• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 16 حزيران/يونيو 2013

الحداثة والهوية في التجمعات البشرية

  موسى الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ليست الحداثة التي ننشدها هدفا لذاتها ، وإنما عندما تقتنع بها التجمعات البشرية ، طائفتنا المندائية نموذجا ، فان هذا امر لابد منه ، فان هذه المجتمعات تمضي في الطريق الصحيح الذي عليها ان تسلكه لبناء نفسها ومستقبلها. والحداثة من حيث كونها إحدى الاشكاليات دائمة الجذب للمفكرين والمصلحين الاجتماعيين عبر الازمنة ، ترتبط بها إشكالية الهوية التي هي الاخرى ظلت وما تزال منذ زمن بعيد ، تحمل معها اسئلتها الخاصة التي تتعلق بالملامح والغايات والاهداف ، وكل ما يقع في السياق الاجتماعي التاريخي في مسيرة هذه التجمعات البشرية ، على اعتبار ان المتحول منها بسبب تغيرات الظروف والمستجدات في حياتها وحياة ابنائها، لاتقل مساحته عن الثابت الذي توارثته هذه التجمعات البشرية على مدى قرون طويلة من تاريخ وجودها ، فالهوية التي تدافع عنها وتقر بوجودها هذه التجمعات اينما كانت تتم مقارنتها وتاخذ شرعيتها مع اقرارها ببعض مفاهيم الحداثة ، والتي لايمكن لاي تجمع بشري ، ان يقوم بدونها ، وعلى اقل تقدير على الحد الادنى منها.

من هذا المنطلق فاننا نعترف ، بان الحديث عن الهوية المندائية ، سوف نضع انفسنا في محيط لايخلو من الالتباس ، بسبب اختلاف التعريفات التي يتناولها عادة عدد من المفكرين والباحثين، وخاصة في الجوانب الفكرية والاجتماعية والثقافية . لقد احتدم الجدل بعد تحلل احزاب ودول وانظمة ، واندفعت شعوبا وامما وطوائف وجماعات لتخوض صراعا حادا باسم الدين احيانا ، وباسم القومية او اللغة في احيان اخرى ، وفي كل الاحوال كانت الخصوصية امرا ملازما لكل الاحاديث عن الهوية ، إذ سرعان ما طفحت كيانات وكتل على السطح بعد طول كبت وشعور بالتمييز والظلم ، في مجتمعات كانت صورة الواحدية تطغي عليها . ومن هنا احتدم الجدل حول الهوية عند كل جماعة بشرية ، وارتفعت وتيرته في ظل مفاهيم العولمة ومعطياتها الاجتماعية وتاثيراتها على كل تجمع بشري اينما كان.

نحن نعلم بان الهوية هي جزء هام من فطرة الانسان ، وهو ما يدعو الى احترامها والدفاع عنها ، باعتبارها حقا من حقوق الانسان اينما وجد في المكان والزمان . لكن السؤال الهام الذي يثيره وضعنا الحالي ، هل يمكننا الحديث عن هوية ثابتة او متكاملة دون تغيير، باعتبارها عطاء سومدي غير قابل للتغيير، حتى وإن كانت لدينا عناصر ثابتة في الدين نحمل لها الاحترام والقدسية ، وندافع عن وجودها واستمرارها ، لانها تعكس ديمومتنا.

بالطبع فإن الاجابة سوف تتحدد بالنفي ، وهناك كما نرى ثلاثة مستويات لتشكيل الهوية : الفردي والجماعي، والمستوى الوطني القومي ، والهوية ، وفق هذا التصور، يتجسد في جانب منها على اساس وعي الانسان وإحساسه بذاته وإنتمائه الى جماعة بشرية قومية او دينية ، وبالتالي فانها ليست معطى نهائي ، كما يحلو للبعض من اخوتنا الحديث عنه ، وانما هي ، اي الهوية ، عمل يجب اكماله على الدوام ، وبالتالي فإن التغيير هو الذي يطبع الهوية وليس الثبات ، ومن نتائج هذا التحول يندفع الناس الى التفاعل مع بعضهم ، بحكم علاقة الانسان بالاخر، ليس الانعزال عنه ، وبهذا فان الهوية لاتتكون بمجرد النشأة والانتماء فقط ، وهما موروثان طبيعيان، بل تتكون من خلال عملية الخلق والعمل والصيرورة ، وهذه عملية ابداعية مستمرة ومفتوحة ، فالهوية على هذا الاساس لاتعد منجزا مكتملا ، وإنما هي في حالة من التطور والتغيير المستمرين.

وهويتنا المندائية في هذه الحالة ، هي في حالة تمثل وتعلم ، واحتدام واحتواء ، في حالة حوار دائم ، تدفعنا الى فضاء الانسان بوصفه انسانا، وتدفع الذات الى ابتكار اشكال جديدة لفهم الاخر، وبهذا فهي ليست معطى جاهز ونهائي، وانما تحمل عناصر بعضها متحركة ومتحولة على الصعيدين الفردي والعام ، وهو ما يجب إكماله واستكماله دائما في إطار منفتح بقبول التفاعل مع الاخر.

الشعور بالهوية على الاسس التي ذكرناها يجعلنا ندرك ، باننا ضد الافكار اليقينية الثابة التي لاتعرف التحرك والتغيير ، ونقف بالضد من الفكر الامحائي الذي لايؤمن بالاخر، ولايؤمن بالفروقات داخل المجتمع الواحد ، وضد وضع التعددية الذي تعيشه هذه الجماعة البشرية او تلك ، وايضا ضد إقصاء الخصوصيات ، ولهذا نرى عن كثب بان جدل الهويات داخل مجتمعنا العراقي يكشف وبوضوح اختيار الصراع بدل التعايش ، والصدام بدل الحلول الانسانية ، وبقدر ما يحمل هذا الواقع من ضرر كبير على المكونات الرئيسية داخل المجتمع فانه يحمل ضررا على الهويات الصغيرة ، وهذه الاخيرة إن لم يتم احترامها وتأمين حقوقها المساوية لحقوق تلك التي تسمى بالهويات الكبرى ، ستكون عنصر ضعف كبير تزدا خطورته على الهوية العامة للمجتمع. فالطريق الصحيح هو اتباع طريق المعرفة ، واشراك الناس جميعهم في المسؤولية.

الا ان العديد من الهويات الكبرى ، تشكو للاسف ظاهرة غياب المعرفة ، اذ لازالت الهويات الصغرى في واقعنا تشكو عدم الاهتمام بالتنوع الثقافي والديني ، وعدم الاعتراف بكياناتها، وايضا الجهل الواضح بمسالة التعددية ، وعدم الاعتراف بها والتقليل من شأنها.

غايتنا كمؤسسة مدنية حقوقية تتمثل باتحاد الجمعيات المندائية في المهجر، إعادة اللحمة المندائية ، والوحدة الجامعة والهوية المشتركة بتعزيز انتماءاتنا ، فمثل هذا الانتماء هو الجوهر في نهجنا وتوجهنا ، وعلينا ان نعترف بضرورة ما ينمو ويتطور ويتغيير حولنا ، بدون اقصاء رأي الاخر الذي بيننا ، لاننا نخشى انهيار هويتنا. نتعامل من واقع الاعتراف بالاخر، باعتبار هذا الاعتراف حتى بهويته الثقافية ، نمو وتطور، لان ثمة عوامل مشتركة ذات بعد انساني ، تتمثل بقيم التعايش والتفاعل بين جميع المكونات المندائية التي تسير على حافات الخطر في هذا الزمن الحرج.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014