• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013

شئ عن مهنة المحاماة و دور المحامين في بناء المجتمع المدني في العراق

  عربي فرحان الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

يجدر بنا أن نعترف ، بأن عملية إعادة بناء المجتمع المدني في العراق تعد من أصعب عمليات إعادة هيكلة الحياة العراقيه من جديد، والتي دمرها النظام البائد تدميراُ كاملا، وقام وباحتوائها وتوظيفها في خدمة مصالحه الشخصيه ، ومصالح عشيرته وأعضاء حزبه الشمولي الفاشي المجرم، وأصبحت مهمة ترميم ما أفسده النظام وأزلامه من المهمات العسيره ، التي يستوجب التصدي لها ، تظافر جهود كل المتخصصين والمثقفين والمعنيين عموما، من أفراد ومنظمات ومؤسسات وأحزاب وغيرها، حيث الجرح عميق وهو ما فتئ ينزف دما،وقد طال أعماق النفوس لجيل كامل من أبناء الشعب العراقي إستمر لآكثر من أربعة عقود من الزمن ، أفسد في نفوسهم كل ما هو خير وجميل على أرض العراق الطاهره. 

والمحامون العراقيون كشريحه من شرائح هذا الشعب ، يحتلون مراكز الصداره في تفهمهم للأمور الوضعيه التي تعيشها أوسع الجماهير على مختلف مشاربهم ، وذلك بحكم الاحتكاك المباشر بهم واطلاعهم على دقائق إمورهم و أحوالهم ومشاكلهم مع كل سلبياتها ، ومدى عمق المعاناة التي يعيشون بها جراء العسف والظلم والقهر والحرمان والموت ، الذي كانوا يتعرضون له أيام الحكم الفاشي البائد، دون عون من أحد ولا شفقه من مسؤول ، ولا حتى من مرجعية قانونيه يرجعون اليها . 

يتحمل المحامون مسوؤلية هؤلاء المضطهدين مرتين ، في المره الاولى كونهم الفئه المثقفه والطليعيه من أبناء الشعب ، والتي من المفترض أن تأخذ علىعاتقها الحد الادنى من تلك المسوؤلية ، عن طريق التوجيه والارشاد وربما مسوؤلية الرياده في تلك الفتره المظلمه التي سادت حياة الشعب ، ومسوؤليتهم الثانيه هي أن المحامي بحكم شرف المهنة التي أقسم من أجلها أغلظ الايمان ، أن يعمل ويجتهد و يمحص و يفتش عن مؤطئ الحق والعدل ، وأن يكون دوما بجانبهما ولا يجانبهما ولا شئ غير الحق والعدل ، هكذا اقتضت مهنة المحاماة . 

