• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013

أحداث ورجال -الجزء الثاني

  عبد الإله سباهي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كان المرحوم الشيخ الجليل الكنزفرا الشيخ عبد الله الشيخ سام قد توفاه الله في شباط عام 1981  فأصبحت بعده مدينة بغداد شبه خالية من رجل دين قادر على تمشية شؤون الطائفة ، حيث التجمع الأهم للمندائيين .  لذا قرر رجالات الطائفة باستقدام الترميذة الشيخ عبد الله الشيخ نجم من البصرة كونه كان رجل متفتح الذهن كما يشاع عنه.

وبعد أن استقر الشيخ عبد الله الشيخ نجم في بغداد وسكن في محلة السيدية مارس نشاطه في قيادة مسيرة الطائفة بهمة الشباب مبتدأ بتسجيل قطعة الأرض الملحقة  بالمندي كسكن لرئيس الطائفة باسمه كونه هو رئيس الطائفة . وكانت ثقة نعيم بدوي المطلقة بالناس وترفعه الفطري عن الماديات هو من الأسباب التي أدت إلى تسجيل تلك الأرض باسم الشيخ الجديد . حدث ذلك في ديوان وزارة الأوقاف وكنت حاضر في تلك المقابلة.

كان قد تم استملاك مندي الدورة وأمهلت السلطة المندائيين فترة زمنية قليلة بغرض هدمه وعوضتهم عنه بمبالغ بسيطة لا تكفي لبناء مندي جديد . فتساعد حينها المندائيون في جمع المبالغ لإنشائه . 

بالنظر للظروف الجديدة والتطور الذي جرى في العراق في نهاية السبعينيات وأواسط الثمانينيات شعر المندائيون أنهم بحاجة إلى تنظيم رسمي ينظم شؤون الطائفة الدينية والدنيوية وإن كان هناك مجلس موجود فعليا قبل ذلك التأريخ  إلا إنه لم يكن مجاز رسميا. 

عندها تشكلت لجنة مصغرة تكفلت بوضع مسودة نظام للمجلس الروحاني الجديد تستحصل على ضوئه الموافقات الرسمية  ويكون مسؤول كذلك عن بناء المندي .

أتذكر من أعضاء تلك اللجنة المصغرة وكنت من ضمنها ، المرحوم غضبان الرومي ونعيم بدوي وعبد الرزاق عبد الواحد والشيخ عبد الله الشيخ نجم. 

هناك التقيت بنعيم بدوي عن قرب . وإن كنت أعرفه سابقا وعلى الأقل عندما كان مديرا لمطبعة "الرابطة " والتي كنت أشتغل فيها عاملا في بداية الخمسينيات .ولكن الجلوس معه حول طاولة عمل شيء آخر ، كان ذلك لأول مرة في بيت الراحل غضبان الرومي.

كانت أغلب جلسات تلك اللجنة تجري  في دار المرحوم غضبان الرومي  ( أبو يحيى ) في  محلة الصليخ  تلك الدار التي لا أعرف أين حل بها  الدهر اليوم ؟. وهل شجرة الحنة والياسمينة الشامخة التي زينت واجهة تلك الدار بزهرها الأبيض والذي جرحته الحمرة هاجرت أيضا مع من هاجر من أهل تلك الدار أم لا تزال تشهد مآسي بغداد اليوم ؟. 

في غرفة أبي يحيى ووسط مكتبته التي ضمت العديد من الكتب المندائية  وبين مسودات الكتب التي كان يقوم بكتابتها  ،في تلك الغرفة بالذات كانت تعقد الاجتماعات وتناقش الآراء ويكتب لأول مرة نظام للطائفة.

كان نعيم بدوي محور العمل في تلك اللجنة . ولكونه حسن النية ويرى الوجه المشرق فقط في كل عمل كما أسلفت خرج النظام الداخلي وهو يعتمد على صدق النوايا. مما اضطر الطائفة لاحقا بتشكيل مجالس تحد من فردية رئيسه وتسد الثغرات في ذلك النظام !. 

كلما أحاول حصر هذه السطور بشخص نعيم بدوي أرى أحداث تلك الفترة تجرني مرغما إليها. ولكن سأضع حدا لذلك وأعود لأبي رياض ولكن بعد برهة .

