• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 13 حزيران/يونيو 2019

الصابئة المندائيون … وتجربة كوبا

  مأمون الدليمي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

هل ممكن التعايش بين عامة الصابئة المندائيين والمؤسسات الدينية مثلما حدث مع ثوار كوبا والكنيسة ؟

لنقرأ قصة ممتعة لما حصل في كوبا من تجربة فريدة من نوعها .
واترك للقراء التقييم والحكم .

كوبا .. الثورة الاشتراكية وعلاقتها مع الكنيسة

خلال زيارتي وزوجتي مؤخرا الى جمهورية كوبا ، ونتيجة حصار ظالم قائم لاكثر من نصف قرن ، كنت اتوقع ان ارى حالات غير طبيعية وتجارب فرضتها الظروف ، وفعلا شاهدت ولمست اكثر من حدث غريب واكثر من حالة لها مدلولاتها واسبابها .
كان اهم ملاحظتبن فيهما من الغرابة والتناقض في المبادئ والايدولوجية ، ماجعلني اركز عليهما وابحث عن خلفياتهما ودواعي حصولهما وحدوثهما ، ورفعت اكثر من سؤال واستفسار لتوضيح الغموض ، وبينما وجدت جوابا لواحدا من الموضوعين والقصة التي بخلفه ، وهو علاقة الثورة الكوبية وقادتها مع مفهوم الكنيسة والدين ، والتفاهم والتعايش مع رجال الدين ، والذي هو موضوعنا لهذا اليوم ، في الوقت الذي لم اجد اي جواب حتى هذه اللحظة للموضوع الثاني والذي سيكون موضوعنا القادم تحت عنوان “ كوبا الثورة والماسونية “ .
كوبا وبعد انتصار الثورة وتحررها ، اصبحت بلد الحرية في جميع مجالات الحياة وبكل معنى الكلمة ، مع احترامي لوجهة نظر بعض المعترضين على هذا التعبير ، على اعتبار كوبا انتقلت من حكم دكتاتوري فردي الى حكم دكتاتورية الحزب الواحد ، وهي نقطة نقاش وتقييم ، وربما كنت اتفق مع وجهة النظر هذه لو كانت الضروف المعيشية والسياسية طبيعية ومن غير حصار ومقاطعة واقتصاد محطم واعداء حاولوا ومازالوا يحاولون غزو الجزيرة كما يحلو لشعبها بتسمية وطنهم كوبا ، ولاعادة الامور الى الوراء والى ماقبل الثورة ، ومع كل هذه الاوضاع والظروف ، تجد بلدا فيه امان ومحبة وسلام ، رعاية صحية جيدة مجانية وللجميع ، رعاية تربوية متقدمة مجانية من عمر الروضة الى مراحل التعليم العالي، ضمان فرصة عمل لكل بالغ ومن قادر عليه وكذلك مع بقية الخدمات .

النظام السياسي في كوبا ، باعتباره اشتراكي ذو حكومة شيوعية ، يؤمن بمبدأ فصل الدولة عن الدين ، مع بقاء حرية الدين والعبادة مضمونة للجميع ، حيث وانت تسير في جميع مدن جزيرة كوبا وشوارعها ، تجد دور العبادة وبجميع انواعها من كنائس وبمذاهبها المختلفة وجوامع اسلامية ودور عبادة اليهود واديان ومذاهب اخرى ، وتشاهدها قائمة شامخة وباجمل حلة .
اغلبية سكان كوبا من المسيحين الكاثوليك ويتبعهم المسيحين الارذوكس ثم المسيحين الاخرين ، كذلك وجود جالية يهودية تعيش بسلام منذ مئات السنين ، وجالية اسلامية بعدة مذاهب ، حديثة العهد ، تنتشر وتتوسع من خلال ما رايت من مساجد وجوامع حديثة البناء والتشييد، وهناك اقليات ومذاهب اخرى .

ولكن ما يثير الانتباه ، كون الكنائس وبكل انواعها ومذاهبها والتي يعود تشييد وبناء أغلبها الى القرنين السابع عشر والثامن عشر ، تتمتع بامتيازات خاصة واكثر من المألوف ، فمبانيها مصانة بشكل جيد ، من الابواب الخشبية الكبيرة المحفورة والشبابيك الزجاجية الملونة واعمدة الرخام المغلفة بالمرمر ، الى الاثاث المصمم ليتناسب مع طرازها ، اضافة الى نظام انارة متقدم يسمح لك برؤية التفاصيل الدقيقة لصور القديسين في السقوف والجدران ، مع مرافق وخدمات عامة رغم ازمة الطاقة والكهرباء .

