• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013

فراس السواح: حوار في الغنوصية والمندائية

  الدكتور صباح مال الله
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 يعتبر مؤرخ الأفكار السوري فراس السواح واحدا من المنقبين في آثار الحضارات البائدة عل أجوبة تتجلى على أسئلة عصرنا.. فمن كتابه الأول "مغامرة العقل الأولى" الذي صدر اواخر سبعينات القرن الماضي وحتى كتابه الأخير "الوجه الآخر للمسيح، مدخل إلى 

 

الغنوصية المسيحية"، يستبطن الميثولوجيا وتاريخ الأديان. التقيناه في حمص مؤخرا، فكان هذا الحوار:

س ـ اصدرتم مؤخراً كتابكم "طريق اخوان الصفا" وفيه تشيرون الى تأثر اخوان الصفا بالغنوصية والفكر اليوناني وتأسيسهم لإسلام كوني شمولي يستوعب المذاهب كلها من خلال نظرة منفتحة ترى الوحدة من خلال التنوع. الا تجدون في بحثكم هذا طرحاً جريئاً لم يتناوله احد من قبلكم؟ 

السواح ـ نعم، هو بحث جديد لم ينتبه الباحثون العرب الى المعنى الذي تذهب اليه رسائل اخوان الصفا، فقمت بدراسة وتحليل هذه الرسائل فوجدت مذهبهم مذهباً غنوصياً وعلى هذا حللت الأفكار وجمعتها في محاور سبعة هي: نظرية التكوين وصفة العالم ومعرفة النفس وارتقاء النفس والنجاة من أسر الطبيعة والآخرة والنشأة الثانية والاسم اخوان االصفا وطريق النجاة المشترك والمسائل التنظيمية. ويقوم مذهب اخوان الصفا على التوفيق بين الأديان والابتعاد عن التعصب الذي اعتبروه "آفة العقول يعميها عن رؤية الحقائق". ومثل الغنوصيين يقول اخوان الصفا بأن موت الجسد هو ولادة الروح، ويشبهون ملاك الموت بقابلة الأرواح لأنه يستولد النفس (الروح) من الجسد كما تستولد القابلة الجنين من الرحم.

 

ـ باعتقادي انه بحث ناجح ويمكن ان يكون مصدراً من مصادر البحث.

السوح ـ نعم، انا اعددته لهذا الغرض.

 

ـ وماهي التأثيرات الشرقية على الفكر الغنوصي الثنيوي وهل الغنوصية هي نتيجة لتلاقح الأفكار الغربية مع الشرقية البابلية والزردشتية؟

السواح ـ زرادشت مصدر الثنيوية ثم اتخذت اشكال متعددة، الغنوصية والمانوية وحتى الأزيدية في سوريا معتقدها ثنيوي، ولدينا في سوريا الكثير من الأزيدين.

 

ـ هل تعتبر يوحنا المعمدان غنوصياً وكيف تفسر علاقة المندائيين به؟ 

السواح ـ يوحنا المعمدان ليس له صلة عضوية بالغنوصية، بعض الفرق الغنوصية نسبت نفسها الى يوحنا المعمدان ولكن لم تكن له صلة بهم. يوحنا المعمدان اقرب الى الشخصية الأسطورية لأننا لانملك معلومات عنه ولانعرف ماهي تعاليمه. المندائية مثل مانقول عبارة عن صدفة جيولوجية اي مثل الأحفور الذي جاءنا من العصور القديمة بسبب محافظة المندائيين عليها مما ادى الى عدم ذوبان المندائية في المحيط الذي كانت تعيش فيه. مع الأسف ان اكثر الدراسات التي تمت عن الغنوصية تمت على ايدي باحثين معادين لها، اي من قبل خصومها، الا ان النظرة تغيرت بعد السبعينات من القرن الماضي مثل كتابي "الوجه الآخر للمسيح"، كما ان هناك حركة علمية بدأت بالظهور في اواخر القرن الماضي تعنى بالدراسات الغنوصية في الولايات المتحدة والمانيا وفرنسا. اليهود ليس لهم مصلحة في دراسة العقيدة الغنوصية لأن الغنوصية تقف على طرف نقيض مع الفكر اليهودي... فالغنوصية معتقد خلاصٍ، وكل مفاهيمها وتصوراتها الكونية تتلخص في مفهوم واحد عن التحرر والانعتاق. ولكن الخلاص الغنوصي لن يتأتى عن طريق العبادات الشكلية والطقوس اذا لم تترافق مع المعرفة وتكون مقدمة له. فعلى العكس من بقية النظم الدينية التي تبشر ببعث أجساد الموتى في اليوم الأخير، فإن البعث الذي تبشر به الغنوصية هو بعث الأرواح، انه خلاص من الجسد ومن العالم في آن واحد. ان مايبحث عنه الغنوصي ليس الإله الذي صنع العالم المادي الناقص والمليء بالألم والشر والموت، بل هو الآب النوراني الأعلى الذي يتجاوز ثنائيات الخلق، ولايحده وصف او يحيط به اسم. فالغنوصية ديانة خلاص، وكل مفاهيمها وتصوراتها الكونية تتلخص أخيراً في مفهوم واحد عن التحرر والانعتاق. والصراع الرئيسي الذي يخوضه الانسان هو صراع بين العرفان الذي يقود الى الخلاص، وبين الجهل الذي يبقيه في دورة الميلاد والموت. 

