• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 26 أيلول/سبتمبر 2016

ألأدباءُ (الصابئةُ المندائيون) في التأريخ العربي القديم

  فوزي صبار طلاب
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

ألفترة التاريخية التي سبقتْ العصر الأسلامي شهدتْ نهوضا هائلا في جميع مجالاتْ الحياة ، الدينية والاجتماعية والفكرية والعمرانية والقضائية والثقافية (الشعرية والنثرية) ، لا نستطيع أنْ نُحددَ بدء تلك الفترة الزمنية الملموسة والمعروفة إلا في بداية الالف الخامسة ق .م كما حددها الآثاريون والمؤرخون بسبب عثورهم على كتابات مسمارية معروفة ، لكنّ المعروف أنّ إنتهاء تلك الفترة حُدّد بظهور الدعوة الأسلامية أو ما سماها المؤرخون العصر الأسلامي .
منطقة (شبه الجزيرة العربية) أو ما تسمى (بجزيرة العرب) والتي تقع ضمن منطقة ( نشوء الحضارات) ، وهي المنطقة التي تحدها الإمبراطورية الفارسية والى مشارف الهند شرقا ، الى حدود الإمبراطورية الرومانية عند شواطئ المحيط الأطلسي غربا ، تقع (منطقة شبه الجزيرة العربية ) في وسطها ، وقد بدأتْ الحضارات فعلا في الشمال من هذا الوسط ويشمل كلا من (مصر ووادي الرافدين وسوريا) .
وتأخرت فترة ظهور الحضارة في القسم الجنوبي منها (منطقة شبه الجزيرة العربية ) حيث تحدها المحيط الهندي جنوبا باستثناء مخلفات آثارية معينة .
إنّ منطقة شبه الجزيرة العربية هي بالحقيقة ارضٌ منخفضة عموما وتصبّ فيها المياه خصوصا من الشمال الشرقي ، إضافة الى غزارة الامطار خلال اشهر غير قليلة من السنة ، ما يعني ذلك خصوبة التربة وهبوط المياه الغرينية الى وادي الرافدين خصوصا ، و يعني ذلك أنّ المنطقة كانت تنعم بالرخاء الزراعي والبقاء والثبات فيها ، قبل أنْ تنحسرَ تلك الموارد تدريجيا وتتصحر الأراضي وتُحتم على ألاقوام الهجرة الى المناطق ألاخرى.
وهذا ما يقود الى القول بل ويؤكد على نشوء الفكر والطقوس المندائية (نظرية المنشأ الشرقي للمندائيين) في هذه البقعة الجغرافية كون أنها كانت تنعم بهذا الرخاء الزراعي ووفرة المياه ، فانه من المنطقي ، لا يمكن الهجرة من المنطقة التي تنعم بالرخاء الزراعي ووفرة المياه الى المناطق الأقل وفرةً ، أو ندرة في روافدها .

