• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 09 حزيران/يونيو 2017

الرابح الخسران

  عماد حياوي المبارك
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

الفرق بين نظرتنا ونظرة الأوربي للحياة ومفاصلها وتفاصيلها تختلف كثيراً وهي متأتية من ثقافة وأطباع مجتمع فنحن نجدها صراع ومنافسة كي نسبق أقراننا، القريب والجار والصديق، بينما يجدها الأوربي فرصة لا تتكرر للمتعة والفرح، فيكسر كل القيود وينطلق ليعيش ويتفاعل مع محيطه ويبحث عن السعادة بعلاقاته الأسرية والمجتمعية وفي العمل، وهو ليس في عجلة من أمره ولا بسباق مع أحد ولا مع الزمن مثلما نفعل نحن لتكون حصيلتنا بالنهاية... خسارة العمر كله.
في دول أوربا الغربية يأخذ بعض الطالبة الجامعيون (قيلولة) من الدراسة في أية فترة يختاروها، فيتوقفون لكورس دراسي أو سنة ويذهبون بسفرة طويلة وبعيدة لجنوب أفريقيا أو أمريكا أو جنوب شرق آسيا وأستراليا للنقاهة وتجديد حيويتهم ثم يعودون لكرسيهم من جديد، وتجد بعضهم حين يعود يستبدل أختصاصه بآخر لمجرد أنه يكتشف وبأستقلالية تامة أنها لا تلائمه وأن رغبته قد مالت لأختصاص آخر، فيبدأ الدراسة من جديدة، وفي حفل تخرجه تجد أن على يمينه يقف أبن العشرين ويساره أبن الخمسين. السؤال الذي يطرح نفسه، أيتمكن تلميذ بأسرة شرقية أن يختار طريقه بأستقلالية تامه وأن يدرس على مهل دون أن تقوم عليه الدنيا ولا تقعد؟ حتى الأسترخاء عدة أشهر بعد التخرج يجدهُ الأوربي فرصة ضرورية ليتحول من عالم الدراسة لعالم العمل حيث يتمتع بالهدوء ولملمة الأنفاس ليقوم خلالها عقله (بشحن) بدنه ثانية بينما نجدها نحن أحد نقاط الأنطلاق الفورية التي علينا من خلالها منافسة الغير.
لنسأل أنفسنا، لِمَ كنا بعجلة من أمرنا أيام الدراسة ولِمَ تسابقنا وكأننا بمباراة نعتقد أن فيها رابحاً وخاسراً؟ ما دامت الغاية من الحياة السعادة والمتعة وتحقيق الأهداف، دع الجميع يختار الوقت الملائم لذلك وليتمتع بأيام سوف لن تتكرر أبداً، فالأغلبية الساحقة في النهاية سيستلمون الشهادة وسيعملون ويأخذون رزقهم وحصتهم بالحياة، الأوربي يمكنه أن يعيش حياته ومتعها وبنفس الوقت قبل التخرج تجده يتابع تعليمه ويعمل ويكسب، الكل حينما يُنهي دراسته قبل أو بعد الآخرين بأشهر أو سنين تجده أيضاً راضٍ وسعيد ولا ينظر له مجتمعه كنظرة مجتمعنا على أنه شخص فاشل متأخر دراسياً، ليس شرطاً أن مَن يتخرج بعد أقرانه كان خاسراً، فربما هو قد عاش السنة التي أعادها بسعادة ومتعة أفضل مما لو عاشها بعد التخرج... أقول ربما!
في المرحلة الأولى من دراستي الجامعية، كنت أعيد الدور الثاني بمادتي الرياضيات والثرمنوداينمك وكان نظام العبور بدرس واحد فقط أي عليّ أجتياز أحدهما، لكن بسبب فرق درجة واحدة فقط كان يجب أن أعيد العام، قامت الدنيا ولم تقعد وتحركت نحو أستاذي وتوسطت دون جدوى وأعادوا تصحيح أجوبتي الأمتحانية، مر الوقت وصار أمر أعادتهما في العام الاحق واقعاً. آلمني ذلك كثيراً وأصبح لدي وقت (فري) طويل طيلة أيام الأسبوع وأضطرني أن أستبدل زملاء الصف بجدد. لاحقاً أكتشفتُ بأنها فرصتي أن ألهو وأن أستكشف متع الحياة دون ضغوط الدراسة الجامعية الشديدة، أنا اليوم وبكل صراحة أجد أنها (أنجح) سنة عشتها بشبابي، ربما ثقافة البعض ترفض هذا الطرح لكنني وبكل أمانة قد أقتنعتُ بذلك، هكذا أيضاً قص عليّ أحد الأصدقاء قائلاً بأن سنة رسوبه بالجامعة كانت أسعد سنة بحياته ، فملأ فراغه الطويل بعد تحرره من ثقل كاهل الدراسة، فصال خلال عام الرسوب وجال مستمتعاً بالحياة أكثر من أي وقت مضى.
