• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013

وقفة جريئة إنقراض المندائية وهم أم حقيقة

  فائز الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

الحلقة الأولى 

سبق وكتب البعض من الأخوة المندائيين مقالات عديدة حول إنقراض اللغة المندائية والأسباب التي أدت الى ذلك ، وقدموا أقتراحات لذوي الأمر من المندائيين والجهات ذات العلاقة لغرض إحيائها ، كما ويدرك الجميع إن مسألة إحياء اللغة بالوقت الحاظر هو بالتأكيد خارج إمكانيات الطائفة المتواضعة نفسها ، لذلك عرض الأمر قبل عدة سنوات على المنظمات الدولية وخاصة منظمة اليونسكو لغرض تقديم المساعدة الممكنة لما تملكه من إمكانيات مادية وعلمية وخبرة في هذا المجال ، ولكن مع الأسف لم نلاحظ أي إجراء عملي هام قد تم إنجازه من قبل تلك الجهات خلال السنوات الأخيرة ولغاية اليوم . 

وبودنا التطرق اليوم الى ما يتناقله بين الحين والآخر البعض من المندائيين ومن ظمنهم بعض رجال الدين لمستقبل المندائية المهدد بالخطر خلال بضعة عقود قادمة ، وذلك بسبب الظروف المعقدة التي تمر بها الطائفة . ما لم يتم وضع خطة عمل فعالة يساهم فيها كافة أبناء الطائفة المندائيين وعلى إختلاف إخصاصاتهم العلمية والأدبية والفنية ، وتسخر لها كافة الأمكانيات المتاحة لهذا الغرض . 

نود أن نطرح وجهة نظرنا لواقع حال الطائفة المندائية بصدق وواقعية ، وقد يختلف الكثير من الأخوة المندائيين معنا بما نطرحه اليوم ، أو لربما يتهمنا البعض بإتهامات شتى ، ولكننا نعتقد إن الواجب يحتم علينا دق ناقوس الخطر وأن نكون صادقين مع أنفسنا ، وتبيان الحقيقة وتدارك مواقع الضعف في مسيرة الطائفة الحالية إن كنا جادين في المحافظة عليها وأن يكون شعارنا العمل المشترك الفاعل وليس ( نستنكر ونشجب وندين ) كما نلاحظه من كتابات البعض من الأخوة في هذه الأيام بعد أي حدث أو مصيبة تحل بالطائفة . ولا نود أن نكون من المتشائمين بمستقبل المندائية ، ولكننا نطرح الحقائق كما نلمسها وهي على أرض الواقع ، ونطرح السؤال الذي قد يخشى الكثير من المندائيين طرحه على أنفسهم وهو .. 

( هل إن إنقراض المندائية وهم أم حقيقة ؟؟؟ ) 

وما هو دور المندائيين في هذه المرحلة للحفاظ على هويتهم الدينية وعراقة طائفتهم . 

أنها مجرد وقفة جريئة لمراجعة الذات ووضع الحلول المناسبة قبل فوات الأوان ، وقفة تتطلب من كافة الأخوة أبداء آرائهم وأفكارهم في هذا المجال . 

فمن حق أبناء الطائفة أن يرفعوا أصواتهم أمام المسؤولين في قيادة الطائفة ومؤوسساتها في داخل الوطن وخارجه وتنبيههم إلى الأخطاء التي أرتكبت أو لا زالت ترتكب ، وبذل كل الجهود من أجل تصحيح مسيرة الطائفة المهددة بالخطر . 

إن الطائفة المندائية تتعرض اليوم الى نوع بشع من الإبادة الجماعية وفق مقاييس المنظمات الدولية ، وهي بحاجة إلى إعادة النظر بمسيرتها بما يتناسب وبطبيعة هذه المرحلة التي تمر بها في داخل الوطن وخارجه ، وإن العكس في ذلك يعني استمرار الضعف والتدهور والإضمحلال وخسارة المزيد من أبناء الطائفة يوما" بعد يوم مما يهدد مستقبل الطائفة ككل . 

يدرك الجميع إن الصابئة المندائيين هم بناة حضارة وادي الرافدين ، هم أصل العراق وملحه ، ديانتهم تعتبر من أقدم الديانات الموحدة التي إنتشرت في بلاد الرافدين و فلسطين ما قبل المسيحية ، لغتهم هي المندائية وهي أحدى اللغات الآرامية الشرقية القديمة ، أتخذوا مدن جنوب العراق والأهواز في إيران وبالقرب من الأنهار موطنا" لهم منذ قرون عديدة لأهمية الماء في حياتهم الإجتماعية وإقامة الطقوس الدينية ، عاشوا في تلك المنطقة فأثروا فيها وتأثروا بها ، إنتشرت فلسفتهم الدينية ولغة التوحيد أينما حلوا . وفي فترة ما قبل الحكم البريطاني وخلاله وبسبب الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية والأضطهاد والقتل الذي مورس ضدهم من قبل جيرانهم المسلمين ، بدأت هجرة المندائيين الى المدن الكبيرة كبغداد والموصل وكركوك والفلوجة والرمادي والحبانية وديالى ليعملوا في الصياغة والنقش والحفر على المعادن . وتبع ذلك هجرات عديدة أخرى في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي وتجست بشكل أكبر ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام / 2003 

