• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013

الثقافـة والتعصـب ولغـة العصـر

  فائز الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

أذا رأيتم حكيما" صادقا" فتقربوا إليه وخذوا من حكمته ، وإن رأيتم حكيما" شريرا" فأبتعدوا عنه ما استطعتم ان حكماء الشر من أتباع الشيطان .

الكتاب المقدس ( الكنزا ربا )

 

تتعرض الطائفة المندائية ومنذ عقود طويلة الى أبشع انواع الأضطهاد الديني والأجتماعي ، وتجسد هذا الأضطهاد خاصة بعد الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، ووصول الأحزاب الدينية والقومية والطائفية المتخلفة للسلطة وفقدان الأمن وأنعدمت كليا" سلطة الدولة والقانون . واصبح المندائيون مجبرين وسط العنف الطائفي في عراق اليوم الذي تطحنه الصراعات القومية والطائفية والدينية ، ووصل الأمر الى تعرض الطائفة الى حالة الأبادة الجماعية حسب تعريف الأمم المتحدة حيث القتل والخطف والتهجير والأغتصاب والأجبار على تغيير الدين مما أدى الى هجرة الآلاف منهم الى دول الجوار أو ما تسمى دول الأنتظار وهم يعيشون في ظروف قاسية حيث العوز والمرض وسوء التغذية وأنعدام فرص التعليم وفقدان أبسط مقومات العيش السليم وهم ينتظرون ما تقدمه لهم المنظمات الدولية من مساعدات وما يجود عليهم ابناء جلدتهم من دولارات بسيطة مخجلة ، وأما من بقي في الوطن لظروف قاهرة خارجة عن أرادته فهو يعيش أيامه وساعاته بصبر وخوف ورعب وتهديد دائم . أما العوائل التي حالفها الحظ بالأستقرار النسبي فقد توزع أبنائها على بلدان لجوء عديدة ومن الصعوبة جمعهم ثانية وهذه هي معاناة أضافية للعائلة المندائية خاصة وللطائفة عموما" .

وبجهود ابناء الطائفة الحريصين على وحدتها وديمومتها أنشأت صفحة الياهو المندائية منذ سنوات عدة واصبحت اليوم وسيلة للتخاطب وطرح الأفكار وعرض وجهات النظر في قضايا الساعة التي تحتاج الى حلول من قبل ابناء الطائفة لغرض النهوض بواقع المندائيين المـأساوي الحالي أضافة الى سرعة أتصال العوائل الموزعة بدول الشتات . وقد قامت الشبكة والمشرفين عليها بجهود كبيرة لطرح مواضيع جادة وهامة للنهوض بالطائفة ، وبعد نقاشات طويلة وملاحظات عديدة ساهم بها الكثيرون من المثقفين المندائيين ورجال الدين بدأ التحضير لها لغرض أنجازها خلال الفترة اللاحقة ومنها على سبيل المثال لا الحصر المبادرات التي طرحت لتشكيل المجلس الروحاني الأعلى أو ما يسميه البعض بالمرجعية الدينية .... هذا من جانب .

ومن جانب آخر ليس كل ما يطرح من أفكار ومواضيع من قبل بعض الأخوة على الشبكة يمكن تحقيقها وذلك بحسب الظروف القاسية والمعقدة التي تمر بها الطائفة ، وبدلا" من مناقشة ما يطرح من هذة الآراء والأفكار بروح عالية من الشفافية وأحترام الرأي الآخر للوصول الى قواسم مشتركة يطالعنا بعض الأخوة مع الأسف بالتهم الجاهزة للمبادرين بها مستعملين مفردات لغوية مرفوضه من الجميع .

وقد تحدثنا في موضوعنا السابق عن ( الثقافة ما بين الحوار والتكفير ) ، واليوم بودنا الكتابة عن الأسلوب الذي يتعامل به بعض الأخوة المندائيين في رسائلهم عبر شبكة الياهو المندائية مع أخوتهم الذين يملكون آراء وأفكار تختلف عن أفكارهم وآرائهم ويتبعون في رسائلهم لغة التعصب والتهديد والأقصاء وعدم أحترام الرأي الآخر . ... ومن خلال متابعتنا للشبكة التي تجاوز عدد أعضائها السبعمائة مشترك وتصلها عشرات الرسائل يوميا" نقرأ رسائل من البعض وبغض النظر عن ما يحملونه من ألقاب علمية أو اختصاصات مختلفة تحمل روح التعصب والتشنج وقمع الرأي الآخر وكأنهم في موقع سلطوي يبرر لهم ما يكتبون .... 

