• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 12 تموز/يوليو 2013

درفش وأربع نخـــلات

  دكتور قيس مغشغش السعدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 

درفش وأربع نخـــلات   

الدرفش/ الدرفس/ درابشا، الراية المندائية التي صارت معروفة بين المندائيين وغدت رمزا لهم وشعارا، قيمتها الروحانية والطقسية كبيرة، وهو ليس مدخلنا هنا. إن مدخلنا هو رمزيتا واعتماده شعارا. فمع قدم هذا الرمز كما ورد رسما في الدواوين المندائية وعملية نصبه المرافقة لبعض طقوس الدينية كما في التعميد بأيام الأعياد وفي مراسم الدفن وبخاصة لرجال الدين فإن رسمه واعتماده رمزا مدنيا إلا أنه لم يكن معتمدا بين المندائيين كشعار إلى وقت قريب نسبيا. ربما أول إعتماد له كان في ورق المخاطبات الرسمية للمجلس الروحاني في بداية عام 1980. وأعتقد أن هذا الرمز صار معتمدا بشكل أكبر بعد أن أصدر المرحوم عبد الفتاح الزهيري كتابه الموجز في تأريخ الصابئة المندائيين عام 1983 حيث برز في تصميم الغلاف الخارجي. ولجمالية الشكل والرسم، أقدم بعض الحرفيين من الصاغة على صنع قالب له وأنتج بشكل واسع من الذهب والفضة ، وتلقفه المندائيون باعتزاز ومحبة وشعور بالخصوصية والتميز قياسا بما عرف في القرآن شعارا للمسلمين، والصليب شعارا للمسيحيين. هكذا صار الدرفش شعارا ورمزا للمندائيين. ومع كثرة الرسومات لهذا الشعار فقد إستقر الرسم الذي قام به الفنان المندائي تحسين مهدي في بداية التسعينات وصار مشهورا ومعتمدا في الورق الرسمي والمواقع المندائية، كما شجع العديد من الفنانين المندائيين الآخرين لوضع تصاميم متعددة لهذا الشعار ونحته.

في أول مهرجان لتعميد الطفل المندائي الذي أقيم في العام 1993 قدّم المجلس الروحاني هدية لكل طفل متعمد هي عبارة عن درفش من الفضة، ربما بعضهم مايزال يحتفظ به. وكثيرا ما أثار هذا الرمز أسئلة الآخرين حين يرون من يلبسه قلادة في صدره عن معناه وعن خصوصيته ولمن يعود. فإن أراد المندائيون أن يبرزوا مندائيتهم لجأوا إلى لبسه قلادة ورفعه علما ورسمه على شال. وكثيرا ما أنقذ مواقف خطيرة، فقد أخبرني أحدهم انه كاد يتعرض للإخطاف من مجموعة طائفية متطرفة دينيا في العراق ظنا منهم أنه سني المذهب وأنقذه الدرفش الذي كان يلبسه قلادة في صدره تأكيدا لمندائيته بعد أن كشف عن ذلك للخاطفين. وقد كلفت مرة بإيصال إحدى القادمات إلى ألمانيا إلى مركز تلسيم اللاجئين ومع كل التطمينات التي شرحتها لها لكنها ظلت خائفة في دخول المجهول. وذكرت لي أنها، وهي تلفها الحيرة في من تسأل وكيف تسأل بعد أن دخلت المكان، سمعت أسرة تتكلم اللهجة العراقية فهمّت أن تسألهم وهي خائفة، وإذا بطفلهم الجميل البالغ من العمر ثمان سنوات يسألها" خالة إنتِ مندايي؟" تملكها الفرح والنشوة وهي تجيب بكل ثقة: نعم. كان الطفل قد عرفها من الدرفش المعلق قلادة في صدرها. ومثل هذه الأحداث كثيرة في ذاكرة العديد من المندائيين.

في زيارة لي إلى مدينة "أليكانتا" الأسبانية الأسبوع الماضي لفت إنتباهي وأسرتي وأسرة ابن خالي ماجد ناصر عايش ونحن نمر مسرعين في السيارة على مقبرة المدينة أن نحتا للدرفش موجود في المقبرة! وحيث كان الطريق خارجيا، لم نتمكن من الوقوف للتفحص والتوثق. وظل الأمر مثار نقاشنا بين مؤكد وبين مشبّه. طبعا كنت أنا من المشبهين للأمر لعلمي أن ليس لنا مندائيين غير حوالي ثلاثة أسر في أسبانيا، لكن تأكيدات الآخرين أصرت بأنه درفش. في اليوم التالي جعلنا طريقنا على المقبرة وقد وقفنا بحيث نشاهد عن بعد فقد كانت المقبرة مغلقة. كان نحتا لصليب لف عليه شال بطريقة لف الدرفش. وظل الأمر يشغلنا جميعا، وحرصنا في يوم آخرعلى الوصول إلى المقبرة. دخلناها وسألنا العاملين فيها عن الرمز فكان هنالك في الداخل أكثر من واحد متشابه. وكان القبر الذي يحمله لعائلة مسيحية كاثوليكية حيث تحرص كل أسرة على أن يكون لها مبنى بمساحة حوالي 20 مترا مربعا يكفي أن يكون الدفن فيه بطابقين ولستة قبور، وفي الأعلى يوجد الصليب كما يوجد الصليب الذي لف عليه الشال بما يشبه الدرفش، ولم نحصل على تفسير لذلك لعدم وجود لغة مشتركة غير كلمات إنكليزية محدودة. وتيقنا أ القبر لا يعود لمندائي وليس هنالك من معرفة بالمندائية، ويمكن أن يبقى الأمر مثار تساؤل عن من يضع الشال على الصليب من المسيحيين؟

ما يهم هنا هو أن الدرفش صار رمز المندائية وصار المعبّر عن محبتها والإعلان عنها شعارا، يلبس قلادة على الصدر محبة وهوية، ويوضع في المخاطبات علامة وخصوصية، ويكون على القبور شاهدا المندائية. وبعد هذه الزيارة صرت أشرح لمن معي معنى الدرابشا وصلواته ونصبه وعلامته وما يثيره من إعتزاز. فمرحى للمندائيين وهم يلبسون الدرابشا قلادة في أعناقهم وشعارا على صدورهم وشاهدا على قبور المتوفين منهم.

كما جلب إنتباهي في السفرة رمزا آخر هو النخلة. فمعروف لدينا أن النخلة يمكن أن تخرج منها فسائلا في أسفلها تقلع في الغالب وتزرع في أماكن أخرى وتكون مشابهة لفصيلة الأم. وقد تخرج هذه الفسائل من رأس النخلة حتى وإن كانت مرتفعة وقد تحمل أيضا، وهكذا شبهنا آفاق مندائية يوما أنها فسيلة نمت من رأس نخلتنا. ما جلب إنتباهنا أننا رأينا أن أربع أو خمس نخلات كاملات قائمات على جذع أساسي واحد ثم تكاملت وإمتدت جذوعهن منفصلة بطول قد يبغ خمسة أمتار. وكانت الظاهرة مما يستحق التوثيق لقدرة النخلة وتميزها فوثقناها.

أرفق لكم صورا للصليب الملفوف بالشال والذي يشابه الدرفش، وصورا لمزهرية النخلات.

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014