 

ـ هل للمندائيين (الناصورائيين) علاقة بالطوائف التي ظهرت اثناء الوجود الهلنستي في فلسطين بحدود القرن الثاني ق. م. وماهي علاقة المندائيين بالأسينين وكذلك بالطوائف الغنوصية فيي الشام؟

السواح ـ تاريخ الغنوصية هو تاريخ غامض فالغنوصية ظهرت في المشرق العربي في مطلع القرن الأول الميلادي، وهو يموج بالحركات الفكرية ويفيض بالثقافات المتنوعة، ويمكننا تلمس أصول الغنوصية في الرسائل الهرمسية وهي رسائل اسكندرانية وعليه فإن منشأ الغنوصية هو مصر وهي البوتقة الأولى التي احتوت هذه الأفكار ثم اصبحت لها علاقة بالثقافة الهلنستية. ومن اهم معلمي الغنوصية في مصر هو فالنتينوس، الذي ولد بمنطقة الدلتا المصرية من أسرة ذات أصول يونانية عام 100 م. وتلقى علومه بالاسكندرية، مدينة العلم والثقافة في ذلك العصر، وبؤرة الفكر الأفلاطوني والهرمسي. وقد اخذت الغنوصية من الأفلاطونية كذلك ويمكن اعتبارها خلطة لمعظم التيارات التي كانت سائدة في المنطقة. في الحقيقة ان تاريخ الغنوصية في سوريا غامض لأننا لانملك اية وثائق عنهم. لانستطيع القول بأن هناك غنوصية سورية مميزة لأنه في ذلك الوقت لم يكن اي قطر من الأقطار ذا خصوصية مميزة فسوريا لم تكن تتميز ثقافياً عن بلاد الرافدين ولا عن الثقافة المصرية. نزوح الغنوصية الى اوربا متأخر وأصول الغنوصية هي اصول مشرقية وليس العكس. نعم هناك غنوصية سورية ولكن معلوماتنا عنها مبعثرة. بعض الباحثين من امثال سبنسر لويس يعتقد بأن الناصورائيين هم شيعة سرانية غير يهودية مثل شيعة النذريين وشيع اخرى وكان لهم مقام ديني مقدس على جبل الكرمل، ودير هو أشبه بالمعهد الديني يلتحق به الفتيان في سن الثانية عشر، من أجل الإعداد الديني وتلقي الأسرار، وكان لهذا المقام الديني شهرة واسعة خارج فلسطين وقصده العديد من الحكماء وامضوا فيه وقتاً لابأس به خلال فترة اعدادهم الروحي، ومنهم فيثاغورس الذي تروي سيرة حياته عن اعتكافه لسنوات في جبل الكرمل. 

 

ـ بعض المستشرقين مثل الألماني ليدزباركسي، الذي ترجم كتاب المندائيين المقدس "الكنزا ربا" او الكنز الكبير في بداية القرن العشرين، يعتقد بأن اصل المندائيين من شمال بلاد الشام بدلالة تشابه تسميات بعض الكائنات النورانية المندائية مع بعض الإلهة السورية القديمة مثل حراس النهر الحي شلمي وندبي؟

السواح ـ من الجائز تماماً، الا ان الموضوع يحتاج لمزيد من البحث. ولكن حسب علمي لم تكن هناك فرق مغتسلة في سوريا.

