• Default
  • Title
  • Date
السبت, 25 شباط/فبراير 2017

بكاء الشجرة المقدسة

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

بكاء الشجرة المقدسة
ان من اهم الملاحظات في بنية الثقافة الشعبية لاي مجتمع تكمن في معرفته الفلكلورية الرمزية ، التي يمتزج فيها الخيالي بالاسطوري والايدلوجي بالذاتي ( اي العاطفي ) فتتكون لديه الكتلة التاريخية خاضعة خضوعا لاشعوريا لهذه او لتلك الثقافة الشعبية ، ان من اهم تلك المفاهيم هي التي تستمد نظامها المعرفي من الدين الشعبي ، فنرى ان التدين يختلف عن التدين النخبوي الذي يعتمد اعتمادا كليا صارما على ثقافة النعي ( النحيب ) المؤسس للخطاب الديني المتمثل بالنظام الاجتهادي الفقهي لكل دين وعقيدة والذي تخالطه الصور الرمزية والخيال الاسطوري ، هناك فرق بين التدين الشعبي ( الجماهيري ) والتدين النخبوي ( الرسمي ) لان التدين الشعبي يخلط بين المقدس والدنيوي على قاعدة التداخل بين النص الديني والمعتقدات والواقع ، فيكون هذا التدين اكثر الاشياء قسمة بين دهماء المجتمع الذين يحتاجون الى مداعبات الخيال كما يتسامون ويتعالون عن قهر الواقع وقمعه ، يصف الفيلسوف ( جيلز ) ، التدين الشعبي بأنه دين الفقراء بقوله : " من هم غير المستقرين ومغتربين ، وحيث ما يحتاجونه من التدين هو الاندماج والتماثل او الهروب ، وذوقهم يميل الى النشوة والاثارة ، ومن ثم فأن الانخراط بالنسبة لهم هو بمثابة محاولة لنسيان الواقع الاجتماعي المرير السابق او اللاحق" . ان من الضروري معرفة السياق التاريخي للتدين الشعبي فمن خلال المسيرة التاريخية نلاحظ ان هذا التدين نتاج ظروف سياسية واقتصادية وسايكولوجية، تعتنقه جماعات معينة من المجتمع دون غيرها ، لاسيما ان الجماعات التي تمثل هذا التدين هي جماعات مهمشة ( فاقدة لهويتها ) تجد فيه ما يعيد لها توازنها من خلال تمثلها وتماهيها لنظام الرأسمال الرمزي اللاشعوري ، الذي يعتبر نظام الانظمة في تنظيم حياة هذه الجماعات ، التي تستمد نظامها وديمومتها من الخارج .
يشير بهذا الصدد السيد محمد حافظ الى هذه المسألة فيقول : " ان تأثيرات الرأسمال الرمزي المرتبط بالتدين الشعبي لا تكمن تاريخيأ في فعاليته الأدائية فحسب ، وانما كذلك في وظائفه الكامنة ، تحقيق التوازن المستعاد في الجماعة اكتشاف معنى ما للعالم الرمزي ، تأكيد الهوية ، القدرة على التلاؤم مع متغيرات العصر والمكان ، القابلية لجدلية الانغلاق والانفتاح والمقاومة والاستيعاب ، اعادة تضامن الجماعة بعد الشتات ، تشكل مقاولات شمولية لتجربة اعضائها وتوارث شحنة اعتقادية عبر اللاوعي الجمعي تقيها من الضربات الاتية من مصادر الشر والطغيان " .
ان الدافع الحقيقي وراء كل هذا هو انتشار ( حكاية الشجرة الباكية ) على مقتل الامام الحسين في كربلاء في واقعة الطف ، عندما ذبح تحتها اكثر من قربان ، والغريب في الامر ان مجرد انتشار هذه الحكاية في المنطقة التي تقطنها الطبقة الفقيرة من المجتمع التي تملك إمكانية تصديق كل ما هو فراغي واسطوري حول هذه الشجرة الى شجرة مباركة ( مقدسة ) يقصدها الناس من كل صوب ومكان لطلب البركة منها وشفاء المرضى ، وحل مشاكل هؤلاء الناس الامر الذي جعل اهل هذه الشجرة يغلفونها ويسيجونها ، وربما يعدون جدولا لاوقات زيارة هذه الشجرة ليتباركوا فيها ، ولكن لماذا تظهر هذه الحكاية في المناطق الشعبية بالذات ؟ لماذا يستمر الإيمان بالنزعة الارواحية ؟ التي تصور الاشياء المادية كالشجر ، مسكونة بالارواح ، ولها القدرة على إيذاء الآخرين حسب تعبير تايلور .