أن هذا الأسلوب في الكتابة والذي يحمل في طياته طابع الخشونه في مفرداته والبعيد عن اسلوب الحوار المتحضر الناضج يدل بالتأكيد على المستوى الثقافي للكاتب وضعف قدرته على أتباع الأساليب المتحضرة في طرح الآراء التي يحملها ولربما بعدم معرفته بمفردات اللغة العربية بشكل كامل والا لكان أختار الكلمات المناسبة الهادئة في رسائله ، ومع الأسف لا زال بعض الأخوة لا يجيدون الا هذا الأسلوب العقيم الذي مارسه الكثيرون من المندائيين بشكل خاطئ ولسنوات طويلة ، ومن هذه المفردات المستعملة والتي بقيت في الذاكرة ( زنديق ، كافر ، ملحد ، نحذر ، سبق وحذرنا ، هذا تحذير نرسله له ولاخر مرة ، لا نسمح مطلقا" ، قلناها مرارا" ونقولها حاليا" ، نرفض بشدة وأخيرا" أستعمال لغة الأمر مثل ...الى كافة المندائيين ) وغيرها من الكلمات والعبارات المرفوضة والتي من المفترض قد تم تجاوزها منذ زمن ونحن نخاطب مجموعة كبيرة من قراء شبكة الياهو من المندائيين الذين يملكون قدرا" كبيرا" من الثقافة والعلم والخبرة ولهم آرائهم الفكرية ومعتقداهم السياسية والثقافية الخاصة بهم وليس طلبة في المرحلة الأبتدائية كما يتصور البعض . والغريب ان يكون هناك مَن يملك الشجاعة ويبعث رسائله الى القراء بتعصب ويكلمات مرفوضة وينتقد لمجرد النقد ويهاجم بدون سبب ، ومن ثم يحاول أن يقدم النصح والأرشاد والتوجيه ، ولكنه في الوقت نفسه لا يملك الشجاعة الأدبية والمقدرة لكي يسمع أو يتقبل الرأي الآخر أو الصوت المخالف .!؟

إن الأساءة لللآخرين والانتقاص من قيمهم وافكارهم لأسباب مختلفة هو الأسلوب المفضّل هذه الأيام لدى المتعصبين والذين وصل بهم تعصبهم الديني والفكري حد الجهالة ، لا يستطيعون أن يروا في هذا العالم المختلف سوى أنفسهم وأفكارهم ، ويحملون لمن يخالفهم في الرأي التهم الجاهـزة بمعاداة الدين والعداء للطائفة .

وهنا نتسائل هل بيننا نحن المندائيين ، الناس البسطاء ، الطيبين ، المسامحين والمسالمين أشخاص متعصبين لأفكارهم ويرفضون الحوار وقبول الأخر . وهل يمكن اعتبارهؤلاء من المثقفين ام المتعلمين الذين يدعون الثقافة ؟ ؟ 

وقبل ان نتطرق الى تفاصيل الموضوع لا بد من معرفة ماهي الثقافة و ماذا نعني بالمثقف ؟ وماذا نعني بالمتعلم ؟ وماذا نعني بالتعصب الفكري والتسامح ؟ 

ماذا نعني بالثقافة ؟ ... بالتأكيد هناك العديد من التعاريف التي تطرقت الى الثقافة ، وهي تختلف وحسب العلماء والفلاسفة والمثقفين وأختلاف وجهات نظرهم في تعريف الثقافة فقد توصل العلماء الى تعريف شامل ويحمل جميع الأراء وهي ... ( الثقافة هي عبارة عن مقاييس أخلاقية ونظرة عامة الى كل جوانب الحياة الروحية والمادية تؤثر على السلوك والعادات وتهدف الى رفع مستوى الإنسان الى الأحسن والأفضل وتتناقل من جيل الى آخر عن طريق اللغة والمحاكاة ويعتبر المثقف هو المرآة التي تعكس هذه النشاطات الثقافية ) . وتعتبر الثقافة تراكم لنشاطات الأنسان لقرون طويلة بأعتبارها نشاطات مكتسبة من المجتمع ، وبما إنها أي ( الثقافة ) نشاط إنساني فهي تنتقل من جيل لآخرعبر التأريخ ، ومن مجتمع لآخر من خلال اللغات والعادات والتقاليـد والقوانين والأعراف والموروث الأحتماعي . وبما انها تمر بمراحل مختلفة وحسب كل مجتمع فهي قابلة أذن للتعديل والتغير واضافة مفاهيم جديدة لها من جيل لآخر .

