• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 13 تشرين1/أكتوير 2016

الى كامل شياع كآبة الموت، وألم الصمت

  موسى الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

زمن، مر على مقتل المفكر العراقي كامل شياع، ليس بالوقت القصير لتلمس آثار هذا الحدث وانعكاساته، لكن يمكن القول ان ثمة جديدا يتضح شيئا فشيئا في هذا الحدث يفوق ما اسفر عنه من احداث تبعته لجهة حصول تطورات وتغيرات لاتزال غير نهائية ومفتوحة على مزيد من حالات القتل لابناء شعبنا ورموزه الوطنية.
قتل هذا المثقف الكبير، الانسان الطيب، المؤمن حتى العظم، والذي قدم حياته كشهادة على ان العراق اقوى من الفتنة، وان العراقيين لن يغتالوا غدهم، وان الاحتلال الاميركي الذي ورث الطغيان لن ينجح في جرهم الى الانتحار الجماعي، خلق اسئلة كثيرة بعد رحيله المفجع.
شغلتنا جميعا هذه الاسئلة، ولا تزال، كانما الموت في ارض الرافدين، التي صارت مياهها الشحيحة من دماء اهلها الفقراء، على غناها، المقتولين غدرا على شجاعتهم في المواجهة، المغتالين بسموم الفتنة على غنى تاريخهم بالدروس والعبر القاطعة، في ان الفتنة التي تنطلق في معظم الاحيان من المناصب العليا في وزارات الدولة، كما حدث لكامل شياع الذي كان العمود الفقري في وزارة الثقافة، فهي على ما يبدو ،قرارات عليا تنفتح كما يريد اصحابه لتبتلع الرؤس المفكرة بلا تمييز، ولتجعل بغداد مدينة في شكل ثكنة عسكرية ، يتحارب فيها، عسكر طوائف الدولة ، وسواترها الشاهقة .
استذكرته بعد مرورهذه السنوات، كيف كان يطل عليّ برسائلة من بغداد الى روما ، وهي تحمل الامل تسبقه طيبته، فيوزع تفاءله بان العراق لابد ان سينتصر على الفتنة، وان العراقيين لايمكن ان يقتتلوا لاسباب طائفية او مذهبية.
لا اشعر بغير الخيبة، في ذكرى رحيل هذا الانسان الرائع، خيبة ممزوجة بمرارة وغضب، ومشحونة بالالم اليومي الذي لازال منتشرا ، في ازقة بغداد وفضاءاتها المفتوحة على الموت والخراب. خيبة الانكسار تحت اوامر اصحاب القمصان السوداء من فاشيست الامس، الذين اصبحوا من اصحاب المذاهب والطوائف الاقوياء ، يلبسوها حزنا على ارواحهم البائسة ، والذين لم يخرجوا من اسر ماضيهم المشبع بروائح الحقد والضغينة واوامر القتل لخصومهم الذي يجدون بهم منافسة.
انها خيبة الاحباط الطالع من عيون ناس متعبين بافكارهم وارواحهم، من رجال ليسوا رجالا، بل عبيد لاسياد يأتون من وراء طوائفهم ومن خلف قمصانهم السوداء. ازلام ينطقون بالكراهية ويعيشون برغبات محمومة في الثأر الشخصي، والتسلط الدائم. خيبة الهزيمة التي وجدها هؤلاء الساسة جميعهم، فاشيست وعسكريون وفاشلون قدماء، خرجوا من نفق مزارعهم الطائفية ومساحاتهم القبلية الى الوطن الذي لايزال سرابا. فقد بات الدم نهرا يهدر على الارض وعلى شاشات التلفزة. كل يوم ترتكب مقاومة من المقاومات العراقية العديد من الجرائم، وتكون في رقبتها عشرات الضحايا من العراقيين المسالمين، نساء ورجالا واطفالا، وما علينا الا ان نصمت. هم لايخطئون ابدا، انهم يتنافسون، ونحن نمتلىء خطأ، بل يقتلنا الخطأ اذا اعترضنا على مقدساتهم الزائفة.
خيبة تزداد حدة كل يوم، ومنذ ثمانية اعوام مرت على رحيل هذا المفكر الشجاع. والخيبة تنفتح على احتمال الموت مع كل اشراقة صباحية بغدادية معجونة بعتمة القتلة الاوغاد. فما حصل قبل هذه السنوات، لازال منذور للخراب القادم ، حتى صارت فكرة من اجل الوطن، مجرد وهم نحمله بضلوعنا، بعد ان اصبح كل منا مسكون بالتمزق والفوضى، فالمدينة التي احبها كامل، لازالت مرمية في التناحر والعفن الفاشي الذي خلفه النظام الساقط ، ولازالت داخل متاريسها المظلمة، وبعض من ساستها الجدد، معلبون في ايديولوجيات مفتوحة على الغياب.
تنتابنا هذه الاحاسيس كلها في ذكرى رحيل هذا المثقف العضوي ، الذي وقف محتارا بين راية الاحتلال واخرى للتحرر، بقي بلا راية، الا راية كرامته ونبله وحزبه، ودمه بلا ثمن، فهو كان يراهن: اما ان يقتل برصاص الاحتلال وهو يقاوم بالكلمة والمشروع الثقافي، او يقتل بشظايا المقاومة تحت راية مقاومة الاحتلال، فسالت دماءه بين الرايتين. لقد قتلوا كامل بين رايتين قربانا من اجل ان يحيا امراء المذاهب الجدد.، لقد مات كل شيء، الدم والشعر والحبر، فيا للهول نكتشف وبعد مضي عام على مقتل هذا المفكر اللامع، اننا منزعو الالسنة ، بلا لغة، يطوينا اليأس، كما الموت، فالكثيرين منّا، في هذا الزمن الذي يتعمم فيه الدمار، ينتظر ما هو القادم بانه الاسوأ.
ذكرى سنوية تضاف الى اجندتنا، لنشطب كل امل في عدالة قادمة تمحو بعض من الخراب، فالتواطؤ على محو وطن ومفكريه اصبح جزء من مفرداتنا اليومية التي ننظر اليها بقلق وبعيون مفتوحة، كمن يعرف النهاية ويستعجلها.
فلا وقت بعد الان في عراق اليوم لمحاكمات منطقية عادلة للمجرمين القتلة، ولا وقت بعد الان لتقول مؤسساتنا عن اخطائها، ولا قيمة لكلام، قراؤه يبيتون في حزنهم الدفين، وسوف لن ياتي الوقت ليقول البعض ما يجب ان يقوله، لكن الخشية في يكون الوقت متاخرا لنتهم، بعد تراجع العراق عن الواجهة لانه يقتل ابنائه.

وسلاما اليك يا كامل شياع وانت في حضورك الدائم بقلوبنا

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014