• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 18 نيسان/أبريل 2013

اتقوا الله فيما تكتبون وتنشرون عن الصابئة

  عزيز سباهي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

من المفارقات المعروفة عن الصابئة المندائيين انهم قوم يجهلون أفكارهم ومعتقداتهم، ويجهلون طبيعة هذه المعتقدات، وكيف ومتى وأين تلقى أجدادهم الموغلون في القدم هذه المعتقدات وطوروها. وما ورد عنهم في كتب التراث الإسلامي والمسيحي لا يجلو هذا الأمر بل يزيد فيه تعقيدا وتعميه بما يورده عنهم من بينات اما ان تكون منقولة عن خصوم لهم في العقيدة، او هي منحولة عنهم ولم يجر تدقيقها او تمحيصها، ودون دراية بأدبهم الديني او معايشة مباشرة لهم. والذين نسجوا على منوال هذا التراث من الكتاب العرب المعاصرين لم يقدموا ما يعين في تحديد هوية هذه المجموعة وأفكارها والأصول التي انبثقت عنها.

البحث في هذه المسألة المعقدة شيء، والكتابة والنشر عنها شيء آخر

غير ان البحث في المندائية والمندائيين دخل على أيدي جمهرة من المستشرقين من بلدان شتى طورا خاصا تطور من جيل الى آخر حتى غدا، بفعل عوامل لسنا بصددها هنا، ميدانا خاصا كرست له جامعات ومراكز بحوث لاهوتية اهتماما وطاقات علمية ذات شأن، وتكللت الجهود العلمية الحثيثة التي بذلت في هذا الأمر بنتائج غنية. فعدا عن ترجمة الأدب المندائي الى بعض اللغات الأوربية، لاسيما الألمانية والإنكليزية، فان مؤلفات كثيرة كرست للبحث في الجوانب المختلفة من معتقداتهم وطقوسهم وعلاقاتها بالمعتقدات والطقوس التي كانت تمارسها شعوب الشرق الأوسط، لاسيما المسيحية واليهودية والغنوصية. ولان الموضوع ينطوي على كثير من الثغرات والبحث فيه يفتقر الى كثير من البيانات المادية التاريخية، كان طبيعيا ان يختلف المستشرقون في تحديد بعض المعالم الأساسية في نشأة وتطور هذه المجموعة وأفكارها، وان لا يصلوا بشأن جوانب من المسألة الى أحكام قاطعة، حتى ان احد الباحثين دعاها بالمسألة الشائكة.

لقد عاش المندائيون قرونا عديدة دون ان يواجهوا مشكلة البحث عن الهوية. ونظرا للجهل الذي كان يلفهم فقد واصلوا ممارسة طقوسهم الدينية دون ان يضعوها موضع التساؤل. بيد ان حالا كهذه لم تعد قادرة على الصمود في الزمن المعاصر حيث يضع الإنسان موضع التساؤل والتمحيص كل شيء في الكون، في الماضي والحاضر والمستقبل. وكان من الطبيعي ان يبحث الصابئة اليوم، شيوخا او شبابا، على السواء، عما يهديهم الى تلمس هويتهم وتأريخهم، وهذا الأمر عدا كونه مشروعا، ولم يبدعوا به بدعة غير مألوفة شأن ما تفعله كل الأقوام والجماعات الأخرى، فانه ضروري ونافع في الغربة، بعد ان اقتلعوا من جذورهم وتناثروا في كل الأوطان وأمسوا في حاجة الى ما يشدهم لبعضهم البعض، ويذكرهم بالوطن الذي نبتوا فيه، وأسهموا في إنتاج ثماره، بيد ان البحث في هذه المسألة المعقدة شيء، والكتابة والنشر عنها شيء آخر. ان الخروج عن الناس بشيء مدون هو بحد ذاته مهمة لا يصح التعامل معها بخفة. انها مسؤولية قبل كل شيء، لاسيما حين تكون هناك جمهرة من القراء تجهل ماضيها ومتعطشة الى تلقف كل ما يقال عن هذا الماضي.

الحماسة للنشر لا تعفي صاحبها من مسؤولية تدقيق ما ينشر، كما لا تعفي المنبر الذي ينشر من مسؤولية التشديد على جدية الكتابات ووضع المقاييس الضرورية التي يتعامل بها مع المواد التي تصله


من المؤسف ان هذا المبدأ لم يوضع موضع التدقيق دائما. ولكن، اذا كانت المسألة المندائية لم تنل من الدارسين العرب الاهتمام الكافي، فان أصحاب الشأن ذاتهم، اعني المندائيين، لم يبادروا الى تقديم أنفسهم للعالم والتعريف بأفكارهم ومعتقداتهم لاسيما بعد ان نالوا حظا من الثقافة والتعليم. ويرجع هذا في الأساس الى جهلهم بلغتهم وأبجديتها وبمعتقداتهم المدونة، وأكثر من هذا، الى ابتعادهم عن هذه المعتقدات وضعف او فقدان إيمانهم بها، او افتقارهم الى البيانات المادية التاريخية.

بيد ان أمرا جديدا قد طرأ هنا في الآونة الأخيرة بفعل إحساس الغربة. اذ يلمس المرء حماسة بين المندائيين للكتابة عن المندائية وتاريخها، وهو ما يبعث على الترحيب بالطبع. وفي هذا الكم المتزايد من الكتابات سيجد القارىء عديدا مما يمكن ان ينتفع به.

لكن الحماسة للنشر لا تعفي صاحبها من مسؤولية تدقيق ما ينشر، كما لا تعفي المنبر الذي ينشر من مسؤولية التشديد على جدية الكتابات ووضع المقاييس الضرورية التي يتعامل بها مع المواد التي تصله، ولا شك ان موقفا كهذا سيعود بالنفع على الكاتب والمجلة او الموقع كليهما.

 هذه المقالة للكاتب والباحث عزيز سباهي نشرت في إحدى المجلات المندائية ( المندائي الجديد) التي كانت تصدر في السويد عام 1995 ونظرا لأهميتها الحساسة في الوقت الحاضر فقد ارتأينا إعادة نشرها في موقعنا 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014