• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 31 آذار/مارس 2017

كيف نتربى على تذوّق الجمال؟

  عدنان حسين أحمد
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كتاب يتناول تغيّير المفاهيم وتطوّر القيم الجمالية
صدرَ عن دار الثقافة والإعلام بالشارقة كتاب جديد يحمل عنوان "التربية الجمالية في الفكر المعاصر- سِراج المنهاج والخيال الوهّاج"للناقد التشكيلي العراقي موسى الخميسي وهو في الأصل بحث شارك فيه بمسابقة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي عام 2016 وفاز بالجائزة الثانية.
يتألف هذا الكتاب من مقدمة وستة فصول إضافة إلى ثبتْ بالمصادر والمراجع العربية والإيطالية التي أغنت البحث وأثرتْ خِطابه الفكري والجمالي. تبدو الآراء الواردة في المقدمة وكأنها الخلاصة التي خلا منها هذا البحث الذي يتمحور تحديدًا على "مناهج التربية الفنية في المدارس والمعاهد ودورها في خلق فنان تشكيلي مميز في الوطن العربي".
يستهل الخميسي مقدمته بالقول إنّ الفن شكلٌ من أشكال النشاط الاجتماعي الذي لا يهدف إلى تغيّير الطبيعة حسب، وإنما يسعى إلى تغيير الإنسان، وتطوير ذائقته الفنية، وتشذيب رؤيته الجمالية. فالفن من وجهة نظره "طريق للمعرفة" التي لا تتحقّق من دون مشاركة الآخرين فلاغرابة أن يؤكد، مرارًا وتكرارًا، على ضرورة التوحّد بين ذات الفنّان وذوات الآخرين على اعتبار "أن الفنّ يتشكّل في وجدان المبدع، ويحيا في وجدان المتلقي"(ص15). يركِّز الخميسي على أهمية الخيال ويعتبره قوة رئيسة من قوى الطبيعة الإنسانية التي تفتح آفاقًا جديدة لم يألفها الإنسان من قبل فمن بين ثمرات الفن المتعددة المتعة والدهشة والانبهار وهي في مجملها تجعل الحياة أخفُّ وطأة على الكائن البشري.ينوّه الباحث إلى أنّ الفن تعويض عن انعدام التوازن في الواقع، وكلّما ازاداد الواقع اضطرابًا كلّما تضاعفت الحاجة إلى الفن لاستعادة التوازن بين الإنسان ومحيطه الخارجي.ثمة آراء أخرى تحفل بها هذه المقدمة لكنها باتت في حُكم المسلّمات من بينها أنّ الفن منحاز للحق والخير والجمال، وأنه لم يعد تقليدًا أعمى للطبيعة، أو أنه يطهِّر النفس البشرية، ويهذِّب السلوك الإنساني وما إلى ذلك.
أكدّ الخميسي في الفصل الأول من الكتاب بأنه ليس هناك معيار ثابت لمفهوميّ الجَمال والقُبح، فما تراه جميلاً قد يراه الآخر قبيحًاويسوق أمثلة كثيرة على ثنائية الجمال والقبح التي تثير الدهشة حقًا، فعلى الرغم من استقرار العديد من القيم الإغريقية للجمالإلاّ أن الناس المنضوين في الحركاتالهامشية مثل الهيبز والبانك والكلوشار وغيرها بدأوا يسعون للقُبح المُستفِّز كنوع منالتمرد على القيم الرأسمالية المهيمنة فصاروا يعمدون إلى غرز الدبابيس في الأنف واللسان والشفاه والحواجب، كما وشَموا غالبية مناطق الجسد الظاهرة منها والمخفيّة، هذا إضافة إلى ارتدائهم الملابس الرثّة المُهلهلة. وفي عصر النهضة كانت المرأة الإيطالية تنتف حاجبيها كليًا، كما في لوحة الموناليزا، بينما تكتفي غالبية النساء في مختلف أرجاء العالم بالحفِّ والتزجيج. وفي السياق ذاته يَعتبر السُكّان الأصليون في أستراليا الأنفَ المُفطلح جميلاً بينما يرى مُعظم الناس في الأنف الصغير ميزة جمالية يسعون لتحقيقها بعمليات تجميلية باهضة الأثمان. يرى الباحث أن ظهور الديانة الإسلامية في القرن السابع الميلادي قد أثرّ تأثيرًا جذريًا في تطوّر الفنون والنظريات الجمالية على الشعوب المجاورة لمركز الخلافة الإسلامية آنذاك. ويعتقد بأن جوهر الدين الإسلامي لا يتعارض مع القيم الجمالية الأمر الذي أفضى إلى إزدهار الخط العربي، والزخرفة، والنقش،والموسيقى، والعمارة وسواها من المظاهر الفنية والعمرانية على مدى قرون طويلة. يزدان هذا الفصل بآراء مهمة لفلاسفة ومفكرين كبار ، قدماء ومحدثين، أمثال سقراط، إفلاطون، وأرسطو، إمبيرتو إيكو وبنديتو كروتشه وآخرين لا يسع المجال لذكرهم جميعا.
