• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013

الصابئة يجاورون الانهار وكتبهم منسوبة الي آدم

  هادي محمود
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

مقال نشر في جريدة (الزمان) --- العدد 1429

 من مميزات العراق القديم الحديث انه تتعايش وتعايشت فيه العديد من الطوائف والأديان وليست هناك أية فواق بين هذه الطائفة، وتلك، فالوطن للجميع والدين لله سبحانه وتعالي لذلك نري من بين أبناء العراق ومن مختلف طوائفه مبدعين وشعراء ومسؤولين في مختلف حقول الحياة أخذوا مكانتهم تلك نتيجة لكفاءة كل منهم دون النظر إلي انتمائهم الديني أو العرقي، وهذه من الفضائل التي تحسب للعراق ليست عليه ومن بين تلك الطوائف طائفة الصابئة التي تمارس طقوسها الخاصة وعاداتها منذ آلاف السنين دون ان يتدخل أحد في ذلك أياً كان موقعه ومسؤوليته وهنا في هذا الاستطلاع نحاول ان نرسم صورة عن بعض العادات والطقوس لهذه الأقلية التي تمارس مهناً مختلفة وفي مقدمتها الذهب والفضة كما يمارس أبناؤها مهنة الطب والتدريس والهندسة وغيرها، ومن بين طقوس طائفة الصابئة الطريقة الفريدة في الزواج والتعميد فقد ذهلت وأصابتني الدهشة عندما حضرت عرساً جماعياً لهذه الطائفة في بغداد فقد لاحظت من جملة ما شاهدت ذلك الضبط الصارم الذي التزمه الصغير قبل الكبير وهم ينصتون بخشوع إلي تراتيل رجل الدين الذي يجري المراسيم المعتادة في مثل هذه المناسبات ففي بناية حديثة أنيقة تحيطها المزروعات والأزهار من كل جانب التي اتخذت معبدهم، وفي الوقت الذي نتابع فيه مراسم العرس فجأة، تحول جانب من المعبد إلي مسبح تجري فيه المياه العذبة ليعمد فيه العرسان وهو بديل للأنهر التي اعتاد الصابئة السكن بقربها والتي تسهل عليهم ممارسة أداء مناسكهم في الزواج والولادة والممات، ووسط تمتمات الكاهن بلغة لا أفهمها.

 وهو يبارك الزواج والزوجات تساءلت إلي متي تبقي اللغة المندائية لغة خاصة بالصابئة عسيرة الفهم علي جيل كبير من الصابئة وغيرهم، وقد أجاب أحد الحضور متطوعاً علي تساؤلي هذا قائلاً : ان أول كتاب يبحث في المدخل لقواعد اللغة المندائية بالعربية سيصدر في بغداد قريباً.

 اعتزاز بالموروث والماء أساس الحياة وسط الأهازيج ومراسم العرس والدبكات والزغاريد التي تصم الآذان والأغاني المبهجة التي تغني في مثل هذه المناسبات، وسط هذا كله قام البعض بتحطيم وتكسير الأباريق الخزفية الطينية باب غرفة العروسين في المندي لطرد الشر وتحقيق السعادة كما قدم السمسم والحلوي من قبل عائلتي العريس والعروس للضيوف، في هذه الأجواء المفعمة بالبهجة تساءلت عما هو موقف الشاب والشابة الصابئيين من تلك العادات والتقاليد؟ ولا سيما التعميد بالماء صيفاً وشتاءاً وألذ فيه نوع من الأضرار وخاصة في فصل الشتاء إضافة إلي ذلك، يزيل زينة العروس يفقدها نشوة التجميل والتزويق المتعارف عليه، وكانت الإجابة تلك الأسئلة من شابة كانت تشارك في الاحتفال وعرفت في ما بعد أنها تمتهن التدريس وهي الآنسة ليلي عبد الواحد إذ قالت: نحن نعتز بما ورثناه عن السلف كالتعميد بالماء صيفاً وشتاءً، لأننا نعد الماء أساس الحياة..