وهنا لابد ان نعرف ما هو المثقف ؟ هناك من يعريف المثقف ، ( بأنه الذي يمتلك قـدراً من الوعي والثقافـة والإطـلاع على الأشكال المتعـددة للثقافة ) ، وهذا الأمر يتطلب من قبل المثقف عملا" وجهدا" مضاعفا" متواصلاً لحركة التطور لأنواع الثقافـة المتعددة في العالم . ومن يتخلف عن هذه المتابعة ، لايمكنه التواصل مع حركة التطور الثقافي وبالتالي فأنه سيتخلى من ذاته عن صفة المثقف .

ومن التعريفين السابقين للثقافة والمثقف يمكننا ان ندرك ان للمندائيين مثقفيهم التي تتوفر فيهم كل الصفات المطلوبة ولهم ثقافتهم الخاصة التي اكتسبوها من تراثهم ولقرون عديدة . وهنا نستنتج ان ما يكتبه البعض لغرض الأساءة غير صادر بالتأكيد من مثقفين مندائيين .

أمأ المتعلم ... هو الشخص الذي يملك قدرة وذكاء تتيح له حفظ المعلومات التي تعلمها من المعاهد التعليمية والجامعات ويوظفها في خدمة مصالحه ومصالح المجتمع ، وعادة ما يكون المتعلم غير مبدع لأنه يضيع في جزئيات العلوم التي يأخذها بالحفظ والتلقين . أذن فالمتعلم هو ذلك الشخص الذي يحمل شهادةً معينة مهما كان مستواها ويكون على الأغلب هدفه من العلم والمعرفة هو تحصيل الشهادات والعمل بها لخدمة الوطن. والطائفة المندائية تملك اعداد غزيرة من المتعلمين يحملون شهادات عليا وجامعية تفتخر بهم الطائفة في تأريخها المعاصر لما قدموه من خدمة كبيرة ساهمت في بناء العراق منذ عقود طويلة . ولكن يواجهنا السؤال هل يعتبر المتعلم مثقفا" .

وهنا يمكننا القول ( ان كل مثقف هو متعلم ولكن ليس كل متعلم هو مثقف ) . فهناك مع الأسف العديد من المتعلمين المندائيين يعتبرون أنفسهم ( مثقفين ) وهم بعيدون كل البعد عن الثقافة ، وهم غير قادرين على كتابة عدة سطور متسلسلة متوازنة ومفيدة لتبيان ما يحملونه من أفكار . ولكي يمكننا ان نسمي هذا المتعلم ( مثقفا" ) يجب ان يملك قدرا" معقولا" من التعليم والمعرفة يؤهله للتواصل مع مسيرة العلم والثقافة ، وأن يكون متمكنا" في اختصاصه وله معرفة بباقي التخصصات . ولا يؤمن بالخرافات والتطرف والتعصب بأنواعه . و يؤمن بأسلوب النقاش والحوار الديمقراطي وعدم فرض آرائه بشكل تعسفي على من يحاورهم . أن يكون متزنا" ، متواضعا" ، عفيف اللسان ، مراعيا" لمعايير الأخلاق العامة والذوق العام ، والأخلاق السائدة في الأوساط الثقافية .... ومما سبق هل هذه الصفات متوفرة في كل متعلم يحمل شهادة ما ، بالتأكيد لا !!!!!

أما التعصب ونعني به بالأنكليزية Chauvinism ( أنه شعور داخلي يجعل الأنسان المتعصب Chauvinist يرى نفسه على حق ويرى الأخر باطل ويظهر هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف متزمته ينطوي عليها أحتقار الآخر وعدم الأعتراف بحقوقه وانسانيته ) .