في تلك المناطق الشمالية الشرقية من الجزيرة (حوض وادي الرافدين) ووسطها واعالي الشمال الغربي حيث سوريا وفلسطين ، ازدهرتْ في تلك المناطق التجارة بشكل كبير ، فكان طريق الحرير الذي يمتدّ جنوبا من الجزيرة حيث اليمن خلال اشهر الخريف والشتاء ممتدا عبر السعودية ثم مرورا بجانب الفرات العراقي ويستمر الى سوريا وفلسطين ليعبر عن طريق البحر الأبيض المتوسط الى اوربا ، ثم رجوعا في الربيع والصيف من اوربا مرورا بكل تلك المناطق المذكورة أعلاه لينتهي الى الجنوب (جنوب الجزيرة) .
هذه الفترة الزمنية والبقعة الجغرافية التي امتدت تاريخا منذ آلاف السنين ق.م والى فترة القرون الخمسة ونيف بعد الميلاد قد شهدتْ استقرارا سكانيا وظهور فلسفات دينية وطقسية وإنجازات هائلة في كل ميادين الحياة ، حيثُ ذكر المؤرخون بعض تلك الفلسفات الدينية وهُضم البعض الاخر .
ما يهمنا من هذا الاستعراض السريع والمختصر ، أنه قد شهدتْ تلك المنطقة (شبه الجزيرة العربية) نهوضا ثقافيا (شعرا وخطبا ورسائل وفنا) ، الا أنّ مؤرخي الادب في العصور الإسلامية لم يعطوا تلك الفترة أهميتها البحثية والوقوف على الأسس المثبتة التي بناها أولئك الأوائل من الادباء والشعراء والتي كانت أساسا قويما لأنتظام الادب العربي في العصور اللاحقة ، بل جعلوا من (الفترة الجاهلية) كما سموها ظلما مدخلا وتوطئةً ومقارنةً للعصور التي تلته ، ثم جاء المؤرخون المعاصرون ليعتمدوا على تراث أولئك الأوائل رغم ما أكده ابن خلدون في (المقدمة) : (إنّ أولئك الكتاب قد جروا على اساليبهم الخاصة ولم يلتزموا فيها الصحة ، ولا ضمنوا لنا الوثوق بها ، فلا ينبغي التعول عليها وتُترك وشأنها).
لقد جعلوا فقط من (القصائد السبع) المعلقات هوية العصر الجاهلي ، وبعض القصائد الأخرى ، واهملوا أولئك الشعراء الذين اندمجوا مع الحياة ونقدوها بل وبعضهم ثار باسبابها .
وعندما نريدُ أنْ نسألَ : هل كان بين أولئك الشعراء والخطباء (صابئةٌ مندائيون) ، فرغم صعوبة الإجابة على هذا السؤال ، إلا أننا نستطيع أنْ نفرّقَ بين شعراء أو كتاب لا غبار على مندائيتهم خصوصا في الفترة الإسلامية وما بعدها ، وآخرين مندائيين عاشوا الفترة التي سبقت العصر الإسلامي وكان لهم السبق المعلى في الشعر والادب ، لكننا لم نستطع الجزم بذلك رغم الدلائل التي تشير انتسابهم الى ديانة توحيدية .
لنأخذ مثلا : وسط الجزيرة العربية بدءاً من مكة والحجاز وصعودا الى المناذرة والغساسنة والحيرة وقبائل (عذرة) الممتدة على طول تخوم نهر الفرات العراقي صعودا الى سوريا حيث حران و(نهر البليخ) المعروف والتي تتربع عليه حاضرة حران .
نجدُ قرائن معينة وخاصة تشير الى أنّ الكثير من هؤلاء الشعراء بل ومن اسرة واسعة وكبيرة ، أنّ هؤلاء كانوا يُدينون بدين توحيدي دون أنْ يذكروه ، وأنهم رفضوا اعتناق الإسلام فاهدر دم بعضهم ، فهاموا بالصحراء متوارين عن الأنظار ، وآخرون رضخوا للامر الواقع عليهم فغيّروا ديانتهم .

إنني لستُ مؤرخا ولا مؤرخا أدبيا ، لكني جئتُ الى البحث متأخرا بعد عمرٍ تعدى السبعين بخطوات ، وبعد أنْ أخذت السياسة من العمر الكثير ، الا أنني حريص أنْ اساهمَ في فتح بعض الأبواب على تاريخ ثقافتنا المندائية لانه تراثٌ نهدفُ من ورائه اثارة تلك الامتدادات التاريخية لتحملَ لنا العزة والافتخار باسلافنا ، فلا مكانة لأي تجمع سكاني اذا خلا من تأريخه القديم ، إضافة الى اننا نبقى مهضومين ومنحسرين اذا لم نستطع الكشف عن ذلك التاريخ الطويل .
لا أريدُ إثارة الخصوصيات الاثنية او الدينية بقدر ما أنّ لنا تأريخٌ موجود لكنه يحتاج الى مساهمة الجميع ومن له في هذا الشأن حظوة ، يحتاجُ الى مساهمة الجميع للكشف عنه والرجوع اليه .
للصابئة المندائيين جذورٌ ومناهل ثقافية هائلة ساهمتْ بتلك النهضة في شبه الجزيرة العربية ، ورغم قلة المصادر لكنّ فيها ما نستطيع فعل شيءٍ ، ليرفد بعضنا الآخر ، فمشاركة الجميع واجبة للتنضيج والتهذيب وصقل الأفكار .
وبالجميع تنهض ثقافتنا وينهضُ تاريخنا .

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014