• Default
  • Title
  • Date
السبت, 03 آب/أغسطس 2019

إشتراكيـــة حمــــدان في نگـــــرة السلمــــان

  صلاح جبار عوفي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

في العام الدراسي 1962 ــ 1963 م ، كنت طالباً في مرحلة الثاني المتوسط ، في ثانوية سوق الشيوخ .. وكان لنا بيتاً كبيراً شُيِّدَ من الطابوق ، في عام ثورة 14 تموز ، إذ كنّا نسكن قبلها في غرفَتَيْ طين وكوخ من القصب ( صريفة ) ، والبيتُ يتوسط محلتنا ، محلة الصابئة ، التي تحتل الضفة الشرقية من نهر الفرات ، المتباهي بغزارة مياهه وخضرة شواطئه ، والذي يخترق مدينة سوق الشيوخ ، متجهاً نحو أهوار الحمّار .
وكان من بين أبناء محلتنا ، عدداً من المعلمين ، أخص بالذِكر منهم الرعيل الأول ، وهم ، الأساتذة ، ورد عنبر ونوري جابر وخليل مكطوف وورد شجر وضايف عوفي ونهاد باشاغا وجبار طلاب وخزعل غلاب وجبار عناد ونايف مجيد وصبيح مزعل ( يرحمهم الله ) .. وناهي طلاب وحامد مغشغش وحمدان كطان ومطشر كحامي ومحسن ملغوث وشاكر الشيخ جوار وفؤاد فرحان ( أطال الحي الازلي أعمارهم ) .
ومع جل إحترامي للتأريخ التربوي والوطني للشخصيات الجميلة التي ذكرتها ، فحديثي اليوم يتعلق ، بالمعلم حمدان ( أبو رجاء ) ، المقيم في فنلندا .
فهو ، حمدان بن کطان بن مرّان السيفي ، من مواليد سوق الشيوخ 1935م .. كان ناشطاً يسارياً ، مؤمناً بقضية شعبه ووطنه منذ شبابه .. إنتمى لصفوف الحزب الشيوعي العراقي قبل ثورة الرابع عشر من تموز .. وواصل نضاله وبنشاط متميّز ، حتى حل يوم الثامن من شباط 1963 م .
وفي ذلك اليوم ، الذي نجح فيه تحالف القوى القومية والاسلامية والاقطاع والرجعية ، يقودهم البعث ، وبدعم من دول الجوار ، وبتخطيط وتوجيه أمريكي ، حيث تمكنت هذه القوى مجتمعة ، من توجيه الضربة المُبيَّتة لثورة الرابع عشر من تموز ومكتسباتها ، وفي مقدمتها اليسار التقدمي والحركة الديمقراطية العراقية بشكل عام .
وأذكر ، وأنا في الرابعة عشر من عمري ، كيف كان الحرس القومي ، يتجه صوب محلتنا ، ليعتقل عدداً من النشطاء المعروفين ، ومن بينهم ، حمدان كطان ومطشر كحامي وحامد مغشغش وصبيح مزعل ومحسن ملغوث وفرحان عنیسیوأمين كريم فرحان وماجد خضر وغيرهم.
وحين نعود للمناضل حمدان كطان ــ وهو موضوع عنواننا ــ ، فكان قد تعرض لأشد أنواع التعذيب على أيدي أزلام الحرس اللاقومي ( سيء الصيت ) .. وبعد أن أشفوا غليلهم ، متلذذين بدمائه التي تنزف من مواقع عديدة في جسده ، قدَّموه لإحدى محاكمهم العسكرية الصوريَّة ( المجلس العرفي في معسكر الوشاش ببغداد ) ، ليُحكَم لأربع سنوات ، قضّاها في سجن ( نقرة السلمان ) .
وفي هذا السجن ، كان الرفيق حمدان متميزاً بعلاقاته الرفاقية الطيّبة مع الجميع ، وأصبح معلماً في دورات مكافحة الأميَّة التي إفتتحها الشيوعيون في ذلك السجن .. وكان يشاركهم في حلقاتهم الدراسية في السياسة والاقتصاد ، وفي الرياضة والشطرنج ، يخدمهم ، يسهر على راحتهم ، يمازحهم ، يدعوهم لمشاركته في ما يصله من طعام من عائلته ، ليترجم الأخلاق الشيوعية ، كما تعلّمها وتربى عليها .
وفي سجن ( نگرة السلمان ) ، ذاع صيت ( نظرية علمية جديدة !!! ) ، أطلق عليها الرفاق ـــ للمزاح طبعاً ـــ ، إسم ( إشتراكية حمدان !!! ) ، وكان وراء ظهور هذه النظرية ، أنَّ شقيقة حمدان ( السيدة رسمية كطان) ، وحين يحلُّ موعد مواجهة السجناء السياسيين في نقرة السلمان ، كانت ــ وهي المعروفة بشجاعتها ــ تخترق بسيارات الأجرة الخشبية ، ذلك الطريق الصحراوي المُتعب الممتد عبر بادية السماوة ، لتوصل إلى شقيقها الملابس الجديدة وما لذَّ وطاب من المأكولات ، وفي مقدمتها طبعاً ، البط والدجاج ، المطبوخ على الطريقة المندائية ، وبعد أن تلتقي أخيها ، وتسلّمه مؤونة هذه الرحلة ، يقوم الرفيق حمدان بتهيئة الطعام في القاووش الذي هو فيه ، ثم يبدأ بتقطيع لحم هذه الطيور إلى حصصٍ بعدد رفاقة في ذلك القاووش ، وبالتساوي ومنها حصته .. ومن هنا سُمِّيَت هذه المبادرة ، التي ظلَّت تتكرر في سجن نگرة السلمان ، بـــ ( إشتراكية حمدان !!! ) ..
والسلام عليكم .. ودمتم في أمان .. وربَّنا يحفظ حمدان .. المقيم في فِنلندان .
مع أجمل التحايا

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014