وهنا يبرز السؤال ، هل هناك تناقض ما بين ايديولوجية الثورة الاشتراكية في مبدأ فصل الدولة عن الدين ؟ وكيف يجوز لنظام شيوعي متمثلا في قادته وحكومته ، في العمل يد بيد مع منظمات دينية متمثلة في الكنائس ورجال دينها ؟
ياتي الجواب من اهل البلد وبالذات من اساتذة جامعيين ومثقفين كوبيين اثناء لقاءاتي بهم ومناقشاتي معهم لمعرفة ما اطمح اليه من توضيح للصورة .
يذكر مؤرخي تاريخ كوبا الاجتماعي والسياسي لفترة الخمسينات من القرن الماضي ، مرورا بفترة نضال الثوار وانتصار الثورة وحتى الوقت الحالي ، بان هناك قصة وراء ذلك ، قصة تعادل وتفاهم لطرفي المعادلة ، طرف ترك جانبا وموقتا اهدافه التي من اجلها تأسس ، باعتبار الله موجود والكنائس باقية ، وحان وقت خدمة الفقراء والمحتاجين ، وحماية الثوار من المطاردة والاعتقال وتوفير الملاجئ واقبية الكنائس لهم للاختفاء بها عند الحاجة ، ونتيجة ذلك ، قام الطرف الاخر وهم الثوار وبعد انتصار ثورتهم برد الجميل والوفاء بوعدهم .

في بداية الخمسينات ، اخذت الحياة السياسية منحى جديد في تصاعد كفاح ونضال الشعب الكوبي ، وذلك بظهور الشاب الثوري ورجل القانون فيديل كاسترو ومجموعة من رفاقه الثوريين على الساحة والعمل في مقاومة الفساد الاداري والمالي القائم من قبل الدكتاتور باتيستا وحكومته العميلة التي بدورها زادت من تعسفها واضطهادها للقوى الوطنية ، وامام هذا الوضع اتخذ الثائر فيديل كاسترو واصحابه الخيرين قرار بنقل نشاطهم ونضالهم الى التلال والجبال على امل الاعتماد على القوى الفلاحية والمستعبدة من قبل الاقطاع الظالم
مع شديد الاسف خاب ضن الثوار نتيجة عدم اخذ جميع الاحتمالات بالحسبان ، فقد اصدر الاقطاعيون اوامرهم الى الفلاحين العاملين في حقولهم بعدم تقديم اية مساعدات للثوار وبكل انواعها ، من غذائية او صحية او حتى اي ايواء لهم ، وضرورة اخبار السلطات عن نشاطاتهم وحركاتهم ، ونتيجة ذلك تم اعتقال الثائر فيديل كاسترو ومجموعة من رفاقه ، وارسالهم الى العاصمة هافانا لغرض محاكمتهم .
قررت حكومة باتيستا ان تكون المحاكمة علنية ويتم نقلها عن طريق وسائل الاعلام لغرض بث الرعب بين الثوار واعطاء رسالة للاخرين بعدم الانضمام لهم.
وهنا حصل ما لم يكن في الحسبان للحكومة ، فبدل محاكمة الثوار بتهمة العصيان المسلح والعمل على اسقاط الحكومة ، قلب الثائر فيديل كاسترو الجلسات الى محاكمة النظام وفضح فساده وعمالته ، وانتهت المحاكمة بسجن الثائر فيديل كاسترو لمدة عشرة سنوات ومحكوميات مماثلة على اصحابه .
بعد قضاء كاسترو سنتين في السجن ، شعرت الحكومة بزيادة شعبية الشاب الثائر كاسترو ، رغم انه في السجن ، وذلك نتيجة تهريب رسائل واشرطة مسجلة بصوته يدعو الشعب فيها للثورة ، عندها قامت الحكومة باطلاق سراحه ونفيه الى خارج كوبا ، حيث كانت المكسيك اول المحطات ليقضي فيها بعض الوقت لتقوية علاقاته مع الحركات الثورية في دول الكاريبي وامريكا اللاتينية ، وينتقل بعدها الى مدينة نيويورك في امريكا حيث اكمل دراساته العليا والعودة الى المكسيك لوضع الخطط النهائية للثورة.
اثناء ايام النضال في الجبال وثم اثناء وجوده في السجن ثم فيما بعد نفيه خارج كوبا ، عمل فيديل كاسترو عدة اتصالات مع رجال الكنائس حاثا على مساعدة الفقراء والمحتاجين وكذلك لمساعدة الثوار وحمايتهم وايوائهم واخفائهم في اقبية الكنائس عند اللزوم والضرورة ، وان الثوار بعد الثورة سيردون الجميل والفضل ويفوا بوعدهم ، وكان رد فعل الكنائس ورجال دينها ايجابيا وفاق توقعات الثوار .
وفي صباح يوم الاول من شهر كانون ثاني من عام 1959 ، تم الاعلان عن استيلاء الثوار على السلطة وانتصار الثورة ، وكان من قراراتهم الاولى حماية الكنائس ورجالها ومبانيها ، والقيام بترميمها واعادة تاثيثها وتجهيزها بالماء والكهرباء ، واصبحت معظم الكنائس مواقع سياحية وابوابها مفتوحة للعامة .
قصة جميلة نادرة معبرة عن العهد والوفاء والتفاهم والمحبة والسلام من اجل خدمة شعبهم، وارجو ان لا يتم فهم موضوعي خارج هذه التعابير او اي مفهوم آخر، فربما ماحصل في كوبا حالة خاصة فرضتها ظروف معينة وربما لم او لاتحصل في بلد اخر ، مع ايماني بان فصل الدولة عن الدين هو مبدأ انساني حضاري.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014