يبدو ان الذهن الانساني وبشكل أخص الذهن الشعبي مسكون ب (مكبوت ألاصل ألاسطوري للوعي الانساني) الذي كان يصفه كارل غوستاف يونج : (بأنه ذهن وريث للانماط الأصلية الاولى كالأنماط البدائية التي كانت تعيش في فزع مستمر من اهوال الطبيعة مقدسة هذه الطبيعة لاعتقادها بأنها تحتوي على قوى روحية تؤثر بها فأله هذه الطبيعة وانشأ له رموزأ مقدسة يعبدها بين الحين والاخر اسمها ( الطوطم ) ) ، كما جاء ذكرها في كتاب ( اصل الدين ) للفيلسوف الوجودي الفرنسي جون بول سارتر وزوجته سيمون دي بوفار .
ان هذه الظاهرة ليست بجديدة على الذهن الانساني ، بل انها تمثل ( عودة المكبوت الإسطوري ) لصورها وتجلياتها وأثارها ، لان الذهن الانساني معجون بعبادة الاشياء واروحتها فلا نستغرب مثل هذه الحكاية او غيرها من الحكايات الشعبية ، ولكن ما يثير الاستغراب فعلا والتساؤل هو ان كثير من وسائل الاعلام ، والعديد من القنوات الفضائية العربية الجديدة وقنوات الافلام المُسيرة ، تروج لمثل هذه الحكايات الاسطورية متجاهلة سياقاتها التاريخية والاسطورية واللاهوتية لغاية في ذاتها ، والى تبني الفكر الرجعي المتخلف والعودة به الى الصدارة من جديد ، ولتخدير المجتمعات باسم التدين الشعبي الاسطوري ، محتفظة بالنظرة المقدسة الواحدة لها فقط ، متجاوزة التفسير العلمي والمنطقي والتاريخي المتحكم بظهور هذه الحكايات ، والأغرب من كل هذا صمت الشريحة المثقفة عن نقد هذه الظاهرة والبحث في اساسياتها الاسطورية .
اننا لا نقف امام ماهية هذه الظاهرة ، بقدر ما نبحث في الظروف التاريخية ، التي تعجل بظهورها كالظروف السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية وطبيعة المرحلة الراهنة ، فنلاحظ ان المجتمع العربي خصوصأ يكاد يتشابه في ظهور مثل هكذا حكايات ( الخارق ) و ( المدهش ) و ( الغريب ) و ( الغيبي ) ، مثيلة ظهور الالقاب ، لان نشأة السياسة ( السلطوية ) والاقتصادية واحدة ، وبالتالي ينتج توحد هذه الظروف خطابات متشابهه .
وقد بحث الدكتور صادق جلال العظم في كتابه ( نقد الفكر الديني ) ظاهرة بكاء مريم العذراء دمأ بعد هزيمة العرب الكبرى في حرب حزيران 1967م ما يسمى ب ( نكسة حزيران ) ، اذ يصف العظم هذا المشهد من خلال تزاحم الناس للتبرك بها ، بل ان التمثال أشفى الاعمى ، وجعل المقعد يمشي ، وبهذا الحادث أمن المجتمع ايمانأ عفويأ بالارادة الالهية التي حتمت هذه الهزيمة ، وان الإله يمد بعون غيبي ( ميتافيزيقي ) ، مثل مفاتيح الجنة التي كانت توزع على الجنود ابان الحرب العراقية - الايرانية 1980 م ، وهكذا لم يتوقف الامر عند هذا الحد فحسب بل ان الرئيس المصري الراحل ( جمال عبد الناصر ) 1971م ، نفسه برر فشله في حرب 1967م هذا بالقضاء الإلهي وهذا هو منطق الطغاة في كل زمان ومكان ، وهذا يعني ان الساسة من مصلحتهم ان تستمر هذه الرؤى وان يستمر الجهل بين عامة المجتمع ، لان هذا يخلصهم من تحمل المسؤولية ، ويبعدهم عن تحديث المجتمعات العربية او مجتمعاتهم ، وتحويلها ثوريأ من خلال نقد بنيته الاسطورية والتقليدية وابصارهم لطريق الصواب .
