• Default
  • Title
  • Date
السبت, 06 تموز/يوليو 2013

المعراج والرمز المندائي .. الجزء الثاني

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 

كان من الممكن ملاحظة ذلك التاثير في الكتابات الفرعونية القديمة ، كما جاء في الملحمة الاسطورية الاوزيرية التي تعتبر من اهم مصادر الميثولوجيا المصرية ، تقول ملخص الاسطورة ( ان لدى عودة اوزيرس الى مصر الذي كان في احد غزواته ، دبر له اخاه سيت مكيدة للاستلاء على عرشه وعلى زوجته فوضعه في صندوق واطبق علية حتى مات وامر بتقطيعه الى اربع عشرة قطعة ووزعها في جميع انحاء الدلتا المصرية ، الا ان زوجته ايزيس جمعت اجزائه من جديد ، واخذت تندب وتنوح حتى وصل نواحها عنان السماء فاشفق عليها رع كبيرالالهة فجمع اوصاله ولفها في قطعة بيضاء من الكتان ثم اشرف على طقوس التحنيط ، والتي مارسها المصريون على موتاهم فيما بعد ، ثم طارت ايزيس زوجته باجنحتها الفضية فوق الجثة وراحت ترف عليها حتى عادت الروح الى اوزيريس ، لكنه كما تقول الاسطورة ترك العالم وتوجه للسكن في العالم الاسفل حيث صار ربا للابدية وحاكما على الموتى ) .

ففي اسطورة صعود ( رع ) الفرعوني الى السماء تقول الاسطورة ، لقد جمع رع مجلس الالهة واعلن امامهم انه اضحى عجوزا ، ولذلك عزم على ان يحلق الى السموات ، فتحولت الالهة السماوية نوت الى بقرة ، جلس رع على ظهرها بعد ان اعطى الصولجان الملكي الى الاله غب ، ثم انطلق الى الاعالي فوق ظهر البقرة السماوية ، واعلن رع انه اذ يغادر هذا العالم الارضي ، يوصي كل من يرى وجهه بضرورة ان يحذو حذوه ، واعد لهذا الغرض مكانا يمكن ا ن ياتي جميعهم اليه ، فقد خلق ( حقل العالم ) وغدا جزؤه المركزي ( حقل القصب ) الذي يحيط ( بالنيل السماوي ) ، تبعا لارادة رع التالية ، ظهرت في ( حقول الاليزيه ) المصرية نجوم كانت بمثابة الزهور السماوية ، وفي النهار كان رع ينتقل عبر السماء في قارب الشمس متخذا صورة صقر ، وترافقه في رحلته من الشرق الى الغرب حاشيته ، وبعد ذلك استدعى رع الاله توت ، ومضى معه الى مكان ناء يدعى ( دوات ) ( الحضيض ) ، ولما وصلا الى هناك امر رع توت كاتب الحقيقة ، ان يدون في الواحة اسماء كل الموجودين هناك ، وانزل عقابه بكل من ارتكب اثمأ ضده ، واقام رع توت ممثلا له بعد ان منحه القدرة على احتواء السماء ، وهكذا تنازل رع عن العرش ، اي جعله سيد اله القمر ، وترك الاله توت مكانه . وتعيد هذه الاسطورة التي ساقها بلوتارخ زمن وضع التقويم السنوي الى تلك الحقبة

الزمنية .

