• Default
  • Title
  • Date
السبت, 20 نيسان/أبريل 2013

ايام لا تُنسى

  همام عبد الغني
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 حين حصل الإنقسام في صفوف الحزب في ايلول 1967 , كنت سجيناً في سجن نكَرة السلمان , الذي كان يضم قرابة 450 سجيناً سياسياً , كان بعضهم محتجزاً بعد ان أنهى محكوميته ولم يطلق سراحه , كالمناضلين الباسلين المرحومين سامي احمد العباس " ابو وميض " وعبد الوهاب طاهر " ابوخلوق " , والبعض الآخر ينوء بسنوات سجن طويلة لم تنتهِ بعد , وهناك مجموعة من المعتقلين الجدد الذين لم تصدر بحقهم احكامٌ بعد , إلا ان اسماءهم الكبيرة وتاريخهم النضالي المشرف , دفع سلطات الأمن العارفية لإبعادهم الى  سجن نكَرة السلمان , كالمناضل الكبير كاظم فرهود " ابو قاعدة " والمناضل المرحوم العميد سليم الفخري الذي كان يقود تنظيماً باسم " اللجنة الثورية " .

لقد سبق وقوع الإنقسام التنظيمي , اختلاف وجهات النظر بشأن سياسة الحزب قبل انقلاب شباط الدموي  1963 , وما تبعها من سياسة يمينية بعد سقوط حكم البعث وحرسه القومي المجرم , تبلورت بوضوح تام في اجتماع وتقرير آب 1964 للجنة المركزية , تلك السياسة التي كانت موضع استنكار وادانة ورفض من كوادر وقواعد الحزب وجماهير الشعب الملتفة حوله , مما سبب انقساماً فكرياً واضحاً في كافة تنظيمات الحزب , بما في ذلك بعض اعضاء قيادة الحزب . 

لقد سبب لنا خط آب اليميني التصفوي وفرسانه الذين كانوا يمهدون لتذويب منظمات الحزب في الأتحاد الأشتراكي الذي اسسه عبد السلام عارف سيراً على نهج جمال عبد الناصر . وقد اعترف احدهم بضغوط النهج السوفياتي عليهم في ذلك الوقت , لقد سبب هذا الخط , والسياسة التطبيقية التي وضعت لتحقيقه خسائر كبيرة, تنظيمياً وجماهيرياً , حيث تبعثرت التنظيمات التي بدأت بالأنتظام والنمو والتوسع , كما رفضتنا الجماهير القريبة من الحزب , ولأول مرة رُفضنا من اقرب اصدقائنا وشُتمنا حتى من عوائلنا .

لقد كنا نناضل على جبهتين متعارضتين , وكان نضالاً شاقاً وعسيراً , الأولى هي النضال ضد الأنشقاقات والتمزق التي سببتها تلك السياسة المرفوضة , والثانية هي النضال الداخلي ضد هذا الخط اليميني الأنهزامي , وكانت المهمة صعبةً للغاية .

استمر هذا الصراع اكثر من عام , من آب 1964 حتى تشرين الثاني 1965  , حيث رضخت اللجنة المركزية لإرادة كوادر وقواعد الحزب , ودعت الى عقد اجتماع موسع للجنة المركزية , حضره عدد من اعضائها الى جانب عدد اكبر من الكادر المتقدم . ضم الأجتماع خمسةً وعشرين رفيقاً , واستغرق ثلاثة ايام ....سأتحدث عنه في حلقة خاصة .

كنت واحداً من هؤلاء المناضلين , وقد برز الأنقسام الفكري واضحاً وجلياً , وتحول الأجتماع الى محاكمة قاسية لهج قيادة الحزب المتمثل بخط آب 1964 . وقد اتخذ الأجتماع الموسع مجموعة قرارات مهمة .فبالأضافة الى ادانة هذا النهج , اتخذ قراراً بتغيير نظام الحكم بالقوة المسلحة , والعمل على تهيئة المستلزمات المادية لذلك , كما انتخب لجنة مركزية جديدة , ضمت الى جانب اعضاء اللجنة المركزية السابقين جميعاً باستثناء المناضل المرحوم ناصر عبود , ضمت عدداً من العناصر الجديدة , اذكر منهم المناضلين ( كاظم فرهود ,كاظم الصفار , الشهيد شاكر محمود , ماجد عبد الرضا , ابراهيم الياس  , خضر ياسين ) .

لقد اتخذت قيادة الحزب قراراً باجراء دراسة وتقويم سياسة الحزب السابقة , وحيث ان هناك اختلافاً واضحاً في الرؤى , فقد وضِع تقويمان بهذا الشأن , الأول يدافع عن النهج السابق بما في ذلك خط آب المدان , والثاني يدين تلك السياسة ويحمل قيادة الحزب مسؤولية ما حصل للبلد وللحزب على وجه الخصوص من خسائر كبيرة ....كما قررت القيادة طرح التقويمين للمناقشة ضمن مستويات تنظيمية معينة . وقد وصلنا التقويمان الى السجن , وبدأت دراستهما , مما اجج النقاش وعمق الأنقسام الفكري بين المناضلين السجناء . والحقيقة ان التأييد كان شبه جماعي للتقويم الثاني . 

