• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 14 آب/أغسطس 2016

لزوميات ابي العلاء المعري في الشعر والفكر

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

"الحياة الطيبة هي حياة يلهمها الحب وترشدها المعرفة " قول للفيلسوف الانكليزي برتراند راسل .
ان الهدف الأساس من تناول هذا الموضوع المهم ، القاء الضوء عن قرب على الصورة الحقيقية في اختيار أي مادة تعطي انطباع جيد ومفيد تعتمد على نوع المتلقي ، وبيان الضوابط التي يجب مراعاتها عندما نقيّم النتاج الادبي وصانعه ، ابتداء من الفكرة الناضجة وكيفية صياغة هذه الفكرة والاسلوب الذي يتبعه الكاتب ، بحيث تصل الرسالة اليه بصورة واضحة ومتميزة . لذلك أن الفن الكتابي من حيث موضوعه تعبير عن الناس : حركتهم ، مشاعرهم ، آمالهم ، آلامهم ، طموحاتهم . وهو تعبير بأسلوب أدبي واضح ، بعيد عن الزخرف اللفظي والتكلف وعن المزج المقصود بين العامية والفصحى وفي السرد العشوائي في أي عمل ادبي ناجح . وان الفن الكتابي من حيث إنشائه هو اختيار للكلمات في مكانها الصحيح المؤثر في الناس ، وذلك بانتقاء الألفاظ والأساليب المناسبة لمستوى المخاطبين وليس في إيراد الكلمات الصعبة والتي لا يفك طلاسمها سوى الراسخون في العلم والأدب .
من الافكار الفلسفية واللغوية في مجال الكتابة ولزومياتها واستهدافاتها المتداولة إسلوبان معروفان هما ، الأول يسمى باللزوميات العشوائية ، والثاني يسمى اللزوميات المتسلسلة ، ويمكن ملاحظة هذين النهجين في الكلام والكتابة في أدب غرس النعمة الصابي وابو العلاء المعري وفي أدب نجيب سرور المصري .
ان النصوص الشعرية عند ابو العلاء المعري صاحب ديوانين فلسفيين هما : ( سقط الزند ، ولزوم ما يلزم ) ، والتي تمتاز باسلوبها الادبي لا يمكن ان يفهمه أحد إلا من تبحر في اللغة وفي فهم اللزوميات .
واللزوميات كما يقول المفكر العراقي الاستاذ هادي العلوي في كتابه المعنون " ابو العلاء المعري ، المنتخب من اللزوميات ، نقد الدولة والدين والناس : " وتتمثل كتب ابو العلاء المعري في نقد الدين وتكذيب الانبياء ، ونقد السلوك الديني ، ونقد الخرافة ونقد نظام الطبيعة ، ونقد القمع المبرمج ، ونقد المجتمع والناس كذلك ، لهذا سمي بالعشوائية الأدبية .
"في اللزوميات أو لزوم ما يلزم هو ديوان لأبي العلاء المعري ، أحمد بن عبد الله المعري التنوخي بناه على قافيتين وسمي لذلك لزوم ما يلزم ، إذ اللازم في العروض هو قافية واحدة يختم بها البيت وتتكرر في بقية الأبيات . وعلى هذا جرت كل نصوص الديوان . وقد حمله عليه مزاجه الخاص به في تحمل ما لا يتحمل سواه من التزامات كالعزوبة وعدم أكل اللحم والإسراف في البساطة ".
"واللزوميات هي أحد ديوانين فلسفيين ثانيهما بعنوان :" استغفر واستغفري " ويتألف من عشرة آلاف بيت روعيت فيها القافية الواحدة ، وهي من كتبه المفقودة . ويقول المؤرخون الذين اطلعوا عليه إنه على غرار اللزوميات في المضمون أي أنه يحمل أفكاره بخصوص الدين والسياسة وأمور الحياة والوجود . ولأبي العلاء المعري ما بين 55 - 67 كتاباً فُقد معظمها في اجتياح البيزنطيين لمعرة النعمان بعد وفاته بزمن واحراقهم مكتباتها ومنها مكتبته الشخصية التي كانت في منزله وتضم مخطوطات فريدة لمؤلفاته . وقد ضيعت علينا هذه الهجمة البيزنطية تراثاً هاماً لواحد من أعلام مثقفينا الأفذاذ ".