 ثم قلت لهذه الشابة، ماذا تفعل الشابة إذا أصر القلب وأحبت الفتاة الصابئية شاباً من غير طائفتها؟ ان تحب الصابئية، فهذا شيء مشروع علي ان لا تنسي تقاليدها وعاداتها أما ان تتمرد وتصل علاقتها حد الزواج فتصبح حينذاك خارجة عن إرادة الصابئيين فالحب شيء يختلف عن الزواج أصلاً.

 

من هم الصابئة..

ما هي عاداتهم وتقاليدهم الأخري؟

الصابئة هو الاسم المعروف لطائفة دينية قديمة جدا ما يزال لأتباعها بقية باقية في العراق وجنوب إيران حتي يومنا هذا، ولا تزال لهؤلاء قيم وطقوس وشعائر دينية وكتب مقدسة ينسبون اثنين منها وهما الكنزابرا ، وسدرة اندشمائة، إلي أبي البشر آدم، وفضلا عن ذلك تتميز طائفة الصابئة باستقلالها في كثير من الطقوس والشعائر فهم يشتركون مع أهل الأديان الأخري، فهم يشبهون اليهود والنصاري والمسلمين كما يشبهون الفلاسفة وأصحاب المذاهب العقلية في تفسير الوجود والموجود ويختلف الباحثون قديما وحديثا في أصل الصابئين وموطنهم وماهية دينهم ومصدره وزمان نشأته وتطوره اختلافاً كبيراً، فمنهم من ردهم إلي ديانة بابل وآشور وهم من أقدم الديانات الوثنية ومنهم من قال:انهم فرقة من المجوس، وآخرون أدعوا انهم إحدي الفرق التي انشقت عن اليهودية، وغير ذلك من الآراء والتفسيرات.

 

الطهارة.. أولاً

يعد الصابئة المندائيون من أكثر الأجناس تعبداً واشدها تديناً ومحافظة علي الطقوس والشعائر والعادات والتقاليد الخاصة بهم، لذلك لا نستبعد ان تكون صلاتهم وصيامه أول كيفية عرفها البشر للصلاة والصوم تقوم هذه الصلاة علي رسوم وطقوس أضيفت إليها عبر تعاقب الأزمنة، تبدأ بالطهارة وتنتهي بتأدية الصلاة، ولما كان الاغتسال فرضاً عند المندائيين ويشترط ان يكون بالماء. الحي ولان الكثيرين منهم اضطروا إلي العيش في المدن بعيداً عن الأنهر ومنابع المياه فقد كان لهم مسلك اضطراري، وألف المندائيون الاغتسال بمياه الحنفيات علي أساس متصلة بخزانات مرتبطة بمياه جارية، ويجب علي الصابئي المندائي أداء ثلاث صلوات في اليوم قبيل طلوع الشمس (صلاة الصبح) وعند زوالها (صلاة الظهر) وقبيل غروبها (صلاة المساء)، واجاب أحد الكهنة عن سؤال عن الصوم، عند المندائيين قائلاً:

 

نحن نعد الصوم، ولكن ليس بمعناه المعروف عند المسلمين، فنحن نمتنع عن اللحوم المباحة ومنتجاتها علي نحو صوم المسيحيين، اثنين وثلاثين يوماً متفرقة علي طوالا لسنة وعن المحرمات قال الكاهن: ان المحرمات عند الصابئة المندائيين كثيرة من بينها القتل والقتال،إلا في حالة الدفاع عن النفس، والزني واللواط وتعاطي الخمر والربا إلخ.

