بعد سماع نداءآت العقيد عبد السلام عارف من دار الاذاعة صباح يوم الاثنين المصادف 14 تموز عام 1958 الى الشعب للخروج الى الشوارع لدعم ومساندة الثورة و لترى ( جثتْ عبد الاله ، ان ابناء الشعب يجرون هذه الجثث الى الشارع جر الكلاب) انطلقت الجماهير في كل مكان من مدن العراق الى الشوارع تهتف للثورة ، وفي بغداد خرجت الجماهير على بكرة ابيها مستبشرة فرحة بالثورة التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر واللهفة طوال تلك السنين الدامية ، وهم يذوقون مر العذاب من ظلم الحكام وبطشهم وتعسفهم حتى لآخر يوم من بقاء هذا النظام الفاسد، انطلقت الجماهير وهي مهيئة للدفاع عن الثورة ، ومساندتها بكل السبل الممكنة التي توفرت لديها من التجارب مع النظام التي كانت تختزنها من ممارسات نضالية سابقة كانت قد خاضتها مع الحكومة العميلة ، وأريقت في سبيل حريتها واستقلالها دماء غزيرة طاهره زكية وشهداء من خيرة ابناء الشعب العراقي ، وكما يعلق المؤرخ والباحث الموسوعي ( حنا بطاطو) عن حق ، لقد عرقلت هذه التظاهرات الجماهيرية أية اعمال مضادة معادية ممكنة بسدها الشوارع و الجسور، لافي بغداد فحسب بل في مدن اخرى أيضاً ، والاهم من هذا هو أنه كان للجماهير المتظاهرة و بفضل عنفها الثوري ، تأثير نفسي هائل على مناهض الثورة ، أذ زرعت الخوف و الرعب في قلوب مؤيدي الملكية، واسهمت في تقويض حراكهم و شل إرادتهم ، واعطت الى الثورة ورجالها طابع النصر المحقق الذي لا سبيل الى مقاومته ، وهو ما شكل الحصن الحصين لها ) والحقيقة اني شاهدت بأم عينيي هذا اليوم التاريخي االذي زلزل الارض تحت اقدام حكام الطغيان المتمثل باقطاب الطاغوث الثلاثي ، بعبد الاله و الملك ونوري السعيد عدو الشعب ومنفذ سياسة الاستعمار في العراق ، لقد دخل يوم 14 تموز موسوعة تاريخ العراق السياسي الحديث ووثق في سجل الثورات الشعبية الوطنية في العالم ، أي يوم الثورة الذي تكلل بالنجاح السريع المؤزر، والايام التي تلته من اجراءآت متجلية ثورية وطنية كان النظام الملكي العميل قد حرم الشعب العراقي من أدنى ممارسة لها!! كنا، أنا و اخي الرئيس الركن عربي فرحان حينذاك نسكن في الاعظمية ، محلة النصة ، و حين سماعنا قيام الثورة من الراديو صباحاً ، ارتدى اخي ملابسه العسكرية وذهب الى وزارة الدفاع ، حيث نسب ضابط ركن لواء البصرة ومسؤول أستخباراتها العسكرية وطلب منه السفر الى البصرة ، اما انا و الجماهير الغفيرة فقد سرنا مشياً على الاقدام الى ساحة عنتر، التي تغص بالجماهير و التجمعات المتلاحمة الفرحة كسيل جارف قد تجاوز على مساحات الطرق، والكل تتوقَ بلهفة و تسأل دون خوف ، وتجاهر بألحاح تبغي معرفة اسماء قادة الثورة الميامين ، و مصير العائلة المالكة و جلاوزة النظام الملكي ، وعند مرورنا من امام البلاط الملكي المقابل لملعب الكشافة، شاهدنا قطعات من الجيش الثائر تتقاطر تأخذ مواقعها فيه و تحكم سيطرتها عليه و تتجحفل في وسط حدائقه بالدروع ، ثم انتشر الجنود يطوقون البلاط الملكي من كل جوانبه، والمسيرة