"مذاهب المعري الفلسفية تؤخذ رئيسياً من لزوم مالا يلزم .أما ديوانه الآخر الذي وصلنا وهو " سقط الزند " فيتألف من شعره الخالص وليس فيه إلا القليل من النظريات الفلسفية . وقد بث في كتبه النثرية بعض أفكاره التي في اللزوميات وأهمها " رسالة الغفران " " الصاهل والشاحج " ، " الفصول والغايات " . وتختلط في هذه الكتب موضوعات الأدب واللغة والفكر ويغلب عليها الإسهاب والاستطرادات" .
"اللزوميات في اغلبها مقطعات أو قصائد غير مطولة .والكثير منها لا يلتزم بموضوع واحد ، فالمعري فيها لا يراعي تسلل منظوماته بخلافه في "سقط الزند". والتي يمكن تسميتها ب "اللزوميات العشوائية".
ويقول الاستاذ هادي العلوي : " ان اللزوميات في أغلبها مقاطع او قصائد غير مطولة والكثير منها لايلتزم بموضوع واحد ، فالمعري لا يراعي فيها تسلسل موضوعاته بخلافه في سقط الزند وكثيراً ما يفاجىء القاريء بالفكرة دون ان يمهد لها ومن دون ان تكون لها صلة بما قبلها أو بعدها ، وكأنه يسترقها من الرقباء ، أو يتذكرها في اللحظة فيدسها في المنظومة ثم يمضي بعيداً عنها ، وربما ختم بها منظومة بطريقة تبعث على الاعتقاد أنها كتبت لأجل البيت الأخير ...".
ويعتقد انه اسلوب كتابي بحت لغرض عرض فكرة أو هدف معين ، ربما يكون اسلوب التوائي او تصاعدي متقاطع وهذه الفكرة قد تربك القارىء وتدخله في المتاهه وعدم التركيز ، كما في البيت التالي للمعري :
وما أدب الاقوام في كل بلدة الى المين إلا معشر أدباء
في المقابل هناك اسلوب اخر من اللزوميات ويطلق عليه " اللزوميات المتسلسلة " ، يقول الاستاذ هادي العلوي في كتابه : "أما اللزوميات المتسلسلة وذات الموضوع الواحد فقد اثبتت بعضها أو معظمها .. والكثير من هذه مقطوعات من بضعة او عدة أبيات والقليل منها على شكل قصائد ، وهو عبارة عن شعر فلسفي على طريقة النحو الساكن الهادف الى تيسير اللغة وتقربها من الكلام دون الاخلال ببنيتها الأساسية .. " ، كما جاء في دواوينه ، وقد دون في كتبه النثرية بعض افكاره التي في اللزوميات واهمها لا الحصر : ( رسالة الغفران - الصاهل والشاحج - الفصول والغايات ) ، ويقول الكاتب ايضا ً: "في هذه الكتب موضوعات الأدب واللغة والفكر ويغلب عليها الإسهاب والإستطرادات .."، وقد اعتبرها بعض المفكرين بأنها هرطقة أدبية ، أما ديوانه سقط الزند فشعره عبارة عن شعر خالص يحتوي الا القليل من النظريات الفلسفية الأدبية وفي الكلام .
اما ياقوت الحموي فإنه يورد للمعري شيئاً " من شعره الدالّ على سوء عقيدته من لزوم ما يلزم " ثم يضيف : "نقلت هذا كله من تاريخ غرس النعمة محمد بن هلال بن الحسن الصابي ، وحمدت الله تعالى على ما ألهم من صحة الدين ، واستعذت بالله من استيلاء الشيطان على العقول .
لقد قصد المعري بغداد وقضى فيها زهاء سنة ونصف قبل ان يختار العزلة والانزواء في بيته بالمعرة اي بمدينة معرة النعمان السورية ، كان يرغب في الإندماج مع الأدباء الآخرين فزارهم وعرض عليهم ديوانه " سقط الزند " كما تردد على خزانة الكتب للتزيد من العلم ، لكن بعض الأحداث عكرت جوّه ، من ذلك أنه قصد يوماً " أبا الحسن علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه ، فلما دخل إليه ، قال علي بن عيسى : ليصعد الاصطبل ! فخرج مغضباً ولم يعد إليه ، والاصطبل في لغة أهل الشام : الأعمى "! .
