح بها بقسوة بيد من حديد وبالغاز السام، مما دفع بقادتهم الى القبول (بالمر) واللجوء لأيران...
الأخبار عن الأنتصار والتفوق العراقي، وصلت طهران ودفعت القيادة الايرانية لـ (نفض) التراب عن قرار مجلس الامن 598 واعادة مراجعته واسداء النصيحة (لقائد الثورة) بأن يخطب بشعبهِ ويبرر قبولهم به بأنه بدا ملحّاً الموافقة عليه (ليُجنبهم) مزيد من استنزاف الدم والمال!
الحديث عن الحرب في بلد الحرب لا ينتهِ، وليس عيب أن نتذكر تاريخنا في زمن صرنا نحن العراقيون نتجنب القول ـ برغم الثمن الغالي الذي دفعناه ـ بأننا قد أنتصرنا بالحرب على إيران!
((ربما من الغريب أن يراود مخيلتي اليوم، أنه أفضل للعراقيين لو لم تتوقف الحرب العراقية الإيرانية، وأن أتمنى لو أنها أستمرت حتى الآن، هو شعور مجنون أنني أرجو لحربنا مع إيران وبرغم تضحيات الشعب واستنزاف أقتصاده أن تبقى، لكنني ربما أكون على حق في منع ما وصلنا إليه الآن بإنحطاط المجتمع وإختلال موازينه، فلو لم تتوقف تلك الحرب، لما أحتل العراق جارته الكويت وصار ما صار، وما أن حاصرنا العالم ودمر إرادتنا، ولكانت إيران اليوم، لم تتجرء على أحتلال العراق والعبث بمقدراته وبنسيجه الإجتماعي...))
أليس أن هكذا شعور... غريب وأحمق؟
× صواريخ (كروز) الأمريكية: تعتبر من أحدث واخطر الصواريخ ذاتية الدفع التي يمكنها ادراك الهدف دون إعاقة بسبب سرعتها وصغر حجمها.
يكلف الواحد المتطور منها زهاء النصف مليون دولار ويصل مداه لثلاثة آلاف كلم، يساعده على الإنطلاق جزء دافع سرعان ما ينفصل عنه ليسير ذاتياً بمحرك وأنظمة ملاحة خاصة به تؤمن اتصاله بالقاعدة على الدوام، وممكن أن ينطلق من الأرض أو من البارجة الحربية كما ويمكن للقاصفة العملاقة (بي 52) حمله واطلاقه أيضاً.
يحمل الصاروخ في ذاكرته خارطة ثلاثية الأبعاد للطريق الذي يسلكه ويقارن بينها وبين صور التضاريس على الأرض ويعدّل مساره وفقا لذلك، ويُتيح تحليقه على ارتفاع منخفض إمكانية عدم رصده بواسطة أجهزة الرادار، وبإمكانه حمل ألف رطل (450 كغم) من المواد المتفجرة، وقد استخدم لأول مرة على نطاق واسع بحرب الخليج على العراق في 91.
يمكن أن يقع الصاروخ بأخطاء لأنه يرتبط بمرجع واحد لا يمكنه تغييره، كما أنه يفقد هدفه حينما تكون الخرائط المخزونة فيه غير دقيقة ولا تطابق الواقع بالضبط، أي يجب تحديثها باستمرار قبل تغذيتها لذاكرته.