لم نكن نحن الشباب الطلبة الشرقيون ولا أهلنا ومحبينا هم الوحيدون المتعجلون في أمر تخرجنا، فالبلد يريدنا أن نبدأ العمل والإنتاج يوم قبل آخر، لكن السؤال... هل لو كسبنا الوقت وغلبنا الزمن سنشغل المكان المناسب في بلداننا ونجلس على الكرسي المناسب؟
التجارب وحتى لو تكون قاسية أو قريبة جداً من الخطوط الحمراء التي نخطها لحياتنا أو يقوم الأهل والمجتمع بوضعها لنا أجدها ضرورية، فالتجارب قبل الزواج منحتنا الحصانة بعده. قيادة السيارة بسرعة كبيرة جداً بسن يافع وبمكان وزمان مناسبين نستكشف من خلاله أمر غالباً ما نتجنبه لاحقاً ولن يتكرر. كنا نضرب المواعيد الغرامية في صبانا ونتحمل الأنتظار ساعات بالشمس مغلبين الأمر حتى على دراستنا وكان الفشل نتيجة لكثير من تلك المغامرات لكن كان العمر يسمح والألتزامات قليلة، هو نفس الأمر لا نتحمله بسن متقدم، الشيء المنطقي والمفارقة الوحيدة بهذا الأمر أننا كنا نتحمل ذلك بعمر صغير ولا نتحمله بعمر أكبر، فمن لم يعِشه باكراً ربما سيمر به لاحقاً ويكون وقعه على شخصه أشد. الدخول بعراك وأشتباك بالأيادي في عمر الصبا أو الشباب يجعلك تجرب سرعة رد فعلك وقوتك ومقاومتك ليكون لك درس لتُحسن من مستوى أداءك لأنك ربما تكون في موقف عند الكبر وقد تحتم عليك أستخدام عضلاتك. التجارب يقول المثل هي أحسن البراهين والتقييم لن يأتي بالأقوال بل بالأفعال.
في يوم جاء أحد الأقرباء ودعانا لسهرة (ساخنة) بوجود فرقة نسائية راقصة، وكان بحاجة لدار معزول كالبيت بداخل المزرعة التي كنا نمتلكها بمدينة (هبهب) قرب (الخالص)، كان الجواب حاسم وحازم بأن ما يفكر به هي التفاهة بعينها، كانت ردة فعلنا صدمة شديدة له، توقف الرجل عن الكلام وأستطرد قائلاً بأننا نحن من على الخطأ لأننا لا نجيد التمتع بأيامنا كما يجب، غادر وهو يلعن الساعة التي جاء بها عندنا. بغض النظر عن مبادئنا ومبادئه بالحياة، فهذا الرجل يتمتع بأيامه ـ من وجهة نظره ـ بشكل أفضل منا نحن الذين نتبنى سلوكيات تملأها علينا قوانين ومبادئ أجدها حادة جداً أفقدتنا أياماً راحت ولم تتكرر كنا لأستكشفنا من خلالها أموراً غابت عنا ولم يعد بأمكانها العودة.
ربما نحن قد ربحنا المبادئ لكن من أجلها خسرنا معظم متع الحياة. لو نعود بتفكيرنا للوراء ونبحث بسني عمرنا، كم من الفرص التي أضعناها لأن مقاييسنا ومقاييس المجتمع من حولنا عمن هو الناجح غير صحيحة، عندها سنكتشف أننا قد خسرنا الكثير من أجل أن نربح!

_________________________________________
× يمر الشاب والشابة بمجتمعاتنا العربية بمراحل حياتية يفرضها عليهم مجتمعهم وتقاليدهم وعليهم هم الألتزام بها، وليس فيها من المرونة كما هي في المجتمعات الغربية، فمن المحتم أن يستكمل دراسته الجامعية ببداية العشرينات وأن يعمل ويتزوج قبل بلوغه الثلاثين، والسؤال المحير هو هل من تعاليم سماوية نزلت بذلك ليكون ديننا وديدنا؟ أنا لستُ على دراية بذلك!

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014