 

ان طرح التقويمين للمناقشة في اجواء الحياة الحزبية غير الطبيعية التي كانت سائدة , وفي وقت كانت جرائم البعث وشركائه ماثلةً للعيان ودماء شهدائنا لم تجف بعد , قد عمق الفجوة بين غالبية اللجنة المركزية التي كانت تتبنى التقويم الأول , وبين كوادر وقواعد الحزب التي تبنت التقويم الثاني وهيأ الأرضية المناسبة للعمل الأنقسامي الذي قادته لجنة منطقة بغداد للحزب . لقد كانت عملية الأنقسام تتنافى وقواعد الأنضباط الحزبي , وقد رافقها سلوك انقلابي لم نعتد عليه في الحياة الحزبية , كاحتجاز بعض اعضاء اللجنة المركزية وتعرض احدهم للضرب كما قيل في حينها , بيد ان الحماس للتغيير , وتراكم الأخطاء التي ارتكبها عدد من اعضاء اللجنة المركزية , وبقاءهم في مراكز المسؤولية رغم ذلك , جعلنا نفاضل بين الأفكار التي نؤمن بها والتي نعتقد انها من صميم فكر الحزب ومبادئه , وبين الأنضباط التنظيمي الذي يفرض علينا رفض وادانة الأنشقاق .....وبعد اجتماعات ومداولات ومناقشات واسعة , قررت لجنة تنظيم السجن , تأجيل اعلان موقفها , وبعثت برسالة الى المكتب السياسي للحزب , تطلب فيها طرد العناصر اليمينية من اللجنة المركزية وتبني وجهات نظر قيادة منطقة بغداد وقرارات اجتماع تشرين الموسع لعام 1965 , لأعادة وحدة الحزب , وحددت لجنة تنظيم السجن فترة شهر واحد انتظاراً لرد المكتب السياسي , وبالتأكيد ان اسلوباً كهذا لم يكن مقبولاً على وفق قواعد العمل التنظيمي في ذلك الوقت . ومما اعتُبر مخالفة تنظيمية اخرى , هو ارسال نسخة من الرسالة الى المناضل عزيز الحاج  " رمزي " الذي كان على رأس عملية الأنقسام . وقبل ان تنتهي فترة الشهر التي حددناها , علمنا ان المكتب السياسي رفض موقف لجنة تنظيم السجن وادانه .

 

وهكذا قررت لجنة تنظيم السجن تاييد العملية الأنقسامية والأنحياز للقيادة المركزية . وقد اعلن مناضلو السجن ال450 تأييدهم للقرار وابتهاجهم به , باستثناء :

 

1- المناضل كاظم فرهود الذي كان فكرياً وسياسياً ضد السياسة اليمينية ورموزها , إلا انه يرفض الأنشقاق التنظيمي , وهكذا ترك لجنة تنظيم السجن , وكان مسؤولَها , ووقف محايداً . فلم يهاجم الأنقسام او ينحاز له , ولم يدافع عن اللجنة المركزية او سياستها . 

,2-مجموعة من مناضلي الفرات الأوسط , عددهم سبعة او ثمانية مناضلين , اعتُقلوا إثر الضربة الموجعة لمنظمة الفرات الأوسط التي سببها انهيار المدعو حمد الله مرتضى, عضو لجنة منطقة الفرات الأوسط , والذي تسبب باعتقالي والمناضل ابراهيم الياس عضو اللجنة المركزية , كما سيأتي ذكره في حينه ...وكانت مواقف هذه المجموعة ضعيفة في التحقيق , مما جعل الموقف منهم متحفظاً من جانب لجنة التنظيم والمناضلين الآخرين في السجن . وكان ذلك كله قبل الأنقسام . بقيت هذه المجموعة في عزلتها السياسية , ولم يحاول ايٌ منهم المزايدة او ركوب الموجة الثورية . وقد اعتبرهم الجميع على ملاك اللجنة المركزية , بل ان بعض عناصر ق . م . اوغل في ازدرائهم , كالمرحوم بيتر يوسف , مما تسبب في تصادم بيني وبينه في حينه .

 

3-اما المرحوم عبد الوهاب طاهر , والذي كان مسؤولاً للسجن ولجنة التنظيم طوال فترة سجنه واحتجازه , التي زادت عن سبع سنوات , فقد أيَد العملية , إلا انه لم يكن متحمساً كالآخرين , وما ان اطلق سراحه بعد 17 تموز 1968 , حتى اعلن انحيازه للجنة المركزية تاركاً صفوف القيادة المركزية .  

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014