الشعب والأمة المندائية ... الهوية 

قد يتسائل البعض ما هي هوية الصابئة المندائيين ؟ وهل هم شعب أم أمة ؟ وهل يمكن أن نطلق عليهم ( شعب مندائي ) أم ( أمة مندائية ) كما يحلوا للبعض من الأخوة أن يذكرهم إعتزازا" بالنفس !!! ووصل الأمر للدكتور تيسير الألوسي ليقترح أطلاق تسمية ( قومية الصابئة المندائيين ) بدلا" من ( طائفة الصابئة المندائيين ) بإعتبار إن المندائيين هم ( قومية تلتزم بدين معين ) ( 1) ، ناسيا" بذلك شروط القومية وهي وجود الأرض واللغة والدين المشترك والعادات والتقاليد . 

ماذا نعني بالشعب

( يعرف الشعب بأنه مجموعة من الأفراد أو الأقوام يعيشون في بقعة جغرافية واحدة ( أرض واحدة ) ولهم لغة واحدة وتأريخ واحد وعادات مشتركة وثقافة واحدة ودين واحد ويعيشون ضمن مجتمع واحد ، ويتميزون بشكل العلاقات الإجتماعية التي تجمعهم في ذلك المجتمع ) . 

فهل ينطبق هذا التعريف على المندائيين ؟ بالتأكيد هناك إختلاف في وجهات النظر تعتمد على مدى ثقافة القارئ وسعة أطلاعه على تأريخ الشعوب عامة وتأريخ المندائيين !! خاصة فيما يتعلق ( بلغة ) ذلك الشعب و( الأرض الواحدة ) التي يعيش بها ذلك الشعب وثقافته . 

ما نعني بالأمة ؟ 

تعرف الأمة بأنها ( عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس ... من ناحية ، والمصالح المشتركة والغايات الواحدة من ناحية أخرى ، ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي معين ) . 

ووفق هذا التعريف يأتي السؤال هل المندائيون ( أمة ) فعلا" ؟ وأذا كان الجواب بنعم ؟ فأين لغة تلك الأمة حاليا" ؟ وأين علم تلك الأمة ؟ وماذا خلفت لنا تلك الأمة من آثار ؟ وأين المصالح المشتركة لهذه الأمة ؟ أين حضارة تلك الأمة وأين جنسها وتراثها لمئات من السنين الماضية ؟ وهل لدينا تراث مكتوب ومنشور يدل على تلك الأمة المندائية ؟ أنها مجرد أسئلة تطرح وتحتاج الى أجوبة علمية مقنعة وقد تحتاج الى دراسة مفصلة من قبل الباحثين المندائيين . 

واذا كنا أمة في السابق ؟ فأين هي الأن ؟ ولماذا انقرضت الأمة المندائية ؟ إن المتتبع للتأريخ يدرك إن بقاء الأمة وأستمرارها يكون بالأنفتاح على الحضارات ، وفي مدى قدرتها على مواكبة متطلبات الحياة وهي التى تملك شروط منافسة باقي الأمم والتي تقتضي التفاعل مع المعطيات الحضارية والتأثر بها وبقدرتها على الإبداع والعطاء ، إن مقدرة الأمة على التنافس هو الذي يؤكد وجودها ويجسد فعاليتها بين الأمم . 

وطالما لسنا بشعب أو أمة ، فمن نحن إذن ؟ 

يؤكد الباحثون المختصين بالمندائية ومن أبرزهم البروفسور نولدكة ، البروسفور ليدباسكي ، البروسفور كورت رودولف ، البروسفور ماتسوخ ، الليدي دراور ، البروسفور ديفيد ديرنجر ، والبروفسورة يون بكلي ، وغيرهم العشرات من الباحثين الأوربيين والمندائيين ، إن المندائيين هم ( طائفـة دينيـة ) وليس شعب أو أمة وأصبح أسمهم المتعارف عليه رسميا" هو( طائفة الصابئة المندائيين ) . فلو كانوا أمة أو شعب بالمعنى العلمي الحقيقي لكانت لديهم كيان دولة ، وإن هذا كيان يحتاج الى مؤوسسات عسكرية للدفاع تحمل السلاح المحرم في التعاليم المندائية ، ولذلك بقي المندائيون يمارسون طقوسهم الدينية فيما بينهم تحت وطأة الأضطهاد والقتل والأجبار على تغيير الدين على مدى قرون عديدة ولحد الأن ، ولذلك نرى إن أعدادهم آخذة بالنقصان سنة بعد أخرى مما يهدد وجودهم ومستقبلهم ككل خلال عقود قليلة قادمة . 