بعد أن بدأ المقاول بشق أساسات المندي الجديد تركت أنا بغداد في سفرة طويلة. 

وبعد عودتي إليها وجدت أن المقاول قد أجرى تبديلات جوهرية على تصميم القاعة الرئيسية للمندي مما أساء للتصميم بشكل  قاتل .وقد قام بذلك خلافا للمواصفات  بغرض تحقيق منافع ذاتية مستغلا غياب المشرف على العمل . وللأسف كان قد حصل على الموافقة الخطية من اللجنة المسؤولة في المجلس الروحاني ولا أعرف كيف تمكن من إقناعهم بذلك !.

زرع القاعة بأعمدة من الكونكريت بمسافة ثلاثة أمتار بين عمود وآخر وبذلك ألغى الفضاء الحر داخل القاعة وقضى على الواجهة الجميلة المميزة للمندي . مما اضطرنا لإعادة التصميم من جديد وإصلاح ما يمكن إصلاحه وقد قامت ابنتنا المندائية الرائعة ( المهندسة المعمارية ناديه مغامس ) بإعادة التصميم  ووضعت الشكل الجديد للمندي . كما قام المهندس المعماري المبدع  سعد عزيز سباهي بوضع اللمسات الفنية الأخيرة على التصميم . وهكذا أنجز المندي الذي تفتخرون به اليوم في بغداد في محلة القاسية .

كان تصرف المقاول لا يغتفر ولا يمكن إصلاحه لذلك فسخ العقد مع المقاول وترك العمل بعد أن تم تعويضه عن المواد والعمل الذي كان منجزا ولم نستطع عمل شيئا آخر وهكذا دفع المبلغ من تبرعات أبناء الطائفة.

وبسبب قلة المال قرر المجلس الروحاني تشكيل لجنة من بين أعضاءه لتنفيذ العمل أمانة بشكل مباشر ومن دون مقاول. 

تبرع للعمل معي في تلك اللجنة الأخ ناصر مهدي ( أبو حكيم ) ونعيم بدوي ( أبو رياض) وبذلك أصبحنا الثلاثة المكلفين ببناء المندي . 

عملنا لمدة ستة أشهر ولشحة غالبية مواد البناء والتي كانت تباع بالسوق السوداء في تلك الفترة ، كنا نحصل على بعضها بكتب تجهيز من وزارة الأوقاف .

أخذ أبو حكيم على عاتقه تجهيز الاسمنت  والطابوق حسب كتب الوزارة  فكان يتنقل بين الكوفة حيث معمل الأسمنت وبين معامل الطابوق.

تصوروا حتى الرمل والحصى  كان نادر الوجود في تلك الفترة . كنت أذهب إلى بيت أبي رياض القريب من المندي من الصباح الباكر لأجده  ينتظرني عند باب الدار  ولا أثر للنوم على جفونه  فأوصله إلى مفرق الدورة وأعود لساحة العمل لأشرف على العمال  . فينتظر هو هناك لوريات الحصى والرمل ليشتريها ويركب مع سواقها ويعود بها إلى المندي . كانت همته ونشاطه وتواضعه يثير الفخر والعجب وكأنه  شاب في العشرينيات من العمر.

ستجدون في كل مواد البناء التي جبل منها المندي جهودا لذلك الرجل الفذ. 

كانت لنعيم بدوي علاقات واسعة في داخل المجتمع العراقي. فحيثما كنا نذهب في مشاويرنا لشراء ما نحتاجه للبناء يجد له أصدقاء ومعارف. يستضيفونا ويخفضوا أسعار بضائعهم  ثم يجهزوننا  بأجودها.

أذكر هنا  ذهبنا لشركة ( تاجريان ) للبناء الجاهز لتجهزنا بالسقوف الجاهزة فوجدنا أن مدير الشركة صديق قديم لأبي رياض وبعد الترحيب الحار خفض لنا السعر 10%  بينما أسعار الشركة رسمية وتصرف وفق صلاحياته فوفر لنا  حوالي خمسة الآف دولار . 

لم يكن البناء يسير بسهولة، وكانت العقبات كبيرة أمامنا داخلية وخارجية ومثبطة للعزم أحيانا وكنا نصارع الزمن والظروف الصعبة التي سادت البلد في تلك الفترة لننجز المندي بأكمل وجه.

