• Default
  • Title
  • Date
السبت, 25 آذار/مارس 2017

الطقــوس والأخلاقـيــات

  تحسين مهدي مكلف
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

لست أعرف سببا للهجوم المستمر الذي يشنه بعض الأخوة على طقوسنا الدينية، فطالما نقرأ كتابات تتهم رجال الدين بالأهتمام بالطقوس وعدم اهتمامهم بنشر التعاليم اللاهوتية، وهؤلاء الأخوة يعلمون ان الدين دون طقوس ليس سوى أفكار جامدة لا معنى لها، فلا دين من دون عبادة، والعبادة تتطلب طقوسا وإجراءات، وهي الإجراءات التي توجبها الفرائض التي يؤديها الفرد المؤمن ليبقى على تواصل روحي مع خالقه. وبغير الطقوس لايمكن ان تقيم رابطة مستمرة ودائمة بينك وبين الخالق. فالرشاما والبراخا والتعميد كلها طقوس واجبة، وعمل اللوفاني والقماشي والرهمي هي طقوس تميزنا عن غيرنا. وكل اجراءآتنا في الأعياد والزواج وتكريس رجال الدين هي طقوس، حتى التسبيح الى الخالق والدعاء اليه هي طقوس ايضا.

والطقوس هذه عند تأديتها تجعل المؤمن الحقيقي (وليس المتدين الزائف) يعيش جوا من الرهبة والخشوع والقداسة يشعر خلاله بالسلام الداخلي والأمتلاء الروحي، ويفيض قلبه بالسعادة والطمأنينة فيمتليء محبة ورحمة ويصبح اكثر قربا من خالقه، وحينذاك يبتعد عن الشرور والمعاصي ويميل الى طريق الفضيلة والصلاح.

فأين الضرر والخطأ في ذلك؟ وكيف يمكننا تطبيق مبادئ العقيدة وفرائض الدين ووصايا الرب من دون تلك الأجراءات؟
وهنا ارجو ان لايفهمني البعض خطأ فيظن اني ادعو الناس لقضاء حياتهم بالعبادة، انما العبادة لها وقت محدد مثلما هنالك وقت للعمل وللدراسة وللأسرة وللراحة، وغير ذلك من أمور الحياة.

واذا ما استثنينا الطقوس فلكل دين جانبان، هما المعتقد والأخلاقيات. المشكلة الكبيرة عندنا كصابئة هي الأهتمام الكلي والكبير بالمعتقد، أي بالجوانب اللاهوتية، مع تجاهل كبير لمسألة الأخلاقيات (الوصايا، النواهي، المحرمات)، وهي في رأيي الشخصي الجانب الرئيسي والمهم لجميع الديانات. ذلك ان العالم كله لايمكن إصلاحه ولايمكن درء الشرور والظلم فيه الا من خلال اصلاح الأنسان وردعه عن فعل الشرور وحثه للسير في الطريق القويم، وهي الغاية الكبرى من نشوء الأديان. الا ان ذلك يتطلب وجود ولو بذرة صغيرة من الإيمان في قلب كل انسان، فهذا شيء مهم، فمن غير ايمان لايوجد خوف، وبالتالي لايوجد رادع من السير في طريق الرذيلة.

ان العمل الحقيقي الذي يتوجب ان يقوم به الجميع، خصوصا الآباء ورجال الدين، هو التركيز على الجوانب الأخلاقية التي أتت بها ديانتنا السمحاء، الحث على حفظ الوصايا وتطبيقها الفعلي في الحياة، ففيها الكثير من الدعوات الى المحبة والمساعدة والمسامحة والأخاء والتواضع والبذل والتضحية والعدل والإحسان والأحترام ... الى غير ذلك. وفيها من النهي عن ارتكاب الآثام والشرور، الكثير، فالديانة المندائية تدعو للأبتعاد عن الأحقاد والحسد والنميمة والخداع والغش والنفاق والتعالي... الخ. اما المحرمات فهي كثيرة ومعروفة للجميع الا ان المؤسف في الأمر هو عدم الألتزام بتطبيقها (الأبتعاد عنها) فمعظم تلك المحرمات أصبحت سائدة في مجتمعنا مع الأسف (بدل ان تكون معدومة)، اما الكذب والُسكر والسحر والربا وغيرها من الأفعال والتصرفات فحَدّث ولا حَرج.

