• Default
  • Title
  • Date
السبت, 20 شباط/فبراير 2016

بحيرة مفردة لماء مثنى

  موسى الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ديوان شعري ما بين الرسم والكلمات
للشاعر ادونيس والفنان التشكيلي حيدر

في زمن التصنيع المتطور جدا لتقنيات الكتابة والحفر وحلول الشاشات، من العادية الى الرقمية، في واجهة أدوات التعبير، فان العمل المشترك بين الشاعر ادونيس والفنان التشكيلي العراقي حيدر، في اخراج كتاب" بحيرة مفردة لماء مثنى" يمثل خروج جديد عما الفناه واعتدناه في دواوين الشعر المطبوعة، نكتشف فيه وجه ابداعي جديد مخبوء، ونكتشف علاقة خفية بين الاثنين، تستخدم فيها مجموعة من المشاعر والتداعيات ليكون هذا المنجز وبامتياز خروج من التقليدية.
يحمل هذا الديوان الوحيد الذي لم يرى النور بعد، نصوص لعشرين مخطوطة شعرية كتبت بيد الشاعر ، يقابلها عشرين لوحة في داخل الكتاب وأربعين قطعة حفر على الجانب الخلفي منها رسمت بيد الفنان، حيث تم لصق المجموعة الأولى بمادة الغراء الحراري على ورق من نوع " كولومب" الشهير، مصنوع باليد في احدى المحترفات الفرنسية بقياس 76×56 سم، كما تم لصق المجموعة الثانية بنفس الطريقة السابقة وبقياس 56× 36. وللكتاب غلافين سميكين، الاول يحمل العنوان واسم الشاعر والفنان باللغتين العربية والفرنسية، والثاني يحمل لوحة للفنان. وتتوزع كافة الأوراق على مجلدين مصنوعين باليد، حيث تم انجاز هذه النسخة الوحيدة الاصلية في محترف الرسام في مدينة تور الفرنسية.

حوار المكتوب والبصري
تتحول نصوص القصائد الى مرئيات يمكن تلقيها عبر السياقات التشكيلية ، وكأنها رحلة بين مكونات الخطاب البصري الذي يضيء النصوص الشعرية البليغة ويضيف بلاغة بصرية الى بلاغتها الأدبية الكائنة . ومع ان هناك على الدوام تضاد بين المعنى اللغوي والمعنى البصري، وهناك مسافة واسعة بين بنية اللغة وبنية الصورة، اذ لم تزل الفكرة المرتبطة بمفاهيم اللغة عاجزة في اغلب الأحيان امام آنية المشهد، الا ان وجود مثل هذا الافتراق في عملية التأويل بين( المكتوب) و( البصري)، يجعل اللوحات المرسومة تتسع لتأويلات تحتملها النصوص الشعرية بكل مجازاتها واستعاراتها ورموزها. فالعمل الفني بأدوات بنائه وتقنياته كنص بصري ، يستعير من الابيات الشعرية للقصيدة بكل ما تحويه من طاقات ايحائية وتشكيلية، ليحول الصورة الشعرية بمفرداتها ، وجملها، ومجازاتها لان تكون لينة ومطاوعة لكل المعايير، لان تنقلنا الى عوالم لم نألفها، عوالم تحمل طريقة جديدة في فهمها والعمل بوحيها، لان الشعر كما الرسم لا يتحدد بقوانين ولايتقيد بمعيار، ذلك ان الشعر وكما قال ادونيس مرة( بانه رؤيا، والرؤيا، بطبيعتها، قفزة خارج المفهومات السائدة).
القصيدة الشعرية استنادا الى الرأي الغير متداول والذي مفاده ان كل الأفكار يجري قولها ولايبقى سوى كيفية التعبير عنها في اطر فنية مغايرة، فان النص الشعري، وفي احيان كثيرة يتناص مع البصري ويشترك معه على الرغم من اختلاف الأداة المستخدمة في انجاز كل منهما ورغما عن استقلالية وسائط التلقي للنص البصري. والفنان حيدر يستلهم من قصائد الشاعر ادونيس حضورا تصويريا، بهاجس استعادة اثر الالفاظ التي تشكل قصيدته الشعرية ، ليبعث في ابيا ت هذه القصائد ، هواجس ونوازع وأفكار وموقظات لمخيلة المتلقي . انه يشكل إضافة تأسيسية تبرز في مساحات تعبيرية ذات منحى تجريدي تتماهى ما بين المرئي الذي ترسمه الكلمات واللامرئي الذي ترسمه الخطوط والألوان. ليقدم لنا الاثنان ،استغراق تأملي عميق في الرموز والاشكال والاشارات، تعبيرا عن الرغبة في تفكيك اسرار تلك الابيات الشعرية العذبة التي عودنا عليها هذا الشاعر الكبير.

لغة الشعر ولغة البصر
كما نعرف فان اللغة الشعرية ، هي الصورة اللفظية للمحسوسات، وبما ان الشيء المحسوس لايؤخذ الا بعلاقاته مع الاشياء الاخرى، فكذلك لفظ المفردة الكلامية لاتكون جميلة او مستهجنة الا بوضعها داخل جملة او بيت شعري، لتعبر عن صورة ذهنية او حسية. وعين الفنان، هي الاخرى، مازالت تجرّب وتستكشف، مسكونة بصور القصيدة وزخارف الكلمات، بفسحاتها وبتنويعاتها وكان الفنان بهذا اسير غوايات اللغة . الفنان حيدر الذي جمعته مناسبة فنية سابقة مع الشاعر، تمثلت باقامة معرض تشكيلي مشترك في مدينة عمان، العام الماضي، لم ينشغل برسم الحرف العربي والقدرات الفنية الكبيرة له كاستجابة للاحتياجات الجمالية للوحة، في محاولة لاستلهام معنى الحضور في القصيدة، وكما فعل غيره من الفنانين الذين تناولوا هذا الاسلوب الفني المتمثل في اصدار دوايين شعرية مرسومة ، بل هو استخدم في قراءته، اسلوب التجريد المستند على الجانب الاستدلالي ، مبينا قدرته على التكيف مع افكار القصيدة وتجلياتها لاعادة تشكيل الحرف بحيث يخدم المعنى الفني كما فعل الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد في لوحاته التي استلهمت الشعارات الجدارية، بل انه ابتعد عن هذا التقليد الذي جذب الكثير من الفنانين العرب في تجربات مماثلة ليعمل على استجلاء واستكشاف امكانيات النص الشعري، فتحولت اللغة المكتوبة الى تجريد فني عال التأثير اشبة بتجريد بنائي قائم على العلامات اللغوية الثانوية، كالخطوط والنقاط وانحناءاتها، وعلى تشكيل معالجات متقابلة مغلقة نظامية، وعلى تخريم سطح اللوحة لونيا بشكل طاغ في احيان كثيرة، وهو بهذا كله يجعلنا نقف امام موهبة الاستئناف والالتزام بالتعويضات الضرورية للتراكم في العمل الفني الذي يمتلك استقلاليته.
الديوان، نوع من المعرفة التي لها قوانينها الخاصة في معزل عن القوانين المتعارف عليها في حياتنا الجمالية، انه احساس شامل بحضورنا الانساني كمتلقين، وهو دعوة لوضع معان الظواهر الجمالية من جديد، ولهذا فهو يصدر عن حساسيتين، تحسان الكلمات والالوان احساسا كشفيا جميلا.

روما

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014