انتهى  بناء الهيكل الرئيسي للمندي بعد ستة أشهر بجهود تلك المجموعة الصغيرة وكان ذلك وقتا قياسيا  ووفرت تلك الطريقة مبالغ كبيرة للطائفة.

بقيت الأعمال  التكميلية ( التشطيب ) وأنجزت من قبل مقاول وتحت إشراف وزارة الأوقاف .  ثم أردنا ترك أثر مندائي في المندي ، فاقترح نعيم بدوي أن يكون رسم مندائي  يزين قاعته ، فطلبت من الصديق الفنان العراقي الموهوب الرسام  ماهود أحمد  أن يرسم لنا صور مندائية يقتبسها من كتبنا الدينية لنجسدها بسجاجيد تعلق  على الجدران ووجدت فرصة تنفيذها في مصلحة السجون في أبي غريب  فقام السجناء بنسجها. أما النقوش على باب المندي فهي من إبداع المهندس المعماري سعد عزيز. 

وهكذا كنت أرى نعيم بدوي يوميا في النهار. وفي الكثير من الأمسيات كان يزورنا في البيت وقد اعتاد هو على وجوده بيننا  أما نحن فكنا نرى وجوده بيننا متعة وحاجة وخاصة الأطفال فكانت بينهم وبين نعيم بدوي لغة مشتركة ، يسحرهم بأحاديثه الشيقة . يكتب لهم في مذكراتهم عبارات تشدهم للشعر ولحب اللغة العربية وكأنها غير تلك التي أحادثهم بها. حتى أنهم يحاولون تقليده .  قبل ثمانية عشر سنة  عندما كان عمر ابنتي الصغرى عشر سنين ، كتب لها أبو رياض في دفتر مذكراتها عدة أسطر ولا تزال ابنتي تحتفظ  بتلك الورقة هنا في الدانمرك إلى هذا اليوم كونها خطت بيد نعيم بدوي . 

نعيم بدوي كان رجل موسوعي ففي الأدب كانت أحاديثه متعة ما بعدها متعة. شامل المعرفة سهل الألفاظ يحفظ الكثير من الشعر النادر والذي لا تجده في دواوين الشعراء.  وهو ذاته كان شاعرا رقيقا لا أعرف لماذا لم ينشر شعره ؟ وهل بقى منه شيئا ؟.أم احترق مع باقي مخطوطاته التي أتت عليها النار عندما احترقت داره صدفة في محلة القادسية في بغداد؟  أو ربما  التهمها  التنور على عادة المندائيات عندما يلقى القبض على الرجال لأسباب سياسية وتداهم الشرطة بيوتهم ولم يسلم أبو رياض من مطاردات الشرطة ومداهماتها في كل العهود. 

كان نعيم بدوي شغوفا بترجمة الكتب الأدبية وخاصة كتب الأطفال فترجم العديد منها من اللغة الانكليزية والتي كان يجديها بتفوق ونشر العديد منها. 

شجعني أبو رياض على ترجمة بعض القصص العالمية للأطفال من اللغة الروسية   وساعدني في طبع ونشر  قصتين .

كاتبه المفضل ( انطوان جيخوف ) كاتب القصة القصيرة الروسي الأشهر. ومن الشعراء كان يحب بجانب المتنبي بشار ابن برد وابن الرومي وأبا نؤاس وكان يحفظ لهم ولغيرهم الكثير من الشعر النادر.

نعيم بدوي كان مهتما جدا  بالمندائية  ولكن ليس على طريقة ( إيمان العجائز) بل كان يبحث عن طرق علمية  تحفظها وتوصلها  للمندائيين القادمين بعدنا. 

قمنا مرة أنا وهو برحلة إلى الحبانية وكان الهدف الأساسي منها  أيضا ترجمة وإعداد كتابا لتعليم اللغة المندائية . ولهذا الكتاب قصة سأرويها  لكم  بعد قليل.

قضينا أيام سعيدة جدا في الحبانية . ففي الصباح كان ينكب على مسوداته يترجم ويكتب ويملي عليّ بعضها وبعد تناول الفطور نعود للكتاب من جديد وعندما كان يشعر بالتعب نجلس في ( الفرانده ) نلعب النرد ( الطاولي ) .