صحيح أن لا وجود لحقوق مطلقة ومثالية ، وأن هذه الحقوق تتغير تبعا لتغير الظرف والمكان كما أنها دائبة الحركه تبعا لحركة المجتمعات وليس لها مستقر وبالتالي فهي نسبية ، إلا أن حركتها المستمرة هذه تصب دوما لصالح الانسان أي كان وفي أي مجتمع من المجتمعات على سعة المعموره ، لأنها تجارب حية افرزتها هذه المجتمعات ضمن مسيرتها ,وبتقديري أن محتواها العام هي الحصيلة النهائية لتطورات الاداب الانسانية لشعب معين في وقت معين، والتي جذورها الاساسية هي الاخلاق ،والقيم ، والعرف، والعادات، والتقاليد، والممارسات المتواترة، والاوضاع الاقتصادية والفكرية والاجتماعية، والثقافية ، والمعتقدات الدينية، والقوانين الوضعية، وغيرها من الامور اليومية التي تمارسها البشرية جمعاء، من أجل توفير الحياة والرفاهية للأنسان، حيث لم يعد بعد المسافات عائق في وجه تبادل المصالح والخبر بين الشعوب والمجتمعات المختلفه، وهي حالة صحيه لأغناء وإثراء هذه الحقوق مهما كان مصدرها ما دامت تتوخى كلها حرية الانسان وحقوقه الشخصية . الا اني ما أريده في هذا المجال هي تلك الحقوق ذات الصله بحياة الفرد العراقي وتصرفاته وعلاقته مع غيره من الاشخاص وأجهزة السلطه التي ستتولى الحكم في البلاد ، وما يستحقه منها من حقوق ، وما عليه من واجبات ملزم بتأديتها طوعا أو كرها ، والتي دعيت بالحقوق المدنيه وهي كثيرة لا يسع المجال لذكرها، والتي تم إقرارها من قبل هيئةالامم المتحدة في فترات متعاقبة من الزمن ،وأصبحت ضمن تشريعات القانون الدولي العام والخاص، موثقة بالمعاهدات، والاتفاقيات، والوثائق الدولية، والملحقات، واللوائح، والبروتوكولات، كلها ملزمة للهيئة الدولية وكل الحكومات في العالم . وأصل هذه الحقوق وفحواهاهي حقوق الفرد والمجتمع السياسية، والأجتماعية، والأقتصادية، والثقافية، والدينية، كحق تشكيل الاحزاب، وحرية الرأي، والفكر، والتظاهر،والأحتجاج، والعمل، وتأمين العدالة الاجتماعية، وغيرها الكثيرجدا . وكذلك الذاتيه التي تتعلق بذات الشخص وقد أطلق عليها الحقوق الانسانيه، وهي التي تضمنها إبتداءًَ الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر سنة 1946 وما أعقبه من لوائح وقرارات إنسانية كثيرة أكدت هذه الحقوق . مثل حق الحياة، والحرية، والمساواة، والعدل، وحرية الرأي، وحرية الاعتقاد الديني، وحق التملك، والامتلاك، والجنسية، والتجنس وغيرها . وقد جرت عليها كثير من الاضافات والتعديلات نتيجة التداعيات التي تظهر من خلال التطبيق الفعلي لها، لكي تنسجم مع ما إستجد ويستجد من ظروف تفرضها أوضاع وحاجات تلك الدول .والحقيقة ان كلتا النوعين من الحقوق تسيران جنبا الى جنب من حيث الاحقية والالزام . ويبرز هنا موقف المحامين من كل ذلك ، بأعتبارهم رجال القانون وذوي الاختصاص ، والمعنيين المباشرين للدفاع عنها ، وإرساء دعائم العداله وتطبيق القوانين تطبيقا سليما، إن كانت هناك حقا قوانيين وضعية مرعية كما هو مفترض ، جرى تشريعها من قبل تلك الدول ، وهم أي المحامون على دراية واسعه بها وما يترتب عليها من إمور تحد من حرية الانسان فرديه كانت أوجماهيرية كأحزاب، ومنظمات سياسية، ونقابات مهنية، وعلمية، وجمعيات، ومراجع دينية، وهيئات إنسانية،ومؤسسات القطاع الخاص على إختلاف أنواعها والتي يتألف منها المجتمع المدني بشكل عام.وقد يقترن مصطلح الرأي العام العالمي او المحلي مع مفهوم ما ينادي به المجتمع المدني عندما يعبر الاخيرعن نشاطه و موقفه في قضية معينة بأحدى وسائل التعبير المتاحه، سوى كان الموقف سلبا أم إيجابا عن تلك القضية .وبالتالي يمكن إعتبار الرأي العام مظهر من مظاهر تفاعل المجتمع المدني ونشاطه مع واقع الحال . 

وتأريخ البشرية يشهد بأن المحامين في كثير من بلدان العالم كان لهم دور الريادة في قيادة شعوبهم عن جدارة ، نحو الاستقلال و البناء والرفعة والكرامة، أمثال المحامي ( الماهاتما غاندي ) زعيم الشعب الهندي، والذي خاض نضالا مريراً تحت ظروف صعبة وقاسية ضد الاستعمار البريطاني آنذاك ، حتى تمكن بالنهاية من نيل الاستقلال لوطنه الهند . ويعد بحق وحقيقه من ألاوائل الذين مارسوا النضال المدني بكل صلابة ووعي، من أجل الحقوق المدنية والانسانية. حتىأصبح غاندي رمزا مميزا لهذا النوع من النضال المدني السلمي محليا وعالميا ، ما برحت شعوب العالم تهتدى به حتى اليوم . أما داعي للحقوق المدنية المعاصر الامريكي (مارتن لوثر كنك ) فقد ضحى بحياته من أجل المساواة وتشريع الحقوق المدنية للسود في الولايات الامريكية حتى تكللت جهوده بالنجاح. 

