• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 02 أيلول/سبتمبر 2016

أمْيريغو فسبوتشي

  عماد حياوي
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

((غالباً ما تختلف المصادر بعرض وكتابة الأحداث التاريخية، وعدم التطابق بسرد الحدث مع أن حقيقته واحدة، هو أنها لم تكن دقيقة أو حيادية، أو أنه قد تم التلاعب بالمعلومة بحسب أهواء ومذاهب مدونيها أو ناقليها. في هذا البحث، نجد إجابة عن سبب كون البرازيل دون دول أميركا اللاتينية تتكلم اللغة البرتُغالية بينما بقية تلك الشعوب تتكلم كما هو معروف... الإسبانية))

بعد تقاعده وأبتعاده عن الملاحة وركوب البحر، أنهمك الإيطالي (أميريغو فِسبوتشي 1454 – 1512) بعمله برسم الخرائط للبحّارة الجُدد، وقد تميز وأبدع بإسقاط الشواطئ والجروف القارية من الواقع خطوطاً على الورق، متداركاً بمهارة مشكلة تكوّر الأرض التي حيّرت رسامي الخرائط منذ أن عرفوا أن الأرض كروية.
كثير من مدوني التاريخ يقولون بأن (أميريغو) لم يكن بمستكشف، وما هو إلا مُخادع أتقن اللعب على (الحبال) كي يصل لما أستكشفه غيره، والمقصود هنا الرحالة (كولمبوس). المراوغة والكذب والتلوّن هو ما يحتاجه اللاعب على هذه الحبال لترفعه فوق حتى دون وجه حق لأنها لم تكن يوماً منصفةً، إنها حبال (السياسة). السياسة ـ تقول بعض المصادر ـ هي التي أعتبرتْ (أميريغو) مستكشفاً لقارتي أمريكا حيث قام بدهاء بأستثمار عـِداء البرتغاليين للأسبان وأتـّـقن اللعبة مستغلاً التنافس والتسابق والتحدي بينهما، وهو الأمر الذي دفع البرتغاليون لتزكيته وتقديمه للعالم على أنه المستكشف الأول للأمريكتين!
لكن مع هذا الحق يقال، فهو أول من أستطاع أستكشاف شواطئ البرازيل الحالية ومهد كرد جميل للبرتغاليون أستعمارها ونشر لغتهم فيها.
× × ×
عملية رسم الخريطة، هو إسقاط التضاريس الممتدة على سطح الأرض فوق ورقة أو شاشة بمقياس رسم محدد، مئات وألوف الأميال المربعة نراها إنجات مربعة على الورق، لكن هذا ليس كل شيء برسم الخريطة، المسألة أعقد من ذلك بكثير، لأنه من أصعب المعوقات في علم الجغرافية ومنذ تيقننا بكروية الأرض، هو رسم خارطة مستوية سليمة الأبعاد للكرة الأرضية ولا تزال الرسوم تًنفّذ بحلول غير مُقنِعة رغم تطور العلوم وتوسعها. جميع الخرائط التي نراها اليوم هي ليست دقيقة، وأشكال الدول المرسومة مشوهة ومساحاتها على الورق ليست نفسها الحقيقية لأن عملية تحويل شكل كروي إلى مسطح هي عملية غاية بالصعوبة*. إن ما يحصل عند نقل الشكل المكوّر لشكل مسطح، أي عند رسم خارطة مستوية للكرة الأرضية، أنه وكلـّما نبتعد عن خط الاستواء، كلما تشوّهت الخريطة أكثر وفقدت دقتها، حتى إذا ما وصلنا إلى القطبين تفاقم الخطأ وأصبح لا يمكن السكوت عليه ، فالقارّة المتجمدة الجنوبية (الأنتركتيكا) مثلاً والتي هي أصغر من مساحة أستراليا، نجد أن حدودها على الورق تمتد لتقابل كل من جنوب قارات أميركا وأفريقيا وأستراليا فتبدو ـ من وجهة نظر هذه الخريطة ـ أنها كبيرة جداً وأكبر من قارة آسيا أي خلاف الواقع، والسبب بهذا (الخطأ)... هو تكوّر الأرض.