من الطريف أذكر أن أنه عندما كان يرمي الزهر ويأتي ( دو شش)  يصفق بيديه وتنبسط أساريره  فيتوقف عن اللعب ويوقد غليونه وبعد أن يأخذ نفسا عميقا منه يكتشف أن ال(دو شش) لا ينفعه فيزم شفتيه ويقنط  ثم ينشغل بفنجان القهوة . 

أذكر مرة زرت  فيها  أنا و أبو رياض والشيخ عبد الله الشيخ نجم دار الشيخ فوزي الشيخ غريب الطيب الذكر في داره في محلة الصالحية بعد أن علمنا  أن  بعض الكتب التي يمكن أن تخدم المندائية مودعة لديه . 

بالفعل وجدنا هناك كتاب لتعلم اللغة المندائية  مكتوب باللغة الانكليزية مع كتب أخرى أحدها  كان  مسودة  باللغة العربية لكتاب ( النياني ) قام  بترجمته  من  المندائية  للعربية  المرحوم  نجم عبد الله  (أبو سهيل ) " الله أعلم أين تلك المسودة اليوم ؟وهل نشرت ككتاب دون الإشارة إلى جهد ذلك المندائي الجليل " وقاموس مندائي وغيرها . 

أعطانا  الشيخ فوزي كل الكتب ولكن على مضض، ففرح أبو رياض بذلك كثيرا وخاصة بكتاب تعلم اللغة المندائية حيث صمم على ترجمته ووضع كتاب لأهلنا المندائيين يعلمهم لغتهم المندائية والتي كان يرى فيها نعيم بدوي الحافظ الأهم لمندائيتهم .

خرجنا من دار الشيخ فرحين بما وجدنا وبعد أن ركبنا ثلاثتنا سيارتي عائدين إلى المندي.  أصر الشيخ عبد الله على الاحتفاظ  بالكتب . وعجزنا حتى عن استعارتها منه رغم إلحاحنا الشديد . 

حزن أبو رياض لذلك جدا ولكنه لم  ييأس . رحنا نفتش عن نسخة من هذا كتاب اللغة وأخيرا ذهبنا نبحث عنه في مكتبة المتحف العراقي. وهناك يجد  أبو رياض أصدقاء له أيضا وراح يعاتبهم على عدم اهتمامهم بالمندائية كتراث على الأقل ،حتى أنه قال كما أذكر لمدير المتحف بأننا كمندائيين ( آثار تمشي على أقدامها و تعيش بينكم لماذا لا تهتمون بدراستها ؟ ) . المهم هناك عثرنا على الكتاب المنشود وعلى العديد من الكتب المندائية  الأخرى . 

صوروا لنا نسخة من كتاب اللغة وأخرى من كتاب دراشة يهيى على فلم.  ثم طبعنا الكتابين على ورق وهكذا أصبحت عندنا نسخ منها هي ملك لنا ، نستطيع التنقل بها  حيثما نشاء .

بعد دراسة أولية لكتاب تعلم اللغة وجد أبو رياض أن اللغة المندائية تشترك كثيرا مع قواعد اللغة العربية والتي يتقنها نعيم بدوي بتميز فتحمس لإنجاز الكتاب .

كان أبو رياض يشركني بكل تواضع في مشروع  وضع الكتاب المذكور . ربما كان يشجعني  ليشركني معه في حماسه ( على الواهس) ولكن الشيء المتأكد منه أن نعيم بدوي يكتب العربية بخط  رديْ من العسير قراءته وأحيانا يصعب عليه هو ذاته قراءة ما يكتب . 

انكب على العمل في ذلك الكتاب وبكل همة . سافرنا عدة مرات ليتفرغ لتلك المهمة وقد حدثتكم عن بعض تلك السفرات.

استمر العمل في الكتاب وكانت صفحاته تتكاثر وأحيانا لا أجد الوقت الكافي لطباعتها على الآلة الطابعة والتي كنت أحتفظ بها في بيتي في بغداد وهي من مخلفات مكتب المقاولات الذي تركته وعدت إلى مهنة أجدادنا الصياغة.