وأما المحامون العراقيون فقد لعبوا دوراُ بارزاُ لتوليهم المهام الصعبه في قيادة جماهير الشعب العراقي أيام المحن ، وعند الملمات ، وذلك منذ فترة الحكم الوطني في العراق سنة 1921 . وقد برز من بينهم الكثير ، وكانوا موضع ثقة وإحترام الجميع ، لما قاموا به من جهد ونكران ذات ، لصد الطغاة من الحكام والدفاع عن حقوق الناس المدنيه منها والشخصيه وتطبيق القوانيين أمام المحاكم ، وضد تشريع القوانين الاستثنائيه الجائره والمجالس العرفية ، كل ذلك دون تمييز أو تفريق بين أبناء الشعب ، وكان رائدهم إظهار الحق وإحلال العداله وزهق الباطل توخيا لحماية الفرد والاحزاب والمنظمات الجماهيرية من إعتداء وجور السلطة، وذلك عندما وقفوا أمام القضاء للدفاع عن متهمي الفكر والعقيده والرأي و الحريه الفرديه والحقوق الانسانيه من مختلف الانتماءآت قوميين وشيوعين وديموقراطين و بعثيين . وإشتهر منهم الاستاذ المحامي القدير حسين جميل ،والمحامي الديموقراطي شريف الشيخ، والمحامي الديموقراطي عزيز شريف ،والمحامي الديموقراطي محمد حسين ابو العيس، والمحامي القومي صديق شنشل ، والمحامي الديموقراطي ( اليهودي ) أنور شاؤل ، والمحامي الديموقراطي عبد الرحيم شريف، والمحامي الديموقراطي حمزه سلمان، والفقيه القانوني المحامي سالم عبيد النعمان ، والمحامي القدير توفيق منير، والمحامي المشهور بديع عمر نظمي ، والمحامي الديموقراطي كامل قزانجي ، والمحامي الاديب الفريد سمعان ، والمحامي الباحث جرجيس فتح الله ، والمحامي القومي محمود العبطه ، وغيرهم الكثير ممن تركوا بصماتهم ، على سجل العدالة وساحه الميدان الوطني ، مسلحين بحسهم الوطني ووعيهم الانساني وقدراتهم المهنية العالية ، في مجال القوانين التي تجلت للأنسان العراقي المبدع منذ القدم وأضاء نورها العالم القديم و المعاصر ، هكذا كان الانسان العراقي وهكذا كانت المسله الاولى ( لشريعة حمورابي ) و قوانين ( اورنيمو) قبل الاف السنين . فمن خلال نشاطات و تفاعلات الشعب العراقي الابي السياسيه والاجتماعية وحركاته الوطنيه والديمقراطيه نهض المحامون من جديد للغرض الشريف نفسه. 

ففي بداية النصف الثاني من القرن الماضي، تناخى المحامون المنتمون الى نقابة المحامين العراقية ، وباسناد الهيئه الادرايه للنقابه ونقيبها الاستاذ المحامي صالح الشالجي آنذاك ، قاموا بتشكيل هيئة دفاع من بينهم سميت ( لجنة الدفاع عن المتهمين ) تتولى الدفاع عن متهمي الرأي والفكر والمعتقد ، وعن الديموقراطيه، والحقوق المدنيه ، وحقوق الانسان ، وشمل ذلك الدفاع عن كل السياسين المعتقلين من أبناء الشعب حينذاك دون تفريق أو تمييز بسبب الانتماء الحزبي أوالعقائدي أو القومي أو المذهبي او الطائفي وكان فيهم العربي ، والكردي، والتركماني، السني، والشيعي، و المسيحي، واليهودي، والأيزيدي، والصابئي ، قومي كان أم شيوعي ، ديموقراطي أوبعثي ، وكان ذلك جهد طوعي قدمه المحامون دون مقابل مادي ، وقد ترأس هذه اللجنة الاستاذ المحامي الوطني القدير خالد عيسى طه ، والذي ما إنفك حتى يومنا هذا يمارس هذا العمل الانساني والخير من خلال منظمة ( محامون بلا حدود ) - اطال الله بعمره وبارك جهده - . وقد عمل بمعيته آنذاك كل من الاساتذه المحامي عبد الوهاب القيسي، والمحامي عبد الحليم القيم، والمحامي محمد حسن الكرخي ، والمحامي نجاح نجم الدين ، والمحامي ابراهيم الطويل ، والمحامي جميل دنو ، والمحامي محمد حسن الفرطوسي ، والمحامي علي ياسين ، والمحامي داوود حبيب ، وآخرون غيرهم . 