والتعصب هو سلوك عقلي وأخلاقي مرفوض في المجتمعات المتحضرة وهو تعبير عن شعور بالضعف وعدم الثقة بالذات ‏.، فالإنسان المؤمن حقيقة بما يعتقد فيه والواثق من قدرته علي الدفاع عن معتقداته لا يحتاج إلي ممارسة أساليب التشنج اللفظي أو الإثارة الفكرية بل يعرض لها ويدافع عنها بالمنطق والحجة والدليل ‏.‏ والسلوك العدواني الذي يمارسه المتعصبين تكشف عن ضعف داخلي وشعور بعدم القدرة علي الدفاع عن الأفكار التي يعتقدون يها ‏.‏ مما يؤدي بهم الى استعمال الضجيج والعويل والتشنج لأخفاء ضعف الأفكار التي يحملونها وسبل الدفاع عنها . ‏.

ومع الأسف نلاحظ ان نسبة ظاهرة التعصب بين المندائيين أصبحت عالية مقارنة بعدد نفوس الطائفة القليل وهو بالتأكيد ليس من تراث الطائفة بل جاء من مخلفات المجتمع العربي والأسلامي المتعصب والمتخلف الذي عاش به المندائيون لقرون عديدة . والتعصب هي ظاهرة ليست بالجديدة ويرتبط بها العديد من المفاهيم كالتمييز العنصري والديني و الطائفي والحروب والصراعات التاريخية التي مرت بها البشرية ، وما زالت آثار هذه الظاهرة تتجدد باستمرار في عصرنا الحالي وتشكل آفة تدمر المجتمعات والشعوب . وهذا ما نشاهده في الكثير من الصراعات الدولية في عالم اليوم تعود اسبابها الى التعصب القومي والديني والطائفي والقبلي حيث تتميز الشخصية المتعصبة المسببة لهذه الألام بالتسلط والجمود في التفكير وعدم تقبل الحوار مع الآخرين واللجوء الى العنف لتحقيق الغايات التي يؤمنون بها ، وما يحدث من قتل وتدمير في العراق ولبنان وباكستان والسودان ويوغسلافيا السابقة وافريقيا ودول عديدة أخرى اكبر دليل على ذلك

 وقد ادرك المجتمع الدولي تأثير التعصب على ما يحدث في العالم من صراعات مأساوية ومخاطره المستقبلية لذلك أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني عام 1981م إعلان خاص بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد ..

 وبسبب الظروف الصعبة التي نمر بها نحن المندائيون يتوجب علينا ان نتحرر من التعصب والفهم السليم للتعاليم الدينية والمرتبطة بالأفكار المتنورة والثقافة الحرة والتعايش والتسامح مع الآخرين وتقبل الحوار مع الرأي الآخر والتمسك بمبادئ الديمقراطية وقيمها وبحقوق الأنسان التي تضمنها المعاهدات والمواثيق الدولية جميعها في حرية الرأي والمبدأ والعقيدة وأحترام الآخر. وان يتحلى الجميع بروحية التسامح ونسيان الخلافات ، التسامح بمعناه الديني والاجتماعي والفكري ، فالتسامح يعني البساطة والشفافية في تناول الامور ، ومن يفقد التسامح سيفقد إنسانيته ، وسينحاز للتعصب والجهل والعنف .

ان عدم تحقيق التسامح يؤدي الى كوارث أنسانية ، وهذا واقع لمسته شعوب كثيرة خاضت تجارب مرة ودخلت في معارك دمرت بلدانها ، وبقيت لغة الدم وسيلة للحوار والتفاهم ، وهنا يمكننا ان نذكر هذه السطور ما نص عليه ميثاق الامم المتحدة في ديباجته المتعلقة بالتسامح .... ( لقد آلينا على انفسنا ان ننقذ الاجيال المقبلة من ويلات الحروب.. وان نؤكد من جديد ايماننا بالحقوق الاساسية للانسان وكرامة الفرد وقدره، وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا ان نأخذ انفسنا بالتسامح وان نعيش معا" في سلام وحسن جوار ) .

وأخيرا" وبعد كل ما ذكر فلتبقى شبكة الياهو المندائية صفحة للمحبة والحوار والتسامح والتصالح ولتبادل الأراء الحرة وأحترام الرأي والرأي الآخر بعيدا" عن التشنج والقمع والتعصب وبأشكاله المختلفة ، ولتقريب المسافات بين المندائيين الموزعين في دول الشتات ولسماع اخبار بعضهم البعض ولنأكد الشعار ان المندائيين عائلة واحدة .

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014