وقد برزت حكاية مماثلة عندما كنت في سوريا وكان وقت اعدام طاغية العراق صدام حسين ، وقد شاع بان صورته ظهرت في وجه القمر وهي دامعة ، وهذه الحكاية شائعة جدا في سورية ، وهكذا نرى ان هناك من يقف خلف هذه الحكايات لترويجها ونشرها والعمل على إدماجها داخل الخطاب الديني ، وداخل كل مناسبة ، والترويج لها ، لتكتسب مشروعيتها داخل المجتمع وتصديقها بعد ان كانت اكذوبة .
ان انتشار مثل هذه الحكايات يعني ظهور طبقة تفرض سيطرتها وتسلطها على رؤوس هؤلاء المساكين ، لان فكر هذه الطبقة هو السائد ، وافكار الطبقة السائدة هي افكار الطبقة المسيطرة المستبِدة، على حد تعبير( كارل ماركس ) ، كما سيطرت النظرة الغيبية بعد انتكاسة 1967م ، وهي تحاول الان ان تسيطر لان ليس من مصلحة اية قوة سياسية أو حزبية او دينية تحديث المجتمع ونشر الفكر العقلاني التنويري على كافة اصعدته ، خصوصا الان في العراق ، وألا ، لماذا لم ينتقد هذه الظاهرة اي حزب ؟ او اي جهة دينية ؟ ولا اي مثقف ؟ ، بل تحدث بعض منهم بصدقية وبدفاع مستميت عن افكارهم واستبعادهم نزول الإنسان على سطح القمر في ستينيات القرن الماضي ، وان الانسان لم تطأ قدمه عليه ابداً ، وان الافلام التي اظهرت ذلك ماهي إلا افلام مفبركة والتي عرضت من خلال شاشات التلفاز ، اخذت من على سطح الارض في صحراء نيفادا الامريكية ، هذه هي العقلية العربية الناضجة ، لان هؤلاء لا يعنيهم ولا يشغلهم تحديث المجتمع وتطويره وتفجير بناه التقليدية ، فيبقى المجتمع محجوبأ ومغلقا باكثر من حجاب ، طالما ان اساسه لم ينتقد ونقد الاسطورة والفكر العفوي والإيمان الساذج المحكوم بمرجعية لاهوتية متخلفة ، شرط لابد من ممارسته كما يدرك المجتمع حقيقة وجوده ودوره في احداث التغيير المطلوب .
لذا من الضروري ان نفهم موقع قداسة الشجرة في ادبيات الاسطورة والدين ، حتى نرى كيف ان هناك تناقضأ لتقديس الشجرة المباركة لما تحمله هذه الشجرة من مكانة داخل الطبيعة وداخل الانسان .
كتب الاستاذ خليل احمد خليل في كتابه ( مضمون الاسطورة في الفكر العربي ) عن تاريخية الشجرة ، فأن المسألة ليست إلا عودة المكبوت الاسطوري من جديد ، بعد توفر له ظروف العودة فيقول (( للشجرة قيمة خاصة في المجتمع البدائي والزراعي ، والطبيعة تكون مثقلة بقيمة اسطورية او دينية ، فالطبيعة اسطوريأ ليست هذه الطبيعة العادية ، بل اكثر من ذلك ، والشجرة ليست شجرة عادية فحسب ، انها شجرة الكون ، شجرة القداسة التي ترمز تارة الى الحياة وتارة الى الحكمة والخلود ، والشجرة مقدسة في الاسطورة ، لانها تجسد التجربة الدائمة لتجرد العالم وانبعاثه )) .
اما في الاسطورة العربية فتعطي للشجرة دورأ تبشيريأ صريحأ ، تقول الاسطورة : ( من عجائب هذا البحر ان فيه جزيرة فيها شجرة تثمر مثل اللوز ، وله قشرة ، فاذا كسرت خرج منه ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها لفظ الجلالة ، كما تعطي الشجرة دور الملاذ القدسي الناطق : ( فلما سمع زكريا ان ابنه يحيى قتل وحشف بالقوم انطلق هاربأ في الارض حتى دخل بستانا عند بيت المقدس فيه الاشجار ، فنادته شجرة : يانبي الله الي ههنا ، فلما أتاها أنفتقت له الشجرة ، ودخل زكريا في وسطها ، فحمته من بطش الاعداء ) ، وهكذا هي الحكايات التي تاخذ الطابع الاسطوري المُمنهج .
المصادر : بالاعتماد على بعض المنتديات العربية

المانيا - فالد كيرش

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014