 

ـ المندائية كلمة آرامية تعني المعرفية وقد حولها اليونانيون الى كلمة غنوستكا ومن ثم الى كلمة "الغنوصية" في اللغة العربية، ماهو أصل الغنوصية برأيك؟

السواح ـ أصول الغنوصية غامضة ولانستطيع متابعة تاريخها الا بحدود القرن الأول الميلادي، وتاريخ الغنوصية تاريخ يشوبه الغموض حيث ظهرت في زمن كانت منطقة الشرق الأوسط تموج بالحركات الفكرية نتيجة لتمازج الثقافات والشعوب وظهور وغياب طوائف فيها بكثرة، ويرجح ظهورها في القرن الأول الميلادي في الرسائل الرمزية لهرمز مثلث الحكمة او مثلث العظمة وتعتبر الشرارة التي فجرت هذا الاتجاه. وقد اخذت الغنوصية من الأفلاطونية ـ الوسيطة والمحدثة ـ الكثير من الافكار رفدها تيار يهودي غنوصي حيث ان الكثير من يهود الاسكندرية قد تحولوا الى الغنوصية آنذاك كما ان المسيحيين قد ساهموا بتطوير الفكر الغنوصي وعليه فإن الغنوصية هي بمثابة مزيج من معظم التيارات التي كانت سائدة في تلك الحقبة. أما بالنسبة للغنوصية السورية فنحن لانعرف عنها الكثير، كما اسلفت، لعدم وجود وثائق ولكننا نعلم بوجودها من خلال وجود سمعان ماغوس او سايمون ماغوس (الساحر)، والذي يقال بأنه كان من تلاميذ يوحنا المعمدان، وهو مؤسس المدرسة الغنوصية السورية ولكنه من اكثر الشخصيات الغنوصية غموضاً، لأن مؤلفاته قد ضاعت، ولم يبق منها إلا افكار متفرقة وصلت الينا عن طريق نقاده المسيحيين. وقد نشط سمعان خلال اواسط القرن الأول الميلادي، وهذا يعني انه قد عاصر يسوع ونشط خلال فترة نشاط الرسل الأوائل.

 

ـ وماهي تعاليم سايمون ماغوس؟

السواح ـ يقول سمعان وفقاً لناقده هيبوليتوس، بأن الله قوة أزلية موحدة وغير متمايزة، منغلقة على نفسها في صمت مطلق. ثم إن هذه القوة اتخذت شكلاً وانقسمت على نفسها فظهر العقل Nous وهو مذكر، والفكرة Enoia وهي مؤنثة. وبذلك انشطرت الألوهة الى قسم علوي وهو عالم الروح، وقسم سفلي هو عالم المادة. وقد كان لسمعان عدد من التلاميذ اشهرهم دوتيسيوس وميناندر اللذان بشرا في سورية، واتخذا من انظاكية مقراً لهما.

 

ـ المندائيون لديهم وثيقة تسمى "حران كَويثا" اي حران الداخلية وهي تتحدث عن هجرة المندائيين من اورشليم الى ارض ميديا ومن ثم الى بابل ومملكة ميسان في جنوب العراق وذلك عند خراب الهيكل الثاني اي بحدود سنة 70 ب. م. نتيجة لاضطهاد اليهود لهم، كيف تفسرون انتقال هذا الفكر المصري الغنوصي الى مندائيو بلاد الرافدين؟

السواح ـ هذا ممكن، ولكن ليس لدينا وثائق تاريخية تثبت هذا القول.

 

ـ تشهد الغنوصية والآرامية حركة انتعاش فكرية كبيرة في الجامعات والمعاهد الغربية، والآرامية كما نعلم منشؤها بلاد الشام، لماذا لاتشجعون مثل هذا التوجه البحثي بدلاً من الأعتماد على المستشرقين والباحثين الغربيين؟

السواح ـ هذه الدراسات تمر في حالة سبات في سوريا فالجامعات السورية لاتقوم بواجبها في هذا المجال. البحوث والدراسات بحاجة الى التفرغ وبحاجة الى تمويل، فمثلاً انا متفرغ للبحوث منذ عشرين عاماً ولولا ان لدي مردوداً مالياً من اعمالي لما استطعت الاستمرار لأنه لاتوجد جهة تسند البحوث وتعطي المنح للباحثين. ومع ذلك توجد جهود فردية قليلة في مجال الآراميات منها اخيراً كتاب "اللغة الآرامية القديمة" للدكتور فاروق اسماعيل الأستاذ في جامعة حلب، بالاضافة الى كتابي آراميو دمشق واسرائيل.

 

ـ ممكن نبذة عن حياتك؟

السواح ـ انا مولود في مدينة حمص سنة 1943 ودرست ادارة الأعمال في جامعة دمشق.

