• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 10 نيسان/أبريل 2013

انتفاضة الشعوب الحية

  توما زكي زهرون
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ان المتابع لحركة تاريخ ثورات وانتفاضات الشعوب العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي سوف يلاحظ بدون عناء البحث في بطون كتب التاريخ بان هذه الثورات التي اشعل فتيلها الفقراء والمثقفين والعسكر من ابناء الطبقة الوسطى لم تدم طويلا حتى استحوذ عليها وحصد ثمارها الأنتهازيين والوصوليين والنفعيين والطفيليين الذين بين ليلة وضحاها صعدوا على اكتاف الطبقات المسحوقة واعادوا بالمسيرة القهقري الى المربع الأول بهيئة وغطاء شمولي جديد لأستعباد شعوبهم مجددا" . ان الدروس والعبر المستقاة تشير الى اهمية و ضرورة الحفاظ على زخم الثورة وديمومتها لتحقيق كامل اهدافها في ترسيخ نظام العدالة الاجتماعية و الديمقراطية واطلاق الحريات بكافة اشكالها واعادة الكرامة الأنسانية التي كانت الاسباب الرئيسية في اشتعال فتيلها .

 

 

لقد مضى على استقلال البلدان العربية بحدود الستة عقود لم تستطع كل الأنظمة السياسية التي تقلدت دفة الحكم فيها من نقل مجتمعاتها نقلة نوعية على كل المستويات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) لتبعية تلك الأنظمة بشكل او باخر الى النظام الرأسمالي العالمي والتزامها الحرفي بالوصفة الجاهزة للبنك الدولي وبايدولوجية الفكر الليبرالي الجديد الذي ربط ربطا قسريا بين الحرية السياسية والحرية الأقتصادية .

 

 

لم تلتزم جميع الانظمة العربية السائرة في ركب النظام الرأسمالي المتوحش بكامل الوصفة الجاهزة لقائدة الفكر الليبرالي الجديد والرأسمالية العالمية امريكا ، فقد التزمت هذه الحكومات فقط بتطبيق جزءا" من الوصفة وبما لايؤثر على كراسي حكمها حتى وان يؤدي تطبيقها في مجتمعاتها الى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة والجهل والامية وازدياد مديونية الدولة للبنك الدولي وتدني مستوى التعليم والصحة والخدمات الاخرى وغلاء المعيشة حيث قامت بتحرير اقتصادياتها وفتح اسواقها على مصراعيها للرأسمال العالمي والبضائع المستوردة لتقضي على صناعتها الوطنية وتحولها الى دول استهلاكية من الطراز الأول ، اما بالنسبة لتطبيق الجزء الثاني من الوصفة المتمثل بالحرية السياسية فان بعض الحكام العرب غظ الطرف عنها والبعض الاخر قام باصلاحات سياسية شكلية وانتخابات مزورة لاعطاء الشرعية لانظمتهم الفاسدة التي اكل عليها الدهر وشرب.

 

 

ظلت امريكا منذ احدث ايلول 2001 تلوح للانظمة العربية بالعصى الغليظة بين حين واخر فحررت عقليتها السياسية المتجبرة مشروع شرق اوسط كبير وبعد معارضة شديدة استبدل الى مشروع شرق اوسط جديد لتبديل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة باكملها وبما يتلائم مع مصالحها ومصالح الاخطبوط الكارتل العالمي واعطوا لانفسهم كامل الحق للتدخل في مصير الشعوب بحجة مقاومة الأرهاب و الدفاع عن حقوق الأنسان والحريات التي كانوا غاضين النظر عنها طيلة العقود الماضية لا بل بالعكس كان لهم الدور الكبير في خلق العديد من الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة والعالم .

 

ان هدف المشروع الذي تريد تطبيقه امريكا في المنطقة هو لابعاد شبح الثورات الوطنية والديمقراطية الحقيقية عن الدول العربية باعادة رسم خارطتها ، بتجزئتها الى دويلات صغيرة ضعيفة على اساس قومي او ديني او طائفي تمهيدا لخلق ارضية وبنى تحية لصراع مستقبلي قومي، ديني، طائفي ، لتحرف نظر الشعوب عن مخططاتها الشريرة باشغالها بحروب طاحنة ، هذا المشروع الذي بدأت ملامحة واضحة في خطة بايدن المعلنة في العراق و كذلك هو الحال في اليمن والسودان ولبنان وتباعا في كل الدول العربية التي فيها ازمة دولة و مجتمع حيث تتماهى سلطة الدولة مع سلطة الاحزاب القومية اواللبرالية او مع سلطة القبلية او الطائفة ، ففي مصر ازمة دولة وازمة مجتمع بين الاقباط المسيحيين والاخوان المسلمين وفي السودان ازمة دولة تعتمد الشريعة الأسلامية و ازمة دارفور وانفصال الجنوب وفي اليمن ازمة دولة وازمة القبائل المتصارعة و الشيعة الزيدية والجنوب الذي في طريقه للانفصال وفي المغرب ازمة البوليساريو وفي الجزائر ازمة القوى الاسلامية المتشددة والمتطرفة وفي دول الخليج ازمة انظمة حكم قبلية تعود في بعضها الى القرون الوسطى وازمة الشيعة البعيدين عن الحكم والمهمشين فيها لعقود طويلة وفي لبنان المنقسمة على نفسها .

 

ان كل الدول العربية تعاني من ازمة دولة و مجتمع مع اختلاف شكلها و نسبتها بين دولة واخرى وان اوضاعها السياسية والاقتصادية و الاجتماعية تنذر بالانفجار بين يوم واخر ، ان امريكا بتأييدها لثورة تونس ومصر ومن يليها في المستقبل القريب تلعب دور الحمل الوديع الان لانها تعرف جيدا قبل غيرها بان الانظمة العربية المتهرئة المدعومة والمسندة من قبلها طيلة الفترة الماضية قد استنفذت كل اسباب وجودها و بقائها لذا ترى من الضروري ان تسبق الاحداث باعلانها التأييد لهاتين الانتفاضتين الباسلتين، ليس ايمانا" منها بالتغيير الجذري للنظام وانما لأستبدالها بانظمة اخرى لاتختلف كثيرا في جوهرها عن سابقاتها الا من حيث الشكل لكي تستمر ماكنة انظام الرأسمالي العالمي تطحن الشعوب المقهورة والمظلومة .

 

على الشعبين التونسي والمصري البطلين وقواه السياسية اليقضة والحذر بقراءة تاريخ الأنتفاضات جيدا واستيعاب دروسها البليغة في اسباب نكوصها وتراجعها والحذر كل الحذر لكي لاتضيع الفرصة التأريخية لتستعيد الشعوب المضطهدة زمام الحكم بيدها وحريتها كاملة وكرامتها الأنسانية التي مسختها الأنظمة الأستبدادية الجائرة وتعدل ميزان تقاسم الثروات لصالح الطبقات المسحوقة والمهمشة .

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014