من منا لم يقرأ التأريخ ولم يسمع بحروب طروادة؟ هذه الملحمة التأريخية التي صاغ كلماتها شعرا ، الشاعر الإغريقي هوميروس الذي سطَّرها في ملحمته الشهيرة ( الإلياذة ) ، قلعة طروادة التي عصيت على أعداء الطرواديين قرابة 10 سنوات ، هذه المدينة التأريخية التي ما كان لأحد أن يقتحمها لولا الحيلة ، ولولا ذلك الحصان الخشبي العملاق ، وفي داخله خيرة فرسان الإغريق ، حيث وضع أمام مدخل هذه المدينة الأسطورية بعد انسحاب القوات المعادية إلى البحر لتمويه رجوعهم إلى بلدانهم ، شاهد عصرعلى وجودها ، وعظمتها وسر هلاكها بيد أعدائها الذين تربصوا لها من أجل تركيع شعبها الآمن المطمئن، وجعلها تئن تحت حكمهم وجبروتهم وأطماعهم التوسعية وتقسيمها بينهم كصيدٍ سمين ، عملوا بكل ما أوتوا من قوة في القضاء على هذه المدينة الوديعة الهادئة، وتدميرها عن بكرة أبيها ، ومحو معالمها من خارطة الوجود؛ لقد تحقق لهم ذلك ، وأهلها الذين لم يركنوا للأعداء والطامعين ، بل قدموا درساً بليغاً في التضحية والفداء من أجل المبادىء والقيم النبيلة التي آمنوا بها، وقدموا من أجلها كل ما لديهم ، حتى الطفل الرضيع؛ قرباناً في سبيل الذود عن كرامتهم ووطنهم المُستباخ للغرباء والطامعين.
التأريخ يعيد نفسه من جديد ، في عراقنا الجريح والمنطقة العربية ككل، بغطاء الحرية المغلف بالكره والحقد والزيف، والضحك على الذقون ، وطمس تأريخ وتراث وحضارة هذه البلدان والقضاء على كل ماهو جميل فيها ، وهم يعلمون علمَ اليقين أن الديمقراطية ليست جرعات تزرق للشعوب كي تستوعبها ؛ بل هي ثمرة تربية وجهد لسنين طوال لتحقيقها على أرض الواقع ، هي ترويض وتثقيف وتعليم في الوصول إلى الغايات ، كما فعل الغرب من قبل ، لقد وضعوا الأسس الصحيحة في سبيل تطبيقها على أرض الواقع ، لا كما فعلها حكام العرب السابقين واللاحقين باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان .
نرى المنطقة العربية كسابق عهدها تتقاسمها خيول الغرب من كل صوب ، بعد أن وهنت وضعفت وذهب ريحها وأصبحت لقمة سائغة بفعل الإعلام المخادع الهدام وبدعوة حرية الكلمة ، الكلمة الكاذبة المزورة ، علي العرب أن يعوا هذه الحقيقة جيداً ولو متأخرين قبل فوات الأوان ، كما فعلها الهيلانيون ضد شعب مسالم في ملحمة هوميروس الخالدة بحيلة الحصان الخشبي على أرض طروادة .