 

ـ اذاً انت بعيد عن مجالك الحالي!

السواح ـ نعم، وقد تفرغت خلال العشرين سنة الأخيرة تفرغ كامل للبحث والكتابة وهما مجال عملي الوحيد الآن.

 

ـ كيف تكوّن لديك هذا الأهتمام بالتاريخ والأديان والتراث؟ وماهي انطلاقتك الأولى؟

السواح ـ دائماً يوجه لي هذا السؤال، والحقيقة لا أعلم! انطلاقتي االأساسية هي كتابي "مغامرة العقل الأولى" الذي صدر سنة 1976 وطبع منه العديد من الطبعات. لقد كان همي دوماً البحث عن وحدة التجربة الروحية الإنسان عبر التاريخ، بصرف النظر عن مصدر الخبرة الدينية، وهل هي من أصل ماورائي ام نتاج تجربة انسانية وكدح روحي!

 

ـ الكثيرون يثمنون عملكم "جلجامش"، وخصوصاً الجزء المسرحي الذي قمتم باعداده. هل اعتمدتم النص السومري ـ الآكادي في هذا العمل، أم على النصوص المترجمة؟

السواح ـ أنا لا اقرأ أية لغة قديمة، وانما اعتمدت على النصوص المترجمة الى الأنجليزية وعلى ترجمتي طه باقر و سامي سعيد الأحمد.

 

ـ كم يبلغ عدد مؤلفاتك، وبماذا تعزو اقبال القراء عليها؟

السواح ـ اعمالي تتجاوز الأربعة عشر عملاً منها جلجامش ولغز عشتار ومغامرة العقل الأولى والوجه الآخر للمسيح وارام دمشق واسرائيل وطريق اخوان الصفا وغيرها. لحد الآن لا أسمي نفسي باحثاً محترفاً بالرغم اني اعيش من دخل مؤلفاتي. انا هاوي ولكني اعمل بغرام ومحبة والموضوع هو الذي يختارني ولست الذي انا اختاره ويمكنك القول بأن الموضوع يهجم علي ومن محبتي للموضوع اتعمق فيه، فأنا ابذل نصف جهدي بتوليد الأفكار والنصف الثاني بطريقة ايصال الفكرة الى القارئ. انا اكتب بمرجعية حديثة وربما هذا هو سبب اقبال الناس على اعمالي.

 

ـ ماهي اعمالكم الأخيرة؟

السواح ـ انتهيت من كتاب "الأنجيل برواية القرآن" و كتاب "القصص القرآني والمتوازيات التوراتية" وكذلك كتاب "من إيل الى الله".

 

ـ لماذا انت مقل في المقابلات الأعلامية، ولماذا وافقت على مقابلتنا؟

السواح ـ في الحقيقة ليس لدي الوقت الكثير للمقابلات، فنادراً ماتأتيك مقابلة محرضة، كما اني مقل في الكلام ولا احب الكلام الكثير. حضوركم استثارني. ان ارى مندائيين في سوريا ولديكم جمعية في سوريا لم يكن بالحسبان، والحقيقة استغربت فانكم تشبهون السوريين، وجوهكم سورية. انا لم اتعمق في دراستي للمندائية لأنه تعوزني المصادر، ولهذا سأحاول ان اعمل برنامجاً تلفزيونياً عنكم لاطلاع الرأي العام عن طائفتكم وعلى طقوسكم المندائية.

 

ـ نحن مسرورون بلقائك ونعتبرها فرصة جميلة جدا?

السواح ـ انا محظوظ بلقاء المندائيين، فقد اثرتم خيالي منذ بضعة عقود ولم اتوقع بحياتي ان التقي بالمندائيين. واعتقد بأن المندائية تيار من التيارات الدينية المهمة جداً والتي حفظت لنا كل روحانية الشرق، انا سعيد جداً بلقائكم.

س ـ نطمح ان تخصصوا جزءاً من بحوثكم للمندائية في دراساتك م المستقبلية ونأمل في لقاء قريب آخر. 

السواح ـ انا سعيد جداً بلقائكم.

 

وتم تقديم كتاب المندائيين المقدس "الكنزا ربا" هدية من الجمعية المندائية في سوريا التي تقبلها بسرور بالغ وعلق بأن هذا اللقاء والتعريف بالمندائية كان يجب ان يتم قبل هذا التاريخ باعتبار ان الأرث المندائي ثروة معرفية كبيرة. 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014