ومن الكتاب المبدعين الذين تناولوا الجانب الفلسفي بإسهاب في أدب ابي العلاء المعري ، الشاعر والناقد الأدبي والكاتب والمخرج والممثل المسرحي نجيب سرور المصري (1932-1978) في كتابه الاخير والذي كان بعنوان " لزوم ما يلزم " وهو عبارة عن دراسة وافية في شعر ابي العلاء المعري ، اصدره في عام 1975 .
وقال عنه الكاتب والناقد اللبناني جهاد فاضل : ان اكثر نقاد زمانه ، رموه بما لا يحصى من التهم منها فساد عقيدته ، فابن الجوزي وهو من أشد المتحاملين عليه ، يعترف للمعري بفضله في اللغة ، " إن له به معرفة تامة " ولكنه يضيف " إن أحواله تدلّ على اختلاف عقيدته " ، ومع ذلك لا يتهمه مباشرة ، او على الأصح ، لا يتهمه لا بعد أن يذكر ما قيل عنه : " وقد رماه جماعة من العلماء بالزندقة والالحاد ، وذلك أمره ظاهر في كلامه واشعاره " .
كما أورد في قوله : ولم ينفع المعري انه احترس من سوء الفهم ، واهتم مسبقاً بتأمين باب مخرج لنفسه عند الاقتضاء ، استناداً الى كون ما يقول يختلف عما يريد قوله ، وهكذا استدرجه خصومه ، وعلى رغبة في التبرير والتصحيح . انه المعري الذي يحار المحدثون في أيهما القمة الأعلى في تراث العرب الشعري : هو أو المتنبي ، فإذا جنحوا الى تفضيل أحدهما على الأخر ، لم يكن هناك ثالث يزاحمهما ، في حين أن الأمر لم يكن كذلك في القرن الرابع الهجري . فقد أخذ عليه معاصروه ، فيما أخذوا ، فساد عقيدته ، وكونه يخفي ما يعلم ، فهو يخشى أن لا يبصر القارىء ما يريد قوله حقاً ، أي ما لم يقله بلغة جيله صريحة ، لهذا فهو يحرص على لفت انتباهه ، داعياً إياه الى نهج قراءة عما يكتبه ، أوعما كتبه بين السطور ، إنه يطالب بقراءة حذرة يقظة مرتابة .
من تأمل أقوالي رأى جُملاً يظل فيهن سرُّ الناس مشروحاً
لذلك ينبه القارىء ويحذر من السقوط في تأويل خاطىء أو متعسف :
لا تقّيد عليّ لفظي فإني مثل غيري تكلّمي بالمجاز
من المعروف ان المعري شاعر وقد خاض الكثير من أغراض الشعر التقليدية كأي شاعر ، فوصف ومدح وافتخر ورثى ، وافتخاره من نزوات الشباب ، ( هذا الفخر ينقلب في اللزوميات - شعر الكهولة والشيوخة الى تقريع للذات ليس من السهل صدوره عن شاعر ) ومدحه كان في معظمه من نمط الأخوانيات .وما يتضمنه من مدائح قليلة لبعض الأمراء فهو من باب التقية ، وكان يتملق أرباب السلطة ليس ليكسب منهم لكن ليتقي شرهم .
وفي مكان اخر يقول : لا إنكار أن المعري شاعر ، هذا ما يتفق عليه الأقدمون . وهو كذلك بمعيار الحداثة الأودنيسي . والمعري عند أدونيس شاعر حقيقي بارع .
وبهذا الصدد صنف الاستاذ العلوي : الشعراء العرب الإسلاميين الى صنفين : الأول شاعر شاعر والثاني شاعر مفكر . ومن الصنف الأول معظم الشعراء المعروفين كالفرزدق والأخطل وجرير وبشار بن برد وأبو نواس والبحتري وأبو تمام والمتنبي .
وبيّن هذا الصنف من هؤلاء الشعراء كان لديهم حظ وافر من الثقافة أو الوعي الإجتماعي أعطى لشخصياتهم الاجتماعية أو الشعرية معنى متميزاً يؤهل أحدهم لتبوء موقع ما في الوسط السياسي والفكري .