ان سبب شيوع تلك الأفعال بين الكبار والصغار هو عدم الأهتمام بما جاءت به كتبنا الدينية من تعاليم ودروس أخلاقية عميقة. مع ان هذه التعاليم هي السبيل الوحيد لأصلاح الفرد ومن ثم المجتمع كله، فكثيرا مانسمع من مثقفينا دعوات للتركيز على القضايا التي تخص العقيدة فحسب، فراح البعض يكثر من الكتابة والشرح عن قضايا مثل، ماذا يحدث بعد الموت وأين تذهب النفس وماذا يحصل للروح والجسد، وكيف يعاقب الخاطئ في الآخرة... الخ، متناسين ان الجيل الحاضر يعيش الأن في كنف ارقى المجتمعات، وهو غارق في عصر العلم والتكنلوجيا والسرعة والتقدم المذهل الذي شمل كل شيء، وهم (شبابنا) يفضلون ان يواكبوا كل جديد في هذا العالم وان ينشغلوا بالتحصيل العلمي والثقافي بدل انشغالهم بمعتقدات يعتبرونها خيالية وغيبية يرددها أهلهم على مسامعهم عنوة، طالبين منهم حفظها ليكونوا أبناء صالحين!!

تعليم النشئ شيئا عن العقيدة، ليس خطأ، بل هو امر مهم، الا ان الخطأ في الأمر هو التركيز الكبير على هذه الأمور وكأننا نريد ان نجعل منهم رجال دين او اساتذة لاهوت. في حين نتجاهل التوجيه والأرشاد والتعليم بما جاءت به ديانتنا من وصايا تخص اخلاقيات الأنسان واعماله وسلوكياته، وهو الأمر الأهم، بل ان ديانتنا تُحذّر من تجاهل تلك الوصايا. وماأحوجنا اليوم كطائفة الى اتباع تلك التعاليم بعدما آلت اليه علاقاتنا من التفكك والضعف وارتخاء اواصر القربى، وماوصل اليه الأمر بين بعض الأفراد وربما العوائل أيضا من تناحر وشقاقات وخصومات وتعيير وتعديات بسبب عدم الأحترام والتعالي وفقدان الصدق والزيف في العلاقات والضغينة والتفرقة وطغيان المصالح الشخصية والعائلية وسيادة روح التعصب الأعمى والعنصرية البغيضة، وغير ذلك الكثير. وما انسلاخ بعض الشباب والشابات وتوجههم الى ديانات أخرى الا بسبب ذلك كله.

فكيف يتم اصلاح ذلك؟
ان الأصلاح لايتم من خلال الشعارات التي يرددها البعض، ولا بتجميل الواقع المزري ولا بتغييب الحقائق المرة. فعلاقاتنا اليوم هي في اسوأ حالاتها، وهي السبب الحقيقي لتدهور طائفتنا، والخطر الذي يهدد وجودها، اضافة الى خطر التشتت المريع. وان القادم أسوأ في مايخص تدهور العلاقات وانحلالها، بعد موت المحبة الحقيقية والوداعة والطيبة التي كانت تملأ القلوب.

الا ان اخطر ما في الأمر هو ان يرث الأبناء من الأباء تلك الأخلاقيات ومشاعر البغضى تجاه الاخر فتنتقل تلك الصراعات وذلك التناحر الى الأبناء، وهو مانلمسه الان في كل مكان مع الأسف.
اذن لا حل لتلك السلوكيات والمشاكل، ولا وسيلة لزرع المحبة والإلفة والتسامح وحب الآخر الا بالرجوع الى وصايا الرب (وهي من صلب كتبنا) وتطبيقها في حياتنا العملية من خلال التدرب اليومي عليها.

وهنا اقترح على كل رجل دين ومسؤول ومثقف – رجالا ونساء- ان يبدأوا بتنظيم محاضرات وندوات وامسيات ولقاءات وإقامة مخيمات من اجل طرح وشرح تلك الوصايا والنواهي والأرشادات وبيان أهميتها وتدريب الشباب على حفظها لأتخاذها نهجا في حياتهم، وان يقوم الأهالي بخطوات جادة وسريعة في هذا المجال فدورهم هو الأكبر والأهم في الحفاظ على ابنائهم. وليكن افتخار الناس مستقبلا بما يحملونه من اخلاق فاضلة، بدل افتخارهم الآن بالقوة والغلبة والجاه والزينة الباطلة.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014