الجماهيرية تهتف بحياة الجيش العراقي والتهاني لاتنقطع بينهم ، اوصلنا الباص الى ساحة باب المعظم ، ولم يستطع الباص دخول شارع الرشيد لإمتلاءه بالجماهير الهائجة وهي في غمرة الفرح و الحماسة والغليان العاطفي، تحييَ و تهتف للثورة المباركة وتندد بالاستعمار و اذنابه، و كأن طوفان قد أغرق الشارع بجماجم من البشر، ولم يكن غريبا ان ينفجر حقد هذه الجماهير الذي تراكم طوال كل تلك السنيين المريرة و المعانات الرهيبة من اعدامات و اعتقالات و سجون، و رمي الوطنيين الاحرار خارج الحدود ، و اسقاط الجنسيه عن المواطنين العراقيين ، والسماح للانكليز بنهب وسلب خيرات البلد، و تجويع الشعب و أضطهاده ، لذلك انطلق الشعب يعبر عن فرحته الغامرة بالثورة و الخلاص من تعسف النظام الملكي العميل، والسخط على الحكام السابقين الذين أهانوا كرامته وصادروا حريته ، هناك من المتظاهرين من يحمل صورة جمال عبد الناصر ويهتف بحياته و يحيي الوحدة العربية، وهناك من الجماهير من يهتف للحزب الشيوعي العراقي و يؤكد شعاراته التي صدرت في توجيه النشرة الحزبية التي عممها على منتسبيه قبل تنفيذ الثورة بيومين أي في 12/ 7/1958 تموز، وفي صباح الاثنين يوم الثورة قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ارسال برقية تهنئة الى قيادة الثورة بتوقيع سكرتير الحزب ، سلام عادل ، فقرر سلام عادل ان يذهب بنفسه الى بريد الاعظمية يرافقه الكادر الحزبي ، دلي مريوش، لإرسال البرقية الى عبد الكريم قاسم ، تدشيناً لمرحلة جديدة من حياة الحزب العلنية ،، فوجأ موظف البريد الذي استلم البرقية بتوقيع( سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي) أستغرب هذا الموظف نهض ، وراح ينظر حوله ويتطلع اليه باندهاش ثم ذهب ليعلم بقية الموظفين الذين معه بذلك وهو لا يخفي أعجابه و فرحه، وتعالى هتاف الموظفين بحياة الحزب الشيوعي ، وقد جاء في البرقية ما يلي:-
مجلس السياده للجمهورية العراقية
رئيس مجلس الوزراء السيد عبد الكريم قاسم
نهنئكم من صميم قلوبنا على خطواتكم المباركة التي و ضعت نهاية حاسمة لعهد طويل من المآسي و المحن التي قاسى منها الشعب المجاهد النبيل على يد الاستعمار و اعوانه ، إننا نعبر عن تفاؤلنا بان هذه الخطوة الحاسمة ستكون فاتحة عهد جديد ، عهد حرية و تطور عراقنا الحبيب ، وتبوأ شعبنا البطل مركزه في الموكب الظافر، موكب العروبة المتحررة الناهضه المحبة للسلام ، وموكب الانسانية العاملة من اجل تحريرها و الى الأبد من أنياب الاضطهاد و الاستعمار، إن شعبنا العراقي بعربه و اكراده سيسجل لكم بفخر جرأتكم وتفانيكم من اجل تحقيق اهدافه الوطنية الكبرى ، وهو يحمي ويصون بدمائه الغالية جمهوريته الوطنية الفتية ، وانه لعلى ثقة كبرى من قدرته على القيام بهذا الواجب المقدس ، ومن مساندة القوى التحررية العربية في جميع ديارهم وعلى رأسها الجمهورية العربية المتحدة ، ومن قوى الحرية و السلام في جميع أنحاء العالم و على رأسها الاتحاد السوفيتي ، أن اللجنة المركزية لحزبنا السيوعي العراقي