لم يعانِ من مشكلة الرسم هذه رسامو الخرائط في الحضارات القديمة، ولا تلك المحاولات الجادة لرسم حدود البر والبحر بهدف التجارة والغزوات أيام الحضارة العربية والرومانية لسبب بسيط أنهم ما كانوا يعرفون شيئاً عن كروية الأرض. وكان عصر الإستكشافات في القرن الثالث عشر قد أوجب على البحارة الإحتفاظ بخرائط لمسير سفنهم عندما تمخر عباب البحر، لكن وما أن اكتُشفتْ كروية الأرض، صار عليهم رسم الخرائط على كرة لزيادة دقتها. ولمّا كان عليهم أن يُدونوا أستكشافاتهم بإسقاطها على الورق كي يُضمّنوها صفحات كتب تكون بمتناول العامّة، ظهرت المشكلة في تحويل الرسم من على الكرة إلى الورقة المستوية، ولاحظ المختصون بأن الشكل الحقيقي يتشوّه ويُعطينا أبعاد غير حقيقية.
× × ×
قبل أكثر من خمسمائة عام، تيقن العالم كروية الأرض ووضع تصوره لكرة أرضية كما هي اليوم، لكنها خالية من الأمريكتين وأستراليا والأنتركتيكا. حينها كان الأدميرال البحري الإيطالي الكاثوليكي المتعصب من (جَـنـَـوة) بإيطاليا، دارس علوم الطبيعة والرياضيات بجامعات إيطاليا، (كرستوفر كولمبس 1451 ـ 1506) يريد أيجاد ممر يُفضي لآسيا من جهة المحيط الأطلسي، يكون بعيداً عن أرض العرب وتحكمهم بها، كان يؤمن بكروية الأرض وعلى أستعداد للإبحار من أوربا بالمحيط الأطلسي غرباً ليصل (الهند والصين) كما يظن، لكنه فشل بإقناع الإيطاليين، القوم المتمسك بآراء الكنيسة الرافضة لفكرة كروية الأرض منذ أيام محاربتهم لأفكار (غاليلو)، فرحل (للبرتغال) ليصطدم برفضهم وجهة نظره بإثبات كروية الأرض، ولم يُحبط ذلك من عزمه، فأستغل كاثوليكية (الأسبان) لكن من زاوية أخرى وبشكل ماكر بإقناعهم بعدم الإستعانة بأرض العرب - كانوا يسمونها أرض محمد - في تجارتهم للشرق، فأعجِب به ملكهم بشدة وأطلق عليه (أمير البحار)، وجهز له نكاية بالبرتغاليين في العام 1492 ثلاث سفن، نجح بالوصول بها للبحر الكاريبي وشواطئ كوبا، وليعود بعد ثلاثة أشهر من أطول رحلة بوقتها محملاً بالبشائر والذهب، قائلاً بأنه وصل شواطئ جزر تقع شرق الهند أو الصين، أسماها على خرائطه (جزر الهند الغربية)، فأعتمدها الناس، ولتأكيد ذلك قام برحلة ثانية في العام 1498 وعاد ليرسم بقية الجزر* ويدوّن رحلة خلتْ ولو من إيماءة بسيطة بأنها أراضٍ ربما تعود لعالم جديد. ثم ألمّ به المرض ووافته المنية ولم يعلم هو ولا العالم آنذاك بأنه قد أكتشف الأمريكتين ولم تجرِ له حينها أية مراسيم تشييع خاصة، كتلك التي تقام لكبار رجالات المجتمع.
في تلك الفترة، وبالتحديد في العام 1497 كان الشاب الإيطالي الطموح (أميريغو فسبوتشي (Amerigo Vespucci يتشبث كي تقوم حكومة (فلورنسا) بإيفاده إلى (أسبانيا) للعمل في السلك الدبلوماسي وحين نجح لعبت الصدفة أنه عمل هناك بأمر رجل كان قد قام بتموين الحملة الأستكشافية الأولى (لكولمبس). عندما تم التحضير للحملة الثانية، قام (أميريغو) بشكل مباشر بتموينها، ولم يخفِ (غيرته) وحلمه بأن يكون هو من يقود الحملة. أستقى من خلال تواجده كافة المعلومات المتاحة، ثم أتته فرصة المشاركة برحلة لإستكشاف مزيد من الجروف القارية على الشواطئ الغربية للمحيط الأطلسي في وقت كان العالم لا يزال ينظر لخرائطهم كونها حدود شرق قارة آسيا أي الصين أو الهند، وهنا سعى (أميريغو) أن تتوسع الرحلة كي يدخل أسمه التاريخ كمستكشفٍ للشواطئ الجنوبية الغربية للمحيط الأطلسي وأن يرسمها بدقة، لكن ملكة إسبانيا لم تقتنع بجدوى هكذا نشاط ولم توافق على تمويله.