وفي هذا الصدد يؤكد المرحوم الأستاذ والمربي ( نعيم بدوي ) ، إن الدين المندائي لا يؤمن يالمادة ، ولكن يؤمن بالروحانيات . والسلطة هي من ماديات الدنيا . وكلنا نعرف إن هناك ثلاث أركان أساسية لأي دولة وهي : الجماعة البشرية ( الشعب ) ، الإقليم أو الأرض ، السلطة السياسية . ( وفي هاذا الجانب طالما إن السلطة هي من ماديات الدنيا ، فأعتقد لم يفكر المندائيون يوما" أن يكونوا لهم دولة ، بأعتبار إن وجدود الشعب هو أمر أساس في تكوين أية دولة ، وليس هناك دولة بدون شعب . وتؤكد الفلسفة المندائية على إن الحياة هي الطريق الى الحياة الخالدة في عالم الانوار وبذلك كانوا غير مهتمين بالحياة الدنيوية الفانية فمالوا الى التقشف والزهد والبساطة وإنصرفوا لعبادة الخالق ولم يفكروا يوما" بأقامة كيان سياسي خاص بهم وعاشوا كأقلية دينية في ظل دول وعشائر سائدة في مناطق سكنهم ، وطالما لم يفكروا بأقامة دولتهم التي تتطلب وجود الشعب ، والسلطة ، وحدود الدولة والجيش فليس هناك حاجة لكتابة تأريخهم أيضا" . أما تجمعاتهم في أماكن مختلفة مثل الطيب وحران وسهل ميسان وميديا فكانت أساسا" هي تجمعات دينية يقودها رجال الدين للحفاظ على روحية الدين ) ( 2 ) . 

كما ويؤكد الأستاذ الباحث ( عزيز سباهي ) على المندائيين هم طائفة دينية بقوله : ( أن الصابئة آثروا الأبتعاد كليا" عن مجرى الأحداث دفعا" للمخاطر التي قد تهددهم ، وأيثارا" للنجاة ، لا سيما إنهم كانوا مستهدفين بضغط متصل ، لحملهم على أعتناق الأسلام وإن ردة فعلهم كانت مزيدا" من الأنغلاق على النفس والأيغال في تصليب القشرة الطقسية لمعتقداتهم الدينية ، والكثير منهم أعتنق الأسلام والمسيحية . ) ، ( واثر غزو المغول للعراق ، وتدهور الخلافة العباسية ، تشتت الصابئة الحرانيون الذين ألتجأ أغلبهم من قبل الى بغداد ، وآثر بعضهم العودة الى ديار مضر ( حران وما جاورها ) ، ديارهم السابقة في أعالي الفرات وما بين النهرين ، بينما أنصرف آخرون الى ممارسة الزراعة شرق بغداد ، وضمنوا لأنفسهم السلامة من بعد بأعتناق الأسلام ، ولا يزال أحفاد هؤلاء يواصلون الزراعة في مناطق ديالى ويعرفون بأسم الزهيرات . 

وبناء على ما سبق ذكره ، وبما إن الديانة المندائية غير تبشيرية ومحصورة بين أبناء الطائفة فقط ، وبما إن نسبة الوفيات كما تشير الأرقام هي أعلى من نسبة الولادات ، خاصة وإن الكثير من المندائيين الشباب وبسبب هجرتهم الى بلدان عديدة ، وعدم أستقراهم في المهجر ، وأبتعاد الكثير منهم عن عوائلهم ، ولتكاليف الزواج الباهضة والخارجة عن قدرتهم ، تراهم اليوم يفكرون أكثر من مرة قبل الأقدام على الزواج وتكوين أسرة لهم ، ولو نظرنا بعيدا" وبحسب هذا الواقع نرى إن الطائفة تخسر المئات من أبنائها سنويا" فما بالنا والعقود القادمة ، وهذا يحتاج الى حل سريع وأحدها هوالتشجيع على الزواج وزيادة الأنجاب لقلب المعادلة ، وإلا فنحن نسير بطريق الأنقراض التدريجي ( 3 ) . 

الهوامش 


 

1 ـ الندوة التي عقدتها قناة الفيحاء في يوم الأربعاء 11 حزيران / 2008 وفي برنامج قراءات عراقية مع الدكتور قيس السعدي

2 ـ مجلة آفاق مندائية ، العدد 10 ، مايس 1999 ، في رده على المرحوم الأستاذ نعيم بدوي حول صابئة حران

3 ـ عزيز سباهي ، أصول الصابئة المندائيين ومعتقداتهم الدينية ، دار المدى للثقافة والنشر ، الطبعة الأولى 1996 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014