عانى المحامون معاناة قاسية شأنهم شأن غيرهم من قطاعات الشعب العراقي الاخرى ، أيام حكم صدام المجرم وحزب البعث الفاشي ، خاصة وقد حوربوا من قبل السلطه وصعبت مهمتهم لأسباب كثيره وعراقيل مختلفه ، مما حالت بينهم وبين المضي قدما في ممارسة أعمالهم بالشكل الصحيح ، كانت هذه المعوقات والمضايقات قد وضعتها السلطه أمامهم عن قصد مسبق وغاية دنيئه. وأقتصرت ممارسة مهنة المحاماة في معظم الدعاوي ، على نفر ممن ينتمون الى حزب البعث بالتخصيص ومنع الآخرون من ذلك . كما لم يسمح بشكل مطلق لغير المحامي البعثي من دخول ساحة المحكمة، و التوكل عن المتهمين في المحاكم الخاصة والاستثنائيه الكثيرة ، كمحكمة ما يسمى ب ( محكمة الثورة ) سابقا ومن ثم(محكمةالامن الخاصة) التابعة لوزارة الداخلية سيئة الصيت و ألتي أعقبت الاولى . أضف الى ذلك المحاباة والتواطئ بين بعض القضاة البعثيين ، وحتى كثير من القضاة غير البعثيين الواقعين تحت ضغط السلطه والخائفين على وظائفهم من جهة ، و بين المحامين البعثيين من جهة إخرى ، للترويج لهم أمام موكليهم و حسم القضايا لصالحهم ، وقد شاعت هذه الحالة بشكل واسع بين الناس حيث يقال - هذا المحامي لهذه المحكمة - أما الرشاوى والوساطه وغيرها فحدث و لا حرج . 

لقد إستحوذ صدام حسين الفاسد ، ومن ورائه حزب البعث الفاشي ، ليس فقط على مقدرات وصلاحيات السلطه التنفيذية و المؤسسات القضائيه ، بل على السلطه التشريعيه ذاتها أيضا ، عند ما خول نفسه الصلاحيات المطلقه في استصدار القوانين ، والتصرف بشأنها كما يحلو له ذلك ، عن طريق ما يسمى بالدستور المؤقت وبمادته الثانية والاربعين منه ، وبذلك سلب حقوق المشرعين ، أو ما يسمى بالمجلس الوطني ، الذي جاء عن طريق مهزلة الأنتخابات الشكليةالتي يعرفها الجميع ، مدعيا قانونيتها كذبا وبهتانا ، وصار يلعب بمقدرات الناس وفق مشيئته و هواه. وأصبح كما يقول المثل العراقي العامي ( حاميها حراميها ) فهو القانون يشرعه وبه يأمر وينهي ، وهو في نفس الوقت الجهة المنفذه له أي السلطه القضائية و التنفيذيه والاجرائية معا . 

