• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013

مابين الأجداد والأحفاد

  راهبه الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 عندما استكملت بريطانيا احتلال العراق بين عامي 1914_1918 أعلنت على لسان الجنرال مود أنها جاءت محررة لا فاتحة, وكان العراق في تلك الفترة يعاني من مظاهر التخلف في مختلف مناحي الحياة, حتى أن الانكليز أنفسهم قد فوجئوا أن بغداد التي هي عاصمة الخلافة الاسلامية وصاحبة التاريخ العريق بمثابة قرية كبيرة (كما وصفوها)هم أنفسهم, والسبب كما هو معروف أن الاحتلال العثماني لم يقدم شيئا للشعب العراقي, بل كان همه جمع الضرائب وتجنيد العراقيين للخدمة في الجيش العثماني, وأدى ذلك الى حدوث شرخ كبير في العلاقة مابين الشعب والسلطات الحاكمة آنذاك, وعلى هذا الاساس استبشر العراقيون بما هو جديد !!!!

ولم يواجه الانكليز مقاومة عند دخولهم العراق إلا من الجيش العثماني, وبعد انكسار الجيش العثماني في معركة سلمان باك, انفتحت الأبواب أمام الانكليزلدخول بغداد في 11_3_1917, ولم يكن في بغداد شوارعاً غير شارع الرشيد والذي كان يسمى ( جادة خليل باشا)نسبة الى اسم الوالي آنذاك, فاستعرض الانكليز جيشهم في الشارع المذكور.

وبعد مرور ثلاث سنوات على الوجود البريطاني, لم يلاحظ العراقيون أي تغيير على أوضاعهم, فبدأت بذور التذمر والتمرد ضد الانكليز, وكانت الثورة تنتظر الشرارة الاولى ضد الاحتلال, وكان اعتقال الشيخ شعلان أبو الجون في الرميثة بمثابة هذه الشرارة, فقد قام عدد من أبناء عشيرته بالدخول الى مخفر الرميثة وقتلوا عدداً من الحرس وأطلقوا سراح الشيخ شعلان, وعمت الثورة منطقة الفرات الأوسط بعد حزيران 1920.

وفي خان ضاري كان المشهد الاخر من الثورة, حيث حدثت مشادة بين المرحوم الشيخ ضاري والضابط الانكليزي (لجمن) حيث قام الشيخ ضاري بقتل الضابط الانكليزي المذكور, وامتدت الثورة الى غرب وشمال العراق.

في تلك الفترة انتشرت المقاومة المسلحة كالنار في الهشيم الى كل أرجاء العراق, وحملت الهوية العراقية بكل معنى الكلمة, إذ لم تجير تلك الثورة الى طائفة أو فئة سياسية, بل كانت ثورة وطنية طالبت بالحرية للعراق ولبناء دولة عراقية مستقلة.

ولو درسنا ظروف العراق في تلك الفترة لوجدنا أن التخلف والفقر قد كان في أعلى درجاته, ومع ذلك كان الوعي الوطني هو القاسم المشترك الأعظم بين كل العراقيين, وكانت المقاومة من البصرة والرارنجية والرميثة والنجف الأشرف الى الفلوجة والرمادي والموصل وتلعفر, ومع أن تلك الثورة كانت قد أخمدت, إلا أن نتائجها كانت واضحة, حيث تم اختيار الملك فيصل الأول ملكاً للعراق في آب 1921, وبدأ العراقيون يقطفون ثمار ثورتهم, وخلال سنوات قليلة أصبح العراق دولة مستقلة وعضو في عصبة الأمم (عام 1932).

هذا ماقدمه الأجداد لأحفادهم, ولم يرفعوا اي شعار طائفي, ولم نسمع أن العراقيون قتلوا بعضهم بعضاً, ولم نسمع أن رؤوساً قطعت, أو أن جثثاً عراقية طفت في نهر دجلة أو الفرات.

أما اليوم وبلادنا تمر في أسوأ حال في عصرها الحديث, نقول للأحفاد:أين دوركم التاريخي؟؟

ان الأحداث التي تجري الان في العراق ليست تاريخاً إنما حاضراً....وهل يعقل أن تكون مستقبلاً؟

ان عراقنا الذي بناه الأجداد لايحق للأحفاد تفكيكه, لأن التاريخ سيسجل على هذا الجيل مايفعله, اذ أن مكونات الشعب العراقي لم تتغير, ولكن الذي تغير هو الأجندات الاجنبية التي دست أنفها في الشأن العراقي, ومزقت وحدته الوطنية.

انها دعوة مخلصة للنخب السياسية لوضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح للحفاظ على وحدة شعبنا لنكون خير خلف لخير سلف.

ولو رجعنا لتاريخ العراق السياسي منذ تأسيس الدولة العراقية, لوجدنا أن كل التنظيمات السياسية والأحزاب والجمعيات قد تأسست على أساس سياسي وطني, حيث لايسمع بالنشاط السياسي للأحزاب والجمعيات الطائفية.

ليس هذا دفاعاً عن العهد الملكي, ولكن الحقائق يجب أن تقال, ومع ذلك, نجد أن التجربة قد نجحت, وإن شابها الكثير من الخروقات التي قامت بها بعض الحكومات آنذاك, مثل حكومة نوري السعيد التي خرقت الدستور في فترات عديدة وعرضت الكثير من الحركات السياسية الوطنية الى المطاردة والاعتقال, وكانت هذه الخروقات أحد أسباب سقوط النظام الملكي في 14 تموز 1958.

ان سياسة التهميش والاستئثار بالسلطة لم تحقق للعراق شيئاً,بل ان المطلوب أن يكون لكل مواطن صوت مهما اختلف مع الاخرين بشرط واحد هو نبذ العنف, وهو الطريق السليم لبناء دولة عراقية حديثة تستفيد, وتفيد كل ابنائها بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو الانتماء القومي, ولكل مواطن حقوقه على أن لايتجاوز حقوق الاخرين.

وأخيراً فان على الأحفاد أن يفكروا بشكل سليم بمصلحة ومستقبل العراق, اذ ليس من المعقول أن أجدادنا اتفقوا على بناء دولة العراق في أوائل القرن العشرين, ويقوم الأحفاد في القرن الواحد والعشرين بتهديمها.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014