• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013

الديانة المندائية بين التشدد .... والاعتدال.... والتساهل

  د. كارم ورد عنبر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

هناك قول في السياسة مفاده " ان أقصى اليمين يلتقي مع أقصى اليسار" ، وفي التربية يقال بأن القسوة الزائدة مع الأشخاص كبارا كانوا أم صغارا مثلها مثل التساهل والتدليل الزائد ، فكلاهما يؤديان الى نتائج سلبية، وهناك قول للامام علي ابن أبي طالب هو " لاتكن صلبا فتكسر ولا لينا فتعصر" . ولا يخفى على القاريء الكريم وجود أقوال وأمثال كثيرة في هذا السياق، كقولنا ان أفضل طريقة للامساك بالعصى من الوسط ، الا أذا أردت أن تضرب بها بقوة لتوجع المقابل فينبغي أن تمسكها عندئذ من أحد طرفيها ، عليك حينها توخي الحذر، فانها يمكن أن تنتزع منك بسهولة بحركة ذكية من المقابل ، ومثل آخر يقول " اذا اردت أن تطاع فأمر بما هو مستطاع " ، وما المثل الشعبي القائل " كل شي يزيد عن حده ينقلب ضده" الا تجسيد حي لما أود قوله في هذه المقالة .ويمكن توضيح ذلك بالتجربة الآتية :ـ خذ حفنة من الرمل الجاف بيدك على أن يكون وضع اليد وكأنك تحاول حفظ كمية من الماء فيها كي لايتسرب ، ستجد أنك تحتفظ بكمية كبيرة من ذلك الرمل مقارنة بما ستحصل عليه لو حاولت ضغط يدك عليه بقوة أو أرخيتها أكثر مما ينبغي لأن الرمل المتسرب سيكون كبيرا في حالتي الضغط أو الارتخاء . ان كل ما تقدم يؤكد على ضرورة الاعتدال في المواقف والقرارات، والموضوعية والواقعية في اصدار الأحكام ، وما ينطبق على أنشطة الحياة المتنوعة ينطبق على الدين كونه أحد الانشطة المهمة في الحياة .أني اذ أكتب كل ذلك كي أنبه أخواني المندائيين في أنحاء المعمورة ، وعلى رأسهم السادة رجال الدين الأفاضل ، بأن المندائيين في أستراليا قاب قوسين أو أدنى من مفترق طرق خطير، يمكن أن يؤدي ( اذا ما تداركنا الأمر ) الى انقسام مذهبي بين فريقين ، أحدهما متشدد والآخر يدعي الاعتدال . ان الفريق المتشدد ينعت الفريق الآخر بالتساهل الزائد مما سيؤدي الى انصهار الطائفة وضياعها ، كما ان الفريق الذي يدعي الاعتدال ينعت الفريق الآخر بالتطرف ، مما سيؤدي بالمندائية والمندائيين الى نفس النتيجة المذكورة . ومن وجهة نظري ان كلا الفريقين محق. ان المندائيون في أستراليا متخوفون ، أي الاتجاهين يسلكون ، وهم يعلمون بقرارة أنفسهم بأنهم ومندائيتهم سيتمزقون بين هذين الاتجاهين ، لكني أبتهل الى الحي العظيم أن تكون مخاوفنا هذه في غير محلها .لقد وضع المجلس الأعلى للطائفة في أستراليا في بداية تشكيله هدفا عاما تندرج تحته أهداف عديدة في مجالات الحياة المندائية المتنوعة لتحقيق ذلك الهدف العام وهو " المحافظة على المندائية والمندائيين من خطر الزوال أو الانصهار كي تبقى رافدا حيويا من روافد التراث والفكر الانساني " . ومن خلال التمعن في هذا الهدف ، نجد انه يركز من جهة على المندائية كديانة لها طقوسها ومبادئها الدينية استنادا للكتب المندائية المقدسة ، وعلى المندائيين وهم أتباع هذه الديانة من جهةأخرى . أن حكمة رجال الدين وعلى رأسهم القيادة الدينية ، تتجلى في كيفية تحقيق الموازنة السليمة بينهما ، لايصال المندائية والمندائيين الى بر الأمان دون المساس بجوهر الدين . ان العلاقة بين المندائية والمندائيين هي علاقة جذب وتجاذب وهي من القوة بحيث بقيت صامدة آلاف السنين فلا مندائية بدون مندائيين ، ولا مندائيين بدون مندائية ، فاذا تحولت المندائية الى مجرد طقوس متشددة متطرفة ، فانها لن تجد بعد عقد أو عقدين من الزمان آذانا صاغية من قبل الغالبية العظمى من المندائيين مما سيؤدي الى عزوفهم عنها ، وبذلك سنفقد الاثنان معا سواء شئنا أم أبينا . وبالمقابل فاننا سنصل لنفس النتيجة في حالة التساهل الذي يمس جوهر الدين .