لقد قام النظام السابق بابطال وإلغاء كثير من القوانين ، وأصدر بدلا عنها قوانين إستثنائية جائرة ، وهي الحالة التي إتصف بها هذا النظام الفاسد طيلة أيام حكمه المقبور . فقد جاءت كلها لخدمة مصالحه الذاتية و الانانية ، و ضد مصلحة الشعب وحرياته ، وأصبح أمر إستيعابها وكل ما يتعلق بها أمر غاية في الصعوبة، وذلك من جراء تناقض أحكامها مع بعضها البعض أو فسخها أو فسخ جزء منها . وأصبح المحامي عليه أن يلاحق ما يصدر منها بين ليلة وضحاها ، لكثرتها و مدة سريانها ، ومن الغريب بمكان أن بعض القوانين كانت قد صدرت وانتهى مفعول سريانها ، خلال أيام محدودة جدا لأسباب شخصية ، تعود لرغبات صدام حسين نفسه ، وحتى قبل أن يسمع بها المحامون ، والمفترض أن أي قانون جديد قبل أن يكون نافذا يجب أن يعلن للملئ ، و ينشر بالجريدة الرسمية الحكومية ( الوقائع العراقية ) . إلا أن النظام إبتدع شيئا أخر ، عند ما أخذ يصدٌر ثلاث جرائد رسمية في وقت واحد ، لا يسمح لغير عناصر معينة من مسوؤلين وبعض البعثيين الحزبين وبعض الدوائر التبليغ بها أوالاطلاع عليها ،ماعدا واحدة منها فقط . و بذلك يجري العمل بالاخريتين ، و بموجبهما يتم التنفيذ حصراً من قبل تلك الجهات ، دون علم أوإطلاع أية جهة إخرى غيرهم . وبذلك أصبحت الحالة عسيرة جدا على المحامين وذوي الشأن من أصحاب العلاقة . وبهذه الطريقة يكون النظام البائد قد خرق كل القواعد القانونية والشكلية والعرفية والاخلاقية وأربك المؤسسات القضائية عامة . فعلى سبيل المثال أن النظام كان قد أصدر قانونا في سنة 1985 – على ما أتذكر – من شأن هذا القانون يسمح باستيراد سيارات قلابية من نوع مرسيدس من الكويت ، وبعد فقط ثلاثة ايام الغي هذا القانون ، وحتى قبل أن يسمع به أحد ، أما سبب إصداره كان لمصلحة نفر من المقاولين من أبناء تكريت والرمادي تمكنوا من حيازة تلك السيارات القلابية ، في حين كان يمنع إستيرادها آنذاك ،وبهذا الاجراء يكون قد أعطاءها الصفة القانونية عن طريق هذا التحايل والتدليس المخزي ولغرض تافه دنيئ . وأمر آخر وهو تعدد الجهات التي تُصَدر تلك القوانين، فصدام حسين يتبجح ويستهزأ بالقانون ، عندما يتسائل ما هو القانون ؟؟ فيتولى الاجابة هو نفسه على تسائله بانه أي القانون ( كلمات هو يخطها متى شاء ) كما أن ما يسمى بمجلس قيادة الثوره هوألآخر له الحق باصدار القوانين ، فكل قراراته التي يصدرها لها صفة القانون . و هناك أيضا جهة ثالثة إعطي لها الحق في تشريع القوانين ، وهو ما يسمى المجلس الوطني العراقي . 

أن هذا التصرف غير القانوني الذي مارسه حزب البعث تجاه الحالة القانونية والمؤسسات القضائية كان مخطط له مسبقا ، فقد صدر عن وزارة العدل قانون ما يسمى ب ( اصلاح النظام القانوني رقم 35 لسنة 1977 ) في عهد الوزير البعثي منذر الشاوي ، ووفق الفلسفة التي أتى بها هذا القانون في الفصل الثالث القسم الثاني منه ، هي منح حزب البعث السلطة المطلقه ، وتكريس حكم الحزب الواحد ، ولكي يسهل عليه السيطرة على المؤسسات القضائية ، فقد ألغى مجلس القضاء الذي كان يترأسه رئيس محكمة التمييز ، وأستعاض عنه بمجلس العدل برئاسة وزير العدل ، وبذلك ربط القضاء بالسلطة التنفيدية . وعلى ضؤه إستأثر صدام حسين وأعوانه أعضاء البعث بالحكم وإستبدوا بالسلطة ، مما أدى ذلك الىالاخلال بموازين العدل وضاع الحق ، وفقد العراقيون حقوقهم المدنية والانسانية . كما أحكم قبضته على مصائر الناس ، حيث إستحوذ على مصادر التشريع والسلطة التنفيذية في أن واحد . ولم يكتف بسيطرته المطلقه على نشاط القضاء كما اسلفنا اعلاه ، بل هيمن على مفاصل وزارة العدل ، وتدخل في إنتخابات نقابة المحامين ، ولم تكن هناك أساسا إنتخابات بالمعنى الحقيقي ، بل يتم فرض نقيب المحامين والاعضاء من البعثيين لأدارتها على ممر السنين ، وحتى يوم سقوط الحكم ، وخلال هذه المدة لم يتمكن المحامون من إبداء حتى الرأي بشأن نقابتهم ، وإكتفى معظمهم بمقاطعة النقابة في كل فعالياتها . كما سيطر سيطرة مباشرة على المعهد القضائي ، الذي يقوم بتخريج الكوادر القضائية من قضاة ومحققين قضائيين ونواب الادعاء العام وغيرهم من كوادر دوائر القضاء ، وطبيعي لا يقبل غير البعثي للالتحاق بهذا المعهد ، وبذلك ضمن له سيادة الكوادر البعثية على المحاكم والجهات والمؤسسات القضائية . وقد لعبت هذه الكوادر دورا مخزيا في تدخلها بشؤون ومسار القضاء والتلاعب بمصائر الناس وضياع حقوقهم ، ويصل بهؤلاء الى حد التأثير والضغط على القضاة في إصدار الاحكام غير العادلة وغير المتوازنه مع الاسف الشديد . وقد واجهت المحامين مشاكل جمة قام بها المحققون أثناء فترة التحقيق ، من تلاعب في الاوراق التحقيقية وإخفاء الادلة الجرمية والمستمسكات الثبوتية ، وقلب الحقائق مقابل رشاوى أو لمصلحة المتهمين من عناصر حزب البعث . أما جهاز الشرطة فهو أصلا فاسد ومرتشي ولا أرى حاجة للأثبات .