يناقش الخميسي في فصل "التذوّق الفني" مفاهيم عديدة تتمحور حول إدراك الأعمال الفنية والاستمتاع بها. فثمة أعمال جميلة لكنها ليست فنيّة، وهناك أعمال قبيحة لكنها تنطوي على مُسحة فنية جميلة. ويورد مثالاً مهمًا في هذا الصدد مفاده أن الفن يمكن أن نلمسه في التناغم الهندسي الموجود في الأواني البابلية والفرعونية والأتروسكية والإغريقيةكما يمكن أن نلمسهفي غياب هذا التناغم في الفن البدائي. وبغية تذوّق أي عمل فني قديم أو حديث لابد من تأمله والاستغراق فيه، والنفاذ إلى أعماقه، وإجراء نوع من التواصل الوجداني معه، فالتأمل العميق كما يذهب الناقد البريطاني روجر فراي "هو تمرين روحي ذو أهمية متميزة"(ص42).
يُعتبر فصل "التربية الجمالية والطفل" من الفصول المهمة في الكتاب لأنّ الباحث يتتبّع فيه الإنسان في مختلف مراحلة العمرية التي تبدأ بالمرحلة الجنينيّة، ورياض الأطفال، مرورًا بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة، ولا تنتهي في المرحلتين الثانوية والجامعية، وإنما تستمر مع الإنسان الذي ينفعل ويتفاعل دائمًا مع العمل الفني بوصفه مُتلقيًا إيجابيًا يطوِّر من قدراته الفنية طالما بقيّ على قيد الحياة. وبما أنّ الجنين يستجيب للموسيقى الهادئة وهو في رحم أمه فما بالكَ إذا خرج للنور وبدأ يُخربش على الأرض أو يرسم على الجدران.ينتقد الباحث عالمنا العربي الذي يُغرِّب الطفل عن واقعه الاجتماعي ولا يوجِّه عنايته إلى الأعمال الفنية التراثية أو الشعبية لسهولة النهل من المصادر الغربية، كما يعيب على المدارس العربية التي تسمّي الحصص الفنية ترفيهيّة بينما يُطلق عليها الغرب "الفن والتصورات" ويدّرسون فيها الفن بدءًا من رسوم الكهوف حتى آخر المدارس والتيارات الفنية المعاصرة دون أن يغفلوا تاريخ الفن، وأصول النقد الفني وكل ما ينمّي الذائقة الجمالية عند الإنسان.
يُركِّز الخميسي في فصل "الفن والطفل" على دور المربّين والمربيّات الذين توصلوا إلى نتائج مُذهلة من خلال دراساتهم التي أثبتت أن الأطفال الرُضّع يعبِّرون عن إعجابهم بالأشكال والألوانمن خلال مدة التحديق، وهم يفضِّلون الألوان المُبهجة كالأحمر والأزرق والأصفر على الألوان المعتمة والرمادية، ويتذوّقون الأشكال بعد سنتين من الولادة. أما الأعمال الفنية التي يستمتعون بها فإنها تستقر في المنطقة المحصورة ما بين الوعي واللاوعي التي تُلهِم المبدعين منهم لاحقًا. يدرس الباحث أوجه التشابه بين رسوم الأطفال والفن المعاصر ويتوصل إلى أن الطرفين ينطلقان في الخيال الجامح بلا قيود، ويُعبرّان عن العواطف والأحاسيس بحرية تامة.
أوفى الباحث حق المُتحف ودوره العميق في التربية الجمالية فقد شبّه المتحف بـ "كنزٍ مقدّس" أو بـ "معبد للثقافة والفنون" وبإمكان المتلقي أن ينهل منه ما يشاء من الفنون البصرية المتعددة، فهو منجم لذاكرات تاريخية وفنية واجتماعية لذلك لا تخلو المناهج الدراسية لكل المراحل من زيارات سنوية مُنظّمة لهذه المتاحف وغالبًا ما تعقبها دروس مكثفة عن عصر النهضة والفن المعاصر بكل مدارسه المعروفة كالانطباعية والواقعية والسريالية والمستقبلية.
يختم الخميسي بحثه في كيفية قراءة العمل الفني ولا يجد ضيرًا في تفسيره مُستلِفًا من بول فاليري مقولته الذائعة "لا ينبغي أبدًا الاعتذار عن الكلام في الرسم"(ص115) فكل عمل قولي أو بصري "يفسِّر إمكانيات خالقه، ولكنه يفسر أيضًا رأي المتلقي"(ص117). بكلمات أخر إذا أراد المتلقي أن يلج العمل الفني، ويغوص في شبكة علاقاته الداخلية العميقة، فعليه أن يتحول إلى تلميذ، ليس بالمعنى الأكاديمي كما يذهب الباحث، وإنما أن يكون لكل تلميذ قراءته الخاصة به، وتفسيره المختلف والمغاير لتفسيرات الآخرين. لا يمجِّد الخميسي في هذا الكتاب الفنان الخالق فقط، وإنما يصطّف إلى جانب المتلقي الذي يفهم العمل، ويتذوقه، ويستمتع بلذّته الفنية.

لندن

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014