 

أعياد المندائيين

ان السنة عند المندائيين تبدأ بشهر شباط وتحتوي علي 365 يوماً فقط وليس فيها سنة كبيسة وهي تقسم إلي أشهر في كل شهر ثلاثين يوما وتعد الأيام الخمسة الزائد شهراً إضافيا يسمونه عند الخليفة، ويعظمون يوم الأحد كالنصاري (المسيحيين) ويقدسونه كثيرا ويعطلون فيه عن العمل. قال الكاهن ان أعيادهم هي العيد الكبير، وهو عيد رأس السنة ويسمونه (دهفة ربه) ويعرف باسمه الفارسي أيضاً(نوروز ربه) ويسميه العامية عيد الكرصة، ومدته يومان يستقبل الصابئة عيدهم في آخر يوم من السنة بذبح الدجاج والخراف وتحضير الخبز وللفطائر وتطهير الخضر والفواكه بعناية تامة ويحتفظون بكمية من الغذاء تكفي أيام الكرصة التي مدتها 36 ساعة تبدأ من مطلع العام الجديد كما انهم يقومون بغسل الملابس وجلي الأواني وجلب ما يكفيهم من ماء النهر قبيل غروب شمس آخر يوم يغتسل المندائيون رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، بالارتماء في ماء النهر ثلاث مرات، ومع تطور الحياة، يمكن إلي الاغتسال بأي ماء حار، في البيت مثلاً، وبعد ذلك تزغرد النسوة ابتهاجاً بالعيد ثم يكرصوا في بيوتهم ولا يغادروها، ولا يقومون بأي عمل خلالها ويبقي أفراد الطائفة يقظين، يلعبون ويهزجون ويقصون الحياة،وإذا ما مس الطعام أو الشراب حيوان أو طير أو زاحف أو نحلة منع تناوله.

 إما إذا عض الكلب أحدهم أو لدغته أفعي أو لسعته نحلة، أو جرح أو مس شيئاً نجساً فانه يعزل ويمنع من الاختلاط بأهله ويمتنع عن الأكل والشرب حتي يغتسل بما لديهم من ماء وبعد انتهاء مدة الكرصة مباشرة يتوجه أفراد الطائفة جميعا إلي النهر في الصباح ويخرجون من دورهم يتزاورون ويبتهجون.

 

أمر محرم

وفي سؤال لأحد أفراد طائفة الصابئة حول عنايتهم بكتبهم الدينية ولماذا لا يسمحون لأي أشخاص آخرين بالاطلاع عليها.؟ فكان جوابه كالآتي: اعتاد المندائيون وأنا أحدهم علي العناية بكتبهم الدينية عناية فائقة والحرص علي اقتنائها علي أساس ان الاحتفاظ بها يبعد البشر، كما إننا نحرص شديد الحرص علي منع غير الصابئي من الاطلاع عليها لان اطلاع الغير عليها يعد أمراً محرماً لهذا لا يستطيع غير الصابئي الوقوف علي أحدهما إلا بشق الأنفس.وأضاف قائلاً: لقد بذل عدد كبير من المستشرقين جهوداً كبيرة وأموالاً طائلة في سبيل الحصول علي كتبنا الدينية فأخفق أكثرهم.

 شروط لا بد منها لرجل الدين يفرض الدين علي الصابئي كما ذكر لنا أحد رجالات الدين علي من أراد الانخراط في سلك رجال الدين ان يكون سليم الجسم خالياً من العيوب الخلقية كافة صحيح الحواس غير مصاب بالبرص أو الجدري ونحوهما.

 وان يكون منجباً غير مختون وسليل عائلة من جهة الأب والأم وان لا تكون أمه ثيباً حينما تزوجها أبوه إلي ثلاثة أجيال وان لا يتزوج هو من ثيب بصورة مطلقة، وإذا حدث ان تعرض رجل الدين لضرر أو حادث أفقده أحد أعضاء جسمه فلا يسمح له بممارسة وظائفه الدينية، والصابئة يعدون العزوبة خطيئة وإنجاب الأولاد فريضة وتبلغ قوة الاعتقاد هذا انه يجب حتي علي أكثرهم تقي إذا ما توفي دون إنجاب الأطفال ان يمر بعد موته بالمطهر ليعود بعد إقامته هناك إلي عالم النور أو إلي حالته البدنية مرة أخري ويصبح أباً لأطفال.

 وتقول الليدي دراوور التي وضعت كتاباً عن الصابئة المندائيين (ان أحد الكهان أخبرها ان الروح تهبط من الماء السماوي إلي جسم الطفل وهو في الرحم حين يتم شهره الخامس..)..

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014