كذلك نجد في الاسطورة السومرية المشهورة – اسطورة الفردوس المفقودة – نفس الدلالة وهي تصف دلمون ارض المعاد ( كانت دلمون جزيرة تقع عند ملتقى النهرين في منطقة القرنة من جنوبي العراق حسب ما وصفته الاساطير السومرية الاولى وهي تختلف عن دلمون في العصور التاريخية اللاحقة التي لعبت دورا اقتصاديا في منطقة الخليج وجنوبي الرافدين) وهي جزيرة تتمتع بقدسية خاصة ، وفيها اّّلهة عبدها اهل العراق القدماء ، وقد وصفت ( ارض الخلود او الجنة الموعودة التي لا يوجد فيها مرض او موت او حزن ..) كما جاء في النص الذي نشر لاول مرة في عام 1915م ، وترجمه فيما بعد عالم السومريات Kramer والمؤلف من 278 شطرأ والذي يحمل عنوان اَنكي وننخرساك يقول النص : } مقدسة هي المدينة التي منحت لكم ، ومقدس بلد دلمون النقي مقدس سومر ...، ومقدس بلد دلمون ، بلد دلمون نقي ، بلد دلمون مغمور بالنور ، متميز بالاشعاع ، يوم أقيم الاول في دلمون ، حيث استقر اًَّنكي مع زوجته ، اصبح المكان هذا نقياًَ ومشعاًَ بالنور ، الغراب لا يصيح في دلمون ، والحجل لا توصوص والاسود لا تقتق احدا ، والذئب لا يلتهم الحمل الوديع ، لم يكن الكلب يتقن اخضاع الغزلان ، ولم يكن الخنزير البري يأكل الحبوب ، لم تكن طيور السماء تأتي لتنقر شعير الأرملة وهو يجف على السطح ، ولم تكن الحمامة تحني رأسها ، ولم يكن مريض العينين يشكو من مرض عينيه ، ولا مريض الرأس كان يشكو من مرض رأسه ، لم تكن أي امرأة عجوز تقول ( انني عجوز ) {.

كذلك يمكننا ملاحظة جملة من الملاحم البطولية الاسطورية قد وردت ضمن التراث الاسلامي ، والتي ورثها من ادب الشرق القديم ، بعتبارها جزءا من اساطير الاولين .

ان مؤثرات المعراج واضحة جدا ولم تقتصر على الاداب التركية والفارسية والاوربية ، بل تعدت ذلك الى اشكال التعبير الاخرى كالخط والرسم ، ولهذه المسالة دلالة على اهمية هذا الاثر لا من الناحية الدينية والروحية فحسب ، بل من الناحية الجمالية والفنية ايضا لذا فان ولادة الاداب الاوربية كولادة فنون عصر النهضة ، وحركات الاكتشاف الجغرافي والعلمي والفلسفي لا يمكن ان نفهم فهما كاملا ، ان هي عزلت عن مؤثراتها من الحضارة الشرقية الصاعدة ، وان حركة بحث منظم في الاداب يقود الى ما فادت اليه حركة البحث المنظم في الفلسفة والعلوم ، وهي ان فنون اوربا وادابها في عصر النهضة والتكوين تنفست الحياة في رحم الانجازات الفنية والادبية والحضارية في المناطق الشرقية السابقة اللامعة . ان من نتاج الادب الاوربي العظيم كانت الكوميديا الالهية وهي ملحمة شعرية قصصية لمؤلفها دانتي اليجيري ( 1321- 1265 ) وهو من اعظم شعراء ايطاليا ، في عصر النهضة الاوربية ، كما قال عنه ت.س. اليوت ( دانتي وشكسبير اقتسما العالم بينهما ، ولا ثالث لهما ) ، ويقول عنه ايضا دوروتي سايرز ( دانتي هو اعظم شعراء ايطاليا وكوميدياه الالهية هي اعظم اثار العالم المسيحي ) ويعود تاريخ كتابتها الى مطلع القرن الرابع الميلادي ، وتعتبر الكوميديا الالهية قصة رمزية ، لخبرة دانتي الروحية ، ومساره من عالم المادة الى عالم الروح ، وعروجه من الجحيم الى النعيم مرورا بالمطهر ، حيث تتطهر الارواح من ادرانها وذنوبها وتستحق الانتقال الى النعمة الالهية اي الفردوس ، وتعتبر هذه الملحمة منعطفا مهما في نشاة الاداب الاوربية ، لم تكن لتشذ عن عملية التمازج الثقافي هذه ، بل ان نشاتها لتتصل اتصالا مباشرا بمؤثرات المعراج وتصوراته الفكرية والغيبية وبنيته الفنية . وتتالف هذه الملحمة الشعرية من ثلاث اقسام الاول : الجحيم ، والثاني : المطهر ، والثالث : الفردوس ، وهي من ملاحم الرحلات في العالم الاخر كالمعراج ، ولا تختلف كثيرا عن الفردوس المفقود لملتون ، ورسالة الغفران للشاعر الفيلسوف ابي العلاء المعري .

يتبع لطفاًَ .

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014