قام (أميريغو) بالاتصال بالغرماء التقليديين... البرتغاليين، ليجدوها فرصة رد الأعتبار وسحب البساط من تحت أقدام الأسبان في تبوئهم شرف أكتشاف طريق جديد للشرق، فوافق ملك البرتغال بسرعة، بشرط ضم الأراضي المستكشفة الجديدة لبلده وكانت رحلته التاريخية، سار بسفنه نحو الجنوب الغربي للأطلسي ليصل شواطئ أمريكا الجنوبية ومصب نهر كبير لا يمكن أن يجري بجزر صغيرة نائية، فعاد ليُعلن بكل يقين بأنه إنما كان أمام شواطئ قارة مترامية الأطراف غزيرة بخيراتها، فأصبح (أميريغو) حينها بطلاً قومياً برتغالياً وليقوم برحلة أخرى للغرض نفسه. وهكذا فهو من مهد فعلياً (للبرتغاليين) أستعمار القارة الجنوبية وكل ما حول نهرها العظيم (الأمازون) ونشر لغتهم فيها، فأطلق البرتغاليون على هذه الأراضي (البرازيل). في العام 1503 كان (أميريغو) في قمة تألقه فحقق أبرز إنجازاته حين قاد حملة لرسم الحدود الشرقية لأمريكا الشمالية، فسُميت لاحقاً تمجيداً له بـ (أرض أميريغو) لتمييزها عن أرض (البرازيل).
بإختصار وللأمانة التاريخية، فإن (أميريغو) كان أول من قال بأن العالم يقفُ الآن أمام حدود قارة عملاقة جديدة، نافياً بكل شجاعة ما أشيع سابقاً عن لسان (كولمبس) بأنها جزر تقع عند الحدود الشرقية لآسيا.
× × ×
بقي (أميريغو) يعمل في رسم الخرائط في أشبيليا، وقد مارس جميع الخيارات لرسم الخرائط وأسقاطها على الورق، وقد ساعدته وظيفته برسم الخرائط من ناحية ومباركة البرتغاليين من ناحية ثانية بالنجاح بسحب شرف الأكتشاف الخالد من (كولمبس).
في العام 1528 رُسمت أولى الخرائط المفصلة لحدود الأمريكتين، وكان ذلك على يد الفرنسيين ـ وهم أسياد رسم الخرائط - ولتُعطى تسميتها الحالية (أمريكا الشمالية والجنوبية) بشكل رسمي.
... وبينما يُطلق اليوم أسم (أميريغو) على الأمريكتين* وعلى أعظم بلدان العالم بالصناعة والإقتصاد وفي تجارة السلع بالعالم (أمريكا)، لم ينل (كولمبس) سوى أن يُطلق أسمه على بلد يقبع في شمال غرب قارة أمريكا الجنوبية، يُعتبر اليوم البلد الأول في أحتضان المافيات وبزراعة الماريونا والكوكايين وتصدير المخدرات لأمريكا والعالم... جمهورية (كولمبيا).
عماد حياوي المبارك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
× تسطيح الكرة الأرضية :اليوم ومن بين أهم الطرق التي يقوم بها رسامو الخرائط (الكارتو جرافيون) في تسطيح خريطة الكرة الأرضية على الورق، هو تشريحها لشرائح لتبدو مسطحة، فتظهر فراغات بين القارات، ثم يتم تسطيح هذه الشرائح بفردها على حدة حتى يلامس بعضها البعض فيؤدي ذلك إلى تغيير طفيف بشكلها يتوسع كلما ذهبنا بإتجاه القطبين. اليوم يتم رسم الخرائط بنظام (جي بي أس) بدقة ويُسر.
× (كوستا ريكا) هي تسمية (كولمبس) لأرضهم والتي لازمت هذا البلد الأمريكي اللاتيني، وتعني الكلمة (الشاطئ الغني) بالإسبانية.
× أهتم العرب بالملاحة وسجل تاريخهم رحالة عظام قاموا برسم الخرائط، منهم الصفاقسي والإدريسي والحموي وإبن بطوطة وأبن ماجد النجدي.
× لعبت البوصلة دورها البارز في الإستكشافات الجغرافية وتحديد الإتجاهات، وتميّز العرب والأسبان بصنعها، لكن البرتغاليون كانوا الأبرع في القرن الخامس عشر.
× كلمة (أطلس) استُخدمت منذ 400 عام للدلالة على الكتاب الذي يتضمن الخرائط، وهذه الكلمة متداولة في معظم لغات العالم.
× الجغرافي الألماني (مارتن فالدسميلر) أول من رسم خارطة العالم بشكلها الحالي، وأطلق بعد أتفاق الآراء تسمية (أمريكا) على بلد العم سام. الغريب وعلى غير العادة، أن العالم قد أتخذ من الأسم الأول لـ (أميريغو فسبوتشي) أي (أميريغو) وليس اللقب (فسبوتشي) أسماً يُطلق على العالم الجديد، ربما لو اتُبعتْ (الأصول) لسُميت قارة أمريكا اليوم (فسبوتشيا) وأهم دول العالم (الولايات المتحدة الفسبوتشية)!

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014