تضع قوى الحزب الى جانب مؤازرتكم و الدفاع عن جمهوريتنا البطلة . التوقيع ، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في يوم 14تموز 1958، أتجهنا الى جانب الكرخ عبر الجسر القديم ( الشهداء) بعد ان أشيع بان الوصي عبد الاله بعد ان قتل في قصر الرحاب ، ( سنتطرق في الجزء القادم عن تفاصيل مقتل العائله المالكة) تلقفته الجماهيرالثائرة من السيارة العسكرية المعدة لنقله الى المقبرة الملكية في الاعظمية ، سحلته في الشوارع ومن ثم علق من على ( بالكون) من فندق قريب من الجسر القديم في جانب الكرخ ، وأمام باب السفارة البريطانية يربض تمثال الجنرال ( ستانلي مود) رمز العبودية و الاستعمار، احتل الجنرال مود بغداد عام 1917 بعد هزيمة الجيش العثماني، بدءا ضرب بالاحذية و الحجارة و المطارق لإسقاطه من قبل الجماهير الغاضبة ، وفي غضون هذا الغليان و الحراك ، صعد احد المواطنيين و ربط عنق التمثال بحبل من طرف ثم ربط الطرف الثاني بمؤخرة سيارته، وما ان تهاوى التمثال، حتى تعالت زغردة النسوة و عمت الفرحة ثم هوت عليه المطارق و الفؤوس و قطعت راسه وسحل في شوارع بغداد ، وفي داخل السفارة شب حريق ، قيل ان احد موظفيها جمع أضابير وسجلات وتقارير ورسائل جواسيسها وعملائها ، وقام بحرقها كي لا تقع بيد حكومة الثورة ، بعدها توجهت الجماهير الى تمثال الملك فيصل الاول الذي حكم العراق من عام (1921 – 1933) في الصالحية انزلته ومن ثم قطعته الى أجزاء ، استمر التلفزيون باذاعة رسائل التاييد من الاحزاب الوطنية ومن كبار ضباط الجيش للثورة ، وراحت الاذاعة تحذو حذو التلفزيون باذاعة الاناشيد الوطنية و التصريحات و البيانات والاعلان عن تشكيل حكومة الثورة وقد تألفت من :-
1- مجلس قيادة الثورة وهم نجيب الربيعي ، محمد مهدي كبة ، خالد النقشبندي.
2-أعضاء الوزارة الاولى لثورة 14تموز- الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيسا للوزراء وو كيلا لوزير الدفاع ، العقيد الركن عبد السلام عارف نائبا لرئيس الوزراء ووكيلا لوزير الداخلية ، العقيد الركن ناجي طالب وزيرا للشؤون الاجتماعية ، الدكتور عبد الجبار الجومرد وزيرا للخارجية ويمثل الجبهة الشعبية ، محمد صديق شنشل وزيرا للارشاد و يمثل حزب الاستقلال ، محمد حديد وزيرا للمالية ويمثل الوطني الديمقراطي ، فؤاد الركابي وزيرا للاعمار يمثل حزب البعث ، الدكتور جابر عمر وزيرا للمعارف يمثل القوميين ، ابراهيم كبه وزيرا للاصلاح الزراعي وهو من اليسار، هديب الحاج حمود وزيرا للزراعة يمثل الحزب الوطني الديمقراطي ، الدكتور محمد صالح محمود وزيرا للصحة مستقل من الاقلية التركمانية ، مصطفى علي وزيرا للعدلية كردي الاصل وقد عمل في حكومة بكر صدقي عام 1936
وهو من اصدقاء الزعيم عبد الكريم قاسم،،،،(من يكافح ليجعل وطنه افضل ، يحب وطنه افضل من سواه) روبرت انغرسون .
يتبع ...
المصدر:-
1-نزارخالد - سيرة مناضل ص 224
2-عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ص 220
3 - حنا بطاطو - العراق ص 110
__._,_.___