اما الصنف الثاني الذي تناوله بإسهاب فهو ابي العلاء المعري كونه شاعر ومفكر في آن واحد ، والمعري متعمق في معارف زمانه من أدبي وفقهي إلى علمي وفلسفي ويتمتع بالاضافة الى ذلك بموهبة كبيرة من الدمج بين هذه المعارف في موقف ثقافي لا يفتقر الى التكامل .استطاع بريادة معارفه العميقة المتنوعة تأصيل وعي الذات ، وصولاً إلى وعي الاختيار الإرادوي . صانعاً لسلطة الثقافة واحداً من أميز غراراتها ، وقد انتقد السلطة السياسية واستغنى عنها ، وبتأثير وعيه الفلسفي الاخاذ وقف وقفة مماثلة من السلطة الدينية فانتقد الدين كايدولوجيا وشعائر وندد بسلوك المتدينين ورجال الدين ، فهو قد وصل الى قناعة تامة بأن الفساد سار في جميع الأمم بسبب التدين الاعمى والتمسك برداء الدين في اتباع نهج الظلم والاستبداد ، وأن الكذب عامل مشترك بين جميع الأديان .وهذا ما اورده في لزومياته المتكررة حول أصول الدين والعقائد - والعبادات والشعائر وعن الأله .
واعتبرت المدرسة العدمية من اللزوميات الأدبية في فن الكتابة ، كونها مذهب أدبي وفلسفي بحت ، اهتمت بالعدم باعتباره الوجه الآخر للوجود ، بل هو نهاية الوجود ، وبه نعرف حقيقة الحياة ، بعيداً عن النظرة المثالية والنظرة الواقعية السطحية ، وتعتبر جسد الثقافة .
من أهم الشخصيات العدمية في مجال الأدب : الروائي الروسي ( فيودور دوستوفيسكي ) عن روايته ( الاخوة كارامازوف ) اي ( الاخوة الاعداء ) التي تكشف عن موقفه من الدين ، وفي مجال الفلسفة كان الفيلسوف الالماني ( فريدريك نيتشه ) صاحب مقولة ( موت الإله ) ، ومن العدميين المعروفين الكاتب الروماني أميل سيوران ( 1995- 1911 ) ومن اعماله ( لو كان أدم سعيداً) و ( المياه كلها بلون الغرق ) ، الا ان الاديب الفرنسي غوستاف فلوبير هو المصدر الاول في هذه الظاهرة عن روايته المعروفة ( مدام بوفاري ) 1856م ، ثم اصبح فيما بعد مذهباً ادبياً لعدد كبير من الادباء في القرن التاسع عشر ، كذلك الشاعر الفرنسي شارل بودلير ( 1867- 1821 ) عن ديوانه ( أزهار الشر ) ، ويعد الشاعر والفيلسوف ( ابو العلاء المعري ) من اشهر العدميين العرب ، ومن بين الكتاب العرب الذين اتخذوا هذا المنحى الاديب القدير (نجيب محفوظ ) عن روايته ( اولاد حارتنا ) .
وهي مقاربة الى أفكار واراء تناولها المفكر السوري الجريء د. صادق جلال العظم في كتابه المعنون " نقد الفكر الديني " وهو عبارة عن صالون جدل للفكر والثقافة . وهو يتكلم عن الفكر الديني واشكالياته وتناقضاته ، ويوضح الفرق بين المنهج الديني والمنهج العلمي والاختلاف الجوهري بينهم ، والتركيز على البُعد اللاعقلاني واللامنطقي في المنهج الديني ، ويعتبر صادق جلال العظم من المفكرين الاحرار القلائل الذين ظلوا يحملون مشعل الثقافة وراية التنوير والمعرفة ، وكتابه هذا يعتبر في مادته الاساسية اعادة لافكار الفيلسوف والرياضي والكاتب الانكليزي برتراند راسل ( 1872- 1970 ) في الإيمان الغيبي السائد بقوله : انه من غير المعقول ان تصدق افتراض معين بدون وجود سبب جيد لأفتراض صحته . وقد أشار راسل الى الرؤية الدينية الخاطئة في تحملها الوزر الاكبر من المسؤولية والاستشهاد والتبوء بالوضع الراهن وما آلت اليه المجتمعات العربية اليوم .
دمتم بخير .
المصادر
* هادي العلوي / ابو العلاء المعري - المنتخب من اللزوميات - نقد الدولة والدين والناس / الأعمال الكاملة / 10
* صادق جلال العظم / كاتب ومفكر سوري / كتاب / نقد الفكر الديني.
* نجيب سرور المصري / كاتب وناقد مصري / لزوم ما يلزم - دراسة في شعر ابي العلاء المعري / النشر - مكتبة مدبولي / القاهرة .
* جهاد فاضل / كاتب وناقد لبناني / مقالة / المعري في زمانه.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014