وفي ظل هذه الاجواء المؤلمة ، ووسط هذه الغمامة السوداء التي غطت سماء العراق ، كان المحامون الاشراف وهم كثر، يعملون بنبل الاخلاق ومعاني القوانين الانسانية ، للدفاع عن حقوق المواطنين، رغم الضغوط و ظروف الحياة الصعبة . وهم مثل غيرهم من أبناء الشعب حوربوا في أرزاقهم ومعيشة عوائلهم بسبب مواقفهم الانسانية ، ورفض كل وسائل وأساليب الطغمة الحاكمة انطلاقا من قيم وأخلاق مهنة المحاماة . وقد تعرضوا الى كثير من التعسف والاضطهاد و التوقيف والاعتقال والسجون ، مما حدى ببعضهم رفض هذه الحاله بشدة واللجوء الى خارج البلد طلبا للحرية وإراحة الضمير وهروبا من سلطات أمن النظام ومخابراته 

الان ، وبعد زوال الاسباب بزوال الحكم القمعي التسلطي الدكتاتوري الى غير رجعة ، أصبح المحامون أحرارا ، ينتظر منهم أن يعودوا الى مزاولة مهنتهم ، وأن ياخذوا دورهم المشرف ، في الوقوف الى جانب القوى الوطنية والجماهير الشعبية في إرساء الحكم الجديد وبناء دولة القانون تشريعا وممارسة ، وعلى إسس العدل، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، عن طريق تطبيق المبادئ الديموقراطية التي سيتضمنها دستور الحكم في العراق الحديث ، وهذه من شأنها وحدها تحقيق الحقوق المدنية ، والانسانية للفرد والمجتمع ، وفي هذه المرحلة بالذات على المحامين النهوض بواجبهم نحو الانسان العراقي، وعليهم تقع مسوؤلية الترويج لهذه الحقوق، وترسيخها، واستيعابها من قبل أبناء الشعب ، وهم أولى بغيرهم بمعرفة ما للفرد من حقوق ، وما عليه من واجبات ، وكيفية صيانتها والطريقة التي تمارس بها ، وذلك عن طريق الشرح ، والتوجيه ، ومراقبة سلامة تطبيق القوانين حيث العبرة في التطبيق الفعلي ،وغرس الوعي والثقافي القانوني بنفوس الناس ، وإعطاء المشورة القانونية ، والتوكل عنهم ، أمام القضاء عند ما تتطلب الحاجه، والأهم من كل شئ هو إعادة الثقة بين المحامي وبين الجماهير وعامة الناس ، التي قام النظام السابق بتشويهها عمدا بوسائله الخبيثة والمتنوعة . ولا بد من القول أن المهمة الملقاة على عاتق المحامين ليست بالسهلة ، ولا يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها ، ولكنها كما أتصورها تقع من صلب أعمال وواجبات المحامين ، فهي تكليف و في ذات الوقت تشريف ، لا يجوز التغاضي عنها مهما كانت الذرائع والمبررات .خاصة وأن نقابة المحامين تعد إحدى منظمات المجتمع المدني الطليعية والواعية والمؤهلة لقيادة المنظمات المدنية الاخرى. وعليه يجب على المحامي أن يثبت جدارته وأخلاصه لهذا الوطن ، عن طريق الاطلاع على كل ما فاته من علوم وتطور في مجال القوانين وعمل القضاء خلال الفترة المظلمة التي مرت على العراق خاصة ما يتعلق بالقانون العام ، كما عليه التتبع الذاتي والمستمر لما إستجد من علوم قضائية وتشريعية ليرفع من مستواه المهني في جانبيه النظري والتطبيقي ، حيث أن الحقوق المدنية والعلوم الانسانية بشكل عام هي الاخرى مستمرة التطور والتحًول على النطاقين المحلي والعالمي ، ولكي يعيد ثقة الجماهير به ويأخذ مركزه المهني والاجتماعي من جديد عليه ان ينزل الى مستوى الجماهير ، ويتولى الدفاع نيابة عنهم للمطالبة بحقوقهم المشروعة يرسخها ، يفعٌلها ، ويوطٌدها، في نفوس الناس . 

