• Default
  • Title
  • Date
السبت, 20 نيسان/أبريل 2013

الفراعنة - عالم من الألغاز‏

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

بداية لا يستطيع أي أنسان أن يتنكر لعِظم الأنجازات الحضارية التي توصلت أليها حضارة وادي النيل و خاصة في مجالي العمارة و العلوم الأخرى ، لكن السؤال هنا هو هل أن ضخامة العمارة و البُنيان وتطور تلك العلوم (المدعومان بهالة أعلامية كبيرة تفتقر لها للأسف بقية المجتمعات الأخرى) هما العامل الأساسي للحكم على مدى رقي تلك الحضارة و تفوقها على بقية حضارات العالم الأخرى ؟ فلو كان ذلك هو المعيار لأمكننا القول أن الدميتين اللقيطتين و أعني بهما أمارة (دبي) و دولة (قطير) هما أعظم حضارات العصر الحديث دون منازع ، و هذا طبعاً بعيد كل البعد عن الواقع العلمي الصحيح . أن وجهة النظر الحديثة لتطور و نضوج الحضارات التي أعتمدها المؤرخون منذ خمسينات القرن المنصرم و خاصة بعد أعلان المؤرخ البريطاني الشهير (آرنولد توينبي) 1889_1975 لنظريته حول نشأت الحضارات و المجتمعات القديمة و تصنيفها ، قد أعتمدت أبعاد و مفاهيم و معايير علمية جديدة لتقييم مستوى حضارات العالم ، أولها و أهمها و الأساس الذي تبني علية طبيعة الأوجه الحضارية  هو المستوى الفكري و العقلي الخلاق لعموم المجتمع و الذي يجب أن يتماشى مع الواقعية الأجتماعية للأنسان و تلبية حاجاته الآنية و متطلبات حياته العامة بعيداً عن (الفنطازية) الجوفاء التي يكون ديدنها و كل غايتها تمجيد أنسان واحد هو (الحاكم) الذي يجب أن يسير عموم المجتمع في فلكه ، و من ثم مدى تأثير ذلك التطور و أستجابته من قبل الحضارات الأخرى المعاصرة و التالية ليثبت أن البنيان الحضاري ما هو ألا أنعكاس للتفكير الفلسفي للمجتمع ..... و بهذا الجانب تحديداً لو أننا أجرينا مقارنة بسيطة بين كلاً من حضارتي وادي النيل و و ادي الرافدين لنجد أن البون أكثر من شاسع مانحاً التفوق الواضح للحضارة الرافدية بذلك .. و هذا ما نستدل عليه من دراسة أدبيات المجتمع العراقي القديم التي تعكس الوجه الفكري الحقيقي لشعب الرافدين .... أن أول تلك الأفكار الراقية و السابقة لعصرها بأشواط ، هي الرفض الواضح و الصريح من قبل المجتمع العراقي لمنح الألوهية و الخلود لأي أنسان حتى و أن كان حاكماً و الذي يبدوا ذلك واضحاً في حضارة النهر المقلوب . وأعتماداً على هذا المبدأ فقد جُبل الشعب الرافدي منذ بواكير نشأته ليكون ثورياً بطبعه رافضاً كل مفاهيم الغبن والأستغلال التي تهدف للتمايز الأجتماعي أو الطبقي ( و ربما هذه نقمة لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم) ، و أهم مثال حول ذلك قيام شعب العراق القديم بأول ثورة جماهيرية في تاريخ البشرية عام 2400ق.م في مدينة (لكش) السومرية والتي على أثرها  ظهرت أول كلمة لمعنى الحرية في التاريخ و هي (آماركًي) سابقة كل الحضارات الأخرى . و استكمالاً لذلك فأن الفكر السياسي الرافدي وكما أصبح معلوماً للجميع بأن بدايات الديمقراطية البرلمانية قد نشأت فيه منذ منتصف الألف الثالث ق.م ، أستناداً الى ذلك المبدأ أيضاً أي رفض التسلط و التأليه البشري ..... و على المستوى الأجتماعي فأن الأنسان الرافدي قد أنتبه الى مشكلات أجتماعية غاية في الأهمية لاتزال تشغل ذهن المجتمعات الحديثة حتى الآن و رصَدها عن كثب بل و وضع حلولاً فاعلة و ناجعة بشأنها . منها قضية (صراع الجيال)  و(الصراع بين البداوة و التحضر) سابقاً بهذا التفكير جميع المجتمعات الأخرى .. و بنفس الوقت فأن الفكر العراقي القديم لم يبتعد عن الرومانسية الأنسانية  ليكتب الأنسان العراقي أول قصيدة حُب في التاريخ  ، و كذلك الملاحم البطولية الأنسانية الأخرى التي تخلد عظمة و نضال الأنسان ، و التي على رأسها طبعاً (ملحمة كًلكًامش) .. و ليتوج هذا العطاء الفكري لأنسان وادي الرافدين بأصدار أول تشريع قانوني في التاريخ ينظم العلاقة الأنسانية بين أفراد المجتمع .

و أزاء تطور هذا الفكر و بساطته و واقعيته و تغلغله في عموم طبقات المجتمع العراقي القديم فكان طبيعياً أن يكون فكراً مستساغاً لقى ترحيباً في مناطق و مجتمعات أخرى وصل أليها من العالم القديم بشكل يفوق كثيرأ ما قدمته أرض النيل  ليكون المُلهم و الحافز لتلك الجتمعات لتشييد مجتمعاتها و بنيانها الخاص ، مثل الهضبة الأيرانية و آسيا الصغرى و أرض الشام و حتى بلادي اليونان و الرومان و في جميع المجالات تقريباً .... آداب ، فكر ديني ، عمارة ، علوم ، قوانين ، فنون متنوعة ، و غيرها الكثير .. و أبرز مثال يوضح ذلك هو أنتشار الخط المسماري الرافدي الى معظم بلدان الشرق القديم لتدّون به لغاتها .. ولتكون حضارة و ادي الرافدين بذلك هي المنبع الرئيسي الحقيقي  و الأكبر لجميع حضارات العالم القديم ... و لابد أن أهرامات وادي النيل و بقية مبانيه الفخمة و علومه  لن تكون سوى مجرد صخور صماء ورموزاً للموت ليس ألا لو أننا وضعناها بميزان واحد مع فكر حضارة ودي الرافدين و مدى عظمته ... و لعل أروع ما قيل بهذا الشأن و عبّر عنه أفضل تعبير ما ذكره عالم الآثار الفرنسي (جان كونتينو) بقوله .. (أن العراقيين القدماء قد شيدوا أهراماً من الفكر و ليس أهراماً من الحجارة) .

و ختاماً تقبلي أختي الكريمة  فائق الأحترام و التقدير لجهودك المبذولة دوماً

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014