لقد أدرك نبينا يهيا يهانة ( مبروك اسمه ) هذه الحقيقة منذ أكثر من ألفي سنة ، فأجرى تغييرات دينية تتناسب والتطورات التي حصلت في الفترة التي عايشها ، ومع ذلك فان ديانتنا بقيت صامدة لحد يومنا هذا، لأنه لم يمس جوهر الدين مستخدما عبقريته وحكمته لابقاء المندائيين ملتفين حول ديانتهم . وتقع على رجال ديننا الأفاضل مسؤولية جسيمة في استمرار حمل الراية المندائية أبد الآبدين ، وما عليهم الا الاقتداء بسيرة نبينا مبروك اسمه ، فيخفف المتشددون من تشددهم في أمور لا قيمة جوهرية للديانة فيها ، ويتمسك المعتدلون بجوهر الدين . ان ذلك لا يتم الا بالحوار المتواصل بينهم والمبني على المحبة والأخوة المندائية التي أوصتهم تعاليمنا الدينية بها ، وما سيتفقون عليه سوية هو المطلب الأساس للمندائيين ، واني متأكد بأنهم أي المندائيين سيحترمون ارادتهم هذه طالما هنالك اتفاق بينهم ، ومع ايماني بأنها عملية ليست باليسيرة ، لكنها ليست مستحيلة بأي حال من الأحوال ، كما اني على يقين من انهم سيجتازون هــذه المحنة .ان مخاوف المتشددين تتركز حول نقطة أساسية مفادها من وجهة نظرهم ، انهم اذا تساهلوا في مسألة معينة ، فانهم سيتساهلون في مسألة أخرى ، وتساهل يجر تساهل مما سيؤدي بالتالي الى ضياع الديانة ، وكما قلت قبل قليل فان تبديد مثل هذه المخاوف ليس بالعملية السهله ، والحوار بين رجال الدين على صعيد البلد الذي يعيشون به أو على صعيد العالم ، من شأنه تحديد المسائل الدينية الجوهرية التي تمثل خطوط حمراء لايمكن تجاوزها ، والمسائل الأخرى التي يمكن غض الطرف عنها فتمثل طقوس أو اجراءات دينية مستحبة وليست اجبارية . حيث يمكن للمتشدد الالتزام بهل شريطة عدم الزام المعتدل بممارستها ، على أن لا يؤدي ذلك الى تنزيله دينيا، وبالتالي امتناع المتشدد من اجراء الطقوس مع المعتدل جنبا الى جنب بحجة نزوله دينيا لكونه لم يمارس تلك الطقوس المستحبة .ومما ينبغي اثارته حول اتباع الاتجاه المتشدد ، هو عدم جواز الكيل بمكيالين من منطلق ( حرام عليكم حلال علينا ) ، أو من منطلق ( اتريدها أكبار أتريدها أصغار ) ، فلا يجتمع صيف وشتاء على سطح واحد . ومن الأمور الأكثر أهمية الابتعاد عن استخدام المعايير المزدوجة في التعامل ، لأنها ستؤدي الى أن يفقد المتشدد مصداقيته ، كما انه سيفقد المدافعين عن تشدده شيئا فشيئا ، الى أن يجد نفسه وحيدا ، وقد يبقى معه في أحسن الأحوال بعض من يؤمنون بالمبدأ العشائري المعروف ( أنصر أخاك ظالما أم مظلوما ) ، وكل ذلك سيحصل لأن الأرضية التي كان المدافعون ينطلقون منها للدفاع عن آراء المتشدد أصبحت هشة ، وسيخسر الجميع مبادئهم بعد أن الحقت بالمندائية والمندائيين أضرار فادحة لا يمكن اصلاحها وعلى جميع المستويات ، وفي وقت لا ينفع فيه الندم .وأخيرا وقبل أن أنهي وجهة نظري هذه ، أود أن أقطع الطريق على أي من أخواني المندائيين ممن يحاولون اقتطاع جزء من مقالتي هذه فيبني عليه قصة من نسج خياله الخصب بغرض التشهير واظهار المقالة ككل بمظهر سلبي ، حيث لا يكاد يسلم من يطرح رأيه على هذا المنبر في أيامنا هذه من التجريح الا بشق الأنفس . وها أنا أقولها بملأ فمي أنا مع العتدال ولست مع التطرف ، وان الهاجس الذي يؤرقني هو سعيي لوحدة المندائيين ضد فرقتهم ، واني مع ديمومة المندائية الى أبد الآبدين ولست مع أزهاق روحها . هذا هو جوهر مقالتي ، فأقرأوا ما بين السطور بهدوء رجاءا، ولا تقرأوا بسطحية وانفعال ، ومن له رأي آخر فهو أمام خيارين ليس لهما ثالث ، فأما أن يدلي بدلوه دون الاشارة لمقالتي بصيغة RE……. أو بمراسلتي على بريدي الألكتروني المذكور أعلاه وشكرا .تقبل الحي الأزلي العظيم منا ومنكم العمل الصالح لرفعة أسم المندائية والمندائيين

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014