بقى شئ آخر يجب أن يتفهمه الحكم الوطني الجديد، وهو دراسة حالة المحامين كشريحة مهمة وأساسية ، عمد الحكم البائد على تهميشها و إشاعة الفرقة وفقدان الثقة بينهم وبين أبناء الشعب ، وعليه أرى وجوب إعادة هذه الثقة وتمتينها عن طريق منح الصلاحيات القانونية للمحامين في مجال تصديق، وختم المستمسكات والوثائق الشخصية وغيرها ، لتسهيل مهمة الجماهير إسوة لما هو شائع في الدول المتحضرة الان ، بدلا من كتاب العدول . ويجب أن ينص عليها قانون المحاماة الجديد ، وهذا من شأنه خلق أجواء الثقة والاحترام بين الطرفين ،إذ ليس من المعقول يطلب من المحامي الدفاع عن حرية الآخرين في الوقت الذي يكون هو في موضع الشك ومسلوب الحرية . ولا يمكن للمحامي أن ينجز مهمته بالشكل الصحيح ، ما لم يتم التعاون بينه وبين المؤسسات القضائية والمحاكم ودوائر الدولة عامة ، خاصة جهاز الشرطة و الاجهزة الامنية التي تمثل بؤر الفساد ومكان خرق الحقوق إبتداءً ، وعلى جميع جهات المجتمع المدني التعاون و التجاوب مع المحامي ، وإطلاعه على كل خرق أو تجاوز على القانون ، ليتمكن من الوصول الى الحقيقة ،وذلك خدمة لأرساء العدل والمساواة وقيم الديموقراطية ، وليكن واضحا أن تحقيق كل هذه المعطيات من شأنها توكيد الوجه الحضاري لدولةالقانون ومعيار تقدمها بين الدول . وعليه يجب أن تدرس أحوال المحامين الشخصية إسوة بشرائح الشعب الاخرى ، وتضمن لهم العيش الكريم، والعمل ، والاحترام ، وإعادة الاعتبار، عن طريق تشريع قانون محاماة جديد يضمن لهم حقوقهم ، وينسجم والتطورات العالمية في مجال القانون الدولي العام والخاص ، وكل مايتعلق بالحريات المدنية والانسانية التي تنص عليها مواثيق الامم المتحدة ، وممارسات وتجارب القضاء العراقي الغنية بالعبر والسوابق التي لا يستغنى عنها أبدا ، مع ضمان الحقوق التقاعدية المجزية للمحامين وعوائلهم . وكذلك إعادة النظر في مناهج الدراسة الجامعية والدراسات العليا ، مع إدخال فيها كل ما يتعلق بالحقوق المدنية والانسانية ، وطرق التدريس النظرية والتطبيقية ، والارتفاع بها الى مستوى التطور العالمي. 

وختاما أقول – لا حقوق بدون ديموقراطية - ولا ديموقراطية بدون قانون - ولا عبرة في القانون دون تطبيق سليم وعادل من قبل كادر قضائي كفؤ من قضاة ومحامين ومحققين، وتحت رقابة المجتمع المدني الذي يكفله القانون. 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014