وصل الكتاب إلى مراحله الأخيرة وأصبح جاهزا لأن ينقح ويطبع .

سكن نعيم بدوي في محلة القادسية قريبا من المندي . وبعد أن تهدم بيتنا  في البيجية بقصف  صاروخي أثناء الحرب ، وجد لنا بيتا قريبا منه قضينا فيه ردحا من الزمن وكانت جيرته سلوى  لي ولزوجتي وأطفالي خفف من أثر الرعب الذي عشناه أثناء القصف فكلنا كان يحب أبا رياض بشكل استثنائي وكانت تربطهم به صداقة فريدة من نوعها وكأنهم أقران.

وقد ترجم نعيم بدوي كتب أخرى منها " آدم كسيه " آدم الخفي وحران كويثا ولا زلت أحتفظ بتلك المسودات .

لم أكن أعرف أن نعيم بدوي على دراية  بالكثير من أصول الطقوس المندائية .

ولكن في إحدى الزيارات أخذني معه إلى بعض المدن التي  يتواجد فيها المندائون مثل العمارة وقلعة صالح والبصرة .

ونحن في مندي العمارة حيث كان يجرى طقس زواج  ونصبت الأندرونة  والمراسيم على أشدها طلب أبو رياض من الشيخ الذي يقوم بتلك الطقوس أن يختلي بنا لبضعة دقائق وعندما  اختلى  بالشيخ وجدته يستفسر منه عن :( كيف يجوز له وهو الترميذا القيام بطقس الزواج في أيام البنجة  ونحن كنا في يومها الثالث على ما أذكر) ؟ تلعثم الشيخ وجاء بأعذار واهية وتركه وسافرنا إلى قلعة صالح.

كان نعيم بدوي يثابر على زيارة  أماكن تواجد مقرات الأديان الأخرى من باب التعرف على حقيقة عباداتهم ومحاولا نشر ثقافة التعايش الإنساني بين مختلف الأديان شارحا لهم في الوقت ذاته المندائية .

أذكر منها سفرة للإخوة اليزيدين  في" تل بنات" وهي قرية صغيرة تبعد بضعة أميال عن مدينة  تلعفر ثم إلى الشيخان ومعبد الشيخ عدي ابن مسافر. 

كانت لنا سفرة أخرى إلى إحدى الكنائس القديمة في مدينة دهوك ، ليلتقي براعيها ويسأله عن العديد من المسائل . أذكر منها   ( عندما عمد السيد المسيح في نهر الأردن ماذا تلا عليه النبي يحيى من صيغة وما هي الكلمات التي نطق بها أثناء تعميده ؟. ثم شرح  كيف أن التعميد عندنا في المندائية هو طقس يجب أن يقام لتتم به مندائية الفرد )؟.

وكل تلك السفرات التي كنت أرافقه فيها كانت بالنسبة لي دروسا  في تعلم قراءة الأدب والتأريخ وتذوق الشعر وحفظه والاطلاع على فلكلورنا العراقي. إنني تعلمت الكثير جدا على يدي  نعيم بدوي وهناك الأكثر الذي لم أستطع تعلمه.  

لم يستطع المندائيون توظيف جهود هذا الرجل الرائع الفذ المواهب بشكل يخدم فكرة المندائية ، فقد كانت القرارات بيد رجال تفصلهم عن فكر أبي رياض مراحل عدة.

كان هو ينظر إلى مستقبل المندائية ويدرس ماضيها أما الآخرون فكانوا يعيشون حاضرها فقط .لقد أراد السفر إلى ألمانيا على حسابه ليترجم " الكنزا ربا " تقدم بطل خطي إلى المجلس الروحاني في حينها ولم لم يرد أحد على طلبنا . 

ويكفى نعيم بدوي أن قدم لهم الترجمة الرائعة لكتاب الليدي دراور ( الصابئة المندائيون ) بالتعاون مع المرحوم غضبان الرومي  وأحتفظ هنا بنسخة موقعة بخطه مهداة لي وكتاب تعلم اللغة ليذكروه دائما ويكرّمونه في كل وقت.

لتبقى ذكراك عطرة أبدا بين المندائيين أيها الصديق الأعز.  

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014